الاغتيالات الصهيو أمريكية الأخيرة في سورية ولبنان والعراق ودلالاتها.. بقلم: د.م. محمد رقيه

الأردن العربي –  الثلاثاء 9/1/2024 م …




بدأت‏ مأساة‏ الشعب الفلسطيني،‏ في القرن العشرين عندما‏ سلط‏ الغرب‏ الاستعماري‏ الصهاينة‏ على‏ الأمة‏ العربية ،‏وبدؤوا في‏ التآمر‏ على‏ أمتنا‏ لاغتيال وجودها،‏فلم‏ تكن‏ حوادث‏ الاغتيال‏ التي‏ نفذوها‏ ضد‏ شعبنا‏ مجرد‏ حوادث‏ اغتيال‏ فردية،‏ في‏ سياق‏ الصراع‏ السياسي،‏ ولكنها‏ كانت‏ حلقة‏ من‏ مسلسل‏ اغتيال‏ شعب‏ كامل‏ هو‏ الشعب‏ الفلسطيني‏ واغتيال‏ هوية‏ أمة‏ هي‏ الهوية‏ العربية.
ومنذ احتلال الصهاينة أرض فلسطين العربية عام ١٩٤٨ وهم يتبعون هذا الاسلوب لضرب مناهضيهم كلما سنحت لهم الفرصة ذلك حتى ولو كانت شخصية غير عدوة ولكن لا تعمل لصالحهم    
ومن أبرز تلك العمليات المبكرة اغتيال اللورد موين (سياسي ورجل أعمال بريطاني) عام 1944، لأنه لم يكن يشجع هجرة يهود بريطانيا إلى فلسطين.
 كما اغتالوا الوسيط‏ الأممي الكونت‏ السويدي‏ “فولكي‏ برنادوت  الذي عين‏ه مجلس‏ الأمن‏ الدولي‏ في 20/5/1948م  كوسيط‏ دولي‏ في‏ الصراع‏ العربي‏ الصهيوني ،‏الذي اغتيل في 17/9/1948  بالقدس‏ على‏ يد‏ وحدة‏ كوماندوز‏ من‏ حركة‏ “ليحي” “أي‏ محاربي‏ إسرائيل” الإرهابية التي‏ كان‏ اسحق‏ شامير‏ رئيس‏ الوزراء‏ الإسرائيلي الأسبق‏ أحد‏ قادتها،‏ وكانت‏ هذه‏ الحركة‏ تأخذ‏ على‏ الدبلوماسي‏ الدولي‏ أنه‏ أراد‏ تعديل‏ خطة‏ التقسيم‏ التي‏ اعتمدتها‏ الأمم‏ المتحدة‏ في‏ 29/10/1947م،‏مما‏ أعتبره‏ الصهاينة‏ تعديلاً‏ لصالح‏ العرب
لقد ركز الصهاينة في عمليات الاغتيال على:
١-  اغتيال القادة العسكريين
٢- اغتيال المفكرين والمثقفين والسياسيين وكلنا يتذكر الشهداء ناجي العلي وغسان كنفاني وكمال ناصر وعبد الوهاب الكيالي وغيرهم
٣- اغتيال العلماء وهم كثر في مصر وسورية والعراق وايران وغيرها
٤- اغتيال الأسرى في سجون الاحتلال . فحتى أواخر عام  ١٩٩٤ تم اغتيال ٣٥ شهيد في هذه السجون
وتشير الاحصائيات منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الشهر العاشر من عام ٢٠٢٣  الى اغتيال أكثر من مئة وعشرين شخصية فلسطينية وعربية واسلامية، عسكرية وعلمية وفكرية  ونضالية بارزة في العمل النضالي ضد الكيان الغاصب ضمن الأراضي الفلسطينية وخارجها في مختلف عواصم العالم وعلى رأسهم قادة حزب الله  وقادة ومؤسسين  من حماس والجهاد الاسلامي والفصائل الفلسطينية الأخرى وقادة من سورية وإيران والعراق
وتوجت هذه الاغتيالات في الاسبوعين الماضيين باغتيال قادة كبار  .
