دور المسيحية البروتستنتية في الإيديولوجية الصّهيونية, جُذُور الإستعمار الإستيطاني لفلسطين / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 5/1/2024 م …
مقدّمة
يتناول هذا النص العلاقة بين ما سُمِّي “عصر النّهضة” وظهور الطوائف البروتستانتية في أوروبا والدّعوة إلى تجميع اليهود الأوروبيين في فلسطين (مارتن لوثر)، وظهور الرأسمالية النّاشئة في أوروبا بداية من القرن السّادس عشر، ودور الجماعات أو المجتمعات المسيحية في الاستعمار وإظهار أن ولادة البروتستانتية تتزامن مع “النهضة” وولادة الرأسمالية في أوروبا، حيث كانت الجماعات البروتستانتية (بداية من القرن السادس عشر) أحد تعبيرات هذه الرأسمالية الناشئة التي حاربت الكنيسة، حليفة الإقطاعيين، وهي نفس الفئات التي أبادت السّكّان الأصليين في أمريكا الشمالية وفي أستراليا، وكذلك أطروحة مارتن لوثر وأمثاله القائلة بإعادة تجميع اليهود في فلسطين والتي لها معنى مزدوج، فمن ناحية، سيكون تجمع اليهود في فلسطين خطوة أساسية قبل عودة يسوع المسيح، وهذا هو المَغْزَى الدّيني، ومن ناحية أخرى، بما أن الكنيسة منعت اليهود من امتلاك الأراضي، فقد مارسوا مِهَنًا ذات طبيعة تجارية أو حرفية (الحدادون والنجارون وغيرهم)، وشكّلت هذه المهن أساس التراكم البدائي لرأس المال، وبالتالي كان التّجّار والحرفيون اليهود منافسين مباشرين للفئات البرجوازية المسيحية (البروتستانتية) الناشئة، ولذلك فمن الضروري إبعاد هؤلاء الرأسماليين الجدد (اليهود) بذرائع دينية ومن ثم استخدامهم كأساس أو قاعدة مُتقدّمة للاستعمار الأوروبي للشرق، الذي جسّدَتْهُ غزوة نابليون العسكرية التي سثمِّيَتْ “حملة نابليون على مصر والشّام” من 1798 إلى 1801 وكانت إيذانًا بهذه المرحلة الجديدة في تطور الرأسمالية: الإمبريالية…
الحركات الإستعمارية البروتستانتية الأوروبية
كان الكاهن وأستاذ اللاهوت الألماني “مارتن لوثر” (1483 – 1546) من الدّاعين لإصلاح الكنيسة في أوروبا، وتزامن ظُهُور هذه الفكرة مع بدايات تطور الرأسمالية، بالبلدان التي أصبحت تُدين بالمذهب البروتستانتي، ولمارتن لوثر موقف رجعي من الفلسفة وعلم المنطق، فهو معادي ورافض للفلسفة، وعُنصري تجاه المواطنين الأوروبيين من الديانة اليهودية، وإن غَلَّفَ موقفه بغلاف ديني، حيث بدأ يُرَوِّجُ مع أتباعه أصحاب المذهب البروتستانتي فكرة عدم انتماء اليهود للحضارة الأوروبية الغربية، وإنما هم “شعب الله المختار” (وفق “العهد القديم”)، وموطنهم الأصلي هو فلسطين، ويجب أن يعودوا إليه، بعد تنصيرهم واعتناقهم المذهب البروتستانتي، وتَجاهَلَ مارتن لوثر وأتباعه أن فلسطين هي موطن المسيحية التي وُلِدَت في فلسطين، وانتشرت في المشرق، قبل أن تستحوذ أوروبا عليها، وتهدف تجميع اليهود في فلسطين (وهي فكرة عنصرية بالأساس) تخلّص أوروبا من التّجّار اليهود، الذين ساعدتهم