المحامي محمد احمد الروسان يكتب: الولايات المتحدة الأمريكية الازدواجية والمحكمة الجنائية الدولية.
المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 13/1/2024 م …
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …
= = محكمة جنائية أوروبية تستهدف المستعمرات الأوروبية السابقة …
= = هي وسيلة أمريكية إسرائيلية أوروبية، من أجل تغيير الأنظمة السياسية ...
ومن اليوم وتاريخ هذه اللحظة: ليصار الى تسمية الولايات المتحدة الامريكية، أينما وجد هذا الاسم، الى: الولايات المتحدة الامريكية الازدواجية، نظراً وكونها، هي من خلقت وخلّقت المعايير المزدوجة، في المواقف والسياسات إزاء خصومها، وهي الأب الروحي، لاستراتيجية المعايير المزدوجة في كل شيء، وفي المعايير القضائية المزدوجة أيضاً.
وقبل الدخول والولوج اشتباكاً، في محاكمة القرن – محاكمة العصر الحادي والعشرين، للكيان الصهيوني اللقيط، أمام المحكمة الجنائية الدولية ولأول مرة، لمحاسبته عن جرائمه بحق الشعب الفلسطيني في غزّة هاشم، والضفة الغربية المحتلة وفي الشتات، نتيجة لدعوى رفعتها دولة جنوب أفريقيا أمام المحكمة الجنائية الدولية، هذا الشعب الفلسطيني البطل، الواقع تحت احتلال الكيان اللقيط، لأرضه ومائه وسمائه، ولقدسه والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وكلّ المقدسات المسيحية والاسلامية، لا بد من تشخيص الدمّل الأمريكي والأوروبي، قبل فريه وفتحه، وهو المتقيح والمتعفن بصديد المعايير القضائية المزدوجة، والتسيس الفاضح للعدالة الدولية.
بالمعنى التقني القانوني، لخلفيات المحكمة الجنائية الدولية، نجد الكثير والكثير، من المحللين السياسيين وغيرهم، وجلّ الحقوقيين والقانونيين والمحامين، بجانب شرائح الرأي العام، يخلطون خلطاً يدل عن سوء فهم، بين المحكمة الجنائية الدولية من جهة، وبين محكمة العدل الدولية من جهة أخرى.
ويتزايد هذا الخلط والالتباس ويتعمق، بقدر أكبر وأعمق، حتّى لجهة، أنّ مقر محكمة العدل الدولية، هو العاصمة الهولندية لاهاي، أمّا المدينة الهولندية، التي تستضيف حالياً، المحكمة الجنائية الدولية: فهي مدينة هاغيو.
ولتوضيح الفرق: نشير إلى أنّ محكمة العدل الدولية، معتمدة بالأساس القانوني، ضمن مواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي، أمّا المحكمة الجنائية الدولية، فهي كيان دولي ونظام قضائي مختلف، تم تأسيسه ومأسسته، بمبادرات طوعية من خارج إطار الأمم المتحدة، كتكتل دولي واسع، وبحسب منطوق القانون الدولي، فإنّ معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، تعتبر ملزمة بالنسبة للأطراف، التي أقرت الالتزام بتطبيق هذه المعاهدة، والإقرار بالمعنى القانوني الدولي، يتضمن حصراً التوقيع على المعاهدة وإجازتها، بواسطة السلطة التشريعية الوطنية.
وبعبارة أخرى: فإنّ الدول التي لم تقم بإقرار المعاهدة عن طريق التوقيع والمصادقة التشريعية، تعتبر غير ملزمة بالمحكمة الجنائية الدولية، إضافة، إلى أنّه ليس لها الحق في الولاية على هذه الدول، باعتبارها تقع خارج نطاق اختصاص المحكمة.
هذا وبرزت المحكمة الجنائية الدولية، إلى الوجود القانوني المؤسساتي، في الأول من تموز لعام 2002 م، حيث كانت الولادة الطبيعية لها، وهو التاريخ الذي يمثل بالنسبة لمؤسسي المحكمة، دخول الاتفاقية القانونية الأممية، التي أسست المحكمة، حيز التنفيذ والتطبيق والتفعيل القانوني، وقد تم تحديد اختصاص المحكمة، لجهة محاكمة الأفراد عن الجرائم الآتية: جرائم المذابح، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة العدوان.
