تقرير هام … حول العاملات الفلسطينيات في المستعمرات الصهيونية .. رغيف من دم .. واستغلال إلى حد العبودية!
الخميس 27/10/2016 م …
الأردن العربي …
العمل في المستوطنات
تُعاني المرأة الفلسطينية من ثالوث الاحتلال والنظرة الدونية المجتمعية وتحمل مسؤوليات عائلية واقتصادية متراكمة ومركبة. فبخصوص الاحتلال، فقد ضحت المرأة الفلسطينية بدمها شهيدة، وعمرها معتقلة، وجسدها مصابة، في حين أنها تعرضت اجتماعياً لمعاملةٍ دونية؛ رأت فيها أقل أثراً وأدنى تأثيراً من الرجل، وهذا ما ألحق بها ظلماً دائماً، واجحافاً بحقوقها، ومصادرة لإرادتها وتهميشاً لقدراتها.
أما بشأن العامل الاقتصادي، فقد لعبت، ولا تزال المرأة الفلسطينية دوراً ملحوظاً في تحمل الأعباء العائلية الكثيرة، لا سيما في حال إذا كانت امرأة مطلقة، أو راعية لأبنائها بعد وفاة زوجها، أو معيلة لوالديها المرضى .
هذه الحالة هي التي دفعت بهذه المرأة إلى الانخراط في قطاع العمل سواء في داخل السوق الفلسطيني أو داخل فلسطين المحتلة، وتحديداً في العمل داخل المستعمرات الإسرائيلية؛ لتقي نفسها وعائلتها ذل السؤال، وضيق العيش.
مثل هؤلاء النسوة يخرجن في ساعات الفجر الأولى ليخضن “معارك” للوصول إلى أعمالهن، وفي ساعات الليل يعدن إلى بيوتهن لينمن ساعات قليلة ثم يستأنفن رحلة العذاب بحثاً عن لقمة عيش مغمسة بالدم.
في هذا التقرير سنناقش واقع عمل المرأة الفلسطينية في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، وذلك للتعرف على أشكال الاستغلال والاضطهاد الممارسة ضدهن، والانتهاكات لحقوقهن الاجتماعية، والاقتصادية، والقانونية، والإنسانية عموماً، إلى جانب دور “السماسرة” في التحايل على هذه الحقوق واستخدام ألوان شتى لامتصاص حق هؤلاء النسوة اللواتي نذرن حياتهن للتعب والمشقة لقاء أجورٍ يسيرة لإعالة أبنائهن، والتخلص من شبح البطالة الذي يخيم على عشرات آلاف الفلسطينيين.
أرقام حمراء!
وقبل الخوض في الموضوع نستعرض بعض المعطيات الرقمية المنشورة في عدد من التقارير الإحصائية. ففي تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تبين أن عدد العاملين من الضفة الغربية في إسرائيل والمستوطنات بلغ في الربع الثالث من 2013 أكثر من 103 ألف عامل، منهم 30 ألف يعملون في المستوطنات.
وذكر التقرير أن 51,100 عامل لديهم تصاريح عمل و34,600 عامل بدون تصاريح عمل و17,600 عامل يحملون وثيقة إسرائيلية أو جواز سفر أجنبي.
وللأسف الشديد لم يوجد أية دراسة أو معلومات دقيقة حول عدد النساء الفلسطينيات العاملات في المستوطنات الإسرائيلية، الامر الذي يعيق ويعرقل الباحثين من تحليل هذه القضية بشكل علمي ودقيق. مثل هذه الثغرة تستوجب من القائمين على هذا الشأن، لا سيما وزارة العمل واتحادات نقابات العمال الاهتمام بهذا الموضوع.
ويشير التقرير إلى أن معظم العاملين في المستوطنات هم من الذكور بنسبة 96.8%، وأن معظمهم من المتزوجين وبنسبة 67.7%، وأن حجم متوسط أسرهم بلغ 7.3 فرد.
وتبين الإحصاءات أن 53.2% من هؤلاء العمال لا يحملون أي نوع من التأمينات الصحية، وأن 38.7% يملكون تأميناً فلسطينياً حكومياً فقط، منهم 33.9% يعملون في المستوطنات. كما أن ما نسبته 72.6% منهم لا يعملون بموجب عقود عمل على الإطلاق.
وفي تقرير صادر عن منظمة العمل العربية في 2012 تبين أن 32% من العمال الفلسطينيين في المستوطنات يتعرضون للعنف المعنوي و27% يتعرضون لاضطهاد عنصري و7% لعنف جسدي و32% للتهديد بمصادرة تصريح العمل.
