شكرا دولة جنوب أفريقيا فلقد كَفّيت ووفّيت!! / سماك العبوشي

سماك العبوشي ( العراق ) – السبت 13/1/2024 م …




حين وقف وزير العدل في دولة جنوب أفريقيا ملقيا كلمته أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي في الدعوى المقامة من قبل بلاده ضد إسرائيل بتهمة اقترافها جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة، فقد وردت في كلمته عبارة استرعت انتباهي ودغدغت مشاعري وأيقظت أحزاني لأهميتها ومغزاها الكبير حين قال بأن دولته تستمد مواقفها المبدئية من المناضل الكبير الراحل نيلسون مانديلا، وبأنها تترسم خطاه ونهجه في الدفاع عن حرية الشعوب والسعي الحثيث لنيل كرامتها!!

وأتساءل بغصة وألم شديدين:

لطالما تغنينا بأشعارنا، وخطب علماء ديننا، وقادة أنظمتنا وساستنا عن عظمة أمتنا ورفعتها وشرفها وكرامتها، وبأننا أمة واحدة تمتد من المحيط الى الخليج، وأن فلسطين هي قلب أمتنا ورمز كرامتنا وأنها عربية وستظل عربية، وأننا أمة مجيدة لا تنام على ضيم أو استعباد، فما بالنا اليوم وقد ارتضينا الذل ولبسنا الهوان، وبتنا مشرذمين مشتتين تفصلنا عن تحقيق أحلامنا وتطلعاتنا حدود وهمية صنعها الغرب لنا يوما فارتضينا بها، بل وعملنا على تعميقها وتثبيتها!!؟

ثم …   

ألسنا أحفاد أولئك الرجال العظام الذين ذكرهم التاريخ بإجلال واحترام فأنصف بطولتهم وأشاد بشجاعتهم وإقدامهم!!؟

ألسنا نحمل جيناتهم الوراثية التي تأبى الذل والضيم والقهر والهوان وتتطلع الى الكرامة وإسعاف ونجدة الملهوف ومن وقع عليه الحيف والظلم والكرب!!؟

ألم نتعلم بمدارسنا منذ الصغر تاريخ أمتنا المجيد قبل الإسلام، فجاء الإسلام فأقرّها ونمّاها وأشاد بها كالشجاعة والأنفة وعزة النفس وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم منا، وبأننا كالجسد الواحد إذا ما اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى!؟

أنسينا قول الله تعالى “ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ”…(التوبة:71)، فأين نحن من ذلك كله، وأين نحن من طاعة الله ورسوله في استنهاض الهمم لرد العدوان!!؟

ألم نسمع يوما حديث نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي تحدث به عن خصال وصفات المسلم، وأهمية نُصرَة المسلم لإخوانه والوقوف معهم في مصائبهم، وأن من علامات الإيمان الصادق نصرتهم ونجدتهم والوقوف معهم والتحذير من مغبة خذلانهم وعدم موالاتهم، حيث قال :  المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ بها عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ ومَن ستَر مسلمًا ستَره اللهُ يومَ القيامةِ”!!؟

لماذا تناسينا تلك المبادئ المحمدية، وتغافلنا تلك الوصايا التي أوصانا بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: “الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ”!!؟

فما بالنا اليوم نرتع بالهزيمة، ونتسربل بالذل والهوان إذن!!

لطالما تبجحنا نحن العربَ بقيمنا وخُلُقنا ومبادئنا عربية الجذور، والمستمدة من ديننا الحنيف من خلال التعاضد والتآزر بين اشقاء الدين وأبناء الجلدة الواحدة وقت الأزمات، إلا أن قادة أنظمتنا العربية أثبتوا وبجدارة متناهية أنهم في واد، وقيم ومآثر أمتنا وديننا في واد آخر، حين تركوا أبناء جلدتهم وأشقائهم في الدين يعانون الحصار في غزة لأكثر من ست عشرة سنة متواصلة، ويتعرضون للإبادة الجماعية والجوع والألم!!؟

أي عار وشنار بحق أنظمتنا العربية والإسلامية أن تتصدى دولة جنوب أفريقيا، والتي لا يجمعنا بها عرق ولا يربطنا بها دين لإنصاف شعب فلسطين (العربي المسلم)، فتقوم بتقديم دعوى قانونية الى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، في وقت اكتفت الأنظمة العربية والإسلامية بعقد مؤتمر قمة (وصف بالعاجل والطارئ!!) بتاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023 لمناقشة العدوان الإسرائيلي على شعب فلسطين، فخرج المؤتمر بقرارات لم تسمن ولم تغن من جوع، ثم تُرك شعب غزة لمصيره من الذبح والتهجير على يد إسرائيل بدعم وإسناد من الولايات المتحدة الأمريكية!!

لقد جيّشت دولة جنوب أفريقيا قضاتها ورجال القانون لديها لرصد ما تقترفه قوات الاحتلال الإسرائيلي من جرائم على أرض غزة العزة والصمود، وراحت تجمع حثيثا الأدلة القانونية اللازمة لمحاكمة وإدانة إسرائيل، وصاغت مرافعة مُدعَمة بالوثائق في 84 صفحة باللغة الإنجليزية، وتُقدّم دلائل إدانة لإسرائيل بالسعي للإبادة الجماعيّة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كما تطالب الدعوى من المحكمة مبدئيا بتقديم تدابير الحماية المؤقتة والفورية للفلسطينيين.