كانت البداية بالقائد الجنرال  رضي الموسوي في الحرس الثوري الإيراني  في ضواحي دمشق بتاريخ ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣
ثم القائد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس  مع ستة كوادر أخرى فلسطينية ولبنانية  في بيروت مساء ٢ يناير ٢٠٢٤   
ثم القائد المجاهد الحاج أبو تقوى السعيدي نائب قائد عمليات حزام بغدادوأحد القادة البارزين في حركة النجباء مع أحد مرافقيه في بغداد الذي ارتقى بعدوان طائرة أمريكية في ٤ يناير ٢٠٢٤
ورافق ذلك تفجيرات ارهابية بالقرب من ضريح الشهيد قاسم سليماني في ايران  بيوم ذكرى استشهاده الرابعة . وعدوان أمريكي على الزوارق اليمنية بالبحر الأحمر وسقوط عدد من الشهداء
ما هي دلالات هذه الاغتيالات والاعتداءات ونتائجها؟
يمكن  أن أشير هنا الى عدد من النقاط في دلالات هذه الاعتداءات والاغتيالات  ونتائجها
١- جاءت هذه الاغتيالات لتغطية الفشل الذي مني به الجيش الصهيوني في عدوانه على غزة، الذي أفرغ كل مافي جعبته من قدرة  البطش وجرائم الإبادة    على مدى ثلاثة أشهر وخسائره الكبيرة واقتصر فعله على قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البنى التحتية في القطاع لتحويله الى منطقة لايمكن العيش فيها ، فجاءت هذه  الاغتيالات لإظهار نصر معنوي أمام شعبه يحلم به .
٢- أكدت هذه الاغتيالات وجود  اختراق أمني كبير لدى دول محور المقاومة يجب التنبه له والعمل على تحجيمه والتحقيق في أسبابه وملابساته .وهذا ناتج بشكل أساسي عن وجود عملاء وجواسيس على الأرض مزودين بأجهزة نتصت وتواصل متقدمة يجمعون من خلالها  المعلومات ويرصدون تحركات المقاومين .
3- أكدت هذه الاغتيالات التقصير أو اللامبالاة في الأمن الشخصي للأشخاص القادة من حيث اقامتهم ولقاءاتهم  وتحركاتهم خاصة في ضوء توفر التقنيات الحديثة حاليا” من أجهزة تنصت ومراقبة  وهواتف ذكية واتصالات رقمية  عدا عن  الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية وغيرها من وسائل الرصد والمراقبة الدقيقة.
والعدو يسخّر‏ آخر‏ مخترعات‏ العلم‏ الحديث‏ في‏ مجال‏ الاختراق‏ لكي‏ يتمكن‏ من‏ أن يعيش‏ خفية‏ بداخلنا‏ ومعرفة‏ ما‏ يدور‏ في‏ خلدنا.. فهو‏ عندما‏ يكتشف‏ أرقام‏ هواتفنا،‏يسعى‏ حثيثاً‏ عبر‏ عملائه‏ للدخول‏ إلى هذه‏ الخطوط‏ بغرسه‏ أجهزة التنصت‏ الحديثة‏ التي‏ تمكنه‏ من‏ تسجيل‏ جميع‏ المكالمات،‏ودراستها‏ وتحليلها‏ والاستفادة‏ من‏ جميع‏ المعلومات‏ فيها،‏واستغلالها‏ في‏ حربه‏ علينا،‏وهو‏ يسعى‏ عن‏ طريق‏ عملائه‏ من‏ اختراق‏ قاعات‏ اجتماعاتنا‏ ولقاءاتنا،‏ وعملنا‏ عن‏ طريق‏ غرس‏ أجهزة ميكرفون‏ وكاميرات  صغيرة‏ وعالية‏ الحساسية‏ بحيث‏ تتمكن‏ هذه‏ الأجهزة الصغيرة‏ من‏ بث‏ جميع‏ الأصوات والأحاديث و تبثها‏ إلى مستقبل‏ بعيد‏ يقوم‏ بتسجيل‏ هذه‏ الأحاديث،‏ وإرسالها إلى مقر‏ الموساد.. حيث‏ تتم‏ دراستها‏ وتحليلها‏ والاستفادة‏ منها.. كذلك‏ يستخدم‏ هذه‏ التقنيات‏ في‏ عملية‏ تفخيخ‏ السيارات‏ والمقرات‏ بالمواد‏ المتفجرة‏ لتدميرها‏ وقتل‏ من‏ فيها.
