متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخمسون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 17/12/2023 م …
يتضمّن العدد الخمسون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن صعوبة الوضع الإقتصادي بتونس سنة 2024، وفقرتان بعنوان “في جبهة الأعداء” عن بعض مظاهر الدّعم العسكري الأمريكي والأروبي، وكذلك من أنظمة صهاينة العرب والمسلمين، للكيان الصهيوني، وفقرة عن محاولة فنزويلا السيطرة على نفطها الواقع في الحقول البحرية على الحدود مع “غويانا” وفقرة عن بعض اعتلالات اقتصاد تركيا، وفقرة عن مكانة الإقتصاد الأمريكي بنهاية العام 2023 في مواجهة صعود الصّين وفقرتان عن التناقض بين الثروة والدّيمقراطية وعن الفجوة الطّبقية في الولايات المتحدة…
تونس – استمرار العُسْر وابتعاد اليُسْر
لما حكم الإخوان المسلمون البلاد، طيلة العقد الذي لَحِقَ انتفاضة 2010/2011، أصبح العديد من قادتهم وُكَلاء لمصالح الحكومة والشركات التركية بتونس، ودَعَوا التونسيين إلى دعم الليرة التركية، في حين امتنعوا عن دعم الدّينار التونسي، فانتشرت شبكات توزيع السّلع التركية بما في ذلك التي تُنافس الإنتاج التونسي، والتي يمكن للشركات والمزارع التركية إنتاجها بتكاليف منخفضة بفعل استغلال اللاجئين السوريين (من بينهم الأطفال) وتشغيلهم برواتب منخفضة، مقابل حجم مرتفع من ساعات العمل، وعدم تسجيلهم في مكاتب التّأمين الصّحّي والضّمان الإجتماعي، وأدّى ذلك إلى إغراق السوق التونسية بالإنتاج التّركي وعجز الميزان التجاري التونسي مع تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي حاليا ووريثة الدّولة العثمانية التي احتلّت جل مساحة الوطن العربي طيلة حوالي أربع قرون…
أشرف رئيس الحكومة، التونسية، يوم الجمعة غُرّة كانون الأول/ديسمبر 2023 على جلسة عمل وزارية بمشاركة عدد من الوُزَراء ومحافظ المصرف المركزي، لدراسة عدد من المواضيع في إطار ميزانية 2024، من بينها المفاوضات بخصوص مراجعة اتفاق التبادل الحر بين تونس وتركيا ومراجعة الاتفاق على قائمة من المنتوجات الصناعية التي لها مثيل مصنع محليا (مواد التنظيف والبلاستيك والعجلات المطاطية والملابس الجاهزة…) من خلال إخضاعها لرسوم جمركية والحصول على امتيازات للصادرات التونسية من بعض المنتوجات الفلاحية والصناعات الغذائية نحو تركيا في شكل حصص سنوية معفاة تماما من الرسوم الجمركية، وتُطالب الحكومة التّركية بالسماح للشركات التركية بالإستثمار في بعض القطاعات التي لم تكن مفتوحة، مُسْتَغِلّةً الوضع الإقتصادي وحاجة الدّولة التونسية للإستثمارات الأجنبية، خصوصًا بعد جائحة “كوفيد-19” التي أدّت إلى تعميق الأزمة التي كانت قائمة قبل ذلك، وانكماش الاقتصاد بنسبة 8,8%، سنة 2020، كما دمر الجفاف الزراعة، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري، لتواجه البلاد أزمة شاملة، وارتفع عجز الموازنة إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت نسبة الدَّيْن العُمومي 80% من الناتج المحلي، وتحتاج الدّولة إلى اقتراض أكثر من خمسة مليارات دولارا، فيما يُعاني المواطنون من اختفاء بعض السلع الأساسية والأدوية ومن تَأَخُّرِ صرف أجور موظفي الدولة، بينما حقق القطاع المصرفي أرباحًا قياسية بنسبة 13% بفضل القروض التي طلبتها الحكومة التي يجب أن تُسدّد أقساط القروض الداخلية بالدّينار وكذلك الدُّيُون الخارجية بالعملات الأجنبية التي انخفض احتياطي البلاد منها بنحو الربع، من ما يكفي لتغطية نفقات الواردات لفترة 123 يوما إلى حوالي 91 يوما خلال أقل من عام واحد، رغم الدّعاية الحكومية التي ركّزت على زيادة عدد السّائحين وعلى انخفاض أسعار الطاقة، مقارنة بسنة 2022، بعد فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدّولي للحصول على قرض بقيمة 1,9 مليار دولارا، وبعد رفض اتحاد نقابات الأُجَراء ( الاتحاد العام التونسي للشغل ) خفض دعم السلع الأساسية أو خصخصة شركات القطاع العام أو خفض عدد الموظفين…
أظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، ارتفاع عجز الميزان التجاري (الفرق بين قيمتي الصادرات والواردات) بنسبة 26,8% بنهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، على أساس شهري، مُقارنة بنهاية شهر أيلول/سبتمبر 2023 فيما يتوقع ارتفاع التضخم من 8,3% بنهاية سنة 2022 إلى 11% بنهاية سنة 2023 ويَتَوَقَّعُ مشروع موازنة سنة 2024 الذي أعدّته وزارة المالية وقدّمته يوم 17 تشرين الأول/اكتوبر 2023 نُمُوّ اقتصاد البلاد (الناتج المَحَلِّي الإجمالي) من نسبة 0,9% سنة 2023 إلى 2,1% سنة 2024 مع المحافظة على نفس القيمة لنفقات دعم الغذاء والوقود والكهرباء، وزيادة طفيفة للضرائب على الفنادق والمطاعم والمشروبات والمصارف و بعض الشركات، لكن يُبيّن مشروع الميزانية اعتزام الحكومة خفض فاتورة أجور القطاع العام من خلال تجميد التّوظيف وعدم تعويض المُتقاعدين وتجميد الزيادات في الأجور، رغم زيادة الأسعار وارتفاع نسبة التّضخّم، وخفض عجز الميزانية من 7,7% سنة 2023 إلى 6,6% سنة 2024 رغم ارتفاع حاجة الحكومة إلى القروض الخارجية التي يتوقع مشروع الميزانية ارتفاعها من 10,5 مليار دينار (3,32 مليار دولار) سنة 2023 إلى 16,4 مليار دينار (5,20 مليار دولار) سنة 2024، وتسعى الحكومة إلى اقتراض 3,2 مليار دولار، بعد حصولها على قرض من الجزائر بقيمة 300 مليون دولار وقرض من السعودية بقيمة 500 مليون دولاروقرض من المصرف الإفريقي للتصدير والإستيراد بقيمة 400 مليون دولار، ولجأت الحكومة التونسية يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى طرح اكتتاب وطني هو الرابع سنة 2023، لِجَمْعِ 700 مليون دينار (225,33 مليون دولار) لتمويل ميزانية العام 2023، بسبب صعوبات الإقتراض من الخارج، تمكنت الحكومة من جَمْعِ 800 مليون دولارا من الإكتتابات الثلاثة السابقة…
في جبهة الأعداء – 1
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال بَعْضَ تفاصيل عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى فلسطين المحتلة بين السابع من تشرين الأول/اكتوبر ونهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وتتضمن قائمة الأسلحة والذّخائر 57 ألف قذيفة مدفعية ( عيار 155 ميلمتر) وأكثر من 15 ألف قنبلة يفوق وزنها طُنًّا واحدًا، وذخائر عنقودية وصفها “ميك مولروي”، نائب مساعد وزير الحرب الأمريكي السابق “إنها الأسلحة المُفضّلة التي يستخدمها الجيش الأمريكي في أفغانستان وسوريا في المناطق المفتوحة غير المأهولة”، وفق شبكة “إن بي سي نيوز” لكن غزة مأهولة، بل هي المنطقة الأكثر كثافة سُكّانية في العالم، حيث يعيش 2,3 مليون نسمة في مساحة لا تتجاوز 360 كيلومترا مربعًا، وأدّى العدوان الصّهيوني إلى تدمير 15 ألف مبنى خلال ستة أسابيع، من بينها المساجد والكنائس والأسواق والجامعات والمستشفيات والمدارس والأحياء السكنية وفق صحيفة نيويورك تايمز ( السبت 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2023)، التي كتبت أن الجيش الصهيوني يقتل المدنيين في غزة “بوتيرة تاريخية”، بفعل إلقاء قنابل تزن أكثر من طن واحد على مراكز مأهولة بوتيرة فاقت الحرب العالمية الثانية أو العدوان الأمريكي على فيتنام، ورفضت السّلطات الأمريكية النّقد الذي وُجِّهَ لها بأن شحنات الأسلحة لا تقتل سوى المدنيين في غزة، ولا تزال شحنات الأسلحة الأمريكية تصل إلى فلسطين المحتلة بواسطة الطائرات العسكرية الأمريكية، ورفضت السلطات الأمريكية توفير المعلومات عن الأسلحة التي تقدمها إلى الكيان الصهيوني، وفق صحيفة ” وول ستريت جورنال” بتاريخ 01 كانون الأول/ديسمبر 2023
في جبهة الأعداء – 2
