متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث والخمسون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 6/1/2024 م …
يتضمن العدد الثالث والخمسون – وهو العدد الأول من سنة 2024 – فقرة عن ما أحدثته المقاومة في اليمن من خلافات داخل حلفاء الإمبريالية الأمريكية وفقرة عن الأمن الغذائي والسيادة الغذائية وفقرة عن تخلّف الحبشة عن سداد الدّيون، وفقرة مُطوّلة عن انتخابات الأرجنتين وتبعاتها وفقرة عن ارتفاع ثروات أثرى الأثرياء الأمريكيين سنة 2023، وفقرة عن صناعة السيارات الكهربائية وارتفاع أسعارها مقارنة بالدّخل المتوسط في أوروبا والولايات المتحدة، وفقرتان عن تقدّم روسيا والصّين في بعض المجالات الخاضعة للحصار والحَظْر الأمريكِيّيْن
شرخ ذاخل الحلف الأمريكي؟
أعلنت الولايات المتحدة تشكيل حلف عسكري دَوْلِي بمشاركة عشرين من حلفائها،ِ لِفَرْض “حرية الملاحة والتجارة العالمية” ولضمان تدفّق السّلع في البحر الأحمر، إثْرَ قصف المُقاومة اليمنية السّفن الصهيونية أو الضّالعة في التّجارة مع الكيان الصّهيوني، لكن تبيَّنَ بعد أسبوع من الإعلان إن 12دولة فقط استجابت للنداء الأمريكي، وعلى سبيل المثال فإن رئيسة مُفَوِّضِيّة الإتحاد الأوروبي ( ثلاثون دولة) أعلنت دعم الحلف لكن بعض حلفاء الولايات المتحدة مثل إيطاليا وإسبانيا رفضتا رسميا الإنضمام فيما أعلنت دول أخرى إن الإنضمام إلى الحلف يعادل الدّعم المُباشر للكيان الصهيوني، حيث بدأت بعض الحكومات الحليفة – من بينها الهند وكذلك السعودية والإمارات التي تعتدي على شعب اليمن منذ 2015 وتحتل جزءًا من البلاد – تُحاول الإبتعاد عن الإستراتيجية الحربية الأمريكية، جراء الإحتجاجات الدّاخلية في أوروبا وانتقادات المنظمات الدّولية للمساندة المُطلقة للعدوان الصهيوني
أدت هجمات المُقاومة اليمنية إلى تغيير مسار بعض السفن حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، مما أدى إلى زيادة كبيرة في وقت الإبحار وتكاليفه، بعد استيلاء المقاومة اليمنية على بعض السّفن العابرة للبحر الأحمر، عبر مضيق باب المَنْدَب، وهي سُفُن تجارية تعبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط لتأمين 12% من حركة التجارة العالمية ( وخصوصًا المحروقات) بين آسيا وأوروبا، وقصفت المقاومة عشر سفن بالصواريخ والطائرات المسيرة من 19 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 25 كانون الأول/ديسمبر 2023، دعمًا للمقاومة الفلسطينية التي تُواجه الكيان الصهيوني وحُلفاءه من حلف شمال الأطلسي والأنظمة الرجعية العربية، فيما تُحاول الولايات المتحدة فَصْلَ العدوان على غزة عن ما يجري في البحر الأحمر
علّقت شركة ميرسك الدنماركية العملاقة للحاويات رحلاتها ثم أعلنت يوم السبت 23 كانون الأول/ديسمبر 2023 استئناف عمليات الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، خلافًا لشركة هاباج لويد الألمانية التي لا تزال سُفُنُها – حتى يوم الإربعاء 27 كانون الأول/ديسمبر 2023 – تتجنّب البحر الأحمر وتَمُرُّ عبر رأس الرجاء الصالح.