لذلك‏ لا بد‏ من‏ استخدام‏ التقنيات‏ الحديثة‏ في‏ مواجهة‏ الإرهاب الصهيوني،‏وحرب‏ الاغتيالات‏ التي‏ يقودها‏ الموساد،‏ وأبسط‏ هذه‏ التقنيات‏ التي‏ على محور المقاومة الاهتمام‏ بها‏ أجهزة الكشف‏ المضادة‏ وأجهزة التشويش التي‏ تمكننا‏ من‏ اكتشاف‏ هكذا‏ أجهزة عبر‏ خطوط‏ الهواتف أو‏ المقرات أو المنازل أو السيارات‏،‏وأماكن تواجد الأشخاص المهمين وتعطيلها والحديث هنا يطول.
٤- كل هذه الاغتيالات والعمليات الإرهابية هي بتخطيط وتنفيذ صهيوني امريكي فهما أفعى واحدة برأسين
٥- إن اغتيال القائد صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت له بعد أمني استراتيجي خطير يكسر أحد أهم قواعد الاشتباك التي أكد عليها السيد ح س ن ن ص ر   الله منذ عام ٢٠٠٦ ويعرض أمن الضاحية ولبنان للخطر
٦- إن ارتقاء القائد أبو تقوى السعيدي في بغداد بطائرة أمريكية يشكل عدوانا” سافرا” على سيادة العراق وأمن مواطنيه  ومناضليه وهذا يحتم على الحكومة العراقية اتخاذ الموقف الوطني الشجاع بطرد قوات التحالف من العراق، علما” أن هناك قرار من البرلمان العراقي بطلب سحب هذه القوات  منذ عدة سنوات بعد اغتيال القائد قاسم سليماني والقائد أبو مهدي المهندس على أرض العراق قبل أربع سنوات في ٣ يناير ٢٠٢٠  . 
٧- إن خروج أهالي بيروت على مختلف فئاتهم السياسية والاجتماعية للمشاركة في تشييع الشيخ صالح العاروري يؤكد على وحدة الصف بين اللبنانيين وأن فلسطين وعاصمتها القدس هي البوصلة التي تجمع ولا تفرق .
٨-  إن عمليات الاغتيال لا تغير من طبيعة الصراع ولا تشعر العدو بالأمان ، بل بالعكس تزداد صلابة المقاومة وتتجدد جزوة النضال والعطاء والتضحيات وتتجذر الجماهير في وحدتها ونضالها ضد هذا الكيان ، وهذا ما أكدته نتائج ااغتيالات الكيان السابقة وداعميه على مدى أكثر من ثمانين عام .
٩- أكدت هذه الاعتداءات على وحدة الساحات في دول المحور المقاوم
١٠- لن تبقى هذه الاغتيالات والاعتداءات الإجرامية دون رد سيندم عليه الكيان وقد بدأت طلائع الردود من ح ز ب الله البارحة بدك قاعدة ميرون للمراقبة الجوية على قمة جبل الجرمق ب ٦٢ صاروخ متنوع وهي أعلى قمة  في فلسطين المحتلة ،وتقوم قاعدة ميرون بتنظيم وتنسيق وإدارة كامل العمليات الجوية باتجاه سوريا ولبنان وتركيا وقبرص والقسم الشمالي من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. كما وتُشكل هذه القاعدة مركزًا رئيسيًا لعمليات التشويش الإلكتروني على الاتجاهات المذكورة، ويعمل في هذه القاعدة عدد كبير من نخبة الضباط والجنود الصهاينة.
باحث أكاديمي وكاتب سياسي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.