حَضَرَ رؤساء الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا ورؤساء حكومات عديدة إلى تل أبيب لإشْهار الدّعم العلني والمُطلق للعدوان الصهيوني وأعلنت سُلُطات معظم الدّول الأوروبية – بما فيها سويسرا التي تَدَّعِي الحياد والتي يُشكّل اليمين المتطرّف طرفًا أساسيا في حكوماتها منذ سنوات عديدة – حظْر مجمل أشكال التّضامن مع الشعب الفلسطيني (اعتصامات ومظاهرات ومحاضرات…) وروّجت وسائل الإعلام الرّواية الصهيونية للتاريخ وللأحداث الماضية والحاضرة، وفي الولايات المتحدة أعلن المتحدّث باسم البيت الأبيض (جون كيربي) يوم الخميس 30-11-2023، دعم أي قرار يتّخذه الكيان الصهيوني، وتجسيدًا لهذا الدّعم المُطْلَق أَدّى وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن ) أربع زيارات مُعْلَنَة إلى فلسطين المحتلة، وشارك في الإجتماع الوزاري الصهيوني المُضَيّق (الخميس 30/11/2023 ) كدليل على إشراف الولايات المتحدة على مخططات العدوان على الشعب الفلسطيني، بأسلحة أمريكية، إذْ أعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم الجمعة 01 كانون الأول/ديسمبر 2023 معلومات عن حصول جيش الاحتلال الإسرائيلي على مئات آلاف من الذخائر والقنابل الأمريكية التي تزن كلٌّ منها طُنًّا واحدًا والقادرة على اختراق الأنفاق وللملاجئ، مما يجعل الإمبريالية الأمريكية (والأوروبية) طرفًا مُباشرًا في العدوان على الشعب الفلسطيني…
في أوروبا، وفضلاً عن الدّور البريطاني في احتلال فلسطين وفي تأسيس الكيان الصّهيوني، تلعب السلطات الحاكمة – وخصوصًا سلُطات ألمانيا وفرنسا – دَوْرًا أساسيا في دعم العُدْوان الصهيوني وتعدّدت زيارات المسؤولين الأوروبيين إلى تل أبيب للتعبير عن الإنحياز العَلَنِي ودعم العدوان ومن بينهم المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني ووزيرة الخارجية تها، ووزيرة الحرب السابقة التي أصبحت رئيسة المفوضية الأوروبية التي أعلنت “وقوف أوروبا إلى جانب إسرائيل، ودَعْم حقّها في الدفاع عن نفسها وفي محاربة الإرهاب”، وأثارت تصريحاتها المُغالية في العنصرية وفي دعم العدوان الصهيوني مُوظَّفِي الإتحاد الأوروبي الذين نشر أكثر من ثمانمائة منهم خطابًا مفتوحًا يصف خطاب “أورسولا فون دير لايين” بالعنصري والمتماهي مع اليمين المتطرف والمتسم بتوفير الغطاء السياسي والدَّعْم غير المشروط للعدوان الصهيوني، غير إن هذا الخطاب الإستعماري والعنصري يحظى بإجماع سياسي في ألمانيا التي صَدّرت خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2023، أسلحة بقيمة 300 مليون يورو، وتم إعفاء صادرات العتاد والأسلحة الألمانية المُرسلة إلى العدو الصهيوني من الضرائب ومن الرّسُوم الجمركية، منذ حوالي سبعين عامًا لدعْم الإستعمار الإستيطاني في فلسطين، ودعم الصناعات الحربية الصهيونية بمحركات الدّبابات والمُدَرّعات، وبالسّفن الحربية وبالغوّاصات المُزَوّدة بصواريخ قادرة على حَمل رُؤُوس نَوَوِيّة، وتُقدّر قيمة المشاريع المُشتركة (الألمانية – الصّهيونية) للتّصنيع الحربي بما لا يقل عن مليار يورو، وأَوْرَدَ تقريرٌ نشرته مؤسسة “روزا لكسمبورغ” عن صناعة التسلّح قائمة تضمنت بعض المشاريع الحربية المشتركة لصناعة دروع الدبابات والقاذفات وأجهزة وشبكات الإتصالات عالية التقنية، ما يجعل الدولة الألمانية متورّطة بشكل مباشر في الإبادة الجماعية والعدوان المُستمر على الشعب الفلسطيني، وفي ترويج الرؤية للصهيونية عبر إجماع وسائل الإعلام التي ترى “إن أمن إسرائيل من مصلحة الدولة الألمانية وإن أيّ انتقاد لإسرائيل يُعادل معاداة السامية”، وبذلك يتم تشويه كافة أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وقمع المُشاركين بها بوحْشِيّة وعنف كبيرَيْن، بذريعة “نَشْر الكراهية ومُعاداة السامية “…
تضُمّ جبهة الأعداء كذلك أنظمة عربية (من صهاينة العرب أو عرب أمريكا) منها نظام المغرب ومصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرَيْن وقَطَر وغيرها، كما توجد أنظمة “إسلامية” ومنها تركيا وأذربيجان، فتركيا تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي ولها علاقات متينة بالكيان الصهيوني
تُؤَمِّنُ آذربيجان وكازاخستان ومصر ما لا يقل عن 65% من حاجات الكيان الصّهيوني من الطاقة ( النفط والغاز)، عبر أراضي وموانئ تركيا التي تُصدِّرُ تُزَوِّد بدَوِرِها العدو الصهيوني بالحديد والفولاذ ومواد البناء والسيراميك والأغذية وغيرها بقيمة 5,7 مليار دولارا سنة 2022، وهي خامس أكبر مُصدّر للسلع إلى الكيان الصهيوني…
