صالح العاروري.. مهندس الطوفان وصانع المعادلة الجديدة للصراع / كمال خلف

كمال خلف ( فلسطين ) – الخميس 4/1/2024 م …

اغتيال الشيخ صالح العاروري “أبو محمد” خسارة كبيرة، ليس لحركة حماس فحسب، بل خسارة لكل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وخسارة لمسيرة العمل المقاوم. مقولة ان الحركة ولادة، وان استشهاد قائد لا يزيد رفاقه الا تصميميا على مواصلة الدرب، وان كانت مقولة دقيقة وقد اختبرتها كل حركات المقاومة في المنطقة، فبعد اغتيال الشيخ عباس الموسوي والشيخ راغب حرب، جاء ليوصل بعدهم قيادة حزب الله السيد “حسن نصر الله ” الذي قاد الحزب نحو التجذروالقدرة والنصر والقوة. وهذا ينطبق على الجهاد الإسلامي بعد اغتيال الأمين العام الأسبق فتحي الشقاقي والسابق رمضان عبد الله، ليأتي بعدهم من يجعل الحركة اصلب عودا واشد وطأة في مواجهة إسرائيل، كما ينطبق على باقي حركات المقاومة في فلسطين والمنطقة. لكن هذه الحقيقة المثبتة لا تناقض ان العاروري ترك فراغا كبيرا، الرجل مؤثر جدا في العمل المقاوم، وفي التواصل بين الحركة والقوى الفلسطينية، لاسيما حركة فتح، وداخل الحركة، ومع باقي اطراف محور المقاومة. لديه أفكار مبتكرة يضعها على الطاولة عند انسداد اي حوار او استعصاء في أي مفاوضات. ولدى إسرائيل الف سبب لتغامر بعملية اغتياله، واهم تلك الأسباب امرين: الأول هو قدرته على بناء مقاومة متماسكة متصاعدة في الضفة رغم كل المعوقات والصعوبات ومثابرته على تطويرها وجعلها اكثر خطورة على إسرائيل، والثانية ان إسرائيل لم تغفر له اخضاعها واذلالها خلال مفاوضات صفقة ” وفاء الاحرار ” المعروفة باسم صفقة شاليط عام 2011 واجبارها على الافراج عن 1027 اسيرا فلسطينيا مقابل جندي.




“القائد العاروري” خسارة كبيرة، وضربة موجعة لحركة حماس ولمحور المقاومة، وشعوب المنطقة المناصرة لنهج المقاومة، ولا اريد الخوض هنا في خيارات الرد، وكيف سيدير قادة الميدان عمليات الانتقام، واستراتيجية هزيمة إسرائيل، سواء في الحرب الراهنة، او الهزيمة المطلقة والنهائية في الحرب الأخيرة. ولا ادعي المعرفة ولا افضل التوقعات والتنجيم وقراءة المستقبل. ما هو ثابت الان ان إسرائيل رفعت مستوى التحدي، وان توسيع نطاق الحرب اصبحت هي المسؤولة الوحيدة عن حدوثه، وهي من يتحمل النتائج، وهي الطرف الذي يجب على الولايات المتحدة مخاطبته لمنع توسيع جبهات القتال والانتقال الى الحرب المفتوحة على جبهات بعضها معلوم وأخرى لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم. لم يعد مقبولا ان يأتي مسؤولون أمريكيون الى دولنا مطالبين بعدم توسيع الحرب، ويجب على كل مسؤول عربي يأتيه هذا الطلب بعد اليوم، ان يعطي الضيف الأمريكي عنوان مكتب نتنياهو في تل ابيب ليذهب اليه. اليوم المنطقة امام مفترق طرق، اما ان تلجم الولايات المتحدة ” الكلاب المسعورة ” في تل بيب وتوقف هذه الحرب، او الذهاب نحو المواجهة المصيرية مهما كانت النتائج والاثمان.
بعد اليوم لا يمكن لإسرائيل ان تطالب لبنان وحزب الله بتطبيق القرار ١٧٠١ بعد هذا الخرق الفاضح له، وهي خرقت القرار الدولي قبل ذلك عشرات المرات حتى قبل طوفان الأقصى والمواجهة العسكرية التي تلت ذلك على الحدود مع المقاومة اللبنانية. واي مسؤول غربي يطرح على اللبنانيين هذا الطلب، عليهم ارساله الى الحدود مع فلسطين المحتلة ليذهب من هناك الى إسرائيل ويقول هناك من كان يريد قوله في بيروت.

