مصر أولى بسورية من الجميع / د . محمد سيد احمد
د . محمد سيد احمد ( مصر ) الأربعاء 26/10/2016 م …
العلاقات المصرية السورية علاقات بعيدة تمتد جذورها الى أعماق التاريخ, فسورية كانت ومازالت وستظل هى العمق الاستراتيجى للأمن القومى المصري, فمن هناك دائما ما يأتى الأمن والاستقرار أو التهديد والأخطار, وما من حاكم مصرى واعي إلا وأدرك هذه الأهمية القصوى لسورية, فكل الغزوات التى جاءت على مصر بدأت من هناك, وكل هزيمة نالتها مصر فى تاريخها أو احتلال لمعتدى كان يبدأ بسورية ويثني بمصر, وما من نصر تحقق فى معركة إلا وكانت سورية شريكة فى الحرب والنصر.
لذلك حين جاء الزعيم جمال عبد الناصر كان قارئ جيد للتاريخ وأستاذ فى الاستراتيجية فأدرك بوعي كبير أن الأمن القومى المصري لا يبدأ من الحدود المصطنعة التى وضعها المحتل, لذلك حين كان يتحدث عن الأمن القومى المصري ينظر بعيدا, حيث حدده فى ثلاثة دوائر رئيسية الأولى هى الدائرة العربية والثانية هى الدائرة الاسلامية والثالثة هى الدائرة الأفريقية, وبالطبع تأتى سورية فى نطاق الدائرة الأولى التى لها أولوية قصوى لتأمين حدودك, لذلك كان السعي لعقد وحدة عربية تكون نواتها الرئيسية هى مصر وسورية, وكان إنجاز الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالى والجنوبي وجيشها الموحد الأول فى الإقليم الشمالى والثانى والثالث فى الإقليم الجنوبي هو نتاج طبيعي لوحدة المصير.
وبالطبع كانت الوحدة مشروعا ضد مشروع التجزئة والتفتيت الذى قامت به قوى الاحتلال لذلك سعى المحتل الى إفشال المشروع الوحدوى العربي بكل الطرق والسبل المتاحة سواء بالتدخل المباشر أو عبر الوكلاء الإقليميين والمحليين, وقد نجحت مساعى المحتل مؤقتا فى تحقيق الانفصال بين مصر وسورية, لكن رغم ذلك ظل جمال عبد الناصر متمسكا بحلمه فظل مسمي الجمهورية العربية المتحدة وعلمها ذو النجمتين قائما حتى وفاته, وظل مسمي جيشها الأول والثانى والثالث باق حتى اللحظة الراهنة وهو دليل آخر على وحدة المصير.
وبوفاة جمال عبد الناصر بدأت القوى التفتيتية والتجزيئية تفعل فعلها فعلى الرغم من خوضنا آخر الحروب سويا وهى حرب أكتوبر 1973 ( تشرين التحريرية ) إلا أن المسار السياسي لمصر أختلف عن المسار السياسي لسورية, فقد سارت مصر فى طريق التفتيت والتجزئة واعتبار أن الأمن القومي المصري يبدأ من الحدود القطرية التى رسمها المحتل, فى حين ظلت سورية وكما أطلق عليها الزعيم جمال عبد الناصر هى قلب العروبة النابض, وهى الحجرة العثرة فى تحقيق أحلام المحتل فى مزيد من التفتيت والتقسيم والتجزئة, وظل المشروع الوحدوى العربي هو مشروعها الذى تحافظ عليه وتسعي لتحقيقه.
وفى ظل صمود سورية جاءت رياح الربيع العربي المزعوم والذى تأكد بما لا يدع مجال للشك أنه مؤامرة كبرى على أمتنا العربية وأنه ربيع عبرى بامتياز, ونجحت مصر بفضل شعبها وجيشها من الافلات من المؤامرة بسرعة وإن كانت المعركة مستمرة حتى اللحظة ولم ولن تتوقف, وبما أن المسار والمصير المصري والسورى واحد فقد اتجهت كل سهام الغدر الى سورية, حيث شهدت عبر الخمس سنوات ونيف الماضية حرب كونية غير مسبوقة فى التاريخ شاركت فيها حتى الآن 93 دولة, وكالعادة صمدت سورية صمودا أسطوريا وتمكنت بفضل شعبها وجيشها من إجهاض المؤامرة, وحاولت القوى المعتدية على سورية والأمة العربية سواء كانت القوى الأصيلة ممثلة فى الأمريكان والصهاينة وحلفائهم الغربيين, أو القوى التى تعمل بالوكالة ممثلة فى السعودية وقطر وتركيا, أو الأدوات التنفيذية ممثلة فى الجماعات التكفيرية الإرهابية, فى عزل مصر بعيدا عن سورية حتى تتمكن من آكلها وهضمها.
لكن هيهات أن تتحقق أمانيهم فعلى الرغم مما بدى ظاهريا من تراجع دعم مصر لسورية فى مواجهة المؤامرة الكونية عليها, إلا أن ذلك كان من باب المناورة السياسية, وكانت العلاقات والتنسيق مستمر طوال الوقت وعلى أعلى المستويات, وقد سألت الرئيس الأسد شخصيا فى ذلك فى نهاية العام 2013 وأكد أن قنوات الاتصال موجودة ولم ولن تنقطع يوما, وتركت مصر الرسمية العلاقة المعلنة المدافعة عن سورية للمجموعة الناصرية والقومية التى تصدرت المشهد الإعلامى منذ بداية الأزمة وحتى اللحظة لتشارك فى الحرب بجوار سورية تأكيدا على المصير المشترك, وفى الوقت المناسب ظهر الموقف المصري الرسمي الذى يؤكد على وعى كبير بأهمية سورية بالنسبة لمصر, وبأنها العمق الاستراتيجي للأمن القومى المصري, وأن أي خطر على سورية هو خطر داهم على مصر, فالعدو واحد والمصير مشترك, لذلك لابد أن يدرك كل من فى رأسه عقل أن مصر أولى بسورية من الجميع, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
التعليقات مغلقة.