من كواليس العُدوان الصهيوني / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 27/12/2023 م …
في جبهة الأعداء – 1
رَصْدُ مرتزقةٍ أمريكيينَ نُقِلُوا من أوكرانيا إلى غزة
تعترف شركة المرتزقة الأمريكية “مجموعة المُراقبة الأمامية” (Forward Observations Group – FOG ) بإرسال مُقاتلين إلى أوكرانيا منذ آذار/مارس 2022، وتفتخر الشركة بمشاركة مرتزقتها في القتال إلى جانب جيش أوكرانيا والمنظمات اليمينية المتطرفة والفاشية مثل آزوف، وتحديداً في معركة سيفيرودونيتسك، وأعلنت الشركة إنها نقلت عددًا من المُرتزقة الأمريكيين من كييف إلى النّقب (جنوب فلسطين) وإن لديها مُقاتلين داخل غزّة المُجاورة لمنطقة النّقَب، ونشرت حسابات FOG الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي (‘تم الإطلاع عليها يوم 11 كانون الأول/ديسمبر 2023) العديد من الصور ومقاطع الفيديو من فلسطين المحتلة، بما في ذلك المناطق الجنوبية القريبة من حدود غزة وقطاع غزة نفسه، وتظهر بعض الصور معدات مزينة بالرّايَتَيْن الأمريكية والأوكرانية…
لم يتمكّن الجيش الصهيوني الذي تدعمه كافة القوى الإمبريالية والمرتزقة والقنابل والصواريخ والطيران وأجهزة التّجسّس والرقابة، والسفن الحربية والدبابات الأمريكية والتدمير والإبادة، طيلة أكثر من سبعين يومًا، من الإستيلاء على أكثر من 20% من مساحة غزّة، غير إن تَوَرُّطَ مرتزقة أمريكيين في العدوان يُشير إلى عولمة الهجوم على الشعب الفلسطيني، خصوصًا من قِبَل مرتزقة هذه الشركة ذات السّمعة السيئة جدًّا التي ساهمت في أوكرانيا في القتال والتّدريب وجَمْعِ المعلومات الإستخبارية، والتخطيط للعمليات التكتيكية، وتتميز – خلافًا للجيش الأمريكي النّظامي – بسرعة التّكَيُّف وبمُرونة الحركة والتّنقّل، ويُعتبر استخدام شركات المرتزقة شكلا من التّحايل الأمريكي على القوانين الدّاخلية والدّولية…
ارتفاع التّكاليف
على الجبهة الدّاخلية للعدو، غادر الآلاف من سكان المُستعمرات القريبة من غزة ومن مُستوطِنِي الضفة الغربية فلسطين المحتلة، منذ بداية العُدْوان وردّ المقاومة الفلسطينية على جيش العدو، للعودة إلى بلدانهم الأصلية، وقُدّر عدد المُغادِرِين بنحو 470 ألف مُستوطن، وفْقَ تقديرات “هيئة السكان والهجرة” الصهيونية، التي لا تشمل إحصاءاتها آلاف العمال الأجانب والنازحين والدبلوماسيين الذين غادروا الأراضي المحتلة، فيما انخفض عدد اليهود القادمين من الخارج بنسبة 70% بين السابع منتشرين الأول/اكتوبر ونهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وفقا لبيانات وزارة الهجرة والاستيعاب، التي أعلنت “إن حوالي أَلْفَيْ شخص فقط هاجروا إلى إسرائيل بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023″، مقارنة بحوالي 4500 شهريًا في المتوسط منذ بداية العام 2023 وحتى بداية العُدْوان الصّهيوني…
كانت “الإصلاحات القضائية” (تغْيِير دَوْر المُؤسسات التّحكيمية والتي تُخفّض من حدّة الصراعات في صفوف مُكوّنات المُستوطنين)سببا في ارتفاع عدد المتقدمين للحصول على جوازات سفر، وخصوصًا من قِبَل ذوي المُؤَهّلات والخبرات، كالأطِبّاء، وقفز عدد الراغبين في المُغادرة بشكل كبير، منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، يُعلّل مكاتب الإحصاء المركزي لدولة العَدُوّ هذه الأرقام “السلبية” بالنسبة لمؤسسات دولة الكيان، بالخسائر