تونس بين 2023 و 2024 / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 26/12/2023 م …
كانت الدّيون الخارجية سببًا مُباشرًا في احتلال تونس من قِبَل فرنسا سنة 1881 (وكذلك مصر من قِبَل بريطانيا سنة 1882)، فقد راكمت حكومة البلاد – التي كان استقلالها داخليا ونسبيًّا عن الدّولة العثمانية – ديونًا خارجية ضخمة بين سنتَيْ 1863-1865 وعجزت عن سداد الأقساط، خلال فترة حكم محمد الصادق باي (من أسرة الحُسَيْن بن علي التي حكمت البلاد من 1705 حتى نهاية حكم البايات سنة 1957) وحاولت الدّولة زيادة مواردها من خلال زيادة الضّرائب وتصدير الإنتاج المَحَلِّي، ومنه الإنتاج الفلاحي، غير إن الجفاف وانخفاض المحاصيل أرهق المواطنين، فكانت انتفاضة علي بن غذاهم، سنة 1964 تعبيرًا عن غضب المواطنين الذين أرهقَتْهم الضرائب والمجاعة فضلا عن انتشار الأوبئة، ولما عجزت الدّولة عن السداد شكّل الدّائِنون، وأهمّهم فرنسا، لجنة الرقابة المالية لموارد الدّولة، سنة 1869، وهو الدّور الذي يُؤَدِّيه حاليا صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي، وكانت تشكيل “اللجنة المالية الدولية” مُقَدّمَةً للإحتلال العسكري بعد 12 سنة، سنة 1881…
تَضاعف حجم الدّيُون الخارجية للبلاد خلال الفترة 2012 – 2021، وهي عشْرِية حُكْم الإئتلافات التي قادها الإخوان المسلمون، وتُشكّل الدّيون عبئًا ثقيلاً على اقتصاد البلاد والمواطنين من الجيل الحالي والجيل اللاّحق، ما يرفع احتمال التخلف عن سداد الديون الخارجية سنتَيْ 2024 أو 2025، وأدّى ارتفاع الدّيُون وتوجيه الإقتصاد نحو قطاعات غير إنتاجية إلى تحويل البلاد إلى مُتَسَوِّل يستجدي الدُّيُون بشروط مجحفة، وأعلن الإتحاد الأوروبي يوم 20 كانون الأول/ديسمبر 2023،
قرر الاتحاد الأوروبي الإفراج عن مبلغ 150 مليون يورو، في إطار “التعاون المشترك بشأن إدارة الحدود وإجراءات مكافحة التهريب لتخفيض الهجرة غير المنظمة إلى أوروبا” على إثر الزيارات المُتعدّدة لمسؤولي الإتحاد الأوروبي إلى تونس خلال سنة 2023 (رئيسة حكومة إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيسة المُفوّضيّة الأوروبية أوروسلا فون دير لين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روت…) وتندرج “مكافحة الهجرة غير النظامية” ضمن بنود “الشراكة الإستراتيجية والشاملة” بين تونس والاتحاد الأوروبي الموقعة بتونس بتاريخ 16 تموز/يوليو 2023، وتحتاج تونس إلى السيولة بالعملات الأجنبية لشراء الحليب والطّحين (الدّقيق) والسُّكّر والأرز وغيرها من السلع الأساسية الضّرورية، مع تخصيص جزء كبير من إيرادات الدّولة لسداد الديون التي فاقت نسبتها 80% من الناتج المحلي الإجمالي، ولما عجزت الحكومة التونسية عن الحصول على قُرُوض خارجية، طرحت اكتتابا رابعا خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر لتكملة ميزانية العام 2023 بمبلغ 700 مليون دينار ( 225,33 مليون دولارا ) إضافة إلى 800 مليون دينارأ جمعتها من ثلاث اكتتابات سابقة، خلال سنة 2023، في ظل توقعات بارتفاع نسبة العجز من 5,2% كانت مُتوقّعَة سابقًا إلى 7,7% من الناتج المحلي الإجمالي، وأعلنت الحكومة التونسية إنها تمكنت، بنهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، من سدد 81% من ديونها الخارجية البالغة 20,8 مليار دينار للعام 2023، ونجحت في تسديد أقساط القروض الخارجية، التي حلّ أجلها سنة 2023 رغم تعطّل الإتفاق مع صندوق النّقد الدّولي – وفق بيانات وزارة المالية على هامش مناقشة مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2023، إمن قِبَل مجلس النّوّاب – وأفضى هذا التعطيل إلى صعوبة الإقتراض الخارجي وإلى زيادة الإقتراض الدّاخلي من المصارف المحلية (وبعضها فُرُوع لمصارف أجنبية) التي بلغت نسبة أرباحها 13% بفعل ارتفاع نسبة الفائدة، ما جعل المصارف من أكثر القطاعات رِبْحيّةً في البلاد بفضل دُيُون الدّولة، وهو ما حصل في لبنان وما أدّى إلى انهيار اقتصادها، ورغم ارتفاع إيرادات تحويلات العمال التونسيين بالخارج والسياحة (التي لا يعرف أحد، بما في ذلك محافظ المصرف المركزي، حجم إيراداتها الحقيقية)
