الأردن العربي – الخميس 28/12/2023 م …
في هذه السطور، نروي، من وحي العزة التي يسطّرها أبناء غزة ضد القوات المتوغلة في القطاع؛ من وحي ما نراه من بأسٍ وقوّة لدى الرجال المشتبكين مع العدو، والملتحمين بآلياته وتحصيناته. نروي منافسة واحدة بين رماح ومحمد.. من سيطلق القذيفة؟
لم تكن فلسطين بالنسبة إليهما مكاناً جغرافياً يقطنان فيه وينتميان إليه فحسب، بل كانت أيضاً السرَّ الذي يحركهما منذ كانا طفلين.
وُلدا في الجزائر، ثم عادا مع أسرتهما إلى قطاع غزة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987. رماح ومحمد فايز الحسني، شقيقان من رحم غزّة، كبرا معاً في عائلةٍ تفهم فلسطين وتعرفها جيداً، وتسعى بكل طاقتها لتكون من العائلات التي يسجَّل اسمها في تاريخ من قدّموا أرواحهم فداءً ونصرةً لبلادهم، ومن أجل انتزاع حريةِ شعبهم وأمتهم.
رماح ومحمد، الطفلان اللذان تنافسا منذ صغرهما في الانتفاضة الأولى على من يستطيع أن تصل حجارته إلى الحاجز العسكري، الذي يحتمي وراءه جنود الاحتلال، تنافسا بعد ذلك على من يتمكن من صناعة “مولوتوف” حارق ليلقيه على دورية للجنود الذين كانوا يسيرون قرب ميدان الشهداء في مخيّم الشاطئ غربيّ غزة، ثم أصبحا شابّين ينتميانِ إلى نهج المقاومة المسلَّحة في فلسطين مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، ليتنافسا على من يتمكن من اصطيادِ عدد أكبر من جنود الاحتلال، تفجيراً أو قنصاً، حتى أصبحا قائدين عسكريَّين في المقاومة الفلسطينية، يشتبكان، يدربان، ويتقنان القيادة اشتباكاً من دون راحة… حتى الاستشهاد.
في هذه السطور، نروي، من وحي العزة التي يسطّرها أبناء غزة ضد القوات المتوغلة في القطاع؛ من وحي ما نراه من بأسٍ وقوّة لدى الرجال المشتبكين مع العدو، والملتحمين بآلياته وتحصيناته. نروي منافسة واحدة بين رماح ومحمد.. من سيطلق القذيفة؟
‘يا راجل ليش سحبت القاذف مني؟!”
في السابع عشر من رمضان 2007، جاءت إشارة من وحدة الرصد في كتيبة بيت حانون لأخي القائد رماح، مفادها أن هناك قوة “إسرائيلية” تتمركز في أحد البيوت. مباشرة أبلغ رماح أخي محمد كونه يعمل في وحدة مضاد الدروع.
وذهبا معاً إلى المكان.
رماح يحمل منظاراً ليتأكد بنفسه، ومحمد يحمل RPG-P7. تم تحديد الهدف، وكان محمد في انتظار أمر من حبيبه وقائده رماح من أجل التحرك والإطلاق.
فجأةً، سحب رماح من يد محمد القاذف، وتوجّه من مسافة أمتار في اتجاه القوة، واستهدفها، الأمر الذي أدى إلى قتل وإصابة كل من كان في الغرفة، من جنود وضبّاط.
غضب محمد، لأنه كان يُفترَض أن يطلق هو القذيفة. وعاد حينها إلى البيت، وهو عاتب على رماح، لا يتحدث إليه!
جلستُ بينهما، وسمعتُ محمد يقول: “يا راجل ليش سحبت القاذف مني!؟؟ ليش قلتلي تعال؟ المفروض أنا إلي اضرب مش إنت.. اختصاصي هذا”.
ضحك رماح وأخبره: “راح عوضّلك ياها والله”. وجاءت الأيام.
قدّم رماح اسم أخيه محمد في أول مجموعة سافرت إلى إيران للتدرب على صواريخ “الكورنيت”. وعاد بعد أشهر إلى غزة، وكتب الله لأخي محمد استهداف عدد من الآليات، وتدريب عشرات الشبان على استخدام “الكورنيت”، ليكتب الله له الأجر كلما ضُربت دبابة، وكلما أطلق رجال الله في غزة قذيفة تجاه الغزاة المعتدين.
الشهادةُ أبلغُ منافسة
المنافسة بينهما لم تهدأ، حتى بلغ الأمر الشهادة، ليرتقي رماح في عملية اغتيال “إسرائيلية” في أثناء قيادته سيارته غربي دير البلح وسط قطاع غزة، في 7-9-2011. وتمضي السنون، ويلتحق به منافسه وحبيب قلبه أخوه محمد، ويستشهد في قصف استهدف المنزل بتاريخ 24-10-2023 خلال معركة طوفان الأقصى، ليرتقي شهيداً مع 9 من الأهل والأبناء.
كأنه يقولُ لرماح: “عذراً على التأخير يا أخي، لكنني الآن آتيك، وبصحبتي أبنائي وأختاي روند ورند، وتركتُ ورائي رجالاً يُكملون طريقنا بأساً وحباً، حتى تكشف فلسطين سرّها للعالم، وننتصر”.
التعليقات مغلقة.