تشارك العديد من الدول الأوروبية والخليجية في “القوات البحرية المشتركة” التي تضم 39 دولة، لتنسيق الدوريات مع البحرية الأمريكية التي تقود هذه المجموعة، وهي واحدة من المجموعات العسكرية العديدة التي تعتدي على سوريا والعراق ولبنان وغيرها بإشراف الولايات المتحدة التي تريد تَدْوِيل بعض القضايا الإقليمية لتبرير العدوان، وفق وكالة رويترز 28/12/2023
عن السيادة الغذائية
يعيش حوالي ثلاثة مليارات نسمة تحت خط الفقر بدخل فَرْدِي يومي يقل عن دولارَين، من بينهم مليار شخص يعيشون بأقل من دولار واحد، وقَدّرت منظَّمة الأغذية والزراعة ( فاو – الأمم المتحدة) إن 830 مليون شخص (حوالي 14% من سكان العالم) يُعانون من الجوع ، وأَقَرّ البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إن ارتفاع ديون البلدان الفقيرة يعيق الإنفاق الاجتماعي ويُساهم في زيادة معدلات الفقر في 20% من بلدان العالم، وهي الدّول الأشد فقرًا، فيما اضطرت 46 دولة إلى تخصيص أكثر من 10% من إيراداتها لتسديد خدمة الديون، ما يعيق الاستثمارات في المشاريع المُنْتِجَة وفي التعليم والرّعاية الصّحّيّة والنّقل العمومي والمَسْكن والخدمات الإجتماعية…
يضع الدّائنون شُرُوطًا مُجْحِفَة تُلغي سيادة الدّول والشُّعُوب وتعيق تطور أدوات ونمط الإنتاج وتُحوّل البلدان المُقْتَرِضَة إلى سوق استهلاكية وإلى مزارع ومصانع تُنْتِجُ سِلَعًا لا تُلَبِّي حاجة المواطنين بل تُلَبِّي طلبات الأسواق الخارجية، فيما تستورد الدّول المُقْتَرِضة الغذاء والدّواء من الخارج، ما يزيد من تَبَعِيّة دول “الأطْراف” ويُعرّض الأمن الغذائي للخطر وما يبعدها عن تحقيق السيادة الغذائية، وما يُفْقِدُها استقلالية القَرار.
تُعَرِّفُ منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) الأمن الغذائي كالتالي: توفير كميات كافية ومستدامة من الغذاء لجميع أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، بما يفي باحتياجاتهم ويحافظ على صحّتهم.
أما السيادة الغذائية فهي تتطلّب إنتاج الطعام الصّحّي (وليس توفيره ولو كان مُستوردًا ومُعَدّلاً وِراثيا) والتحكم في شبكات توزيعه ليتمكّن كل مواطن من الحصول عليه بتكلفة معقولة تُناسب دَخْل المواطنين، كما يتطلب تحقيق السيادة الغذائية زيادة الإنتاج الزراعي وترشيد استخدام الموارد الطبيعية المحلية كالتربة والسّماد والبُذُور والمياه، فضلا عن تحسين وسائل الجَنْي والتخزين والنّقل.
يتطلب تحسين الإنتاجية وتطوير التقنيات الزراعية زيادة الإستثمار في البحث العلمي والتطوير والإبتكار وتدريب المُزارعين في مجالات ترشيد استغلال الأرض والمياه ومجمل الموارد ومكافحة الأمراض التي تُصيب النباتات والحيوانات…
يتطلب تحقيق السيادة الغذائية قرارًا سياسيا سياديا يُعيد تَبْوِيبَ أولويات الإستثمار وإعادة توجيهها نحو قطاع الفلاحة والصيد البحري، وهو قطاع أساسي من شأنه تلبية الحاجة الغذائية للمواطنين وتحويل الفائض إلى مواد مُعَلَّبَة ومُصنّعة، وخفض أعداد المُعَطّلين عن العمل وعدم تبديد العملات الأجنبية في توريد ما يمكن إنتاجه محلّيًّا، فضلا عن المحافظة على صحة المواطنين من خلال استهلاك غذاء طبيعي وصحّي.