في جبهة الأعداء – 3
الهند
يتحكّم الإحتلال الصهيوني بكافة تفاصيل حياة الفلسطينيين، ويستغل جزءًا منهم في برواتب منخفضة في قطاعات الزراعة والبناء والصناعات الغذائية والأعمال الشاقة والخطيرة الأخرى، ومنذ بداية العدوان على غزة سحب الكيان الصّهيوني ما لا يقل عن 130 آلاف من تصاريح عمل الفلسطينيين، ما جعل قطاع البناء يُعاني من نقص في العمالة، لأن حوالي 75% من العاملين بهذا القطاع هم من فلسطينِيِّي الجُزْء المحتل سنة 1967 وجزء هام منهم من غزّة، وتسعى حكومة الهند اليمينية المتطرفة وصديقة الكيان الصهيوني إلى استغلال الفرصة وإرسال مائة ألف عامل من الهند إلى فلسطين المحتلة “للحفاظ على استمرار عمل قطاع البناء”، وفق تصريح أحد مُمَثّلي أرباب العمل الصهاينة، وأعربت النقابات الهندية عن مُعارضة هذا الدّعم الذي تُقدّمه الحكومة الهندية إلى الكيان الصهيوني وإلى شركات قطاع الإنشاء (الجسور والطرقات والمباني…) التي تريد اللجوء إلى حل بسيط يتمثل في جلب أعداد هائلة من العمال الهنود، وسبق أن استورد الكيان الصهيوني سنة 2022 ما لا يقل عن عشرين ألف عامل هندي في مجال الرعاية الصحية للعناية بالمُسِنِّين والعُجَّز والمُعاقين والمَرضى، وكانت الحكومتان الهندية والصّهيونية قد وقَّعَتا، يوم التّاسع من أيار/مايو 2023، اتفاقية إطارية تُسَهِّلُ توظيف 42 ألف هندي في قطاعات البناء والرعاية الصّحّيّة بفلسطين المحتلّة، وأصدرت النقابات الهندية بيانا يوم التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر يُدين التعاون بين الحكومَتَيْن وتَحويل العاملين الفقراء إلى سلعة يتم تصديرها إلى فلسطين المحتلة ضمن سياسات الدّعم للكيان الصّهيوني والتّواطؤ من جانب الهند في حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي تقودها دولة الإحتلال الصهيوني، وتُطالب النقابات الهندية بإلغاء الاتفاقية الإطارية بشأن تصدير العمالة…
فرنسا
تُعلن الحكومات الفرنسية المتعاقبة منذ حوالي عقدَيْن (رئاسة ساركوزي وهولاند وماكرون)، دعمًا مُطْلَقًا وغير مَشْرُوط للكيان الصهيوني، ولا تُظْهِرُ البيانات المَنْشُورَة للعموم معلومات عن بَيْع فرنسا معدات عسكرية أو أسلحة جاهزة إلى الكيان الصهيوني، وتُظْهر إن قيمة صادرات الأسلحة بلغت عشرين مليون يورو سنويا بين سنتَيْ 2013 و 2022، غير إن البيانات تُظهر وجود تصاريح تصدير أسلحة ومُعدّات عسكرية بقيمة 357 مليون يورو سنة 2022، منها قنابل وقذائف وصواريخ وطوربيدات وشحنات متفجّرة وما إلى ذلك، فضلا عن “منتجات ذات استخدام مزدوج” أي مدني وعسكري، بقيمة 34 مليون يورو، سنة 2022، وتتضمن أجهزة استشعار واللِّيزر، فضلا عن الصّفقات السّرِّيّة والتّعاون غير المُعْلَن في مجال الأسلحة النّوَوِيّة، منذ نحو سبعة عُقُود، ما يجعل الدّولة الفرنسية مُتواطئة مع الإستعمار الإستيطاني الصهيوني، ولا تُعْلِن النّقابات العُمّالية الفرنسية أي مُعارضة للكيان الصهيوني، وتتعاون بشكل وثيق مع نقابات “الهستدروت” العُنصرية، ولا تدعو إلى مقاطعة إنتاج وتخزين وشحن وتسليم. الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، ويُضعف الموقف المتخاذل للنقابات العُمّالية الأوروبية (وخصوصًا الفرنسية والألمانية) حملات المطالبة بفرض حظر اقتصادي وسياسي وعسكري ويُضعف حملات التضامن مع شعب فلسطين، ويعيق حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوباتعلى العدو الصهيوني ولم تُحرك النقابات الفرنسية ساكنًا ضد إدارات الشركات الفرنسية العابرة للقارات التي أعلنت دعم الكيان الصهيوني، مثل مجموعات فيوليا و SFR للإتصالات وكارفور وغيرها.
فنزويلا
نظمت الحكومة الفنزويلية يوم الأحد 3 كانون الأول/ديسمبر 2023 استفتاء يطلب من مواطني البلاد التصويت على ضم إيسيكويبو، وهي منطقة بحرية فنزويلية غنية بالنفط ضمّها الإستعمار البريطاني إلى غويانا المجاورة خلال القرن التاسع عشر .