الإقتصادية الفادحة حيث أغلقت ثُلُث الشركات أبوابها أو تعمل بحوالي 20% من طاقتها، كما عانت أكثر من نصف الشركات من خسارة في الإيرادات تزيد عن 50%، ولذلك فإن تصعيد المُقاومة – رغم ارتفاع الخسائر – يُرهق مجتمع المُستوطنين وأجهزة دوْلَتِهِم والنّسيج الإجتماعي المُصْطَنع، وتُقوّض المقاومة أركان الإستيطان من هجرة وسياحة واستثمارات أجنبية إلى أن تُصبح خسائر الإستعمار الإستيطاني أعلَى من إيراداته فتحاول الإمبرياليات الرّاعية والدّاعمة له التّخلُّص منه…
دعم عسكري أمريكي
زودت الولايات المتحدة الجيش الصهيوني بعشرات الآلاف من الذخائر منذ بداية العدوان على فلسطينِيِّي غزة، بما في ذلك الفسفور الأبيض واليورانيوم المُنَضّب، المحرميْن دوليا، وتم إلقاؤهما على سكان غزة ولبنان، وألقَى الجيش الصهيوني أكثر من 22 ألف قنبلة أمريكية الصنع على غزة خلال الأسابيع الستة الأولى من الحرب، وفقًا لأرقام نشرتها صحيفة واشنطن بوست، نقلا عن وثائق الكونغرس ونَقَلت وزارة الحرب الأمريكية، خلال الفترة نفسها، ما لا يقل عن 15 ألف قنبلة، بما في ذلك القنابل الخارقة للتحصينات التي تزن طنّا واحدا لكل منها، وأكثر من 50 ألف قذيفة مدفعية من عيار 155 ملم استخدمت لقتل نحو 20 ألف فلسطيني – أكثر من نصفهم من النساء والأطفال – إضافة إلى 14 ألف قذيفة دبابة، أرسلتها وزارة الحرب الأمريكية خلال الأسبوع الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2023، ولا تزال عمليات نقل الأسلحة مُستَمِرّة، من بينها ما لا يقل عن 200 طائرة شحن من المعدات العسكرية والذّخيرة والمَرْكَبات المُدَرّعة والأسلحة من الدول الحليفة بين 7 تشرين الأول/اكتوبر و 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وفق وزارة الحرب الصهيونية، وأكّدت منظمة العفو الدّولية استخدام الجيش الصهيوني للأسلحة المُحرّمة، في غزة ولبنان منذ بداية العدوان…
من جهة أخرى تعتمد الإمبريالية الأمريكية على عُملائها من الأنظمة العربية، وأعلنت إنشاء “تحالف دولي”، يتمثل في إنشاء قُوّة عسكرية بحرية مع السعودية والإمارات “لحماية خطوط الشحن الإسرائيلية في البحر الأحمر”، وفق مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وسبق أن أشارت وسائل الإعلام الأمريكية (يومَيْ 12 و 13 كانون الأول/ديسمبر 2023) إلى ارتفاع تكاليف الشحن في البحر الأحمر، بسبب إطلاق الصواريخ من قِبَل المُقاومة اليَمَنِيّة على السّفن التي لها علاقة بالكيان الصهيوني…
في جبهة الأعداء – 2
قدّرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تكلفة العدوان على فلسطينيِّي غزة بنحو 3,6 مليارات دولارا، حتى منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ولا تهتم الصحيفة بخسائر الشعب الفلسطيني بل لا ترى الواقع سوى من خلال مِنْظار صهيوني، حيث علّلت “الخسائر” باستدعاء 360 ألف جندي احتياط وإدماج ما لا يقل عن 250 ألف منهم في الجيش ما يُقلّص أعداد العاملين بنسبة 20% فضلا عن إلغاء تصاريح العُمّال الفلسطينيين ومغادرة آلاف العاملين الأجانب، وخَفَّضَ المصرف المركزي الصّهيوني – خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 – توقّعاته للنمو من 3% إلى 2% بنهاية 2023، واعتبرت الصحيفة إن هذه التّوقّعات متفائلة وغير واقعية، وكتب موقع الصحيفة الصّهيونية “يديعوت أحرونوت” يوم الاثنين 