ممارسة الحِرَف والتجارة (بسبب حَظْر الكنيسة ملكيتهم للأرض) على مُراكمة رأس المال (ما سُمِّي لاحقًا “التّراكم البدائي لرأس المال”)، وتهدف الفكرة، من النّاحية الدينية، تجسيد الإعتقاد بأن تجميع اليهود بفلسطين يُعجِّلُ عَودَة المسيح ليُخلّص البشرية من مشاكل الحياة الدُّنْيا، وتُخْفِي هذه الخلفية العقائدية الدّينية فكرة تأقلم الدّين (أو الكنيسة) مع مرحلة بداية تدهور النظام الإقطاعي، وظهور الرأسمالية، وكان “الإصلاح” بمثابة ثورة ضد مركزية السلطة الدّينية (البابا) التي أصبحت تُعاني من انتشار البذخ والفساد، بفضل الأموال التي جمعتها الكنيسة من بَيْع “صُكُوك الغُفران” للفلاحين الفُقراء…
بعد حوالي قرن ونصف من وفاة “مارتن لوثر”، أعدّ تاجر دنماركي ثَرِي (أوليغربولي) خطة، سنة 1695، لتوطين يهود أوروبا في فلسطين، وطلب من مُلُوك أوروبا دراستها وتنفيذها، ولم تتحول الفكرة إلى خطة تنفيذية، واهتم التّجّار بعملية التّراكم البدائي لرأس المال، قبل أن تعم الرأسمالية قارة أوروبا، إلى أن اجتاح نابليون بونابرت أوروبا، حتى وصل روسيا، حيث هَزَمَته عزيمة الرّوس بمساعدة البرد والثُّلُوج، ولم يَكْتَفِ نابليون باجتياح أوروبا، بل غزا مصر والعديد من مناطق المشرق العربي، إلى أن هُزِم بفلسطين (معركة “عَكّا”) سنة 1799، وخلال هذه الحملة على مصر وسوريا الكبرى، طَرَحَ فكرة تجميع اليهود في دولة خاصة بهم في فلسطين التي كانت عامِرَةً بأهلها الذين هَزَمُوا جيشه العظيم، وكان نابليون رائدًا للصهيونية السياسية (مقابل الصهيونية الدّينية لمارتن لوثر)، ومُلْهِمًا لأصحاب المشروع الصهيوني الذين استغلوا انتشار الإيديولوجيا الإستعمارية، في القرن التاسع عشر، عصر الإمبريالية، لطرح مشروع الإستعمار الإستيطاني الصهيوني، بدعم من القوى الإمبريالية، بحسب ما كتبه “ثيودور هرتزل” في رسائله إلى حكومات روسيا وفرنسا وبريطانيا. أما في ألمانيا (بروسيا آنذاك) والنّمسا وهولندا فقد تداخلت العقيدة الدّينية مع الفكر الإستعماري، بالتزامن مع وَهَن وضُعْفِ الدّولة العثمانية التي كانت تحتل فلسطين، ومعظم أراضي الوطن العربي، وهو ما أشار إليه الكاتب البريطاني “جيمس بتشينو”، منذ سنة 1800، في كتابه “عودة اليهود وأزمة كل الأمم” ( The restoration of Jews- The crisis of all nations: to wich is now )، وما عمل بعض السياسيين البريطانيين على تحقيقه (كانت بريطانيا رائدة الرأسمالية، خلال القرن التاسع عشر) ومن بينهم اللورد آشلي الذي أراد استخدام فكرة رعاية “عودة اليهود” من أجل احتلال فلسطين “كضرورة للاقتصاد البريطاني”، بحسب رأيه، ونشَر اللورد ليندسي (Lindsay ) كتابًا سنة 1838، بعنوان “رسائل عن مصر وإيدوم والأرض المُقدّسة”، يُعيد صياغة فكرة تجميع اليهود في فلسطين، وناقش مع اللورد “آشلي” مسألة تنفيذ وتمويل المشروع، برعاية بريطانيا.
