تفويض أوباما: جرس إنذار أم إعلان حرب ؟ / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي** ( سورية ) الأحد 15/2/2015 م …
** كاتب أكاديمي في الشأن الدولي
من المثير للجدل إن شركاء واشنطن في الإئتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يضم أربعين دولة، لا يعرفون ما هي خطة أميركا في هذه الحرب، ولا يلمسون موقفاً أمريكياً موحداً لا بين البيت الأبيض والكونغرس، ولا داخل الكونغرس، ولا حتى بين أوباما والبنتاغون، وكان الرئيس أوباما قد طلب تفويضاً من الكونغرس مدّته ثلاث سنوات، لإرسال قوات خاصة إلى العراق وسورية في منتصف حزيران المقبل، تكون مهماتها محدّدة، إن هذا الطلب بالتفويض بإعتقادي يحمل بين طياته الكثير من التساؤلات أهمها، هل جاء طلب أوباما إلى الكونغرس والخاص بمنحه تفويضا للقضاء على داعش ليعكس بالفعل رغبة أميركية حقيقية في إنهاء هذه المأساة أم أن خلف الأكمة ما وراءها؟، خاصة في ضوء الغموض وعدم الوضوح الذي يلف الطلب، وبعد أن صرح رئيس مجلس النواب جون بنيير بأنه لم يرَ بعد إستراتيجية من شأنها إنجاز المهمة في محاربة داعش.
منذ السنة الماضية حتى اليوم قدم أوباما أطروحات متناقضة بشأن الإستراتيجية الأمريكيةً لمحاربة داعش، ففي شهر آب قال إنه طلب وضع إستراتيجية لهذه الحرب، وفي شهر تشرين الأول أشار الى وجود هذه الإستراتيجية، ثم كانت المفاجأة العظمى عندما كشف موقع “بريت بارت” الأميركي إن أوباما تحدث عن الإستراتيجية قبل ان يطلعه البنتاغون عليها، ولعل ما يزيد الطين بلة تأكيد رئيس مجلس النواب الأمريكي بأن مقترح تدريب القوات العراقية والمعارضة السورية يمكن ان يستغرق سنوات طويلة، كل هذا يدل على إن أوباما يتحرك وفق إستراتيجية السير على البيض في مواجهة داعش، بما يؤكد نظرية الجنرال جون آلن منسّق الائتلاف إن القضاء على تنظيم داعش يحتاج الى فترة زمنية طويلة تمتد من ثلاث سنوات الى عشر سنوات، كما سعى أوباما أيضاً في نفس الطلب، إلى إبطال التفويض بإستخدام القوة العسكرية التي منحها الكونجرس قبل حرب العراق عام 2002، والإبقاء على التفويض الممنوح في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لمحاربة تنظيم القاعدة والمجموعات المنشقة عنه.
في سياق متصل إن توسيع النطاق الجغرافي للحرب على تنظيم داعش، بحسب مشروع القانون الذي طلب الرئيس أوباما من الكونغرس التصديق عليه، يأتي بهدف الدفاع عن الأردن والسعودية بالدرجة الأولى، وليس لإرضاء الجمهوريين المنادين بإرسال قوات برية، بدليل أنه تضمن بنداً لعمل كل ما يمكن لمنع توافد المقاتلين الأجانب إلى العراق وسورية، ومعنى ذلك أن ضرب قواعد التطوع يمكن أن تشمل أي مكان في المنطقة الواقعة بين حلب في أقصى شمالي سورية، وعدن في أقصى جنوبي اليمن، ومن بغداد حتى سيناء، ليشمل ذلك حماية الأردن والأراضي السعودية.