25/12/2023، أنّ تكلفة الحرب بلغت 65 مليار شيكل (دولار أمريكي واحد = 3,62 شيكل ) أو حوالي 17,5 مليار دولارا أو ما يُعادل الميزانية السنوية التي يُخصصها العدو للتسلح والأمن، ولا يشمل هذا المبلغ المُساعدات الأمريكية والألمانية التي تفوق قيمتها السنوية سبعة مليارات دولارا، وأرسلت الولايات المتحدة 230 طائرة شحن و20 سفينة تحمل ذخائر لسلاح الجو الصهيوني وقذائف مدفعية وعربات مُدرّعة وعتاد قتال، كما استخدمت بريطانيا والولايات المتحدة قواعدهما بقبرص للتّجسّس ولإرسال الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، ومن بينها قذائف المدفعية والمركبات المدرعة والمعدات القتالية الأساسية للجنود، واستخدم الجيش الصهيوني مخزونات مستودعات الطوارئ الأميركية في النّقب (جنوب فلسطين) والأردن وغيرها. كما أعلنت الصحيفة الصهيونية إن السّلاح المتطور لم يَحُلْ دون “ارتفاع الضحايا والخسائر (الصهيونية) أكثر بكثير مما كان مُتَوَقَّعًا… غير إن هذه مَسْألة حسّاسة ومُعَقّدة ولا يجوز التوسع فيها أثناء الحرب…”
الدّعم التكنولوجي
تُدير شركة “إنتل” (صناعة الرقائق والتقنيات والبرمجيات المتطورة) أربعة مواقع للتطوير والإنتاج في فلسطين المحتلة، وأهم مركز لها في ضواحي تل أبيب وقدّمت دَعْمًا بقيمة خمسين مليون دولارا، سنة 2022، لدَعْم برامج البحث والتطوير في مجال الإلكترونيات والذكاء الاصطناعي وتدريب التقنيين والمهندسين الصهاينة، فضلا عن تمويل المشاريع الرياضية والإجتماعية للجيش وللمستوطنين، وأعلنت بناء مصنع جديد لتصنيع الرقائق والشرائح الإلكترونية بقيمة 25 مليار دولار، وهو أكبر استثمار أجنبي، بعد إعلان استثمار بقيمة عشر مليارات دولارا سنة 2021، وتوظف الشركة نحو 12 ألف عامل في فلسطين المحتلة، ويتوقع أن يُضيف هذا المصنع آلاف الوظائف في اختصاصات تكنولوجية متقدّمة، وكتبت وكالة رويترز يوم الثلاثاء 26 كانون الأول/ديسمبر 2023، إن حكومة العدو الصهيوني أَقَرّتْ منحةً بقيمة 3,2 مليار دولارا للتّسريع بإنشاء هذا المصنع الجديد للرقائق في الأراضي التي تُصادرها السّلطات الصهيونية من المواطنين الأصلِيِّين بمنطقة “النَّقَب” بجنوب فلسطين، وأعلنت شركة “إنتل” إن توسيع مواقعها للإنتاج في مستعمرة “كريات جات ” ( التي تم بناؤها على أنقاض قرية “عراق المنشية” التي تم تدميرها وتهجير سكّانها الأصليين سنة 1949، وتقع على بعد 55 كيلومترا جنوب تل أبيب و40 كيلومترا شمالي بئر السّبع) يندرج في إطار دعم الكيان وكذلك “لتعزيز مُرُونة سلسلة التوريد… إلى جانب استثمارات الشركة المستمرة والمخطط لها في التصنيع في أوروبا والولايات المتحدة”.
يُتوقّع افتتاح المصنع الجديد سنة 2027 ويُقَدّر الإستثمار الأولي للمصنع بنحو عشرة مليارات دولارا، وتصل قيمة منحة الحكومة الصهيونية إلى نحو 12,8% من إجمالي الاستثمار الأول، إضافةً إلى التزام شركة إنتل بشراء ما قيمته 60 مليار شيكل (16,6 مليار دولار) من السلع والخدمات من الموردين الصّهاينة على مدى العقد المقبل، وفق وكالة رويترز 26/12/2023
(دولار أمريكي واحد = 3,62 شيكل)
دَرَجات الصّحافيين
عندما يُقْتلُ صحافي أوروبي أو أمريكي تُنَدّد نقابات الصّحافيين بالإغتيال أو الإعتقال، وهي مُحِقّةٌ في ذلك، لأن مُهمّتها تتمَثَّلُ في الدّفاع عن الصحافيين، شرط أن لا يكون الصحافي فلسطينيا وأن لا يكون القاتل صهيونيا.
