بلينكن.. ممثل منافق وقاتل عتيد / طه خليفة
طه خليفة ( مصر ) – الخميس 11/1/2024 م …
“أشعر بأسف شديد على الخسارة الشديدة التي يعاني منها الصحفي وائل الدحدوح، أنا أب ولا يمكن أن اتخيل الفظاعة التي واجهها، ليس مرة واحدة، بل مرتين، هذه مأساة حقيقية، هذا ينطبق أيضًا على الكثير من الفلسطينيين الأبرياء من النساء والأطفال المدنيين والصحفيين وغيرهم”.
هذا ما قاله أنتوني بلينكن، وزير خارجية أمريكا، السبت الماضي، خلال جولته الرابعة بالمنطقة العربية، منذ العدوان النازي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي الذي يتواصل لليوم الـ96 دون مؤشرات على توقف حرب الإبادة والجريمة ضد الإنسانية، حيث تُسحق الإنسانية وتُنتهك القيم الأخلاقية في هذا العالم المتوحش.
لا نصدق بلينكن فيما يقوله بشأن المُصاب العظيم لوائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة في غزة، كما لا نصدقه فيما يقوله عن مآسي المدنيين الأبرياء، مهما تفوه بكلمات المواساة، ومهما عدد أوصاف المأساة بحق عائلة صحفي يتساقطون شهداء، وبحق 109 صحفيين ارتقوا شهداء، و23 ألف شهيد من المدنيين، بينهم 10 آلاف طفل، و6 آلاف امرأة حتى الآن، و7 الآف مفقود أجسادهم تتحلل تحت ركام المباني المهدمة، وبحق ما يقرب من 60 ألف جريح، ومليون و900 ألف مشرد يلتحفون السماء في برد الشتاء القارص وينتظرون الشهادة في أية لحظة، فكل الغزيين على قائمة الشهادة والعزة.
بلينكن شريك في العدوان
لن نصدق بلينكن حتى لو صرخ بأشد الكلمات في وصف محرقة العصر التي ينفذها الكيان النازي ضد غزة لإزالتها من الوجود؛ بشرًا وشجرًا وحجرًا، لأن بلينكن منافق صريح كبير، فهو شريك في العدوان، وفاعل في المجازر، وداعم للمحارق، ليس وحده في إدارة الشر الأمريكية، بل يقف معه رئيس هذه الإدارة بايدن، ووزير الدفاع أوستن، وكل أعضاء الإدارة، وطبقة الحكم، والكونغرس بمجلسيه، إلا استثناءات قليلة جدًّا من بعض الدبلوماسيين والموظفين، لكنهم بلا تأثير في قرارات البيت الأبيض.
بلينكن ممثل منافق، يُلقي بعض الكلمات في مؤتمر صحفي لخداع العرب العاطفيين، ومحاولة التغطية على الوجه الأمريكي القبيح، رغم أنه وبايدن وبقية العصابة ليسوا بحاجة إلى أي مكياج سياسي لأن وجوههم مكشوفة، وسياساتهم معروفة، وخططهم واضحة، فهم يدعمون الكيان بلا سقف، ويؤيدون العدوان حتى آخر فلسطيني، ويفتحون مخازن السلاح ليحصل القتلة على أكثر مما يريدون لمواصلة إبادة غزة بشكل شامل وكامل، والتوغل بمدن الضفة يوميًّا وسقوط شهداء بجانب التدمير الممنهج للبنية التحتية.
وجه بلاستيكي وقلب حجري
بلينكن صاحب وجه بلاستيكي، وعقله صهيوني، وقلبه لا يعرف العاطفة الإنسانية حتى لو كان لديه أطفال يُداعبهم، فهذا القلب قطعة من الحجر الصلد اتجاه الفلسطيني، إذ لو كان إنسانًا لما اكتفى بتصّنع الألم على مأساة وائل الدحدوح، ولما وصف ذلك بالفظاعة، وهي أكبر من مأساة، وأشد من فظاعة، وليس وائل وحده، إنما معه كل فلسطيني يفقد فلذات أكباده وعائلته وأهله وأحبائه وأقربائه وجيرانه ومواطنيه.