توقعت الحكومة، قبل أشهر، أن تصل حاجيات التمويل لسد عجز ميزانية 2023 نحو 23,5 مليار دينار أو ما يُعادل 7,5 مليار دولار، ما يُحتم على الدّولة اقتراض مبلغ يفوق 4 مليارات دولارا من الخارج، فضلا عن ثلاثة مليارات دولارا من السوق المالية الدّاخلية، لتحقيق التوازن المالي سنة 2023، ويتعين على الدّولة أن تُسدّد سنة 2024، ديونا خارجية بقيمة 3,9 مليارات دولارأ، بزيادة حوالي 40% عن سنة 2023، ما يزيد حاجة الدّولة إلى القروض الخارجية، من 3,32 مليار دولارا سنة 2023 إلى حوالي 5,2 مليار دولارا سنة 2024، منها قرض جزائري بقيمة 300 مليون دولار وقرض سعودي بقيمة 500 مليون دولار وقرض من المصرف الإفريقي للتوريد والتّصدير بقيمة 400 مليون دولار، ما قد يرفع حجم الدّين العمومي من 40,8 مليار دولارا سنة 2023 إلى نحو 45 مليار دولار سنة 2024، أو ما يُعادل 80% الناتج المحلي الإجمالي إذا ما ارتفع نمو الإقتصاد (الناتج المحلِّي الإجمالي) من 0,9% سنة 2023 إلى 2,1% سنة 2024 وهي نسبة ضعيفة جدًّا في اقتصاد يعتمد على تصدير المواد الخام، ولا يُحقق قيمة زائدة مرتفعة (مثل تحويل المواد الخام إلى مواد مُصنَّعَة والصناعات عالية الدّقّة والتقنية… ) ولا تُمَكِّنُ من استيعاب الدّاخلين الجُدُد إلى “سوق العمل”، ناهيك عن آلاف المُعَطّلين السّابقين، في ظل تراجع إنتاج القطاع الفلاحي – بسبب الظُّرُوف المناخية والجفاف – من 11% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال النصف الأول من سنة 2022 إلى 8,7% خلال النصف الأول من سنة 2023، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي من 26,7 مليار دينارا إلى 25 مليار دينارًا بعد سداد الدّيون بنهاية الرّبع الثالث من سنة 2023…
تونس بنهاية سنة 2023
عَمّقت جائحة “كوفيد-19” الأزمة التي كانت قائمة قبل ذلك، ثم انهار الإنتاج الفلاحي بفعل الجفاف، فانكمش الاقتصاد بنسبة 8,8%، سنة 2020، وارتفع العجز التجاري ووصَلَ عجز الموازنة إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت نسبة الدَّيْن العُمومي 80% من الناتج المحلي، وتبحث الدّولة عن قروض جديدة كل سنة مالية لتسديد القروض القديمة وفوائدها المرتفعة، فكانت النتيجة انخفاض احتياطي العملات الأجنبية وعجز الدّولة عن توريد السّلع الأساسية التي كان يمكن إنتاج بعضها محلّيًّا لولا أوامر الدّائنين التي تمنع ذلك، فاختفت بعض السلع الغذائية كالسّكّر والطّحين والحليب والأرز وكذلك الأدْوِيَة، وانتعش القطاع المصرفي الذي حقق أرباحًا بنسبة 13% بفضل القروض التي طلبتها الدّولة بالدّينار…
يُتَوقّع أن يفوق عجز الميزان التجاري (الفرق بين قيمتي الصادرات والواردات) 25 % بنهاية سنة 2023، وارتفاع التضخم من 8,3% بنهاية سنة 2022 إلى 11% بنهاية سنة 2023 ويَتَوَقَّعُ مشروع موازنة سنة 2024 نُمُوّ اقتصاد البلاد (الناتج المَحَلِّي الإجمالي) من نسبة 0,9% سنة 2023 إلى 2,1% سنة 2024 في حال عدم ارتفاع نفقات دعم الغذاء والوقود والكهرباء، وزيادة الضرائب على الفنادق والمطاعم والمشروبات والمصارف و بعض الشركات، وخفض فاتورة رواتب موظّفي القطاع العام ( تجميد التّوظيف وعدم زيادة الرواتب وعدم تعويض المُتقاعدين…) وتستهدف الحكومة خفض عجز الميزانية من 7,7% سنة 2023 إلى 6,6% سنة 2024 رغم زيادة حاجتها إلى القروض الخارجية من 10,5 مليار دينار (3,32 مليار دولار) سنة 2023 إلى 16,4 مليار دينار (5,20 مليار دولار) سنة 2024، وفق مشروع الميزانية، وتسعى الحكومة إلى اقتراض 3,2 مليار دولار، بعد حصولها على قروض بقيمة 1,2 مليار دولارا و حوالي 1,5 مليار دولارا من أربع اكتتابات…
لا يَهُمُّ الفقيرَ أو المُعَطّل عن العمل أن يسمَعَ خطابًا جميلاً، بل يُرِيد عَملاً ودَخْلاً يُمكّنه من تلبية حاجياته وحاجيات ذَوِيه، أو – على أقل تقدير – أن لا يفقد الأمل في تجاوز مشاغله وأن تُقَدّم السّلطة مشاريع قابلة للتّمويل وللإنجاز بهدف سدّ الفجوة الطّبَقِية – أو على الأقل تضْيِيقها – وتوفير الوظائف والدّخل المُحترم لكي لا يُغامر الشباب بحياتهم بحثًا عن بعض السّراب في أوروبا، ولكي لا يُغادر ذَوُو الكفاءات بلادهم التي أنفقت الكثير على تأهيلهم…
التعليقات مغلقة.