حيفا قنبلة “إسرائيل” الموقوتة في دائرة الاستهداف.. ماذا في رسائل المقاومة العراقية؟
الأردن العربي – الإثنين 8/1/2024 م …
مع إعلان المقاومة الإسلامية في العراق استهدافها هدفاً في حيفا، ماذا في الأهمية الاقتصادية للمدينة؟ وأي رسائل سياسية وعسكرية تلقتها الإدارة الأميركية و”إسرائيل”؟
بعد أسابيع على انطلاق ملحمة “طوفان الأقصى” التي جاءت رداً على عدوان الاحتلال المستمر على الشعب الفلسطيني واستباحته المسجد الأقصى المبارك، أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق (تضمّ عدداً من الفصائل العراقية) في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي أنّها جزءٌ من هذا الطوفان.
انطلقت فصائل المقاومة العراقية في دعم غزّة من قراءةٍ سياسية ترى أنّ العدوان على غزّة هو عدوانٌ أميركي – إسرائيلي، وأنّ تخفيف الضغط عن المقاومة في غزة وإجبار الاحتلال على وقف مجازره ضد الفلسطينيين يفرضان استخدام القوة ضد الطرفين.
نصرة العراق لقطاع غزّة أخذت منحى تصاعدياً، انطلاقاً من استهداف القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق، إذ دكّت تلك القواعد بالطائرات المسيّرة وبصواريخ “غراد” و”كاتيوشا”. ومنذ 17 تشرين الأول/أكتوبر وحتى نهاية العام، اعترفت واشنطن بأنّ قواعدها في العراق وسوريا تعرّضت لأكثر من 100 استهداف.
استمرار العدوان الإسرائيلي على غزّة دفع المقاومة العراقية إلى استهداف القواعد الإسرائيلية في الداخل المحتل، سواء في الجولان السوري أو “إيلات”، إضافةً إلى الاستمرار في استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق.
يوم أمس الأحد، شهدت الاستهدافات تطوراً كبيراً من الناحيتين الاستراتيجية والعسكرية، إذ أعلنت المقاومة استهداف مركزٍ حيوي في حيفا المحتلة باستخدام صاروخ “الأرقب” (كروز مطوّر بعيد المدى)، فما أهمية هذا الاستهداف؟
حيفا هدفٌ حيوي وحساس.. لماذا؟
استهداف المقاومة الإسلامية في العراق هدفاً حساساً في حيفا يدلّ على أهميتها الاستراتيجية، إذ تضمّ حيفا منشآت الاحتلال الحساسة، بداية من الميناء والمطار و3 محطات للطاقة، كما تضمّ مجمع حيفا البتروكيميائي الذي يعدّ واحداً من أهم المراكز الاقتصادية في “إسرائيل” وأكثرها حساسية، لكونه يضمّ العديد من المنشآت التي تعالج وتخزن المواد البتروكيميائية. هذا الأمر يجعل حيفا قنبلةً موقوتة.
إنّ أهم منشأة تعتمد عليها “إسرائيل” اقتصادياً هي ميناء حيفا، إذ تعتمد “إسرائيل” اعتماداً كبيراً قد يصل إلى نسبة 90% في تجارتها على الموانئ البحرية لاستيراد البضائع وتصديرها، وهي تمتلك 5 موانئ، 4 منها تطلّ على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والخامس يُطلّ على البحر الأحمر. وتعدّ 3 من هذه الموانئ شرياناً مهماً للتجارة الإسرائيلية (حيفا، إيلات، أسدود). أما مرفآ عكا ويافا، فيقتصر العمل فيهما على القوارب الصغيرة والمتوسطة فقط.
إنّ وصول صواريخ المقاومة العراقية إلى عمق حيفا يؤثّر بشكلٍ حيوي في مينائها الذي يقع في خليج طبيعي ومحمي، ما يسمح بدخول السفن وخروجها من دون انقطاع على مدار العام، وتسمح محطات ميناء حيفا بدخول سفن الحاويات الضخمة ونقل أي نوع من البضائع مثل الحاويات والحبوب والمواد الكيميائية والمركبات والوقود، إذ يمرّ عبر الميناء ما يقارب 30 مليون طن من البضائع سنوياً، أكثر من أيّ ميناء آخر في الأراضي المحتلة.
الميناء الذي يقع في جوار أكثر طرق الشحن البحرية ازدحاماً في العالم، سواء القادمة إلى قناة السويس أو المغادرة منها، يُعد الأكثر ابتكاراً وتقدماً في “إسرائيل”، وتجري إدارته على نحو محوسب وفعّال ومُتسارع.