لم يكن مشروع الصهيونية اليهودية واستعمار فلسطين باسم الدّين، رائدًا بل مشروعًا لاحقًا ومتمّمًا للإستعمار الإستيطاني المسيحي والبروتستانتي، الذي بدأ قبل المُؤتمر الصهيوني الأول بسويسرا البروتستانتية ( الكالفينية)، سنة 1897، بعدّة عُقُود، وبعد حوالي قَرْن من مشروع نابليون بونبارت (1799) الذي خَطَّطَ لإنشاء دولة لليهود بفلسطين، وبدأ الإستعمار الإستيطاني المسيحي لفلسطين، منذ بداية القرن التاسع عشر، ليرتفع عدد اليهود هناك، منتصف القرن التاسع عشر، إلى نحو ثمانية آلاف (من إجمالي حوالي 500 ألف نسمة)، نصفهم من اليهود المستوطنين الذين جاؤوا من مواطن البروتستانتية الأوروبية، زمن الإحتضار الطويل للدولة العثمانية، خاصة بعد حرب بحر “القرم” ( 1853 – 1856) وفَرْض القوى الإمبريالية الأوروبية بعضَ شروطها على العثمانيين، مقابل نجدتهم ضدّ روسيا القيصرية، وكانت المجموعات البروتستانتية الألمانية من أثْرى وأنشط هذه المجموعات الأوروبية (وحتى الأمريكية) بفلسطين، خلال النصف الثاني من القرن التّاسع عشر، حيث أنشأُوا العديد من المستوطانت التي وَرَدَ ذكِرُ بعضها في فقرات أخرى، معظمها في مناطق يافا والقُدس وحيفا والنّاصرة، ونشرت صحيفة “أوغسبورغر ألغماين تسايتونغ”، سنة 1841، مشروعًا قَدّمه ضابط بالجيش الألماني، لاستعمار فلسطين من قِبَلِ ألمانيا، يعود إلى سنة 1835، فضلاً عن مشاريع جمعية “الهيكل” الألمانية البروتستانتية التي اشترت أراضي وأنشأت مستعمرات بفلسطين، بموافقة الدّولة العثمانية، ودعّم البروتستانتيون الأوروبيون هجرة مواطنيهم من اليهود إلى فلسطين، منذ منتصف القرن التاسع عشر، أي قبل ولادة الحركة الصهيونية المُعاصرة، وهنا تكمن جُذُور الدّعم القوي الحالي الذي تحظى به الحركة الصهيونية والإحتلال الصهيوني لفلسطين، من قِبَل الطوائف البروتستانتية الأوروبية والأمريكية (الإنجيليون)، وكذلك اليمين المتطرف – الأوروبي والأمريكي- الذي يدّعي الدّفاع عن المسيحية الأُصُولية ضد المُسلمين، وتحَوّل الدّعْم إلى تحالف مَتِين بين الصهيونية واليمين المتطرف في العالم.
كان الفلسطينيون واعين بمخاطر هذه المستعمرات الإستيطانية الأوروبية التي تعيش بمعزل عن السّكّان الأصليين، سواء كانت مستعمرات مسيحية (وخاصة الألمانية) أو يهودية، وتظاهروا ضدّها عدة مرات، بداية من سنة 1875، واعتبرت الصحف الألمانية أن المتظاهرين مسلمون، لنَفْي صفة “الوَطَنِية” عن الفلسطينيين لأنها تعتبرهم مجموعات في وضع “ما دُون الوطنية”، أي قبائل وعشائر مُتخلّفة، وجب استعمارها و”تَمْدِينُها” و “تَحْضِيرُها”، بإشراف أوروبي، أي ألماني، ولذلك باركت الصحف والفئات المثقفة إرسال الأسطول البحري الألماني إلى سواحل فلسطين سنة 1877، ثم سنة 1898، بذريعة “حماية مواطني ألمانيا ومتلكاتهم”، وكانت الحكومة الألمانية تُقدّم منحة سنوية للمُستعمِرِين الألمانيين (جمعية الهيكل) بفلسطين، من سنة 1868 إلى 1918، أي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث هُزمت ألمانيا.