الحبشة
أصبحت الحبشة – مَقَرّ الإتحاد الإفريقي وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان وسادس أكبر اقتصاد في أفريقيا – ثالث دَوْلة إفريقية تتخلف رسميا عن سداد ديونها الخارجية، خلال ثلاث سنوات، بعد زامبيا وغانا، حيث عجزت حكومة الحبشة عن سداد سندات حكومية بقيمة 33 مليون دولار، وهي سندات يورو بقيمة مليار دولار، رغم التمديد لمدة أسبوعين من 11 إلى 26 كانون الأول/ديسمبر 2023، وكانت سلطات البلاد قد أعلنت منذ بداية شهر كانون الأول التخلف عن السداد نتيجة لتَتالِي الأزَمات الناجمة عن وباء كوفيد 19 والحرب في تيغراي لمدة سنتَيْن ( 2021 و 2022)، و وخفض التصنيف الائتماني، وانهيار سندات اليورو الحبَشِية في سوق الأوراق المالية بفعل التخلف عن سداد الديون ومستحقات التجارة الخارجية، فضلا عن الصراعات الدّاخلية العديدة في أوروميا أو أمهرة أو بني شنقول جوموز، بالإضافة إلى إقليم تيغراي والتي رفعت من حجم الإنفاق العسكري، والتضخم ونقص العملات الأجنبية
تحاول الحكومة إعادة صياغة شروط ديونها الخارجية منذ سنة 2021، وطلبت خفضها كجزء من مبادرة الإطار المشترك لمعالجة الديون التي أقرّتها مجموعة العشرين المخصصة للدول الأقل نُمُوًّا والمثقلة بالديون، وألغت الصين في كانون الثاني/يناير 2023، دُيُونًا مُستحقّة على الحبشة بقيمة عشرين مليون دولار، وأجّلت دول أخرى (منها الصين وفرنسا) في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 سداد بعض الديون التي بلغت قيمتها 4,5 مليار دولارًا، فيما فشلت المفاوضات مع صناديق التقاعد وغيرها من دائني القطاع الخاص الذين يحتفظون بالسندات الحكومية، ما زاد من تَرَدِّي الوضع المالي للحبشة التي تأمل الانضمام إلى طريق الحرير الجديد ( مبادرة الحزام والطريق) بعد أن الإنضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تم توسيعها إلى 11 عضوًا، وتأمل حكومة الحبشة أن يُفْضي الإنتماء إلى هذه المجموعات إلى حل للوضع الإقتصادي السيء ولارتفاع ديون البلاد…
الأرجنتين- إعادة الهيكلة الرأسمالية
أدّى القرب الجغرافي بين أمريكا الشمالية والجنوبية إلى اعتبار أمريكا الجنوبية مُختبرًا لقُوّة ولنفُوذ الإمبريالية الأمريكية وأدوات الهيمنة العالمية، ومن بينها المؤسسات المالية، وجرّبت الولايات المتحدة الهيمنة بكافة أشكالها في هايتي وكوبا وغواتيمالا والبرازيل وتشيلي وغيرها وكانت الأرجنتين ولا تزال حلقة مهمة فهي ثاني أكبر اقتصاد في جنوب القارة الأمريكية وحكمتها طغمة عسكرية طبّقت الليبرالية الإقتصادية، بين سنتَيْ 1976 و 1983 وحكم الليبراليين المتطرّفين مثل كارلوس منعم وماوريسيو ماكري، وأصبح يحكمها الآن رئيس من اليمين المتطرف بدعم من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدّولي الذي وافق على قرض بمبلغ 57 مليار دولارا سنة 2019، قبل بضعة أشهر من انتهاء فترة ولاياة الرئيس “ماكري”، ويأمل الصندوق والإمبريالية الأمريكية تحويل انتخاب “خافيير مايلي” ( يميني متطرف ونيوليبرالي) إلى إعادة غَزْو أمريكا الجنوبية من قِبَل القوى الأكثرَ رجعيةً وتحويلها إلى مختبر للنيوليبرالية الإقتصادية من خلال برامج “الإصلاح الهيكلي” أو “التّكَيُّف “، وهو ما وعد به الرئيس مايلي خلال حفل تنصيبه فهو يهدف “تحرير البلاد والاقتصاد الأرجنتيني من القُيُود التي تُعرقل الإستثمار” ومنها قوانين العمل والحماية الإجتماعية ووعد بشن حرب ضد الكادحين وضد مؤسسات الضمان الإجتماعي والحماية الإجتماعية ومؤسسات التعليم العمومي والرعاية الصحية وشركات ومؤسسات القطاع العام وخفض ميزانية الخدمات الاجتماعية لصالح أجهزة الشرطة والقضاء والجيش، لكي يتمكّن من فَرض برنامجه بالقُوّة، غير إن ردّة الفعل كانت سريعة، حيث نَظّمت النقابات والقُوى التّقدّمية أول احتجاج ضخم في العاصمة بيونس آيرس، بعد عشرة أيام فقط من تنصيب الرئيس اليميني المتطرف…