أكّد الإستفتاء الذي نظّمته حكومة فنزويلا يوم الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2023 سيادة فنزويلا على منطقة إيسيكويبو البَحْرِيّة، المتنازع عليها مع غويانا المجاورة منذ القرن التاسع عشر، فهي منطقة فنزويلية ألحَقَتْها بريطانيا بمُستعمَرتِها “غويانا”، وهي منطقة نَفْطيّة تستغلها شركة إكسون موبيل الأمريكية التي لها علاقات وطيدة بأجهزة الحكم الأمريكية، وحقّقت الشركة سنة 2022 أرباحًا بلغت 55,7 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغنى وأقوى شركات النفط في العالم التي تمتلك حقولا واحتياطيات من ماليزيا إلى الأرجنتين، وتستخدم إكسون موبيل سلطة الدولة الأمريكية للسيطرة على المزيد من احتياطيات النفط في العالم، ولو أدّى ذلك إلى خلق بُؤَتر جديدة للتّوتُّر.
بدأت الحكومة الفنزويلية تأميم النّفط سنة 2006 وقبلت معظم شركات النفط المتعددة الجنسيات القوانين الجديدة لتنظيم صناعة النفط، خلافًا لشركَتَيْ “كونوكو فيليبس” و “إكسون موبيل” اللّتَيْن رَفَضَتا القرار وطالبتا بتعويضات مرتفعة تُعادل عشرات المليارات من الدولارات، رغم رأي المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID) الذي قَدّرَ سنة 2014 مقدار التعويض ب1,6 مليار دولارا لصالح شركة إكسون موبيل، ووقّعت شركة إكسون موبيل التي كان يرأسها ريكس تيلرسون ( الذي أصبح فيما بعد وزير خارجية الولايات المتحدة) صفقة مع غويانا للتنقيب عن النفط البحري، انتقامًا من حكومة فنزويلا، لكنها لم تبدأ في استكشاف الخط الساحلي حتى شهر آذار/مارس 2015، بعد صدور حكم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الذي لم يُرْضِ الشركة، وضغطت الولايات المتحدة لفصل منطقة إيسيكويبو عن فنزويلا وإلحاقها بغويانا التي يسكنها حوالي 800 ألف نسمة، وأعلنت شركة إكسون موبيل، سنة 2015 إنها حققت اكتشافًا كبيرًا في تلك المنطقة، وسوف تحصل على نسبة 75% من العائدات لاسترداد نفقات التنقيب، و12,5% من العائدات ومثلها لحكومة غويانا، مع الإشارة إلى تمتع شركة إكسون موبيل بإعفاء ضريبي كامل، وعدم جواز مطالبة غويانا بتعديل أو إلغاء العقد أو مراجعته دون الموافقة المسبقة لشركة إكسون موبيل، ولذلك دعت فنزويلا إلى الإتفاق مع سُلُطات غويانا على الإستغلال المُشترك للمنطقة الحدودية، بعيدًا عن هيمنة الشركات الأمريكية العابرة للقارات…
لمحة تاريخية
استغلت بريطانيا الصعوبات التي واجهتها الدولة الفنزويلية الفتية في السيطرة على حدودها، واستولت سنة 1840 على المنطقة وضمتها إلى مستعمرتها غويانا، ولم تعترف فنزويلا أبدًا بعملية الضّم أو البَتْر، وتم تشكيل لجنة تحكيم (قاضيان أمريكيّان وقاضيان بريطانيّان برئاسة قاضي روسي) في باريس سنة 1899، من أجل “تسوية النزاع”، وقررت اللجنة المذكورة مَنْح الأراضي الواقعة غرب إيسيكويبو (النهر الذي تُسمّى المنطقة باسمه) بأكملها إلى بريطانيا، القُوّة المُسْتَعْمِرَة، ولم تعترف فنزويلا بهذا الحُكم الجائر، وقبل حصول غويانا على الإستقلال وقعت بريطانيا وفنزويلا اتفاق جنيف في 7 شباط/فبراير 1966، والذي اتفقا بموجبه على إنشاء لجنة مشتركة مسؤولة عن إيجاد حل للنزاع خلال أربع سنوات، لكن لم تتوصّل اللّجنة إلى أي نتائج حاسمة، ولذا تم التوقيع، في ترينيداد وتوباغو، سنة 1970، على اتفاقية تجميد المطالبات وتمديد المناقشات لمدة اثني عشر عاما، وبنهاية هذه الفترة سنة 1982، قررت فنزويلا عدم تجديد البروتوكول ورفعت الأمر إلى الأمم المتحدة سنة 2006، بالتوازي مع إضافة النّجمة الثامنة إلى العلم الفنزويلي الذي يرمز إلى مناطق البلاد السبعة والتي أُضيفت لها منطقة إيسيكويبو…
كان استقلال “غويانا” سنة 1966، استقلالا شَكْلِيًّا مثل معظم الدّول التي تحولت من مُستعمرات مباشرة إلى مستعمرات غير مباشرة، يحكمها نظام كُمْبْرادُوري، يُمثِّلُ مصالح الإمبريالية في البلد، وبقيت “غويانا” خاضعة لشركات النفط الأمريكية متعددة الجنسيات وأهمُّها “إكسون موبيل”التي يُديرُها، منذ سنة 2017، “ريكس تيرلسون” الذي كان وزير خارجية دونالد ترامب لفترة وجيزة، وهو من فريق بوش الإبن وديك تشيني ومجموعات النّفط التي دفعت إلى احتلال العراق، واكتشفت شركة إكسون موبيل، قبل إشرافه عليها حقول النّفط في “إيسيكوبيو” سنة 2015، ثم اكتشفت حقلا جديدا ( تشرين الثاني/نوفمبر 2022 ) في نفس المنطقة تقدّر احتياطياته بما لا يقل عن عشرة مليارات برميل من النفط الخام (أو أكثر من احتياطيات الكويت)، واستفادت هذه الشركة الأمريكية من امتيازات غير قانونية منحتها حكومة غويانا، رغم الضّغوط التي كثّفتها حكومة فنزويلا، خصوصًا منذ سنة 2013، سنة تولِّي نيكولاس مادورو السلطة بعد وفاة هوغو تشافز، وعجّلت عمليات التنقيب غير القانوني والإكتشافات النفطية قرار الحكومة الفنزويلية تنظيم استفتاء الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2023، في ظل وضع اقتصادي سيء نتيجة الحصار الأمريكي الذي أدّى إلى تدهور الوضع الإقتصادي وتردِّي الخَدمات ونَسْف المكتسبات التي تحقّقت خلال الفترة 1999 – 2009، بينما تقدمت حكومة غويانا بشكوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، من أجل منع هذا التصويت، وعدم الإعتراف بنتائجه، وتهدد حكومة غويانا بالإستنجاد بقوات أمريكية لحماية منطقة إيسيكويبو ما قد يُؤَدِّي إلى حرب يتضرّر منها البلَدان والشَّعْبان.