بالإضافة إلى التمييز بين العمال العرب وغيرهم من عمال من جنسيات أخرى والعمال الإسرائيليين. كما أن 42% من العمال الفلسطينيين في المستوطنات يتعرضون للانتهاكات من قبل جيش الاحتلال.
وفي الوقت الذي لا تتوافر فيه دراسات دقيقة أو علمية حول النساء العاملات في المستوطنات، إلا أننا سنعتمد في هذا الخصوص على دراسة هي في الأصل رسالة ماجستير، أعدتها الباحثة هانية نعيم، وعنوانها (مستوى الرضا الوظيفي وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعي للنساء العاملات في المستعمرات الإسرائيلية في محافظة أريحا والأغوار).
وتظهر الدراسة أن المرأة الفلسطينية العاملة في المستعمرات الاسرائيلية تواجه مشاكل مختلفة كالشعور بعدم الأمان من خلال تعرضها المستمر للملاحقة سيما في حال عدم امتلاكها “تصريح للعمل”، الى جانب تعرض بعض النساء للتحرش الجنسي والتمييز العرقي والنوعي .
وتشير إلى أنه رغم مساهمة عمل المرأة في المستعمرات في رفع المستوى الاقتصادي لعائلتها إلا أنها تواجه مشاكل اجتماعية متمثلة بالعزلة الاجتماعية الناتجة عن المكوث لفترة طويلة في مناطق العمل، عدا عن نسبة من العنوسة لدى النساء العاملات في هذه ، وما إلى ذلك من نظرة دونية من المجتمع لهذه المرأة العاملة.
الرضا الأسود!!
وتوضح الدراسة أن مستوى الرضا الوظيفي للنساء العاملات في هذه المستعمرات كانت متوسطة وأن درجة التوافق النفسي الاجتماعي لهن جاءت عالية. هذا الرضا ترجعه الباحثة إلى ارتفاع الأجور والرواتب الذي تتقاضاه النساء العاملات في المستعمرات الإسرائيلية، مقارنة بأجور ورواتب النساء العاملات في الأراضي الفلسطينية.
كما فسرت الباحثة نتائج مستوى التوافق النفسي الاجتماعي للنساء العاملات إلى إحساس المرأة العاملة بالمسؤولية تجاه تحسين المستوى المعيشي لأسرتها، كما ترى الباحثة بأن العمل يعطي النساء الإحساس بالاستقلالية والشعور بالأمان وبالمكانة الاجتماعية ولزيادة ثقة المرأة بنفسها ويساعدها على اكتساب مهارات للتعامل مع الآخرين ومهارات حياتية مختلفة.
وتضيف ” إن العاملات يكتسبن مهارة اللغة العبرية، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي التي تتلقاه النساء العاملات من ذويهم وأسرهن” .
وترى الباحثة أنه حتى تحافظ النساء على حالة التوافق النفسي الاجتماعي يستخدمن هؤلاء النساء بعض الحيل الدفاعية السوية وهي حيل دفاعية غير عنيفة مثل الإعلاء والتماهي (التماهي مع المعتدي) والإبدال، ويكون استخدام هذه الحيل الدفاعية ببيئة العمل وفي حياتهن الأسرية والاجتماعية.
وتأتي الباحثة كنموذج على ذلك ما تم عرضه في فيلم ” الليلة البيضاء” وذلك من خلال إحدى الحالات التي قامت بتغيير مظهرها الخارجي (خلع الحجاب) عند وصولها للمناطق الخاضعة تحت سيطرة السلطات الإسرائيلية، وبررت سلوكها بأن الإسرائيليين يخافون منها، فتغيير المظهر الخارجي هو وسيلة تمويه لإِشعار الطرف الآخر بالأمان.
كما قالت إحدى السيدات ” بأنهن بالرغم من التزامهن في العادات والتقاليد العربية إلا ان هنالك رفض من المجتمع لعملهن في المستعمرات وبأن اولادهن يواجهون انتقاد من المجتمع”
ويتضح ازدياد أعداد النساء العاملات في المستعمرات الإسرائيلية، حيث أظهرت نتائج التحليل الإحصائي لبيانات المسح الميداني أنه على الرغم من أن معظم العاملين بأجر هم من الرجال (86%)، إلا أن نسبة النساء العاملات بأجر في المستعمرات والتي بلغت (14.0%) تعتبر مرتفعة مقارنة بنسبة النساء الفلسطينيات العاملات في إسرائيل، أما ارتفاع نسبة النساء العاملات في المستعمرات ربما يعود إلى قرب أماكن العمل في المستعمرات من أماكن سكن النساء العاملات, وذلك مقارنة مع عمل النساء داخل إسرائيل الذي يتطلب ساعات أطول ذهاباً وإياباً إلى ومن أماكن العمل.