واللافت للنظر، في عضوية المحكمة الجنائية الدولية، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية الازدواجية(يجب تسمية أمريكا بهذا الاسم، نظر لمواقفها المزدوجة في كل شيء، وفي تعاملها مع الدول والمنظمات والتنظيمات الدولية، وفق القيم والمبادئ التي نشأت عليها)، ظلت من جهة ترفض الانضمام إلى اتفاقيتها، ولكنّها في الوقت نفسه، ظلت تمارس الضغوط على الدول الأخرى، من أجل الانضمام إلى المحكمة وإضافة لذلك، فقد رفضت كل من روسيا والصين والهند: ليس الانضمام لاتفاقية المحكمة، وإنما ظلت هذه الدول الثلاث، توجه المزيد من الانتقادات لهذه المحكمة، وفقاً لاعتبارات خاصة تخصها وحدها.
حتى الآن وحسب ما أعتقد، تضم عضوية المحكمة 121 دولة، وما هو جدير بالذكر أن 40 منها فقط، وقّعت على اتفاقية المحكمة، ولكنها لم تقم بإجراءات المصادقة عليها تشريعياً، وبالتالي: فإنّ هذه الدول، وبحسب منطوق القانون الدولي، واتفاقية المحكمة نفسها، لا تعتبر أنّها قد أقرت الاتفاقية، وبالتالي لا يمكن منحها صفة عضوية الاتفاقية، بالمعنى الإلزامي القانوني الدولي، الذي يفرض على عاتق هذه الدول الأربعين مسؤولية الالتزام بالمحكمة.
اذاً وبالمطلق: المحكمة الجنائية الدولية نظام قضائي منفصل عن محكمة العدل الدولية، الأولى تقع في مدينة هاغيو، والثانية في لاهاي.
وعندما دخلت المحكمة الجنائية الدولية حيّز التنفيذ في عام 2002 م، كأداة دولية لإحقاق العدل والإنصاف الدوليين، اعتبرت ثورة في نظام العدالة الدولية، لوضع حدّ للإفلات من العقاب، ولكن، وفي ظل نظام دولي انتقائي غير عادل، فشلت هذه الأداة في تحقيق غايتها حتّى اللحظة، وهذا ما أكده المؤتمر الأول، لمراجعة نظام المحكمة، الذي عُقد على ما أذكر في أوغندا، كاشفاً التسيس الفاضح للعدالة الدولية، وعزّز من الاتهامات، بأنّ المحكمة أبعد ما تكون عن وضع حدٍّ للإفلات من العقاب، لتبقى المحكمة الجنائية الدولية، أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية الازدواجية، وبيد الاتحاد الأوروبي، وبيد مجلس الأمن الدولي، الجهة الوحيدة القادرة على تكليفها بقضايا، ضدّ دول غير أعضاء.
وهنا أقول: إذا كان دور محكمة الجنايات الدولية، هو الحماية من ارتكاب إبادة جماعية، وجرائم بحق الإنسانية، فإنّ سلوكيات، ومنهج الولايات المتحدة الأمريكية الازدواجية، أفرغتها من مضمونها للمحكمة، وفي منعها لتوسيع صلاحياتها، وهذا من شأنه أن يكون، قد سمح فعلياً بمواصلة ارتكاب جرائم بحق السكّان، وبذلك تستمر ممارسة المعايير القضائية المزدوجة، في المحكمة الجنائية الدولية، والأخيرة أداة في يد الاتحاد الأوروبي، فصارت محكمة جنائية أوروبية، تستهدف المستعمرات الأوروبية السابقة – لماذا؟.
أجيب: انّ معاهدة روما، لا تسمح لدولة واحدة، بدفع أكثر من 5 في المئة من تمويل المحكمة الجنائية، وانّ الاتحاد الأوروبي، يمثّل دولة واحدة متواصلة، ذات رئيس واحد وعاصمة(بروكسل)وسياسة خارجية موحدة، لها وزير خارجية وعملة موحدة، فإنّه بذلك يساهم بـستين في المئة من ميزانية سنوية، تصل إلى 100 مليون يورو، بينما تحمّل الاتحاد الأوروبي القسط الأكبر من ميزانية تأسيس المحكمة التي بلغت كلفتها مليار يورو، فانّ دول الاتحاد وكونها الممول الأكبر، تختار قضاة بالتعيين، ولم يمارسوا مهنة المحاماة قط في حياتهم، وبنوا ويبنون مواقفهم على تقارير، تعرضها محطة سي ان ان، مثلاً.