نجحت النقابات العمالية والمنظمات الشعبية والاجتماعية في تحشيد عشرات الآلاف من المتظاهرين، يوم الأربعاء 27 كانون الأول/ديسمبر 2023، من أجل “زيادة عامة في الرواتب ومعاشات التقاعد وزيادة ميزانيات الخطط الاجتماعية، وعدم تسريح العمال” وضد برامج وقرارات حكومة اليمين المُتطرّف بعد عشرة أيام فقط من تنصيب حكومة الرئيس خافيير ميلي التي أعلنت تغريم منظمي المظاهرة بمبالغ ضخمة “لتسديد نفقات نَشْر القوات الأمنية” وتعارض النقابات والمنظمات الشعبية سياسات هذه الحكومة التي “أعلنت الحرب ضد الحقوق الأساسية للعاملين وللشَّعْب”، وأدانتْ “مخططات الحكومة – التي يدعمها صندوق النقد الدولي- لما سمي الإصلاح الهيكلي”، وكانت هذه أول مظاهرة ضد برنامج “العلاج بالصّدمة” وضدّ “الخطة الأمنية” القمعية التي أعلنتها وزيرة الداخلية باتريشيا بولريتش، لِرَدْعِ المواطنين عن التّظاهر والإحتجاج، وتَجمّع آلاف المواطنين في ساحة أيا/مايو بالعاصمة بيونس آيرس، بمشاركة الأحياء من “أُمّهات ساحة أيار” ( النساء التي كُنّ يَتَجَمّعْن في هذه السّاحة خلال فترة حكم الدّكتاتورية العسكرية بين سنتَيْ 1976 و 1983، للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهن المُعتَقَلين ولمعرفة مصير المَخْطُوفين ) ومن بينهن الزعيمة التاريخية لجمعية “أمهات ساحة أيار” لأمهات الشهداء والمغيبين، نورا كورتينياس (93 عامًا) التي شاركت كذلك في التظاهرات الدّاعمة للشعب الفلسطيني، رغم سنّها المتقدّمة.
كان مُحتوى اليافطات والشعارات معارضًا ” لإجراءات التقشف ولخطة التكييف الهيكلي للحكومة وصندوق النقد الدولي وللخطة الأمنية…” ومناديًا بوحدة المنظمات الشعبية ضد مخطّط “قَمْع وتَجْرِيم الإحتجاجات”، و” مُعارضة التقشف والقمع وتحميل العاملين ثمن الأزمة…”
اختارت النقابات والمنظمات الإجتماعية تاريخًا رمزِيًّا يُذَكِّرُ بالانتفاضة الشعبية التي انطلقت يومي 19 و20 كانون الأول/ديسمبر 2001، للإحتجاج ضد حكومة اليمين المتطرف بعد بضعة أيام من تنصيبها، وأدّت احتجاجات 2001 – التي قتلت خلالها الشرطة 39 شهيدا – إلى الإطاحة بحكومة الرئيس فرناندو دي لا روا التي أسْفَرَتْ سياساتها عن إعلان افلاس الدّولة (العجز عن السّداد) وكانت وزيرة الداخلية الحالية باتريشيا بولريتش عضوًا فيها.
تمكّن المتظاهرون من اجتياز الحواجز العديدة وعجزت الأعداد الضّخمة لعناصر الشرطة عن ردع المتظاهرين، كان تواجد قوى الأمن ضخما وكان عناصر الشرطة الفيدرالية مدججين بالسلاح، في الساحات والشوارع وملتقى الطرقات وانتشرت أعداد كبيرة من عناصر الدّرك والشرطة الإتحادية لعسكرة كافة الطرقات المؤدية إلى مدينة بيونس آيرس ووسط المدينة وتصوير سائقي السيارات وركاب وسائل النقل العام ووضعوا في المحطات ملصقات تُهدّد بسحب “المزايا الاجتماعية” من المتظاهرين الذين انتهكوا شروط “بروتوكول السلامة”، وتُشجّع الحكومة الوشاية من خلال تخصيص رقم هاتف للإبلاغ عن “منتهكي القواعد”، كما تمت قراءة رسالة صوتية لمضمون الملصقات بشكل متكرر عبر مكبرات الصوت، وردّ الرئيس ميلي الفعل بعد ساعات من المظاهرات، بتجاوز البرلمان وإصدار مراسيم عديدة تتضمن إلغاء أو تحو ثلاثمائة لائحة قانونية، وتخفيض الإنفاق الاجتماعي وتحوير قانون العمل وإلغاء تنظيم إيجار المساكن والمحلات، وخصخصة ما تبقى من القطاع العام و”تحرير” قطاعات الصحة والسياحة والإنترنت والتجارة وأنظمة السلامة…
من أين لهم هذا؟
ينشر الإحتياطي الإتحادي ( المصرف المركزي الأمريكي) منذ العام 1989، بيانات فَصْلِيّة (كل ثلاثة أشهر) عن توزيع الثروة في الولايات المتحدة، وخلال الأرباع الثلاثة الأولى من سنة 2023، أصبحت نسبة 0,1% من أثرى الأثرياء، أي من تزيد ثرواتهم عن 17,2 مليون دولار (1 من كل 1000 شخص بالولايات المتحدة)، تمتلك ما يقرب من 14% من ثروة البلاد، فيما يُعاني العاملون من الرواتب الضعيفة ومن العمل بدوام جزئي وبعقود هشّة، ويعاني الفقراء من شح الدّخل وارتفاع أسعار الغذاء وإيجار السّكن ومصاريف الصحة والتعليم.