أعلنت لجنة حماية الصحفيين ( منظمة غير ربحية تعنى بحرية الصحافة، وفق تعريفها لنفسها بموقعها) ومقرها الولايات المتحدة يوم الخميس 21 كانون الأول/ديسمبر 2023، إن الأسابيع العشرة الأولى من العدوان الصهيوني كانت “الحرب الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للصحفيين، مع تسجيل مقتل أكبر عدد من الصحفيين خلال عام واحد في مكان واحد”، فقد تم اغتيال 68 صحافيا، من بينهم 61 فلسطينيا، وأربعة يحملون الجنسية “الإسرائيلية”، وثلاثة لبنانيين، في عملية استهداف الصحفيين وأُسَرِهِمْ من قِبَل الجيش الصّهيوني”، دون مُحاسبة أو اتهام، أو حتى مجرد تنديد من قِبَل زملائهم في المهنة، ويُشكل اغتيال الصحافيين وأفراد عائلاتهم جُزءًا من الحرب الإعلامية إلى جانب انقطاع الإتصالات ونقص الأغذية والوقود والمأوى، فيما لا يستطيع الصحفيون الأجانب دخول قطاع غزة المُحاصَر حوالي منذ 18 سنة…
قَدّرت أَوْساط العاملين في مجال الصّحة بقطاع غزة عدد ضحايا العدوان الصهيوني بأكثر من عشرين ألف حتى يوم الإربعاء 20 كانون الأول/ديسمبر 2023 فضلا عن الآلاف الذين بقوا مدفونين تحت الأنقاض والمئات من المُصابين الذين دفنتهم جرّافات جيش العَدُوّ وهم أحياء، ومع ذلك يحظى الكيان الصّهيوني بدعم غير مشروط من قِبَل حكومات وبرلمانات ووسائل إعلام دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأعضاء حلف شمال الأطلسي…
مقاطعة الكيان = مقاومة
وجّهَتْ مجموعة من ست أطباء يعملون في مدينة غنت بألمانيا، بدعم من جمعية العاملين بقطاع الرعاية الصحية (القطاع العام)، نداءً إلى زملائهم من الأطباء والصيادلة وإلى المواطنين، يطالبون بالتّوقف عن وصف منتجات وأدوية شركة تيفا الصهيونية (أكبر شركة عالمية للأدوية الجَنِيسَة) من قِبَل زملائهم الأطباء ويطالبون من الصيادلة والمواطنين مقاطعتها، لأن الشركة تدعم العدوان على فلسطينيِّي غزة “وتدعم انتهاكات حقوق الإنسان هناك”، وفق محطة إذاعة محلية بلجيكية الناطقة باللُّغَة الفلمنكية ( راديو 2 – يوم الإربعاء 20 كانون الأول/ديسمبر 2023 ) وتنتج شركة “تيفا” أدوية جَنِيسَة – Generic drugs – (أي أدوية التي لم تعُد تحتكرها الشركات التي ابتكرتها، شرط عدم استخدام نفس الإسم) رخيصة إلى حد ما، وبعضها متاح أيضًا بدون وصفة طبية، مثل الباراسيتامول والإيبوبروفين، وهي تُسَدّد الضرائب في فلسطين المحتلة لمساعدة دولة الإحتلال في استعمار واحتلال فلسطين، ما يجعلها مُشاركة في الإحتلال والعدوان وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وشعوب البلدان العربية المُجاورة، ويُعلّل نص النّداء المُقاطعة بفعل وجود العديد من البدائل المُتَوفِّرَة…
هذه مبادرة نادرة جدًّا في دولة مُتَصَهْيِنَة مثل ألمانيا، ثاني أكبر داعم للكيان الصّهيوني بعد الولايات المتحدة ولم تدعم نقابة الأطباء المبادرة ولكنها لم تتجرّأ على التنديد بها، بل أعلن ناطق باسمها: “الشيء الأكثر أهمية هو أن تظل مصلحة المريض هي الأولوية القصوى. يجب أن يكون المريض على علم بالأدوية التي يتلقاها وأن يكون له رأي فيها أيضًا”…
التعليقات مغلقة.