“رضي الموسوي” شهيدُ الثَّباتِ على طريقِ فلسطين / د. محمد الحوراني

د. محمد الحوراني ( سورية ) – الخميس 4/1/2024 م …




أنْ تتحدّثَ عن الـمُقاوَمةِ ومِحْوَرِها يعني أنْ تتحدّثَ عن نهجٍ وفكرٍ وعقيدةٍ راسخةٍ رُسوخَ الجبالِ في العِلمِ والأخلاقِ واليقينِ بنَصْرِ الله مهما طالَ ليلُ الظُّلمِ، وازدادَ بَطْشُ الـمُحتلِّ وإجْرامُه.
أقولُ هذا، ونحنُ نعيشُ مرحلةً من أبهى مَراحلِ مِحْوَرِ الـمُقاوَمةِ الذي أفْشَلَ كثيراً من الـمُخطَّطاتِ والـمشروعاتِ الصهيونيّةِ الهادفةِ إلى تفتيتِ بُلدانِنا وتأجيجِ الـحُروبِ بينَ أبنائِها بـمُختلِفِ انتماءاتِهمْ، وهم يعيشونَ اليومَ مرحلةً جديدةً من مراحلِ إذلالِ الكيانِ الصهيونيِّ وتقويضِ وُجودِهِ بأيدي ثُلّةٍ من أبناءِ الشَّعبِ الفلسطينيِّ، الذينَ طالتْ مَظْلُومِيَّتُهم على أيدي القَتَلَةِ الـمُجرِمينَ من الصّهاينةِ وداعِميهم في الغرب، ولـمّـا أدركَ هؤلاءِ أنّ قُوّةَ مِحوَرِ الـمُقاوَمةِ وصَلابتَهُ وإنجازاتِهِ ما كانتْ لِتتَحقّقَ لولا القادَةُ الـخُلَّصُ والـمُقاتِلُونَ الأوفياء، كانَ لا بُدَّ أنْ يعمدَ قادَةُ الإجرامِ في العالمِ إلى التَّـحالُفِ الشَّيطانيِّ لاستهدافِ رِجالِ الـمُقاوَمةِ وقادَتِها، كما حدثَ قبلَ أربعةِ أعوامٍ تقريباً لـمّـا اغتالَ الأميركيُّونَ والصَّهاينةُ القائِدَينِ الشَّهيدَينِ قاسم سُلَيماني وأبي مَهْدِيّ الـمُهَنْدِسِ ورِفاقِهِما في بغدادَ، وهو الاغتيالُ الذي كرّسَ حُضورَ الفعلِ الـمُقاوِمِ وبهاءَهُ عندَ كثيرٍ من أبناءِ الـمِنْطَقَةِ والعالم، تماماً كما كرّسَ العُدوانُ الصّهيونيُّ، الـمُستَمِرُّ منذُ ثلاثةِ أشهُرٍ تقريباً، على فلسطينَ عامّةً وغزّةَ خاصّةً، حُضورَ القضيّةِ الفلسطينيّةِ والانحيازَ إلى عدالَتِها عندَ كثيرٍ مِنْ شُعوبِ العالم، كما أعادَها إلى سُلَّمِ الأولويّاتِ عربيّاً وعالميّاً بعدَ مُـحاوَلاتِ تَصْفِيَتِها والقضاءِ عليها، وما كانَ لهذهِ الـمُحاوَلاتِ أنْ تُـخْفِقَ لولا جُهودُ القادَةِ الرِّجالِ من أبناءِ فلسطينَ والأمّةِ الذينَ بَذلُوا حياتَهُم لأجلِ مُؤازَرَةِ الـمشروعِ الـمُقاومِ وإفْشالِ الـمُخطَّطاتِ الصّهيونيّة، وكانَ في مُقدّمةِ هؤلاءِ الأُباةِ الكُماةِ “السّيِّد رضي الموسويّ”، هذا القائدُ الشهيدُ والـمُؤمِنُ الـمُهاجِرُ الـمُصابِرُ، الذي باعَ نَفْسَهُ لخالقِهِ وقَضِيّتِهِ، إيماناً منهُ بأنَّ أجسادَنا ما خُلِقَتْ إلّا لتكونَ جِسراً نَعبُرُ عليهِ لتحقيقِ النَّصْرِ ورَفْعِ الظُّلْمِ الواقعِ على أبناءِ أُمّتِنا، تمهيداً لتحريرِ فلسطينَ مِنْ دنَسِ الـمُحتلِّ الـمُجرمِ والغاصبِ الـجبان.
لقد أدركَ السّيّد “رضي الموسويّ”، بإيمانِهِ وثباتِ يقينِهِ وعُمقِ بصيرتِهِ وخِبرَتِهِ العسكريّةِ والنِّضاليّةِ، أنَّ نُهوضَ الأمّةِ وقُوّتَها لا يتحقّقانِ إلّا بالقضاءِ على الكيانِ الصهيونيِّ واستئصالِ هذا الورَمِ الخبيثِ مِنْ جسدِ الأمّةِ، ولهذا فقدْ نذرَ حياتَهُ لخدمةِ المشروعِ الـمُقاوِم، وكانَ ثابتَ اليقينِ بقُدرةِ المشروعِ الـمُقاوِمِ على القضاءِ على الكيانِ الـمُجرِمِ وتقويضِ أُسُسِهِ، انطلاقاً مِنَ الإيمانِ الـمُطلَقِ بانتصارِ الحقِّ وأهلِهِ، وإنْ طالَ الزَّمَن، ولـمّـا كانَ دعمُ السيد”رضي الموسويّ” لهذا الـمِحْوَرِ كبيراً وفاعلاً، كانَ لا بُدّ أن يُصِيبَ رأسَ الكيانِ بالهيستيريا والجنونِ، فيُفْقِدَهُ صوابَهُ بعدَ كُلِّ إنجازٍ ونَصْرٍ يُـحقِّقُهُ الـمحورُ في دُوَلِـهِ كافّةً، ولهذا عمدَ إلى استهدافِهِ في سُورِيّةَ، التي أمضى جُلَّ حياتِهِ فيها، قائداً مُقاوِماً ومُستشاراً، تشهدُ الـمعاركُ على صوابِ رأيِهِ ورَجاحِةِ عَقْلِهِ، وهُوَ ما مكّنَهُ، إلى جانبِ الشُّرفاءِ من أبنائِها مِنْ مَدَنِيّينَ وعسكريّين، مِنْ إفشالِ الـمُخطَّطاتِ التي أُرِيدَ لها أن تستهدفَ المنطقةَ، وتُدمِّرَها انطلاقاً من سورية.