تركيا
تعهّد رجب طيب أردوغان خلال حملته الانتخابية بعدم السماح للبنك المركزي برفع سعر الفائدة الرئيسي طالما أنه في السلطة، لكنه عدل مقاربته بعد فوزه بولاية جديدة ( أيار/مايو 2023 ) عقب انتخابات رئاسية وبرلمانية، وأوكل الملف الاقتصادي في حكومته الجديدة الى خبراء قاموا برفع سعر الفائدة الرئيسي من 8,5 إلى 40% في محاولة للحد من “التضخم، ويتضمّن الفريق الذي عيّنَهُ أردوغان عدداً من الخبراء الذين عملوا في وول ستريت ( بورصة نيويورك) ويكتسبون ثقة في أوساط المستثمرين لاخراج تركيا من الأزمة، حيث وقعت البلاد في دوامة من انخفاض قيمة العملة ( بنسبة فاقت 80% خلال خمس سنوات) والتضخم، خصوصًا منذ نهاية 2019، مما رفع الأسعار وتكاليف المعيشة بشكل يَعْسُرُ تحمّله من قِبَل فئات عديدة من المواطنين ، وتُشير البيانات الرّسمية إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 62% تقريباً على أساس سنوي بنهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وفق ما أظهرت بيانات رسمية يوم الاثنين الرابع من كانون الأول/ديسمبر 2023، ويطعن خبراء الاقتصاد المستقلون بصحة هذه الأرقام الرسمية ويفيدون أن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بلغ 129,27% على أساس سنوي بنهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023…
بعد الإنتخابات، عاد رجل الإقتصاد “محمد شيمشيك” لِيُصبح وزيرًا للخزينة والمالية، بعد أن أقاله رجب طيب أردوغان سنة 2018، إثر خلافات حول برنامج الحكومة الإقتصادي، وتضمن برنامج شيمشيك توجهًا حكوميًا مكثفًا نحو الإقتصاد الليبرالي المُطابق لتعليمات صندوق النّقد الدّولي، ويتضمّن سَدّ عجز الميزانية من خلال زيادة الضّرائب على السيارات والشركات والمصارف ورفع ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الاستهلاك الخاص على الوقود والضرائب والرسوم على المعاملات والخدمات الحكومية الخ، كما توجّهت الحكومة الجديدة إلى دُوَيْلات الخليج للحصول على استثمارات وودائع وقُرُوض قد تصل إلى 25 مليار دولارا، وعملت الحكومة على تحسين العلاقات مع الدّول الأوروبية والولايات المتحدة، من خلال الموافقة على قبول تركيا عضوية السّويد في حلف شمال الأطلسي، أملا في اجتذاب الاستثمارات “الغربية”، وفق وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب 04 كانون الأول/ديسمبر 2023
مكانة اقتصاد أمريكا بنهاية سنة 2023
تجنّبت الحكومة الأمريكية تبعات إغلاق الإقتصاد سنة كورونا (سنة 2020) بضخ نحو خمسة تريليونات دولارا من المساعدات للشركات الكبرى، وللأُسَر التي ادّخرت حوالي 5,5 تريليونات دولارا، ما مكّن الإقتصاد الأمريكي من النّمو سنة 2021 بنسبة 5,9% وهي اعلى نسبة نمو منذ سنة 1984 وتباطأ النّمو إلى 2,1% خلال سنة 2022، وكذلك خلال الرّبع الثاني من سنة 2023، بوتيرة أقل من تقديرات الحكومة، وفق وكالة “بلومبيرغ” التي ذكرت يوم 30 آب/أغسطس 2023 أن الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل قاطرة الاقتصاد الأميركي، ارتفع بنسبة 1,7% غير إن المخاوف تتصاعد بشأن تحول تباطؤ النمو في أكبر اقتصاد عالمي إلى انكماش، مما سيؤَثّر سَلْبًا على الاقتصاد العالمي كافة، بفعل التداعيات السلبية للحرب في أوكرانيا، من ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب والأعلاف والأسمدة وارتفاع مستويات التضخم العالمي، وهي التّداعيات التي بَرّرت قرارات رفع الفائدة من قِبَل مجلس الاحتياطي الفدرالي (المركزي الأميركي) والمصارف المركزية الأخرى، فيما يستمر ارتفاع عجز الميزان التجاري الأمريكي ( الفارق بين واردات وصادرات السّلع)، خلال الرّبعين الثاني