خياران في شمال شرق سورية….أمام أمريكا وعملائها / د. خيام الزعبي
د. خيام الزعبي ( سورية ) – الثلاثاء 26/12/2023 م …
لا يخفى على أحد حجم الفخاخ التي نصبت وتنصب للدولة السورية من أجل إخضاعها وتدميرها كمصير باقي دول المنطقة، ونحن ندرك جيداً أن أمريكا هي التي تحرك العالم بأكمله مثل لعبة الشطرنج وتستخدم كل الوسائل الخبيثة واللعب بأوتار الفتن الطائفية باسم الدين ونشر الفوضى وتقسيم الدول إلي دويلات من أجل نهب واستغلال ثروات هذه البلاد وتقسيم الأدوار على بعض حلفاؤها بما يحقق مصالحهما وأهدافهما في بلدنا.
اللافت هنا ، في بداية الحرب على سورية، عندما سيطرت داعش وأخواتها على حقول النفط في سورية، كان يُنقل النفط إلى تركيا بواسطة صهاريج، فحينها، كما تشهد وسائل الإعلام، تاجرت به عائلة الرئيس التركي. أما في الوقت الحالي، فتم عزل تركيا عن حقول النفط وأصبحت أمريكا تنهب النفط السوري بشكل يومي بالتواطؤ مع قسد المدعومة من أمريكا، وإخراجها عبر معبر الوليد غير الشرعي إلى العراق، ومن ثم بيعه والمتاجرة به.
على الرغم من التصريحات المزدوجة للرئيس الأمريكي بايدن بشأن انسحاب القوات الأمريكية من سورية، فإن هذه القوات في الواقع لن تغادر هذا البلد طواعية فقد اتجهت واشنطن، بكل وضوح إلى الاستيلاء على حقول النفط السورية والاحتفاظ بالسيطرة عليها وسط مخاوف من أن يسيطر عليها الجيش العربي السوري نفسه الذي عزز وجوده مؤخرا هناك.
وتزامنا مع هذه المستجدات الأخيرة، تتمسك أمريكا بالسيطرة على مناطق معينة في سورية، لضمان استمرار سرقة نفطها وقمحها والتحكم بالممرات البرية في شرق سورية لذلك يحاول الرئيس الأمريكي تبرير سرقته للنفط ، بذريعة محاربة الإرهاب ، بينما بايدن نفسه أعلن في أكثر من مرة بأنه يريد النفط السوري، من الواضح أن هذا التخبط في سياساته الخارجية ليس بالأمر الجديد، كما ترى واشنطن في تواجدها شرق سورية ورقة يمكن أن تستخدمها لتأمين مصالحها في أي تسوية للأزمة السورية مستقبلا ً، بعد آن فقدت كل أوراقها هناك بفضل صمود الجيش العربي السوري.
على هذه المنحنى تستخدم الإدارة الأمريكية “قسد” حالياً كأدوات مثالية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة سواء لإثارة المتاعب لحكومة ذلك البلد أو لتحقيق أهداف أخرى مختلفة ، وفي النهاية ستتخلى أمريكا عن قوات سورية الديمقراطية كغيرها من الحلفاء الذين اعتادت الولايات المتحدة بيعهم والتنكر لخدماتهم. من دون شك، لا صداقة مع أحد تدوم ولا وفاء لأحد يستمر، هذا هو المنطق السياسي الأمريكي في التعامل مع الأنظمة الحاكمة ، منطق الغدر هذا لا يستثني أحدا، ليس فيه مكان لحليف أو صديق، الجميع سواسية، المعيار الوحيد هو المصلحة.
ومن الواضح أن واشنطن ستبدأ عملية عودة قواتها المسلحة إلى وطنها بعد انهاء جرائمها على الأراضي السورية وستترك الشعب الكردي في مواجهة المسائل المعلقة كما تركت الشعب الأفغاني في مواجهة مسلحي طالبان. ويجب على الشعب الكردي بأكمله وقادته أن يدرك وضعهم كـ “ورقة مساومة” في أعين البيت الأبيض فيجب عليهم أن يتفهموا عدم جدوى المزيد من التعاون والمساعدة للجانب الأمريكي على أمل حل مشاكلهم، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير عملائها أبداً.
ومع تقدم الجيش السوري في الشمال السوري، أمام أمريكا وحليفتها قسد خياران لا ثالث لهما ، الخيار الأول هو خروج القوات الأمريكية بشكل فوري من الأرض السورية المحتلة، و أن ترفع يدها عن سورية وأن تتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يجرى اتفاق على إنهاء ظاهرة الميليشيات والقوى المتطرفة المتفاقمة، ولا بد من وقف كل أشكال الدعم الغربي لهذه المجموعات في سورية ووقف ضخ الإرهابيين بالمال والسلاح، أما الخيار الثاني على قسد اللحاق بالركب في تغيير سياستها والتوافق مع دمشق وإن اتخاذ مواقف عدائية معها لا يحقق أهدافها ومصالحها .
وبقراءة موضوعية للأحداث على الأرض السورية، فإن بؤر الإرهاب تتساقط تحت ضربات الجيش السوري ، وتتساقط معها أحلام وأوهام عاشها بعض المغفلين الذين توهّموا سهولة إسقاط سورية ، فبعد سلسلة الهزائم التي مُنيت بها هذه القوى المتآمرة ، بدأت هذه القوى إعادة النظر في استراتيجيتها القائمة والمعلنة اتجاه سورية
مجملاً … يبدو إن الحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين بأن عام 2024م سيكون عام المغامرات والمفاجآت، فالمنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة، وها نحن نعيش انتصارات سورية وتراجع أعدائها بعد سنوات من الفشل والهزائم المستمرة لفقدانهم زمام المبادرة والسيطرة على مسار المواجهة العسكرية الجارية في البلاد، خاصة بعد أن أستطاع الجيش السوري كسر المعايير المتعلقة بالتوازن وإسقاط كل حسابات تركيا والغرب بشأن سورية.
ومن هنا فإن خريطة الطريق الوحيدة الممكنة للوصول الى الأمن والاستقرار في سورية هي تلك التي تنطلق من التعامل مع التحديات الراهنة ببُعد نظر ورهان للمستقبل بعيداً عن الارتهان للماضي ومآسيه، والعمل تحت سقف مشروع سياسي جامع لكل مفردات سورية الجديدة والتركيز على المصالحة بين كافة أطياف وأطراف المشهد السوري والعمل على إيجاد أهداف ومعان مشتركة جامعة قادرة على استقطاب كافة السوريين تحت سقف واحد.
وعلى ذلك وجب على السوريين الثقة في جيشهم ومؤسساتهم وعدم الانسياق والانجرار خلف من يدفعوكم لفخاخ الفوضى والتقسيم، وأخيراً وكما اعتدتم مني وأنا أختم كلماتي اجعلوا سورية قبلتكم ولا تحيدوا ولا تتخلواً أبدا عنها فهي معيننا الذي لا ينضب بإذن الله.
التعليقات مغلقة.