تسبب طلب الرئيس أوباما من الكونغرس تفويضاً باستخدام القوة العسكرية ضد داعش في سورية والعراق، بشرخ داخل المجلس بين الجمهوريين والديمقراطيين، وإختلطت المواقف والأوراق داخل الكونغرس، بسبب مسودة إقتراح أوباما، بين أعضاء من الجمهوريين والديمقراطيين، وسط مؤيد ورافض لها على خلفية غموض ما تقدم به الرئيس الأمريكي، كون هذا التفويض لم يحدد الحدود الجغرافية أي ليس في العراق او سورية فحسب بل أنها تشمل كل منطقة او جماعة تعود أو ترتبط بداعش, ولم يحدد القوات العسكرية التي ستشارك فيها وهذه العمليات سيكون للتدخل السريع لإنقاذ الرهائن او الطيارين الذين يستهدف طياراتهم أثناء الغارات الجوية، وأن هذا التفويض وان كان صالحاً للعراق، إلا أنه ستعاني من خلل كبير في سورية لعدم وجود حليف أمريكي واضح المعالم فيها، ، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تريد ضبط الإرهاب القاعدي والداعشي لتعيد إستعماله ضد روسيا والصين وإيران ضمن خطتها الإستراتيجية لضرب القوى المنافسة عالمياً ولترويضها، وهي تسعى في مواصلة الحرب على سورية إلى الإلتفاف على هزيمتها ومنع إنهيار حلفائها وشركائها الذين تورطوا بقيادتها في العدوان على سورية
هناك منظور آخر في بيان التفويض يثير قلق دول منطقة الشرق الأوسط، إذ يتضمن فكرة مواجهة داعش والجماعات المؤيدة له والمساندة والداعمة في أي مكان حول الأرض سواء كان عربياً أو أجنبياً، كونه لا يحدد التفويض نطاقاً جغرافياً معيناً، ومعنى ذلك أن حال حصول أوباما على هذا التفويض يمكنه أن يباشر عملياته الخاصة في العراق أولا، إنما الإشكالية الحقيقية ستتجلى في سورية، فهل سنرى القوات الأميركية البرية على الأرض في سورية؟ وما مدى قبول الروس والإيرانيين والسوريين أنفسهم لمثل هذا التدخل البري في سورية؟.
في إطار ذلك حتى يحصل القانون على مشروعيته، لابد من موافقة مجلسا النواب والشيوخ على إقتراح البيت الأبيض بعد تعديله في ختام جلسات إستماع ومناقشات مكثفة في الكونغرس، وفي ظل الإنتقادات الموجّهة الى مشروع القانون، قد يطول الجدل لشهور عدة قبل أن يصدر قانون إعلان الحرب، ومعنى ذلك ببساطة شديدة أن خطة القضاء على داعش لن تنتهي في رئاسة أوباما، بل سيقوم بترحيل الملف إلى خلفه، وبالتالي، يتوقع أن تلعب هوية الرئيس المقبل الحزبية دوراً حاسماً في تحديد ما إذا كانت هناك حاجة لخوض حرب برّية في كل من سورية والعراق، وبالتالي إن هذا التفويض يعد تناقض جوهري صريح لإقتراحات أوباما، حيث وعد بسحب الولايات المتحدة من الحروب، والحد من سلطة الرئيس في استخدام القوة، ولكن في الواقع يرغب في توسيع سلطته وعمل على تأجيج حدة الصراعات والحروب في المنطقة.
في الختام يمكنني القول إن هذا التفويض هو من أجل التدخل ورسخ القواعد في المنطقة لكي تجني أمريكا ثمار تشكيلها للتحالف الدولي ورئاستها له, لأنه من غير المعقول أن تكون هناك حرب بدون أهداف و ثمار على الرغم من مرارتها و خسائرها المادية و البشرية, و من الجانب الأخر يكون اقرب الطرق و أسرعها لحماية مصالحها في الشرق الاوسط وحماية حلفائها من الذين شاركوا معها في حرب داعش و خاصة أقليم كوردستان العراق، بمعنى أن داعش ستكون الأداة والذريعة الأميركية التي ستعيد الوجود العسكري الأميركي المسلح إلى الشرق الأوسط من الشباك، بعد أن خرج رسمياً من الباب بفضل المقاومة الشعبية التي كبدته الخسائر في العدة والعداد، بإختصار شديد إن المنطقة تعيش مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له من مؤامرات، ولذلك لا بديل عن مصالحة تاريخية تعيد الإعتبار للوطن وتمنع تمزقه، ومعالجة جروح الأزمات بإعادة الإعتبار لقيم الإنتماء والتلاحم الوطني وتجاوز خطاب الأزمة والفرقة في كل مسارات العمل السياسي.
التعليقات مغلقة.