والثالث من سنة 2023، غير إن مكتب الإحصاء الأمريكي التابع لوزارة التجارة، أعلن يوم 30 تشرين الأول/اكتوبر 2023، إن الاقتصاد الأميركي (الناتج المحلي الإجمالي ) حَقَّقَ في الربع الثالث من العام الجاري (2023) نموا هو الأسرع وتيرة منذ عامين تقريبا، بنسبة 4,9% جراء ارتفاع الأجور وارتفاع الإنفاق الاستهلاكي الذي يُعد المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي، غير إن هذا النّمو ليس مُستدامًا، لأنه يعتمد على استهلاك الأُسَر التي ارتفع حجم ديونها بفعل سداد القروض العقارية وقروض الإستهلاك وقروض التعليم الجامعي، وذكرت وكالة بلومبيرغ أن بيانات النمو الأخيرة تؤكد استمرار صمود أكبر اقتصاد في العالم في مواجهة ارتفاع الأسعار وتكاليف الاقتراض… لكن نشرت وكالة رويترز يوم 02 كانون الأول/ديسمبر 2023 تحليلا يتوقّعُ استمرار صمود قطاع الإستهلاك الأمريكي خلال الأشهر الأولى من سنة 2024، واستمرار نمو قطاع الاستهلاك، وهو أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد الأميركي، حيث يمثل إنفاق الأسر نحو 68% من الناتج المحلي الإجمالي، بفعل ارتفاع قيمة الأسهم الأميركية بنحو 2,6 تريليون دولار وزيادة قيمة العقارات بنحو 2,5 تريليون دولار، الأسر خلال الربع الثاني من العام 2023 ما أدّى إلى ارتفاع نمو الاقتصاد الأميركي خلال الربع الثالث من سنة 2023 بنسبة 4,9%، بفضل نمو الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 4%، وفق تقرير وكالة رويترز يوم 02/12/2023 وأصدرت شركة “كابيتال إيكونوميكس” (لندن) تقريرًا بعنوان “شكل الاقتصاد العالمي الممزق سنة 2024“ وشمل مقارنة حجم القوة الإقتصادية لكل من الولايات المتحدة والصّين وحلفائهما، واستنتج التقرير إن الولايات المتحدة مع حلفائها (كندا والإتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا ونيوزيلندا ) لا تزال تحتفظ بميزة اقتصادية في مواجهة منافستها الصين وحلفائها المقرّبين، مثل روسيا وإيران وباكستان، لأن الناتج الإجمالي أمريكا وحلفائها يعادل بنحو 67% من الناتج الإجمالي العالمي فيما لا تُولّد الصين وحلفاؤها سوى 27% من الناتج الإجمالي العالمي، لأن الولايات المتحدة تُهيْمن – مع حلفائها – على الأنشطة والتّحويلات المالية وتدفقات رأس المال بفعل هيمنة الدّولار على النشاط التجاري وعلى التحويلات المالية وبفعل هيمنة الشركات الأمريكية (العابرة للقارات) على الاستثمار الأجنبي المباشر وعلى الأصول المقومة بالعملة الأميركية وعملات حلفائها ( اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني…) التي تُشكل خلال النصف الثاني من سنة 2023، نحو 87% من احتياطيات العملات الأجنبية، ولذلك يتوقّع التقرير (غير المُحايد، بل المُوالي للإقتصاد النيوليبرالي وللولايات المتحدة) “إن الكتلة الأميركية تبدو أكثر اتحادا وقوة اقتصاديًا من مجموعة الصين، ( وسوف يستغرق) تفوق الكتلة الصينية على الكتلة الأميركية وقتا طويلا، إن تَحَقَّقَ وهو ما قد لا يتحقق أبدًا” عن موقع صحيفة “فاينانشال تايمز ” 02/12/2023
الثروة في مواجهة الدّيمقراطية
تُعَد الولايات المتحدة بلد الفجوة الطبقية العميقة وبلد اللامُساواة، وهي من المواضيع التي تتجنّبها الحملات الإنتخابية لأن معظم المُترشحين لمناصب الرئاسة وحُكّام الولايات ونواب المجلس يعتبرون التفاوت الطبقي أمر طبيعي، رغم الدّلائل التي تُثبت إن عدم المساواة في الثروة ليس طبيعيا وإنما هو نتاج استيلاء الأثرياء بالقُوّة (ومنها القُوّة العسكرية والأمنية والتشريعية والقضائية) على الموارد وعلى جُهْد العاملين وفق تصميم مسبق ومتعمد…
