عوائل شهداء حزب الله يتحدثون إلى الميادين نت عن حلم فلسطين الذي لا يبرح وفقدان الروح /

الأردن العربي –  الأربعاء 3/1/2024 م …




على الشريط الحدودي بين جنوب لبنان وفلسطين المحتلة جدار إسمنتي بناه الاحتلال الإسرائيلي عام 2012، ليكون فاصلاً بين لبنان وكيانه المحتل المؤقت، ظناً منه أنه بذلك قد يحتمي من هجمات المقاومة الإسلامية، لكنّ الجنوبيين وبروح النكتة التي يتمتعون بها سخروا مراراً من فكرة وجود السياج، ومن الوهم الإسرائيلي بأن هذا السياج يمكنه حجب رؤيتهم لحبيبتهم فلسطين وجارتهم الأزلية، والتي يساوي تحريرها بالنسبة إليهم الدنيا وما فيها.

نفسه هذا السياج موجود بين غزة وغلافها حيث المستوطنات، والذي عبره المناضلون ببسالة منقطعة النظير في السابع من أكتوبر. حتى باتت هذه الفواصل تشكل كابوساً للمستوطنين حيثما وجدوا قرب النار ورجال المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

إنه تاريخ موحد ونضال مشترك، وكأننا نتحدث عن أرض واحدة تمتد من كروم تلك القرى الجنوبية الفسيحة، التي ارتوى زيتونها من دماء أبطال هذه الأرض دفاعاً عنها، وصولاً إلى بساتين الليمون الساحرة في الجليل، وكل الأراضي المحتلة الممتدة على طول الشريط الحدودي، التي استوطنها إسرائيليون فروا من مستعمراتهم في الشمال عند أول استهداف مباشر لها. 

عبثاً تحاول قتل روح المقاومة

تعرف “إسرائيل” تماماً ماذا تعني فلسطين للبنانيين، تعرف أنها قضيتهم تماماً مثلما هي قضية الفلسطينيين، وعبثاً تحاول قتل روح المقاومة في كل عاشق لها، وكل من يحمل هم تحريرها في قلبه وعقله ووجدانه.

من غزة التي صارت المدينة الأيقونة في الصبر والصمود ورفض الاحتلال والظلم والإصرار على المقاومة وكسر عنجهية الاحتلال، إلى لبنان وتحديداً جنوبه، في جبل عامل المقاوم الذي بذل الدماء على طريق القدس ونصرة لغزة والقضية الفلسطينية الوطنية والقومية والروحية والإنسانية والدينية، بالرغم من محاولات التعتيم عليها وتغييبها عن المشهد.

إلى أن جاءت معركة “طوفان الأقصى” التي هزت صورة الكيان الغاصب أمام العالم في السابع من أكتوبر، لتعيد القضية إلى مركزيتها كونها قضية إسلامية وطنية مشتركة، ولتحيي من جديد، في وعي الشعوب العربية وكذلك الغربية، أهمية المقاومة في التصدي للغطرسة الصهيونية وإجرام الاحتلال الذي استفحل في حرب غزة، فلم يمر على الشاشات أبشع وأفظع مما ترتكبه “إسرائيل” هناك بحق الإنسانية والطفولة في عصرنا الحديث.

من هنا، تكتسب هذه المعركة وشهدائها “على طريق القدس” في لبنان، كما أطلق عليهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أهمية تنفرد بها عن المعارك السابقة التي خاضها رجال المقاومة الإسلامية في لبنان على أكثر من جبهة، بدءاً من تحرير جنوب لبنان عام  2000 وصولاً إلى حرب تموز 2006، ومن ثم الحرب في سوريا من عام 2011، والمعارك البطولية التي خاضتها المقاومة ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية هناك.

فالجبهة اللبنانية هي امتداد حقيقي لمعركة “طوفان الأقصى”، وهي “المعركة الحلم”، التي طالما انتظرها رجال المقاومة للدفاع عن فلسطين وأهلها ومقدساتها.

بيد أنه وفي كل المعارك السابقة بقيت فلسطين البوصلة، والحلم والمحرك للوجدان والعمل المقاوم بأشكاله كافة، فهي الغاية وهي المعركة الأساسية التي لأجلها تخاض كل المعارك سواء مع العدو الصهيوني أو التكفيري. وقد خصص السيد حسن نصر الله، جزءاً مهماً من خطابيه اللذين تليا عملية “طوفان الأقصى” للحديث عن أهمية المعركة الاستراتيجية وخصوصيتها و قدسيتها.