وَرَدَ في مُذكّرات “كيدرلن” ( Kiderlen ) مُدير الدّائرة السياسية بوزارة الخارجية الألمانية، والتي نُشرت سنة 1891: “إن المستعمرات الألمانية في فلسطين لا تقدم لنا مثالاً مشجعاً. فالمستعمرون يكسبون قوتهم بصعوبة، ويتعرضون لعداء السكان المحليين…”، فهل كان يتوقّع أن يَسْتقبلهم الفلسطينيون بالوُرُود والهدايا؟ أما الحقيقة فهي أن مساحة فلسطين صغيرة، وعدد سكانها قليل (حوالي نصف مليون، منتصف القرن التاسع عشر)، وليست غنية بالمواد الأولية والموارد التي تحتاجها ألمانيا، ولا يمكن لألمانيا تصريف فائض إنتاجها بفلسطين الصغيرة، ولا يمكن للمُستعمِرِين المُستوطنين العيش بدون دعم خارجي (دعم مالي وعسكري)، ورغم هذه الإستنتاجات التي أصدرتها وزارة الخارجية ووزارة الحرب، تأسست، سنة 1899 (أي بعد المؤتمر الصهيوني الأول) بمدينة “شتوتغارت” (ألمانيا) “جمعية تطوير الاستيطان الألماني في فلسطين” ( Gesellschaft Zur Foerderung der deutschen Ansiedlungen in Palaestina ) وتمكّنت من جَمْع التبرعات المالية لشراء الأرض في فلسطين ولتوسيع النشاط الإستيطاني لجمعية الهيكل التي حصلت على ثلاثمائة ألف مارك، خلال ثلاثة أشهر، مكّنتها من شراء قطعة أرض كبيرة، أنشأت عليها مُستعمرة بالقرب من مدينة اللد، ثم تمكّنت نفس الجمعية من بناء ثلاث مستعمرات جديدة، بفضل الدّعم المالي (التّبرُّعات)، بالإضافة إلى قَرْض مُيَسّر من “دويتشه بنك” لجمعية تطوير الاستيطان الألماني في فلسطين، بقيمة مائة ألف مارك، “لتطوير المُستعمرات بفلسطين، ولرفع سمعة ألمانيا”، بالتوازي مع دعم اللإستيطان الصهيوني بفلسطين، من خلال اقتراح “مَنْح اليهود حكمًا ذاتيا بفلسطين”، منذ سنة 1913، ما زاد من غضب الفلسطينيين الذين أعربوا عن مُعارضتهم لإنشاء المُستعمَرات الإستيطانية الأجنبية (يهودية أو بروتستانتية) منذ 1858، بحسب “كريستوف هوفمان”، أحد مؤسسي جمعية “الهيكل”، الذي نَعَتَ هذه المُعارضة ب”العداء العربي “، فيما أوردت مجلّة “سويدوتش وارت” (08 أيار/مايو 1909)، الناطقة باسم المُستوطنين من جمعية “الهيكل”، مقالات تُعبر عن نظرة الإستعلاء والتفوّق لقادة جمعية الهيكل الذين يُحذّرُون من “الاختلاط بالسكان العرب (فهُمْ) وَقِحون متعَجْرِفون بطبيعتهم، كسُولون، يمارسون التّسَوُّل والإستجداء والسّرقة، وهم جُبناء ولا يمتثلون سوى للقوة وطَمّاعون، يَسهل شراؤهم بالمال” (هل نَسِي صاحب المقال الإحتجاجات الفلسطينية ضد الإشستيطان الإستعماري؟)، وسبق أن حذّر قادة الجمعية، منذ 1884، من “التزاوج مع العرب… فمن الأفضل للألمانيات أن يبقين عوانس من أن يلقين بأنفسهن في أحضان الرعاع من العرب الذين لم يتحولوا بعد إلى كائنات بشرية”، ثم بدأ التحالف بين المستوطنين اليهود، من شرق أوروبا، ومُستوطني “جمعية الهيكل” يتعزز ضد الفلسطينيين، منذ 1882، بحكم “المصالح المُشتركة”، والثقافة الإستعمارية المُشْتَرَكَة…
تبنّت بريطانيا فكرة توطين اليهود في فلسطين بعد أن برز عدد من الإنجليز المنادين بهذه الفكرة، ونشطوا لتحقيقها، وكان على رأسهم اللورد شافتزبري Lord Shaftesbury (1801- 1885 ) الذي نادى بفكرة إنشاء مستوطنات يهودية في فلسطين، وقدّم مشروعاً أسماه “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” وطالب الحكومة البريطانية بتبني إعادة اليهود إلى فلسطين معتمداً في ذلك على الفوائد السياسية والإقتصادية التي تخدم المصالح الاستعمارية البريطانية في فلسطين والمشرق العربي، وافتتحت بريطانيا أول قنصلية لها في القدس في تموز/يوليو سنة 1838، وأصْبحت بريطانيا منذ أيلول/سبتمبر 1838 مسؤولةً عن حماية اليهود في فلسطين، لتنافس فرنسا التي تمتعت منذ سنة 1535 بحق حماية الكاثوليك، وروسيا التي تمتعت بحق حماية الأرثودكس منذ سنة 1774، وأصبحت بريطانيا تقود الدّعوة – مع القوى الإستعمارية الأخرى – لفتح باب هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين ودعم جهودهم لإقامة المستعمرات الاستيطانية…