أظْهَر التقرير التاسع ل”اتحاد المصارف السويسرية ( مصرف –UBS – المُختص في إدارة الثروات العالمية ) عن طموحات أصحاب المليارات لسنة 2023، إن حصة الميراث في ثروة الأثرياء تفوق حصة إيرادات الأعمال“، حيث حصل أبناء حوالي ألف من أثرياء العالم على حوالي 5,2 تريليونات دولارا على مدار عشرين سنة، وهو مبلغ يفوق القيمة الإجمالية للناتج المحلي لبريطانيا وكندا والمكسيك، وتُيَسِّرُ التشريعات الجِبائية نقل الثروات داخل الأُسرة، بدل تيسير استثمارها في مشاريع منتجة وزيادة الضرائب على الأموال المودعة في المصارف أو المُسْتَثْمَرَة في مجالات المُضارَبَة بالعقارات أو بالأسهم، وتتضمن القوانين الضريبية ثغرات يستغلها الأثرياء الذين لا يُسدّدون سوى نسبة 3,4% من الضرائب، فيما يُسدّد الأجراء من العمال وصغار الموظفين ضرائب مباشرة بقيمة تفوق 13% من دخلهم، فضلا عن الضرائب غير المباشرة وهي بطبيعتها غير عادلة لأنها تُساوي بين الأغنياء والفُقراء، وليست ضريبة تصاعُدِيّة، ويُحارب الأثرياء الحماية الإجتماعية التي اكتسبها الكادحون بفعل نضالاتهم مثل الضمان الاجتماعي أو الرعاية الصحية المجانية أو بأسعار معقولة، أو التعليم وحماية العمال والأجور، ووسائل النقل العمومي، ولذلك فإن الأثرياء يُؤيّدون الفاشية لأنها تنسف مكتسبات العاملين والفُقراء وتتخلّص من الحقوق المُكتَسَبَة مثل حق التعبير والإحتجاج وغيرها.
أمريكا – هُوّة طبقية
يُؤكّد الإعلام السائد والحكومة الأمريكية على سلامة الإقتصاد بدليل “نقص العمالة، وارتفاع الأجور وازدهار الإقتصاد الرقمي وانخفاض نسبة الفقر وعدم المساواة ” وفق موقع مجلة “إيكونوميست” (02 كانون الأول/ديسمبر 2023)، وتشير الصحافة السائدة إلى انخفاض معدلات البطالة وارتفاع معدلات التوظيف وانخفاض نسبة التضخم، ما يجعل المواطن العادي يتساءل: إذا كان الوضع جيّدًا فلماذا يتذمّر أمثاله من الإرتفاع المُشِطّ للأسعار وإيجار المسكن ومن زيادة الفجوة بين الأثرياء والفُقراء؟
يتم تعريف الفقر، بحصول شخص واحد على دخل سنوي يُعادل 13590 دولارا، أو أسرة مكونة من ثلاثة أفراد على 23 ألف دولارًا سنويًا وعلى هذا الأساس يعيش حوالي ثمانية وثلاثون مليون شخص في فقر، وتُشير بيانات التعداد السكاني، أن “معدل الفقر في الولايات المتحدة شهد أكبر زيادة له في التاريخ خلال عام واحد، من 7,4% سنة 2021 إلى 12,4% سنة 2022، كما تضاعف فقر الأطفال من 5,2% سنة 2021 إلى 12,4% سنة 2022 وربما يكون الفقر الحقيقي ضِعْفَ هذه الأرقام والنِّسَب المائوية، بينما يحصل 10% من الأمريكيين على نحو 70% من ثَرَوات البلاد، ولا تصل ثروة 50% من المواطنين إلى 1% من الحجم الإجمالي لثروة البلاد، وفق تقديرات شركة ( Statista ) لسنة 2023 التي قدّرت ثروة أغنى عشرة أميركيين بنحو تريليون دولارًا، أي أكثر من إجمالي أصول خمسين بالمائة من أفراد الشعب…
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” خلال صيف 2023 إن الرؤساء التنفيذيين العشرة الأعلى أجراً في العالم حصلوا سنة 2022 على نحو 1,4 مليار دولارا، أو أكثر من 100 مليون دولار لكل منهم، وجميعهم أمريكيون وخصوصًا من شركات التأمين الصحي والرعاية الصحية. الذين يُعادل متوسط أجْرهم 331 مرة الراتب السنوي للموظفين ذوي الأجر المتوسط، وليس المنخفض، ورغم ارتفاع أجر المديرين التنفيذيين لشركات الرعاية الصحية تمتلك الولايات المتحدة أدنى معدّلات الأمل في الحياة عند الولادة ( العمر المتوسط للفرد)، مقارنة بأستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد وسويسرا وبريطانيا وإيطاليا وخصوصًا بكوبا المُحاصَرة، رغم الإنفاق المرتفع للولايات المتحدة على الرعاية الصحية كنسبة من الناتج المحلي…
التعليقات مغلقة.