انّ مسألة ديموقراطية اختيار المحكمة، نرى أنّ الدول الأعضاء فيها، لا تمثّل سوى 27 في المئة من سكان العالم بعد امتناع كل من الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة وأندونيسيا وباكستان عن الانضمام إليها، حيث اللافت أيضاً أنّ مجلس الأمن الدولي، الذي يتمتع بسلطة خاصة على المحكمة، يضم 3 دول دائمة العضوية غير أعضاء فيها، وبالتالي: فإنّ استقلالية المحكمة، تبقى رهن ما يسمح مجلس الأمن لها به، وهو يسخرها لغايات سياسية، عندما لا تكون الدول المستهدفة بالقضاء(كالسودان مثلاً)عضواً فيها، ولا يوجهها في قضايا إجرامية واضحة، مثل ما وقع في السابق ويقع الان وما زال في غزة(تم تحريك الدعوى من قبل دولة جنوب أفريقيا، وهذا حق لأي دولة عضوا فيها، وعملت على تشريع اتفاقيتها للجنائية الدولية، في مجلسها الوطني لتلك الدولة)أو لبنان من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واعتداءات بحق السكان الآمنين.
ثمة انتقائية في المحاكمة تتجلى أيضاً، في اختيار الدول التي تقع فيها الجرائم، فمن أصل أكثر من 8 آلاف شكوى من 139 دولة، اختارت المحكمة 5 دول أفريقية ودولتين أوروبيتين (البوسنة وجورجيا)للتحقيق، وفوق كل هذا، ربط الاتحاد الأوروبي مساعداته الاقتصادية للدول الأفريقية، بقبول سلطة المحكمة الجنائية الدولية كسيف مصلت.
وفي موضوع الإفلات من العقاب، فإنّ المحكمة الجنائية الدولية، منحت حصانة ضمنية، لكل دولة صديقة للاتحاد الأوروبي، مثل “إسرائيل”، لذلك: العدالة الدولية تحت الاختبار الان، بعد بدء محاكمة الكيان الصهيوني اللقيط، أمام المحكمة الجنائية الدولية، بعد دعوى تم رفعها من قبل دولة جنوب افريقيا، فهل تقبل المحكمة النظر فيها شكلاً وموضوعاً؟.
وبكل صفاقة سياسية، نرى أنّ الولايات المتحدة الامريكية الازدواجية، تعارض قرار المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق بجرائم الكيان الإسرائيلي التي ارتكبها ويرتكبها في غزة، بعد أن حرّكت دولة جنوب أفريقيا الدعوى، وقالت واشنطن وعلى لسان أنتوني بلينكين – أعتقد انّه سيغادر موقعه قريباً، ويحل محله وليام بيرنز مدير السي أي ايه – بالمضمون والمعنى التالي: نحن نعارض بشدة هذا التحقيق وأية أعمال أخرى تهدف إلى “اضطهاد إسرائيل ظلماً”، وكما أوضحنا عندما اعتزم الفلسطينيون الانضمام إلى نظام روما الأساسي، فإننا لا نعتقد أنه يمكن اعتبار فلسطين دولة ذات سيادة، ولذلك لا يحق لها الانضمام لنظام هذه المحكمة، ونيل العضوية الكاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.
وبالعمق: فانّ المحكمة الدولية، قد تلاحق واشنطن على جرائم ارتكبتها في أفغانستان والعراق فيما سبق، هذا وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية، أنّ كل الدلائل والمعطيات والأدلة الجرمية، ترجح ارتكاب الولايات المتحدة الاميركية جرائم حرب في أفغانستان بين العامين 2003 م و 2004 م.
وكشفت المدعية العامة السابقة، للمحكمة الجنائية الدولية في حينه: فاتو بنسودا، نتائج تحقيق أولي يتعلق بالحرب الأفغانية، وقالت المدعية السابقة: إنّ لديها: أساسا معقولاً، يسمح بالاعتقاد درجة التأكد، بأنّ القوات المسلحة الأميركية، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة(سي آي ايه)وطالبان وحلفاءهم، الى جانب القوّات الحكومية الأفغانية، قد ارتكبت جرائم حرب.