خاتمة
صَمّمت بعض الطّوائف المسيحية البروتستانتية مشروعًا استعماريًّا في فلسطين والمشرق العربي، قبل ظُهُور الصهيونية المعاصرة، منذ القرن السادس عشر، ولم يكن ظُهُور هذه الطّوائف مُصادفة، بل تزامن مع هزيمة الدّولة العربية/الإسلامية في الأندلس وفي بغداد، ونهاية دولة الرّيع التّجاري ومُبادلة أوروبا البهارات والسلع القادمة من آسيا، بينما بدأت في أوروبا فترة “النّهضة” وهي مُؤَشِّر على تصدّع السلطة المركزية للكنيسة المتحالفة مع طبقة الإقطاعيين، ومؤشر على بدايات ظهور الرأسمالية، وشكّلت الطّوائف البروتستانتية الرّافعة الإيديولوجية لمعارضة الفساد الذي مَيَّز الكنيسة، لتتمكَّن البروتستانتية من تغليف عقيدتها الرأسمالية بغلاف أخلاقي ولاهوتي…
من جهة أخرى يؤمن المسيحيون إن اليهود قتلوا عيسى، ما يُبَرّرُ انتشار معاداة اليهود، غير أن قَرارَ الكنيسة حَظْرَ مِلْكِيّة الأرض على اليهود جعلهم يتّجهون إلى التجارة والحِرف، وخلال فترة ضُعْف الإقطاع حصل التّراكم الرّأسمالي البِدائي لدى التّجّار والحرفِيِّين الذين شكّلوا ركيزة الرأسمالية الصّاعدة، ولذلك أراد المسيحيُّون البروتستانتيون إبعادهم من أوروبا وتجميعهم في فلسطين، وتم تعْلِيل ذلك بأنها خطوة نحو التّعجيل بعودة المسيح، وهي في الواقع إزاحة منافسين من حَيِّز الرأسمالية الصّاعدة في أوروبا وخَلْق بُؤَر استعمارية استيطانية لصالح ألمانيا وبريطانيا ثم فرنسا والولايات المتحدة، في المشرق العربي…
لمّا تبلور المشروع الإستعماري، خلال القرن التّاسع عشر، شَكَّلَت هذه الطّوائف المسيحية رأس حرْبَة الإمبريالية، إلى جانب البعثات “الثقافية” المُشَكّلَة من الباحثين في مجالات الآثار والحَفْرِيّات وعُلماء التاريخ والحضارات واللُّغة وغيرها من الفئات التي تُدَوِّنُ الدّراسات الخاصة بعادات وتقاليد الشعوب، تمهيدًا لغَزْوِ أوطانها، ودَشّنت الإمبريالية الفرنسية هذه المرحلة بغزة نابليون التي سُمِّيت “حملة نابليون على مصر والشّام” من 1798 إلى 1801…
تَنْحَدِرُ التيارات المسيحية (الإنجيلية) الصّهيونية المُنتشرة في الولايات المتحدة والتي اكتسحت العديد من بلدان أمريكا الجنوبية وإفريقيا والوطن العربي، من هذه التيارات البروتستانية التي ظهرت خلال فترة “النّهضة” الأوروبية، لكنها تَجذّرت وتَبَنّت أفكار اليمين المتطرف والجناج الأكثر رجعية وتَطَرُّفًا للرأسمالية في مرحلة النيوليبرالية المُعَوْلَمة التي عادت إلى أساليب التّدخّل العسكري المُباشر دِفَاعًا عن مصالح الشركات العابرة للقارات التي تحتكر استخراج المحروقات والمَعادن، أو التقنيات المتطورة والإتصالات والنّقل… لذلك تُعْتَبَرُ قضية فلسطين مَسْأَلَة تحرّر وطني ونضال ضدّ الإستعمار الإستيطاني الصّهْيُوني الذي تدعمه الإمبريالية، وأظهر العدوان الطّويل والشّرس ضد فلسْطِينِيِّي غزة المُحاصَرِين من 15 سنة، والمُستمر منذ حوالي ثلاثة أشهر، دوْر الإمبريالية وكذلك الأنظمة العربية والإسلامية في دعم هذا العُدوان وحرب الإبادة بشكل مُباشر، بالسّلاح والمال والدّعاية الإعلامية، وبقمع أي احتجاج على هذا العدوان، لأن الكيان الصهيوني يُمثّل رأس حربة الإمبريالية…
التعليقات مغلقة.