لا يزال والد الشهيد محمد منصور، الحاج حسن منصور، يستذكر اللقاء الأخير الذي جمعه بابنه قبل ارتقائه شهيداً، كانت المعركة في الجنوب قائمة وكان على محمد أن يلتحق برفاقه المرابطين على الجبهة هناك.  

يؤكد الحاج منصور أن ابنه كان متأهباً ومتشوقاً في آن لخوض معركة الجنوب نصرة لغزة، بيد أن للشهيد محمد منصور وصية قالها لوالده في اللقاء الأخير قبل أيام قليلة من استشهاده، وقد ورد فيها: “أعرف أن الفراق عليك وعلى والدتي صعب في حال رزقني الله الشهادة، فأنا أخبر بعاطفتكما تجاهي، ولكن اعلم يا والدي أن هذا الفراق لا يساوي شيئاً أمام مشاهد الأطفال التي تمزق في غزة”. 

بهذه الروحية ذهب محمد إلى الجهاد. محمد الذي يكشف والده بأنه يحمل الجنسية الأميركية إلى جانب جنسيته اللبنانية، لم يفكر يوماً في ترك هذا الخط والسفر وعائلته إلى الولايات المتحدة مثلاً ليؤسس حياته هناك، بل كان هدفه بعيداً كلياً عن ذلك، وظل متمسكاً بخط الجهاد وظل حلم تحرير فلسطين يراوده مذ كان في السادسة عشر من عمره.

يعبّر الحاج منصور عن فخره واعتزازه بشهادة ابنه محمد، “هذه نعمة”، يقول، مضيفاً: “نحن عندما نقدم أبناءنا لمحاربة إسرائيل، ليس حباً بالموت والقتال، نحن لدينا عاطفة كبيرة وروح ولكن نرفض الظلم والقتل، ومستعدون لآخر لحظة أن نقدم أنفسنا وكل ما نملك للدفاع عن فلسطين والفلسطينيين”.

كالحاج منصور يحكي محمد شحيمي شقيق الشهيد خليل شحيمي، عن حياة الشهيد شحيمي المليئة بالتضحيات والصمود، فقد كان “كريم النفس، عزيزاً، مقداماً في الحرب، وشجاعاً”.

“شارك في كل المعارك السابقة، خصوصاً في سوريا في القصير والقلمون والبوكمال وغيرها في وجه الجماعات الإرهابية، كما خاض أشرس المعارك في حرب تموز في بنت جبيل تحديداً، والآن شاء الله أن يمنّ عليه بالشهادة في هذه المعركة المفصلية ووجهتها فلسطين التي أحب”.

شحيمي شدد على أن عائلته بكل أفرادها تربّت على مبادئ الجهاد والدفاع عن الوطن وتشرّبت حبّ فلسطين منذ نعومة أظفارها: “يعزّ علينا الفراق، ولكن الشهيد خليل نال ما تمنى وهذا فخر وعز لنا”.

من عوائل الشهداء من قدم على هذا الطريق أكثر من شهيد، كحال عائلة الشهيد علي بركات التي قدمت ثلاثة شهداء في معارك مختلفة. فالشهيد علي ارتقى مؤخراً في معركة “طوفان الأقصى” عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. وهو أخ لشهيدين، محمد بركات الذي استشهد في حرب تموز عام 2006، والشهيد حسام بركات الذي استشهد في عام 2017 في معركة الدفاع المقدس في سوريا.

حنان بركات وهي أخت الشهيد علي تؤكد نشأته وأخويه في منزل يعرف طريق النصر والشهادة، وكان عمله كمقاوم أولوية في حياته. “فرح الشهيد علي كثيراً عند حدوث عملية طوفان الأقصى، فهي المعركة التي استبشر بها خيراً، على الرغم من تألمه كثيراً لمشاهد الإجرام بحق أهالي غزة، فلم يبخل بروحه ودمه لمساندتها”. 

وتضيف حنان: “نحن كعائلة نفتخر أننا قدمنا ثلاثة شهداء منا في معارك مختلفة وكلها في سبيل الله، وفي سبيل الدفاع عن المقدسات والأرض والعرض وتحرير فلسطين”. وتختم حنان بالتأكيد أن “الفراق صعب عليهم لكن شهادتهم فخر للعائلة”.