إنَّ ما قامَ بهِ العَدُوُّ الصهيونيُّ من اغتيالٍ للقائدِ الـمُجاهِدِ “السّيّد رضي الموسوي” ما هو إلّا مُـحاولة للتَّغطيةِ على هزائمِهِ وخسائِرِهِ الكبيرةِ في غزّةَ وجنوبِ لُبنانَ وسُوريّةَ والبحرِ الأحمر، ولا سيّـما أنّ القائدَ الشّهيدَ كانَ الشَّريكَ الأساسيَّ والقائدَ الميدانيَّ الـمِقْدامَ في مَعاركِ الـمِحْوَرِ وإنجازاتِهِ في شتّى البُلدان، ولهذا فإنَّ اغتيالَهُ لن يزيدَ هذا الـمِحورَ إلّا قُوّةً وثباتاً ويقيناً بالنصرِ الـمُؤزَّرِ، كيفَ لا، وقد أثبتَتِ الأحداثُ أنّ الاغتيالاتِ والتَّصفياتِ التي يقومُ بها الصهاينةُ وداعِمِيهم مِنْ شأنِها أن تزيدَ مِنْ صلابةِ وقوة المدرسةِ التي خرّجَتْ آلافَ الـمُقاوِمينَ، مِنْ فلسطينَ إلى سُوريّةَ والعِراقِ ولُبنانَ واليمنِ وإيران؟ كما أنّ هذهِ المدرسةَ جعلتْ أبناءَ الأمّةِ أكثرَ صلابةً وتَمسُّكاً بالإصرار على النَّصْرِ بعدَ كُلِّ عمليّةِ اغتيالٍ تَطُولُ أحدَ قادتِها، وما هذا الاغتيالُ الجبانُ إلّا بداية النهايةِ لهذا المشروعِ الصهيونيِّ الذي يعيشُ آخرَ أيّامِهِ بفضلِ بُطولاتِ الـمُقاومينَ في فلسطينَ ودَعْمِ الـمُخْلِصِينَ مِنْ أبناءِ الأمّة.
وإذا كانَ بعضُهم يرى في استشهادِ القائدِ “رضي الموسوي” انتهاءَ مرحلةِ رجالِ صفوةِ الجيلِ الأوّلِ الذينَ سارُوا على هذا الدَّرْبِ بصُحْبَةِ الحاج عماد مُغنية وغيرِهِ من القادَةِ الأبطالِ، فإنَّ المرحلةَ الـمُقبِلَةَ ستَشْهَدُ ولادةَ جيلٍ من الـمُقاوِمينَ الأبطالِ القادِرينَ على إذاقةِ الـمُحتلِّ الصهيونيِّ كُلَّ أصنافِ الإخفاقِ والهزيمةِ، بعدَ أنْ أظْهَرَتْ عمليّةُ طُوفان الأقصى هشاشةَ جهازِهِ الأمنيِّ والاستخباراتيّ، وبعدَ أنْ أثبتَتْ بسالةَ الـمُقاوِمينَ ورَباطةَ جأشِهِمْ وتَمسُّكَهُمْ بأرضِهِمْ، هشاشةَ القُوّةِ العسكريّةِ الصهيونيّةِ وتَصدُّعَها أمامَ صلابةِ الأبطالِ الغزّاويّينَ وصُمودِهم وتَمسُّكِهم بحَقِّهمْ وأرضِهم.
طُوبى للقائدِ “رضي الموسويّ” بشهادَتِهِ في سبيلِ تحريرِ فلسطين، وطُوبى للمدرسةِ التي أنْجَبَتْ قادةً كهؤلاءِ، فغدَتْ أنموذجاً يُستضاءُ بهِ في التضحيةِ والإباءِ والإصرارِ على التَّمسُّكِ باستعادةِ ما اغتُصِبَ مِنْ حقٍّ، وما احْـتُـلَّ مِنْ أرض.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.