من ناحية أخرى، وفقا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، بلغت قيمة ثروة إيلون ماسك (مالك شركة تيسلا للسيارات الكهربائية) بنهاية الربع الثالث من سنة 2023، نحو 232 مليار دولار، وكان على رأس مجموعة المليارديرات، يليه جيف بيزوس، مؤسس أمازون وبطل الحملات المناهضة لنقابات العمال، بمبلغ 151 مليار دولار، بفارق 81 مليار دولار، ويعادل هذا الفارق ميزانية العديد من البلدان التي تَعُدُّ نحو أربعين مليون نسمة، وقَدَّرَ الإحتياطي الفيدرالي نهاية الربع الثالث، إجمالي ثروة 0,1% بقرابة عشرين تريليون دولارًا، وأظهرت بيانات وكالة بلومبرغ ارتفاع إجمالي ثروة أغنى عشرة مواطنين أمريكيين حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2023، نحو 1,266 تريليون دولارًا، وارتفعت ثرواتهم ، منذ ذلك التاريخ بمقدار 355 مليار دولار، مما يرفع ثروة أغنى 10 أشخاص إلى أكثر من 6% من إجمالي ثروة 0,1%، ويمتلك ماسك وحده أكثر من 1%، ومنذ نهاية الربع الثالث، ارتفعت ثروات 0,1% (أغنى 10 أشخاص) من 1,266 تريليون دولار في 30 أيلول/سبتمبر إلى 1,338 تريليون دولار يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2023، وهو ما يمثل زيادة قدرها 72 مليار دولار لـ 10 أشخاص فقط في أقل من ثلاثة أشهر وما يقارب 445 مليار دولار للعام 2023.
يأتي تراكم الثروة هذا من المضاربة في سوق الأوراق المالية بأسهم الشركة، إذ يمتلك 0,1% من الأثرياء نحو 20% من أسهم الشركات المُدْرَجة بأسواق المال الأمريكية، ومن أسهم صناديق الاستثمار المشتركة.
المصادر: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ووكالة بلومبرغ 18 كانون الأول/ديسمبر 2023
السيارات الكهربائية
أعلنت شركات صناعة السيارات، قبل عام (بنهاية سنة 2022) اعتزامها استثمار 1,2 تريليون دولارًا بحلول سنة 2030 بهدف نشر استخدام السيارات الكهربائية لتنتقل من سيارة النُّخَب إلى سيارة شعبية، وشهد العام 2023 تحولا في سباق صناعة السيارات حيث ضَخّت حكومات الدّول الغنية مليارات الدّولارات لدَعْم شركات صناعة السيارات الكهربائية، غير إن هذه الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية قَلّصت استثماراتها وتنكّرت لوعودها، مُطالبةً بزيادة الدّعم الحكومي (من المال العام) “لتعويض التكاليف المرتفعة للتحول من السيارات التقليدية إلى السيارات الكهربائية”، بينما ارتفع الطّلب على المركبات الكهربائية في مختلف مناطق العالم، رغم ارتفاع ثمنها ورغم الإفتقار إلى البنية التحتية لشحن البطاريات، ولا يُتَوَقّع أن يتمكّن ذوُو الدّخل المتوسّط من شرائها خلال السنوات القليلة القادمة
ينمو الطلب على السيارات الكهربائية في الصين وأوروبا والولايات المتحدة -أسواق السيارات الكهربائية الرئيسية- بسرعة أعلى من الطلب على السيارات التقليدية، ويُتوقّع أن يتضاعف الإنتاج العالمي من السيارات الكهربائية ثلاث مرات بحلول سنة 2030 ليصل إلى 33,4 مليون مركبة، أي حوالي ثلث إجمالي الإنتاج، ويُتوقّع أن تكون للصين حصة الأَسَد، رغم توقعات ارتفاع إنتاج السيارات التي تعمل بالبطاريات الكهربائية في أمريكا الشمالية، ستة أضعاف ليصل إلى ما يقرب من 7 ملايين مركبة بحلول سنة 2030، أو ما يُعادل 40% من السوق الأمريكية المتوقعة، ولكنه أقل بكثير من الأهداف التي أعلنتها إدارة بايدن.
