حقيقة المخطط الاسرائيلي لإقليم غزة / د. لبيب قمحاوي
د. لبيب قمحاوي ( الأردن ) – الإثنين 8/1/2024 م …
صمود المقاومة الفلسطينية الاسطوري يستحق الاعجاب والثناء والتأييد والدعم . ولكن وفي نهاية المطاف، علينا الاعتراف بأن الأمور تقاس بنتائجها . واذا ما عرفنا ما الذي يدور في ذهن العدو، فإن هذه المعرفة قد تصبح سلاحاً هاماً في تحديد النتائج وتوجيهها بحيث تكون في صالح المقاومة في نهاية الأمر.
تسير الأمور فيما يتعلق بالحرب على غزة إلى ما يشير إلى وجود دائرة متكاملة من التآمر الصامت يدور في حلقاتها مجموعة من الدول منها اسرائيل وأمريكا وحكومات العالم الغربي بالإضافة إلى معظم دول العالم العربي الصامتة بشكل أو بآخر على ما يجرى لقطاع (إقليم) غزة وفي قطاع (إقليم) غزة مما يتجاوز عمليات القتل الجماعي والتدمير الشامل إلى عمليات قتل إقليم غزة نفسه وجعله غير قابل للإستعمال ولتلبية أساسيات الحياة كما يعرفها الجميع . إن هذا الوضع يمهد الطريق أمام تهجير سكان إقليم غزة وإعتبار عملية التهجير المقصودة تلك عملية انسانية تهدف إلى انقاذ سكان إقليم غزة من مصير محتوم فيما لو اختاروا البقاء في وطن مدمر غير قابل للحياة، وهذا يفسر همجية ووحشية التدمير الاسرائيلي الممنهج لكل شئ في إقليم غزة والاصرار على ممارسته بشكل يومي حتى لا يبقى مجالاً للشك في ضرورة القيام بعملية التهجير حفاظاً على حياة من تبقىّ من السكان في تلك المناطق .
يبدو أن الخطة الاسرائيلية-الأمريكية تلك تم ويتم تنفيذها على ثلاثة مراحل :-
المرحلة الأولى: تستهدف هذه المرحلة القتل الجماعي والتدمير الاختياري كوسيلة لتهجير السكان تدريجياً من منطقة الشمال إلى منطقة الوسط ومن ثم إلى مناطق الجنوب وهكذا دواليك تحت حجة تلافي القتل الجماعي العشوائي و إنقاذ السكان من موت محقق، بينما يتمثل الهدف في حقيقته في دفع مئات الألوف من الفلسطينيين جنوباً وعلى مراحل تنتهي بحشرهم تدريجياً في مناطق أقصى الجنوب الملاصقة للحدود مع مصر . ومن هنا كان القصف الاسرائيلي مرتبطاً بمخطط الإزاحة الديموغرافية للسكان جنوباً حتى لا يبقى أمامهم مجالاً في النهاية سوى عبور الحدود من خلال الضغط على دولة الجوار (مصر) لاستقبالهم لأسباب إنسانية عندما يحين الوقت لذلك طبقاً للمخطط الاسرائيلي . مؤامرة خطيرة تتطلب من سكان القطاع رفض مطالب وتهديدات اسرائيل بترحيلهم جنوباً ، بل وعلى العكس وجوب عودتهم شمالاً حتى يتم اجهاض هذا المخطط اللئيم .
المرحلة الثانية : تستهدف هذه المرحلة التدمير الكامل لكل شئ بما في ذلك كامل البنية التحتية في المناطق التي يُخليها سكانها الفلسطينيين وذلك حتى لا يبقى شئ يعودون إليه في الشمال ويصبح التحرك إلى الجنوب تباعِاً هو الهدف ومن ثم يتم تدمير كل منطقة يتم الجلاء عنها وهكذا دواليك . الأمر خطير جداً ويتطلب الانتباه من قبل القادة والسكان على ضرورة وأهمية العودة شمالاً بشكل مستمر حتى يتم افشال المخطط الاسرائيلي . الصمود هام وهام جداً، وافشال المخطط الاسرائيلي الهادف إلى تهجير سكان إقليم غزة وافراغه بالتالي من سكانه هو جزء هام من الصمود الفلسطيني والا أصبح هذا الصمود عنواناً بلا محتوى .