وأعود للتساؤل مجددا وباستغراب وامتعاض شديدين:

أيعقل أن تعي دولة جنوب أفريقيا لحقيقة أهداف ومخططات إسرائيل، وتدرك مبكرا بأن حماس ليست هي المستهدفة وحدها في هذا العدوان (كما تعلن إسرائيل)، بل شعب فلسطين عموما وأبناء غزة تحديدا هم في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، تلك الحقيقة الساطعة الواضحة التي ذكرها ممثلو دولة جنوب أفريقيا في كلماتهم التي القوها يوم أمس أمام محكمة العدل الدولي، في وقت تجاهلت أنظمتنا العربية تلك الحقيقة كاملة واكتفت بتنظيم مؤتمر قمة الرياض وإصدار مناشدات واستنكار، وراحت تنتظر ما ستؤول إليه الأحداث، كما وراحت تلتقي المبعوثين الأمريكان في زياراتهم المكوكية لعواصم بلدانهم والهادفة لفرض وجهة النظر الإسرائيلية الامريكية المشتركة بتنفيذ (صفقة القرن) بحذافيرها وإفراغ أرض فلسطين من شعبه من خلال ترحيلهم وتهجيرهم الى صحراء سيناء والأردن!!!

رُبّ سائل يسأل:

لماذا أحجمت السلطة الوطنية الفلسطينية – باعتبارها ممثلة لشعب فلسطين وراعية لمصالحه – عن إقامة دعوى ضد إسرائيل كتلك التي أقامتها دولة جنوب أفريقيا!!؟

والجواب يحتمل أمرين كما جاء على لسان المحللين السياسيين:  

الامر الأول … يتمثل بغياب الإرادة السياسية لقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية على الولوج في هذا المنحى والاقتراب من عش الدبابير كما يقال بالأمثال!!.

الأمر الثاني … سياسي بحت، يكمن في أن السلطة الفلسطينية مقيدة أكثر منها مكبلة، فهي مقيدة بالإجراءات والضغوط الإسرائيلية، وهي أيضا محاصرة من كافة الجوانب لا سيما مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بزعامة بنيامين نتانياهو، وأن هناك عدة ضغوطات تتعرض لها السلطة منها حجز للأموال، إغلاق للطرقات، إغلاق للمعابر، حصار شامل على الشعب الفلسطيني وعلى السلطة الوطنية!!

فأرد على مَن طرح الأمرين قائلا: كلا الامرين وارد جدا، وهما مرتبطان ببعض ارتباطا كاملا، وذاك الامران لعمري ما هما إلا نتاج ومعطيات طبيعية لسياسة عبثية اتبعتها القيادة الفلسطينية التي أصرت على ولوج ما سمي بالسلام مع إسرائيل، فانغمست معها بمفاوضات عبثية بعد توقيعها اتفاقية أوسلو فأثمرت وبالا وبؤسا لشعب فلسطين، وتكبيلا لقدرات وطاقات قيادة السلطة الفلسطينية، ولا داعي للدخول في تفاصيل ذلك في هذه العُجالة!! 

وقد يتبادر للأذهان تساؤل آخر:

وإذا كانت هناك مبررات (تافهة !!) لإحجام السلطة الوطنية الفلسطينية عن إقامة تلك الدعوى على إسرائيل:

1-    فما مسوغات ومبررات أنظمتنا العربية والإسلامية في عدم قيامها برفع دعوى ضد إسرائيل كما فعلت دولة جنوب أفريقيا مشكورة !!؟.

2-    ولماذا سادت وطغت صفة السلبية والتقصير على المشهد الرسمي العربي والإسلامي على حد سواء من عدم استنفاد الدول العربية والإسلامية كل الأدوات القانونية والدبلوماسية المتاحة من أجل الحصول على الحقوق العربية والإسلامية المهدورة في فلسطين!!؟

والجواب على ذلك ببساطة شديدة يكمن في نص حديث نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الخاص بحال الامة آخر الزمان حيث قال: “يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ نحن يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ”، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، وما ينطق عن هوى، إنما هو وحي يوحى إليه!!

فهل أدركتم الآن إجابة لسؤال طالما داعب أذهانكم، وتردد في نفوسكم، وجال في خواطركم، وأقض مضاجع الشرفاء الصادقين منكم، عن أسباب وضع أمتنا المزري والمتهالك والتي اعتادت أن تسود قبل ألف واربعمائة عام!!

وهل أدركتم الآن لماذا طال احتلال أرض فلسطين من قبل حفنة من (يهود الخزر) الخبثاء لا يتجاوزون بضعة ملايين في وجود أمة كثيرة تعدادها مليار ونصف المليار من المسلمين!؟

 

قال تعالى في محكم آياته من سورة التوبة: الآية 123: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ”.

 

وقال تعالى في محكم آياته التوبة، الآية 38:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ”.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.