ولا تقتصر أهمية ميناء حيفا على دوره الاقتصادي، بل تمتدُّ لتشمل ما يمثّله الميناء من موقعٍ عسكري مُهم جداً، إذ يحتوي على أسلحة نووية وغير تقليدية؛ ففي الجانب الشرقي منه، تقع قاعدة “بولونيوم” للأسلحة البحرية، وتحتوي على صواريخ برؤوس نووية، وهي القاعدة التي تُعد مقراً للغواصات الحربية، وخصوصاً من نوع “الدلفين”، المعدّة لحمل صواريخ ذات رؤوس نووية. وفي ميناء حيفا، يجري تفقّد السفن الحربية الإسرائيلية وصناعتها أيضاً.
كما أنّ ميناء حيفا له أهمية استراتيجية، ولا سيما عند الولايات المتحدة الأميركية، إذ يُعدّ نقطةً في ممرٍ تجاري جديد يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، ومن المخطط أن تمرّ السفن عبر هذا الميناء نحو 3 دول أوروبية بعد قدومها برياً من السعودية والإمارات مروراً من الأردن إلى فلسطين المحتلة. هذا المشروع يعد بمنزلة رد واشنطن على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
وسط هذه الأهمية الاقتصادية والأمنية للميناء، وموقع حيفا كبوابة لدول الشرق في المتوسط، فإنّ ضربات المقاومة العراقية، ولا سيما على حيفا، ستؤثّر بشكلٍ مُباشر في مينائها وفي غيره من الأماكن الحيوية. لذلك، إنّ أيّ تعطيلٍ كُليٍ أو جزئي لأهمّ مرفأ حيوي من الممكن أن يشلّ الحركة الاقتصادية والتجارية في “إسرائيل”، مع العلم أنّ استهداف اليمن للسفن الإسرائيلية والمتوجّهة إلى “إسرائيل” في البحر الأحمر عطّل جزءاً كبيراً من التجارة البحرية في ميناء “إيلات”.
ما رسائل المقاومة الإسلامية في العراق من استهداف حيفا؟
في السياق ذاته، أرادت المقاومة العراقية من استهداف حيفا بصاروخ كروز مُطور بعيد المدى توجيه رسائل عسكرية وسياسية في اتجاهاتٍ مُتعددة انطلاقاً من نصرة غزّة، ووصولاً إلى تهديد الاستراتيجيتين الأميركية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.
وعن هذه الرسائل، يقول رئيس مركز أفق للتحليل السياسي جمعة العطواني في تصريحاتٍ للميادين نت إنّ المقاومة الإسلامية في العراق أرادت توجيه رسائل عسكرية من ضرب هدف حيوي في حيفا، مفادها أنّ لديها قُدرات عسكرية قادرة على استهداف مناطق حساسة ومهمة جداً داخل فلسطين المحتلة.
ولفت العطواني إلى أنّ الاستهدافات ستؤثّر بالتالي في قواعد الاشتباك، فمن الممكن لهذه القواعد أن تتوسع، سواء إذا قام الاحتلال الإسرائيلي بتصعيد عدوانه على غزّة أو توسيع رقعة المواجهة من خلال عمليات الاجتياح أو تنفيذ الاغتيالات أو توسيع الحرب لتكون حرباً إقليمية.
وأكّد أنّ هدف المقاومة هو “إرباك المخطط الأميركي في المنطقة وتشتيت جهود الاحتلال في غزّة. هذه الرسائل وصلت وأيقنتها كلٌ من إسرائيل والولايات المتحدة”.
وعن الرسائل السياسية، أكّد العطواني أنّ ضربات المقاومة العراقية توصل رسالة مفادها أنّ المقاومة الفلسطينية لها حلفاء يقفون إلى جانبها ولا يتخلون مطلقاً عن أهدافهم الاستراتيجية في المنطقة، وهؤلاء الحلفاء يرتبطون ارتباطاً عضوياً وعقائدياً وسياسياً قبل أن يكون ارتباطهم جغرافياً، معقباً بقوله: “واهمٌ من يظنّ أنّ الشعب الفلسطيني يُحارب بمعزلٍ عن عمقه الاستراتيجي المتمثّل بمحور المقاومة”.
وأشار إلى أنّ انسحاب القوات الأميركية من قواعدها في العراق وسوريا لن يجعل قوّات واشنطن في مأمنٍ من الضربات، لأنّ المطلب الأساس هو وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة وانسحاب “الجيش” الإسرائيلي، وهذا الأمر يُدل على الارتباط العضوي والصميمي الذي لا ينفك بين أعضاء محور المقاومة.
التعليقات مغلقة.