عمل بلا علاج!!
وبخصوص طبيعة عمل المرأة في المشاريع الاسرائيلية تبين الدراسة أن معظم النساء يعملن في مجال الزراعة والمصانع (بالأعمال الدونية)، وتحتاج بعض المهن لمواصفات واستعدادات عضلية وقدرة عالية على التحمل وعمل مكثف لساعات طويلة. الى جانب ذلك هناك صعوبة الوصول إلى أماكن العمل وخاصة أن غالبية النساء من الضفة الغربية لا يعملن بشكل رسمي ولا يحصلن على تصاريح عمل، وهذا يستلزم اجتياز الحواجز العسكرية ودوريات الجيش والشرطة، وولوج دروب ترابية، مما يعني إطالة يوم العمل إلى ( 10-12 ساعة ).
وفيما يتعلق بالجانب الطبي، تذكر الدراسة أن هناك إهمالاً وتجاوزات خطيرة في هذا الشأن، حيث أن أول ما يقوم به المشغل الإسرائيلي هو طرد العامل المصاب من مكان العمل فوراً دون تقديم الإسعاف الأولى له إلا ما ندر من الحالات. ويعني ذلك أن العامل المصاب قد تلقى علاجه في أحسن الأحوال بعد ساعات طويلة من الإصابة.
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن المؤشرات حول العمل بالمستوطنات تظهر زيادة في أعداد العمال مؤخراً، وكثير منهم يتعرضون إلى أشكال مختلفة من المعاناة والتضييق عليهم. ويبين أن بروتوكول باريس نص على حرية العمالة وحرية حركة التجارة، وكل ذلك بات غير موجود بحجج أمنية.
وشدد على ضرورة الحذر في التعامل مع نص الاتفاق من قبل المفاوض الفلسطيني باعتبار المستوطنات غير شرعية وفق القانون الدولي، وإنها ستكون ضمن حدود الدولة الفلسطينية. وحول مدى الالتزام الإسرائيلي بالبروتوكول قال د. عبد الكريم أن الاتفاق جاء لغرض مرحلي انتقالي، وأنه في عام 2001 انقلبت إسرائيل على بنوده وباتت غير ملتزمة إلا بما يروق لها ولا يخالف مصالحها لتكريس حقائق اقتصادية تتجاوز الاتفاق نفسه.
استغلال واضطهاد
تؤكد الدراسة أن العاملات في المستعمرات يتعرضن للاستغلال والاضطهاد، فهن يحصلن على فرص عمل محدودة وأجور متدنية كما يضطرن للمخاطرة بالعمل بطريقة غير قانونية (بدون تصريح)، ففي لقاء مع إحدى عشرة عاملة من قرية زيتا (طولكرم) أكدن بالإجماع أن التصريح لا يعني لهن شيئا، كونهن يتجاوزن الحاجز مشياً، ويجدن الباص مع السمسار في الجهة الأخرى في انتظارهن، لنقلهن للعمل والعودة بذات الطريقة.
وعلى لسان إحدى العاملات من مخيم الجلزون “يرسل لنا (السمسار) سيارات الفورد، والعاملات من بيت سيرا، وعاملات من بلعين وعدد من العمال العرب، نذهب بالسيارات، وعندما نقترب من حواجز التفتيش ننزل ونمشي على الأقدام من طرق ترابية، نلتف خلالها حول الحواجز، لنجد السيارات بانتظارنا في الجانب الآخر، نركب السيارات ونصل إلى مواقع العمل”.
والفرق بين الإناث والذكور( وفق الباحثة ) أن الذكور يعملون أيضاً بشكل غير رسمي وبدون تصاريح ولكنهم يجازفون في البحث عن العمل أما الإناث فغالبيتهن يذهبن للعمل بعد الاتفاق مع السمسار الذي يأخذ على عاتقه نقلهن ذهاباً وإياباً، وهذا ما يجعل البعض يتقبل فكرة عمل أبنته أو زوجته أو أخته في المشاريع الإسرائيلية.
خلاصة القول: من الواضح بأن الأيدي العاملة في المستعمرات الإسرائيلية يعملون في المستعمرة بدون آفاق ولا يعرفون تأثير هذا العمل على مستقبلهم؛ لذلك وجب أن يكون هنالك توعية على الصعيد السياسي بإعداد برامج توعية تهدف إلى التعريف بخطورة العمل في المستعمرات وتعزيز انتماء العاملات للوطن .
كذلك، يتوجب تعميق البحث وعمل المزيد من الدراسات عن الضغوط النفسية للمرأة العاملة في المستعمرات الاسرائيلية، والضغوط النفسية لأطفال العاملات في المستعمرات الاسرائيلية.
التعليقات مغلقة.