هؤلاء الشهداء قدموا أرواحهم وتركوا خلفهم عائلاتهم وأطفالهم وزوجاتهم، ليساندوا غزة المنكوبة، والتي تشهد على أبشع جرائم العصر من قبل محتل غاصب يهاب من بسالة هؤلاء وإقدامهم في حربهم ضده.

معركة لا غبار عليها

“المعركة ضد إسرائيل كاملة الشرعية، لو أردنا أن نبحث عن معركة كاملة الشرعية من الناحية الإنسانية ومن الناحية الأخلاقية ومن الناحية الدينية فلن نجد معركة كمعركة القتال مع هؤلاء الصهاينة والغزاة المحتلين لفلسطين، هذه معركة لا غبار عليها ضد الصهاينة على المستوى الإنساني، على المستوى الأخلاقي، على المستوى الديني، ولذلك هي من أوضح وأصدق مصاديق القتال في سبيل الله هذا ما يجب أن نعرفه جميعاً”. هذا ما أكده  السيد نصر الله في الاحتفال التكريمي لشهداء طريق القدس في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر.

ولعلّ السيد نصر الله أراد بذلك قطع الطريق على كل المشككين في شرعية هذه المعركة أولاً، وإيصال رسالة للاحتلال الإسرائيلي بأن المقاومة في لبنان لن تسكت عن جرائم الاحتلال في غزة، وستقوم بما يمليه عليها الواجب الديني والأخلاقي والإنساني في الدفاع عن عدالة قضية فلسطين حتى التحرير الكامل وتحقيق الوعد الإلهي.

وفي خطابه الأول بعد بدء المعركة، الذي وصف بالخطاب المفصلي، والذي انتظره ملايين الناس حول العالم، كشف السيد نصر الله حينها أن ما يجري على الجبهة اللبنانية غير مسبوق في تاريخ الكيان منذ عام 1948، فهو لم يحصل حتى في حرب تموز، لافتاً إلى تعرض كل المواقع العسكرية الإسرائيلية من البحر إلى أعالي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لعمليات هجومية يومية ومركزة، فضلاً عن استهداف الدبابات والآليات والمسيرات والجنود وتجمعاتهم وتجهيزاتها الفنية.

هي معركة حقيقية مختلفة عن كل المعارك التي خاضتها المقاومة في لبنان وفق السيد نصر الله، سواء قبل عام 2000 أو في 2006 وما بعدها. هي معركة من نوع آخر في ظروفها، وحيثياتها وعناوينها، فضلاً عن أدواتها واستهدافاتها وإجراءاتها. 

هي إذاً معادلة حربية من نوع آخر كرّست معادلات وقواعد اشتباك جديدة لم يعهدها الاحتلال الإسرائيلي سابقاً، فاليوم من يفرض إيقاع المعركة هي المقاومة، وقد أشار السيد نصر الله في هذه النقطة  إلى أن هذا الإيقاع واحتمالية التصعيد يرتبطان بما يجري في غزة وسلوك الاحتلال تجاه لبنان.

وفي خطابه الثاني خلال مراسم إحياء يوم الشهيد في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر، أعاد السيد نصر الله التشديد على أهمية معركة “طوفان الأقصى” وشهدائها في لبنان “على طريق القدس”، ما دامت الحرب على غزة متواصلة بوحشيتها، حينذاك، كانت المقاومة قد زفت كوكبة كبيرة من الشهداء، وقد توجه السيد نصر الله إلى عوائلهم بالقول إنهم أصبحوا شركاء حقيقيين بالدم في هذه المسيرة، في تضحياتها، في إنجازاتها، في انتصاراتها، في التهديدات التي تُواجهها، وفي المخاطر التي تُعاني منها، لافتاً إلى أنهم الأشد لهفةً وقلقاً على هذه المسيرة، واحتضاناً لها واستعداداً لتقديم المزيد من التضحيات.

هي إذاً مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق البيئة الحاضنة للمقاومة والتي تقدم المزيد من الشهداء على هذا الطريق،  خصوصاً في المعركة الحالية التي قدمت فيها المقاومة ولا تزال شبابها على طريق القدس ونصرة لغزة.

“نحن مستعدون لكل التضحيات في سبيل فلسطين”، يقولها هؤلاء بالفم الملآن، فخورين بشهدائهم الذين ناضلوا واستبسلوا في نضالهم وكفاحهم في معركة لا تشبه كل المعارك.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.