تُنتج شركة فورد الأمريكية المُعَوْلَمَة نحو خمسين ألف سيارة كهربائية، وتستهدف بيع 150 ألف سيارة كهربائية سنويا بحلول سنة 2030، غير إنها تراجعت عن هذه الأهداف بسبب “انعدام القدرة على تحمل التكاليف” وعجز المستهلكين من ذوي الدخل المتوسط عن شراء سيارة كهربائية، كما اضطرت شركة تيسلا إلى خفض الأسعار للحفاظ على تشغيل خطوط التجميع بأقصى سرعة في الصين والولايات المتحدة.
يُقَدّر خط الفقر في الولايات المتحدة بدخل يبلغ نحو 13 ألف دولارا سنويا لشخص واحد وبنحو 34 ألف دولارا لأسرة مُكوّنة من أربعة أشخاص، ويتراوح سعر السيارة الكهربائية في الولايات المتحدة بين 28475 دولارا و 44 ألف دولارا بنهاية كانون الأول/ديسمبر 2023، ويتمتع المُشترون (حتى 31/12/2023) بإعفاءات ضريبية بقيمة 7500 دولار…
في الصّين التي أصبحت منافسا قويًّا في مجالات التكنولوجيا، أعلنت شركة الهواتف “الذّكية” “شياومي” ( Xiaomi ) الصينية يوم الخميس 28/12/2023 إنها دخلت سوق صناعة السيارات الكهربائية وعرضت أول سيارة بمحرك كهربائي تفوق سرعتها سيارات شركة تيسلا وتورش، وقد يتم طَرْحُها في الأسواق، بعد بضعة أشْهر، وتَهْدِفُ شياومي أن تصبح واحدة من أكبر خمس شركات عالمية لصناعة السيارات خلال السنوات الـ15 أو العشرين المقبلة، وتعمل الشركة حاليا على طرح نظام تشغيل مشترك لمجمل إنتاجها من الهواتف والأجهزة الإلكترونية الأخرى والسيارات الإلكترونية التي تصنعها والتي يمكن لها قطع مسافة تتراوح بين 670 و 800 كيلومترا بشحنة واحدة وهي مجهزة بتقنية متقدمة تسمح له بالتعرف على العوائق في ظل الظروف الصعبة، وتعهدت شركة Xiaomi باستثمار عشر مليارات دولار في السيارات على مدى عقد من الزمن…
روسيا
تعتزم شركة أفتوفاز، أكبر شركة حكومية روسية لصناعة السيارات زيادة سياراتها التي تحمل علامة “لادا” إلى 500 ألف سيارة سنة 2024، بعد أن تأثرت أهداف العام 2023 بالعقوبات الأمريكية، ولم تُنتج سوى 374 ألف سيارة لادا بسبب العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، والتي تستهدف القاعدة الصناعية الروسية والقطاع البحري وموردي التكنولوجيا ومنشآت إنتاج وصيانة أنظمة الأسلحة الروسية، ومن بينها شركة “أفتوفاز” التي خَفّضت توقّعاتها خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بنحو 10% بسبب القرار الأمريكي، لكن استفادت بعض القطاعات من الحصار والحَظْر الأمريكِيّيْن، حيث نَمَا نشاط المصانع التحويلية الروسية بأسرع وتيرة منذ سبع سنوات (منذ كانون الثاني/يناير 2017)، بفضل ارتفاع حجم وقيمة الطّلب المَحَلِّي، رغم انكماش طلبيات التصدير الجديدة منذ شهر تموز/يوليو 2023، ويعود ارتفاع الطلب المحلي إلى زيادة الإنتاج العسكري، منذ انطلاق الحرب في أوكرانيا، فيما تُعاني بعض قطاعات الصناعة من الحَظْر الأمريكي ومن ارتفاع تكلفة السلع المستوردة بفعل ضُعْف العُمْلَة الرّوسية (الروبل ) وارتفاع التضخم ونقص العمالة، حيث انخفضت نسبة البطالة إلى نحو 2,9%، بفضل زيادة الإستثمار المخطط له في المنتجات والآلات الجديدة ما رفع طلب الشركات على الفنِّيِّين والعمالة الماهرة وذوي الخبرات وفق وكالة رويترز بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2023
