لن يُحارب العراقيون بعد اليوم “طواحين الهواء”!

 

الأربعاء 26/10/2016 م …

الأردن العربي …

قبل ايام أجرت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) لقاء مطولا مع رئيس التحالف الوطني العراقي السيد عمار الحكيم، تطرق فيه الى معركة تحرير الموصل، والموقف التركي ازاء ما يجري في العراق، وكذلك العلاقة بين مكونات الشعب العراقي.

من بين جميع القضايا التي تطرق اليها السيد الحكيم في ذلك اللقاء سنتوقف قليلا امام تصريحه اللافت حول العلاقة بين شيعة وسنة العراق، وخاصة عند قوله: ان “العلاقة بين السنة والشيعة في العراق تقترب من مرحلة النضج، وتسير في بدايات الطريق الصحيح، وكل الأطراف بدأت تتخلى عن أوهامها وتحجم مخاوفها، وهذه مرحلة متطورة جدا وسنبني عليها”.

كلام السيد الحكيم يؤكد ان هناك اوهاما كانت تساور الشيعة والسنة ازاء بعضهما البعض، وكانت هذه الأوهام احدى الأسباب التي أدت الى ايجاد الحالة الأمنية المزرية التي يعشيها العراق منذ اكثر من عقد، ولن تزول هذه الحالة الا بزوال هذه الأوهام، واعتماد نظرة واقعية الى العلاقة التي تربط بين المكونين الرئيسيين في العراق.

من الواضح ان الأوهام لن تجد طريقها الى عقول الناس عبر الفراغ، بل ان هناك قنوات تدفع بهذه الأوهام دفعا لتندس في عقول الناس، وتجعلهم يرون الواقع والعلاقة مع الاخر، بالشكل الذي يتناقض كليا مع حقيقة هذا الواقع وحقيقة هذه العلاقة على الأرض، فبذلك تتفجر الحالة العراقية عن ممارسات دموية لا يمكن فهمها او تبريرها منطقيا.

قبل ان نتطرق الى اهم العناصر التي تغذي حالة الوهم لدى العراقيين، سنمر سريعا على اخطر هذه الاوهام التي نغصت على العراقيين حياتهم، وهي:

– وهم امكانية القضاء على مكون عراقي وافراغ العراق منه.

– وهم امكانية حكم العراق من قبل مكون واحد وبقوة السلاح.

– وهم ان العراق كان منذ البداية يحكمه السنة، ويجب ان يبقى يحكمه السنة الى الابد.

– وهم ان العراق يفقد عروبته بمجرد ان يحكمه، او يشارك في حكمه، مكون اخر غير المكون السني.

– وهم ان شيعة العراق، ليسوا عراقيين ومطعون في وطنيتهم.

– وهم ان بامكان البعض ان يعيد عقارب الساعة الى ما قبل عام 2003.

– وهم عودة البعث الصدامي الى حكم العراق مرة اخرى.

– وهم ان كل سنة العراق اما وهابية واما صدامية.

– وهم ان العراقي يمكن ان ينتصر على اخيه الشيعي او السني، عبر الاستقواء بغير العراقيين.

– وهم ان بامكان مكون ما الحصول على اكثر من حقه، عبر السماح لشذاذ الافاق من دخول العراق واستغلالهم كورقة ضغط في هذا الشان.

– وهم ان بامكان مكون ما في العراق ان يعيش الأمن والأمان فيما المكون الاخر لا يذوق طعم هذا الامن والامان.

من الواضح ان هذه الأوهام، وبما أنها اوهام، فهي تجد طريقها عادة الى عقول البسطاء من المكونين، عبر الهجمة الإعلامية والحرب النفسية التي تشنها فضائيات ومشايخ الفتنة وصحفيون مأجورون، على الشعب العراقي سنة وشيعة، بهدف تكثيف هذه الأوهام في عقولهم، وبهدف دفعهم للإحتراب والنزاع فيما بينهم، وصولا الى تشتيتهم، وتجزئة بلادهم، كما فعلوا في اكثر من بلد وبأساليب ومزاعم أخرى، كما نشهد في ليبيا واليمن وسوريا.

يبدو ان بعض العراقيين، سنة وشيعة، وبعد 13 عاما من دس هذه الأوهام في عقولهم ،اخذوا يقتربون من مرحلة النضج، كما يرى السيد الحكيم، وهذه الرؤية ليست رؤية ساذجة، فالرجل هو احد قادة العراق وله معرفة بخفايا ما يجري في بلاده، فمن الواضح ان تجربة الأعوام ال13 الماضية اثبتت للعراقيين جميعا، ان كل الجهات التي نفخت في هذه الأوهام، لا تريد خيرا للعراقيين سنة وشيعة، وان عليهم الا يعيروا أهمية لمخاوفهم التي اصطنعوها لهم، ليقتل بعضهم بعضا، ويكفي ان تعرف مكونات الشعب العراقي حجمها ودورها في الحياة الاجتماعية والسياسية، بعيدا عن الأوهام والمخاوف المصطنعة، عندها فقط لا تملك تلك “الأوهام” من خيار امامها الا الرحيل من عقول وربوع العراقيين، الذين لم يحصدوا من هذه الأوهام سوى الموت والخراب والدمار والفوضى .

 

ما يحصل اليوم في الموصل، يعتبر من أهم معالم النضج العراقي، فهناك تتبلور حالة وطنية راقية، حيث العراقيين بمختلف قومياتهم ودياناتهم ومذاهبهم، يحاربون في خندق واحد، عدو الإسلام والإنسانية “داعش” المتوحش، بعد ان كان البعض من العراقيين وللأسف الشديد، قبل عامين فقط، يستخدم “داعش” كورقة لتحقيق أوهامه في القضاء على مكون اخر واعادة العراق الى ما قبل عام 2003، ألا انهم ارتكبوا بسبب هذا الوهم القاتل جريمة كبرى ليس بحق شيعة العراق فحسب بل بحق المكون الذي ينتمون اليه، ان ما نشاهده اليوم في الموصل، أكد حقيقة هذا النضج العراقي، فالعراقيون هناك يحاربون عدوا واحدا يتهددهم جميعا، ولن يحاربوا “طواحين الهواء” بعد اليوم، كما حاربوها على مدى اكثر من عقد وبشكل عبثي رهيب، وهم غرقى في أوهامهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.