وتحدثت المدعية العامة السابقة، وبالتفصيل للمرة الأولى عن الاتهامات بعمليات تعذيب، وإساءة معاملة ارتكبتها عناصر من الجيش الأميركي المنتشرة في أفغانستان في وقته، وفي مراكز الاعتقال السرية، لوكالة الاستخبارات المركزية خصوصاً في الفترة الممتدة بين 2003 م و2004 م.
وعلى الرغم من عدم مصادقة واشنطن على معاهدة روما المؤسِّسة للمحكمة، يمكن لتحقيق من هذا النوع، أن يعرّض القوّات المسلحة الأميركية، لملاحقات قضائية، من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بعدما أثبت التحقيق، تعرض معتقلين للتعذيب، على أراضي دول مصدقة على الاتفاقية، وهي رومانيا، ليتوانيا وبولندا، وغيرها من دول.
واذا بحثنا عبر التساؤل التالي: في جزئية المحكمة الجنائية الدولية: بين العدالة ونظرية المؤامرة، وأخذنا ملف دارفور، لظهرت لنا تجليات الازدواجية المعيارية، للولايات المتحدة الأمريكية في المحكمة الجنائية الدولية، في تحفيز العقل على التفكير والربط للخروج بمشهد متكامل.
اندلع الصراع بإقليم دارفور السوداني الواقع في غرب السودان، في عام 2003م، وما كان لافتاً للنظر، أن الإعلام الأمريكي والغربي قد اهتم بالتسويق لأزمة دارفور، بما يفوق حجم الأزمة الحقيقي، والتي بدأت بالأساس كصراع بين الرعاة والمزارعين، على خلفية الجفاف والتصحر الذي ضرب الإقليم، إضافة إلى تداعيات انتشار السلاح بين قبائل الإقليم، بسبب الصراع التشادي – الليبي، والصراع التشادي – التشادي، والصراع الداخلي في جمهورية إفريقيا الوسطى، وجميعها صراعات انتقلت عدواها، إلى إقليم دارفور بسبب انفتاح الحدود السياسية، وتداخل القبائل والمجموعات الإثنية العرقية، ذات الروابط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية العابرة للحدود.
بدا واضحاً منذ بداية الصراع، أن الإدارة الأمريكية كانت أكثر نشاطاً وبذلاً للجهود، من أجل تدويل صراع دارفور، واستخدامه على غرار ملف يوغسلافيا ورواندا، ووجهت إدارة بوش في حينه، اتهاماتها للحكومة السودانية – حكومة البشير، بارتكاب المذابح والجرائم ضد الإنسانية في دارفور، ونظمت أكثر من 500 منظمة يهودية أمريكية أضخم حملة سياسية في الولايات المتحدة، حملت اسم وشعار(من أجل إنقاذ دارفور)، وكانت الحملة بقيادة وزعامة النائب الديمقراطي اليهودي الأمريكي الشهير جوليبرمان.
فشلت كل تحقيقات الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومنظمات حقوق الإنسان في إثبات حدوث المذبحة في الإقليم، وبرغم ذلك لم تتراجع الإدارة الأمريكية عن مزاعم حدوث المذبحة، وفي غمرة الصراعات والخلافات الدولية في مجلس الأمن الدولي، نجحت أمريكا بالتحالف مع فرنسا وبريطانيا في دفع مجلس الأمن، إلى إصدار قرار، تحويل ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، فمن آليات العدالة إلى آليات نظرية المؤامرة، تكمن الحقائق والمعطيات.
ومن المعروف، بأنّ المحكمة الجنائية الدولية، قد تم إنشاءها، لتكون محكمة دائمة الوجود، من أجل محاكمة الأفراد والأشخاص المسئولين، عن ارتكاب المذابح والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، إضافة إلى جريمة العدوان، برغم أنّ ولاية هذه المحكمة، لا تمنحها الاختصاص أو الصلاحية القانونية الدولية، لعقد المحاكمات المتعلقة بجريمة العدوان.