الولايات المتحدة والصّين
ما انْفَكّت الولايات المتحدة تحاول خنق الصناعات التكنولوجية الصّينية، ومن بينها صناعة الرقائق، غير إن شركات صينية عديدة تمكّنت من الإلتفاف على العقوبات والحَظْر الأمريكِيّيْن وطَوّرَت برامج تصميم الرقائق الدقيقة التي لا تتوفر سوى لدى عدد قليل من الشركات “الغربية” الكبيرة العابرة للقارات، ما زاد من حِدّة الصراع التكنولوجي ( الذي ترمز له صناعة الرقائق المتطورة) بين الولايات المتحدة والصّين، إلى جانب التنافس على التفوق الاقتصادي والعسكري، وركّزت الإستراتيجية الصّينيّة على الإعتماد على الذّات، بهدف الوصول إلى اختراق الإحتكار “الغربي” لتقنيات صناعة الرّقائق الدقيقة، رغم القرار الأمريكي الذي يمنع الشركات الأمريكية ( والأوروبية واليابانية والتايوانية) من توفير التكنولوجيا للشركات الصينية قبل الحصول على ترخيص خاص لأن الولايات المتحدة تعتبر ذلك تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، وعلّق متحدّث باسم وزارة الخارجية الصِّينِيّة: “إنها عقلية الحرب الباردة التي تَعْكِسُ نزعة الهَيْمَنَة”.
رغم القُيُود والحصار طورت الشركات الصينية، منذ سنة 2021، مجموعة من التقنيات المعروفة باسم أتمتة التصميم الإلكتروني، وهي أدوات تساعد على تصميم شرائح يمكنها تطوير تقنيات استراتيجية جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والطيران الذي تفوق سرعته سرعة الصوت.
أنفقت الحكومة الصينية 143 مليار دولارًا سنة 2023، لتحفيز قطاع الرقائق المحلي، كما تُقدّم منذ أكثر من عشر سنوات العديد من الحوافز للخبراء الصينيين في مجالات العُلُوم والتكنولوجيا الذين يعودون من الخارج، وذلك في إطار السباق بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والصين من جهة أخرى، من أجل الهيمنة على قطاعات السيارات الكهربائية والروبوتات والكابلات البحرية وتشفير الاتصالات الرقمية، و التكنولوجيا الفائقة ومنها صناعة الرقائق ومجمل الصناعات الإستراتيجية وذات القيمة الزّائدة المرتفعة مثل أشباه الموصلات التي تبلغ قيمة إيراداتها حوالي 600 مليار دولار سنويًا، وتُعتَبَرُ الولايات المتحدة رائدة في هذا المجال لكنها تعتمد على كوريا الجنوبية للحصول على رقائق الذاكرة (لتخزين المعلومات واسترجاعها) وعلى تايوان للحصول على رقائق المنطق (لمعالجة البيانات وتنفيذ التعليمات)، وقدّمت حكومة الولايات المتحدة سنة 2022، حوافز بقيمة حوالي 53 مليار دولار لبرنامج تديره وزارة التجارة ويقدم حوافز مالية للشركات القادرة على زيادة الإنتاج المحلي، ويُمنع المستفيدون من الحوافز من تبادل التقنيات الحساسة مع الصين ودول أخرى “غير حليفة” للولايات المتحدة، ورغم ذلك حققت الصّين تقدّمًا سريعًا وقدمت شركة هواوي الصينية للإتصالات هاتفًا ذكيًا جديدًا يدعم تقنية الجيل الخامس مزودًا بشريحة متطورة خلال شهر آب/أغسطس 2023…
التعليقات مغلقة.