المرحلة الثالثة : تهدف هذه المرحلة إلى تطبيق التهجير بنوعيه القسري والطوعي . الهجرة الطوعية لسكان إقليم غزة سوف يتم العمل على تنفيذها بإعتبارها خطوة إنسانية هدفها انقاذ الفلسطينيين من التبعات الخطرة للبقاء والعيش في بيئة مدمرة تماماً ولا تصلح للحياة خصوصاً مع إفتقارها المتعمد إلى الماء والكهرباء والخدمات الصحية . والهجرة الطوعية سوف تتم حكماً بإشراف وتشجيع اسرائيل بعد اتفاقها مع دول أخرى في أفريقيا وأوروبا وربما أمريكا وكندا لإستقبال اللاجئين من إقليم غزة . والعدد هنا لن يكون على أي حال كبيراً وربما يقتصر على عشرات أو مئات الآلاف وذلك لأسباب لوجستية . أما التهجير القسري فسوف يكون الأهم والأكبر والأخطر وسوف يكون بأعداد ضخمة و إلى دول الجوار ويهدف إلى إفراغ إقليم غزة من سكانه تمهيداً لإ ستعماره من قبل المستوطنين الاسرائيليين .
هذا هو المخطط الاسرائيلي، ولكن نجاحه أو فشله يتوقف على الفلسطينيين أنفسهم من جهة، وعلى جارهم العربي سواء أكان مصر أو الأردن من جهة أخرى . الاسرائيليون يستطيعون القتل والتدمير بأنفسهم ولوحدهم، ولكنهم لا يستطيعوا فرض التهجير دون تعاون الأطراف الأخرى الفلسطينية والعربية، ومن هنا يصبح التحذير المبكر مما هو قادم أمراً حيوياً لإفشال المخطط الاسرائيلي، ويصبح استيعاب خطورة وكيفية ما هو قادم جزأً رئيسياً من معركة إفشاله .
إن نفس الكلام ينطبق على سكان الضفة الفلسطينية مع اختلاف في الاسلوب الاسرائيلي الذي قد يلجاُ إلى استعمال سلاح إرهاب وتخويف وقتل السكان الفلسطينيين من قبل المستوطنين وبمساعدة الجيش الاسرائيلي والمتعاونين في السلطة الفلسطينية خصوصاً في المناطق المحاذية للمستوطنات، تمهيداً لتهجير الفلسطينيين إلى الداخل كمرحلة أولى تليها مراحل أخرى إلى حد وصولهم إلى نهر الأردن تمهيداً لتهجيرهم القسري . ولن يوقف هذه العملية إلا فشل مخطط التهجير من إقليم غزة .
على الفلسطينيين في قطاع غزة البدء في العودة من الجنوب إلى الشمال وبأعداد كبيرة وذلك رفضاً للمخطط الاسرائيلي في حصر الوجود البشري الفلسطيني في أقصى جنوب إقليم غزة وعلى الحدود مع مصر، وعلى مصر أن تعتبر عملية التهجير إلى جنوب القطاع عملاً اسرائيلياً عدوانياً يمس بأمن مصر القومي . وبالمقياس نفسه على الفلسطينيين في الضفة عدم الوقوع في الفخ الاسرائيلي ورفض أي محاولة لابعادهم عن قراهم وبيوتهم الملاصقة للمستوطنات خوفاً من بطش المستوطنين . فالمعتدي هو المستوطن وهو الذي يجب أن يرحل . واذا ما ابتدأ الفلسطينيون في الضفة بإخلاء قراهم فهذا بالضبط ما يريده المستوطنون وعلى الأردن بالمقابل أن يعتبر تلك السياسة مساساً بأمنه القومي وخطراً على وجوده .
التعليقات مغلقة.