لو كان بلينكن إنسانًا على الحقيقة، ولو كان يعرف معنى الحزن ومغزى الألم وأصوات الآهات والاستغاثات وأنهار الدموع وفاجعة الموت الذي يحاصر غزة من كل الجهات والجوع والتشرد وعدم وجود مكان آمن في القطاع المنكوب، لما ترك العدوان يستمر بهذا الشكل المجنون، ولَوقف ضد حرب الإبادة، ورفض الجريمة ضد الإنسانية، وطالب بوضع حد للتطهير العنصري والتهجير القسري، ولكان قد لجم القتلة المتسلسلين زملاءه في الكيان، وهو يهودي مثلهم، ويتفاخر بجده اليهودي، ولو كان يهوديًّا مؤمنًا بحق بشريعة موسى عليه السلام لَطالب بوقف النار والعدوان فورًا، ولَانتصر لِمعتقده الديني وإنسانيته وللعقل والقلب المحبين للسلام، فلا دين وشريعة يدعوان إلى قتل الإنسان، بل يحييانه.
كلام بلينكن السبت، ومن قبله زميلته في مجلس الأمن، والمتحدث باسم البيت الأبيض، عندما قدموا العزاء والمواساة للدحدوح بعد فقد زوجته وابن وابنة له وحفيده و12 من عائلته بقصف شنيع لبيتهم في 26 أكتوبر الماضي، خداع وتزييف ونفاق سياسي وإنساني رخيص، هو سقط الكلام، لأن هؤلاء جزء من مجلس الحرب الأمريكي ضد غزة، ذلك المجلس الذي لم يطلب ولا مرة واحدة إيقاف المقتلة الكبرى، وإنما يواصل حث وكيله الصهيوني على الإبادة وجعل غزة تعيش الجحيم بالفعل.
مواصلة الانفراد بغزة
بلينكن يتجول في العواصم العربية ليس لوضع نهاية للفاشية والنازية الصهيونية، وإنما لمنع اتساع الحرب، أي استخدام العرب للضغط على أطراف عربية وغير عربية لتهدئة الكيانات المرتبطة بها، وعدم توسيع مناوشاتها ضد الكيان الصهيوني، والمعنى واضح، وهو استمرار انفراد الكيان بغزة وعدم إشغاله بجبهات أخرى في لبنان واليمن والعراق وسوريا.
وعمومًا فهذه الجبهات لا تحارب بجد، ولا تسكت، لكن مع هذا فاشتباكاتها رغم محدودية تأثيرها في سير العدوان أمر محمود وأفضل وأكثر احترامًا من الأنظمة العربية والإسلامية التي لم تقدم رغيف خبز واحد أو شربة ماء أو حبة دواء لغزة إلا بعد موافقة الأمريكي والصهيوني وبكميات لا تتناسب مع احتياجات مليونين و300 ألف جائع ومريض وجريح ومشرد.
تخاذل عربي إسلامي وانحطاط عالمي
أما السلاح، فالمستحيل بعينه أن تمرر عاصمة طلقة واحدة للمقاومة لتدافع عن شعبها في وجه المجازر الشنيعة، في حين تفتح أمريكا مخازنها عن آخرها لتغرف منها تل أبيب لتقتل الفلسطينيين، وهو السلاح الذي يخرج بعلم وموافقة بلينكن، ثم يأتي إلينا ليتباكى ويمثل دور العاطفي الفاشل، وهو يتأسف لمقتل ابن الدحدوح والمدنيين بهذا السلاح.
ليس بايدن وبلينكن وأوستن والنازيون وحدهم، بل يشاركهم في العدوان النظام العربي والإسلامي بالتخاذل أو الصمت أو التواطؤ إلى درجة أنه لا عاصمة منهم تتضامن مع جنوب إفريقيا في القضية التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية ضد محارق الكيان النازي انتصارًا لغزة الصامدة الشهيدة، والشاهدة على عصر من الانحطاط العالمي.
التعليقات مغلقة.