صالح العاروري حمل لقب مهندس الطوفان، هو لقب يستحقه الشيخ، فهو احد اهم المخططين لطوفان الأقصى والمؤمنين بأهمية قلب معادلة الصراع، وفرض وقائع جديدة بالقوة على إسرائيل وقد نجح مع اخوته في الحركة وبافي فصائل المقاومة في أولى خطوات هذا المشروع و اول الإنجازات كانت معركة سيف القدس 2021، كانت المبادرة من المقاومة بالهجوم لأول مرة في تاريخ مقاومة غزة، التي كانت سابقا تدافع وتدفع الغزوات الإسرائيلية المتتالية، لكن في سيف القدس كانت المبادرة الأولى دفاعا عن المرابطين في المسجد الأقصى، اما المبادرة الثانية والاكبر والاهم كانت طوفان الأقصى قبل ثلاثة اشهر. وبعدها دخلت إسرائيل في هستيريا، محاولة بالمجازر والابادة والتدمير منع المعادلة الجديدة، ومنع الانقلاب الاستراتيجي، والى الان رغم هول الفظائع لم تنجح.
الشيخ صالح أدى مناسك الحج العام الماضي، وهناك التقى باهله لأول مرة منذ ابعاده عن فلسطين عام 2010 قبل هذا التاريخ كان معتقلا منذ العام 1992.. توسط صديق له من اجل اخراج اهله واعطائهم تأشيرة الحج كي يتمكن من اللقاء بهم، وكان هذا لقاء الوداع الأخير في حضرة النبي الاكرم، عند بيت الله الحرام.
لم يكن مسموحا للشيخ صالح الإقامة بقطر بسبب الضغوط التي مورست على الدوحة لعدم استضافة العاروري تحديدا، وهو لم يرد احراجها، لكنه زارها عدة مرات، وقد طلب منه مغادرة تركيا، وغادرها الى بيروت عبر الأراضي السورية بعد ان سمحت دمشق له بالعبور الامن رغم حالة الخلاف التي كانت سائدة ان ذاك بين دمشق والحركة. لكنه أيضا تردد على تركيا عدة مرات.
وشهادة للتاريخ هناك دولة خليجية “لا اريد ذكرها تحسبا لاحراجها ” ليست قطر ” عرضت استضافة العاروري رغم الضغوط والتهديدات، وقال زعيم تلك الدولة فليأتي العاروري ويقيم في مكتبي هذا امنا، يسجل لتك الدولة هذا الموقف للتاريخ وربما يوما ما نذكر هذه الدولة العظيمة في تاريخها ومواقفها حيال القضية الفلسطينية.
صالح العاروري الشهيد القائد في غيابه لابد ان نذكر انه رجل ينبذ التشدد الطائفي واللغة الطائفية المذهبية، ويؤمن ايمان مطلق ان هذا النهج تشجعه إسرائيل والولايات المتحدة من اجل كسر العالم الإسلامي، ومنع نهوضه واشغاله بالانقسامات والتشرذم. وقد سمعت هذا الرأي منه خلال الصيف الماضي.
رحم الله أبو محمد.. واكبر الوفاء لدمه ومسيرته هو الانتصار على هذا العدو المجرم والمحتل، وتوحيد الساحة الفلسطينية فقد كان هذا همه وشغله الشاغل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.