أحداثٌ ستة ومصير المنطقة / إيهاب زكي
إيهاب زكي ( الأحد ) 30/10/2016 م …
يرفض العراق بشكلٍ قاطع طلبًا أمريكيًا لمشاركة تركيا في عمليات تحرير الموصل، تعلن تركيا عن توجه قواتها نحو الباب تمهيدًا لتحرير الرقة، تقوم روسيا وسوريا بتوجيه تحذير لطائرة تركية بعدم الاقتراب من الأجواء السورية، يعلن الحشد الشعبي تكليفه من قبل رئيس الوزراء العراقي بتحرير تلعفر، تعلن قوات التحالف-أمريكا- عن تعليق عملياتها في الموصل مؤقتًا، يعلن سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي عن أزمة تهجير في مناطق الموصل تُمارَس على أسس مذهبية. هذه أحداث منتقاة من سيلٍ جارف تغرق به يومياتنا ولا يترك لنا فسحة التقاط الأنفاس، وهذه الأحداث كما أظن صالحة للاستنباط والاستنتاج، لأنها العمود الفقري الذي تقوم عليه كل المعارك، فتصريح الجبوري يأتي في نفس السياق الذي يأتي به الإعلان الأمريكي عن تعليق عمليات التحالف، حيث ينم كلاهما عن احتجاج أمريكي على الموقف العراقي من التدخل التركي، خصوصًا وقد بلغ التحدي ذروته بتكليف الحشد الشعبي بمعركة تلعفر ذات الغالبية التركمانية، كما أن تلعفر التي ستشكل ممرًا من طهران إلى الضاحية مرورًا بدمشق، ستكون بيد الحشد ذي الاصطفافات المعلنة.
فأردوغان في صباح ذلك اليوم تلقى صفعتين، أضاعتا منه طريق الإعلام فالتزم الصمت على غير عادته، كانت الأولى تكليف الحشد بتحرير تلعفر والثانية التحذير الروسي السوري لطائراته بعدم الاقتراب من الأجواء السورية، وهذا التحذير هو مما يجعل من قواته أو المجاميع الإرهابية التي يرعاها تحت بند الاعتدال غير قادرة على التقدم دون غطاء جوي. فقد قال أردوغان قبيل هذا التحذير بأنه اتصل بالرئيس الأمريكي وأطلعه على خطته للتوجه نحو مدينة الباب ثم الرقة، فجاء هذا التحذير كرسالة له بأنه اتصل بالعنوان الخطأ، وأن من سمح له ابتداءً باستعراض عضلاته الخاوية حين استبدل دواعش اللحى بدواعش حليقة، هو فقط من يمنحه الإذن وليس أوباما، فهو توغل في الأراضي السورية بناءً على ضوء أخضر ثلاثي، روسي إيراني سوري، وليس بناءً على جدار أمريكي صلب يستند إليه. ولكن ميول أردوغان المَرَضية لا تمكنه من امتلاك القدرة على التمييز بين قوته الذاتية والقوة الممنوحة له، فالوضع الجيوسياسي الحالي الذي أعطى أردوغان هامش اللعب على المتناقضات، ليس جغرافيا ثابتة تمنحه صكوكًا دائمة الفعالية كالنصوص المقدسة، وعليه الآن أن يعيد لعبة الإيحاء بالتحولات الجذرية في السياسة التركية-إن عاد لها نفس المفعول-، وهي الإيحاءات التي حاز بموجبها الأضواء الخضراء، لا اتصالاته مع أوباما.
لم يقتصر تكليف الحشد الشعبي على تحرير تلعفر بل تخطاه للوصول إلى الحدود السورية، بما يعني من عرقلة لما أسماه السيد نصرالله بـ”خطة التكديس”، وهي خطة أمريكية لإخراج داعش من الموصل باتجاه سوريا، كما صرح وزير الخارجية الروسي باستعداد بلاده لمنع تنفيذ هذا التكديس. وأقر الاجتماع الثلاثي في موسكو بين وزراء خارجية روسيا، إيران وسوريا استعداده تفعيل غرفة العمليات الرباعية الروسية الإيرانية السورية العراقية لمحاربة الإرهاب، كل هذا يدخل في جملة تفسير القرار الأمريكي بتعليق عمليات التحالف المحدودة أصلًا، كما يفسر قيام نفس القوات بتكرار قصف الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي –بالخطأ-، وآخرها بالأمس. فالوجود التركي في معركة الموصل كان بهدف خدمة هذه الخطة الأمريكية الأساسية، مع محاولة إقناع العراق بتحمل النتائج “الهامشية” للوجود التركي من أطماع جغرافية في أرض العراق، فالولايات المتحدة تريد فاصلًا “جيوسنيًا” بين العراق وسوريا، وهو ما سيُنتج تشرذمًا في الجغرافيا العراقية والسورية، يستطيع أردوغان استغلاله لسد الفجوات في دماغه العثماني، عبر الاستحواذ على بعض الشرذمات. ولكن حتى هذه اللحظة، فإنّ خطة التكديس تفشل وأطماع أردوغان تصطدم بجدارٍ مكين يشكله تحالف دمشق، وهذا ما ستنتهي إليه الأمور، خصوصًا وأن أردوغان أعجز أو بالأحرى “أعْبَد” -أشد عبودية- من التمرد على تبعيته للولايات المتحدة.
إن سياسة قضم الجغرافيا من بين براثن الإرهاب التي يمارسها الجيش السوري وحلفاؤه هي نفس سياسة القضم السياسي التي يمارسها الحلف ذاته، فالوقت يعمل لصالحه عبر الاستحواذ على أكبر قدرٍ ممكن من التنازلات الأمريكية، وذلك عبر الاعتراف بإرهابية المجاميع العاجزة عن فك اتباطها بداعش والنصرة، وهو العجز الذي سيؤدي في النهاية إلى الاعتراف بشرعية ما يقوم به الحلف من معارك، وبعيدًا عن الوقاحة الدبلوماسية والإعلامية التي أصبحت مجرد ضغط معنوي بلا أدنى قيمة استراتيجية مؤثرة في صناعة المستقبل، كما هو حال الإسهال الإعلامي النفطي عن استهداف الحوثيين لمكة المكرمة، فهم أولًا ليسوا حوثيين، هم يمنيون يدافعون عن بلادهم من غزوٍ يسعى لاستعبادهم، ثانيًا فإنّ هذا التجييش عبر تزوير الوقائع وتزيين الهزائم بلا أدنى قيمة على سير المعارك، باستثناء إيغال الصدور بالحقد لخدمة المشروع الصهيوني بمذهبة المنطقة وتطييفها. وإلّا، فإنّ هذه الشعوب الصامتة على الجرائم السعودية في اليمن، لن يضير اليمن وأهله صراخها وتكاذبها بالحرص على المقدسات، لذلك ورغم أني مطمئن للنهايات بانتصار سوريا وحلفها إلا أني لا أستطيع تلمس الفرق بين الاعتقاد والتمني بأن تشهد الفترة ما بين انتهاء الانتخابات الأمريكية وبين استلام الفائز مهامه تغيرات دراماتيكية لصالح هذا الحلف توفيرًا للوقت والجهد والدم.
التعليقات مغلقة.