وما هو مثير للجدل في اختصاص المحكمة، هو أنّها تعطي نفسها الصلاحية، لعقد المحاكمات القضائية للجرائم المرتكبة قبل أو بعد هذا التاريخ، وهي سابقة ملفتة للنظر، لأنه وكما جرت العادة، أن يصدر القانون، وتتم المحاكمات بدءاً من لحظة صدور القانون ولاحقاً، فإنّ عقد المحاكمات المتعلقة بالجرائم السابقة للقانون، هو في حد ذاته أمراً غير متعارف عليه، لأنه من غير الممكن محاسبة الآخرين بتاريخ سابق للقانون.
كذلك من اللافت للنظر والمثير للجدل، أن الولايات المتحدة الأمريكية الازدواجية، التي ظلت تدفع باتجاه إصدار القرارات الدولية، لمحاكمة خصومها(كما فعلت مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين)، بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، قد رفضت مراراً وتكراراً التوقيع على اتفاقية روما، إضافة إلى أنّها حذرت بشكل تام، من مغبة استخدام هذه المحكمة، في محاكمة الأمريكيين، وأعلنت رفضها المسبق لمثول أي أمريكي أمام هذه المحكمة.
وما هو مثير للجدل أكثر من ذلك، هو أن السودان، لم يوقع على اتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة، وبالتالي وبحسب بنود القانون الدولي، فهو غير ملزم بنظام المحكمة، ولكن برغم ذلك، أصدر مجلس الأمن الدولي قرار بتحويل ملف إقليم دارفور السوداني إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى هذه الخلفية، تشير التحليلات والمعطيات، إلى الطابع المتحيز الذي تتسم به ولاية واختصاص هذه المحكمة، بسبب فعل اليانكي الأمريكي، عبر الضغوط التي تمارس، فملف شمال أوغندا مثلاً، قصد به محاكمة زعماء وعناصر جيش الرب الأوغندي، المعارض لنظام الرئيس الأوغندي يوري موسفيني في حينه ووقته، حليف إسرائيل وأمريكا، والذي أكدت المعلومات تورطه في مذابح راوندا، وملف الكونغو قصد به، محاكمة الحركات المسلحة الكونغولية التي تحارب في إقليم شرق زائير، وتبدو غرابة الموضوع، في أن فصائل التمرد الكونغولي الرئيسية، يبلغ عددها ستة، جميعها تحارب ضد النظام الكونغولي، ولكن منها على وجه الخصوص ثلاثة فصائل، لا تكتفي بشن عملياتها ضد الحكومة الكونغولية، وإنما ضد الشبكات الإسرائيلية الناشطة في تهريب الألماس واليورانيوم من شرق الكونغو إلى إسرائيل، وقد شددت هذه الفصائل سيطرتها على مناجم الألماس واليورانيوم الموجودة في إقليم كاسينجاني الكونغولي، مما أدى إلى حرمان الإسرائيليين، من الحصول على خامات الألماس واليورانيوم، التي كان يتم نقلها سراً، بواسطة طائرات المهرب اليهودي الروسي الشهير فيكتور بوت، التي كانت تذهب محملة بالأسلحة، وتعود إلى إسرائيل محملة بخامات الألماس واليورانيوم من شرق زائير.
وكذلك ملف إفريقيا الوسطى في حينه، قصد به محاكمة عناصر وزعماء حركة التمرد المناهضة للنظام الموالي لفرنسا، ومن المعروف أن المحاكم الجنائية، هدفها الرئيسي هو نشر العدالة الجنائية، ومعاقبة مرتكبي الجرائم الحقيقيين، ولكن على خلفية ازدواج المعايير، فإن المحكمة الجنائية الدولية الحالية، من الصعب القول: بأنّها سوف تهدف إلى تحقيق هذا النوع من العدالة، وإنما من أجل القيام بدور سياسي دولي إقليمي، يهدف إلى تعزيز قدرة أمريكا وإسرائيل، في استئصال خصومهما بالوسائل القانونية والجنائية.
وتشير التحليلات، إلى أنّ المحكمة الجنائية الدولية بشكلها الحالي، لن تكون سوى وسيلة أمريكية – إسرائيلية – أوروبية، يتم استخدامها، من أجل تغيير الأنظمة السياسية، واستبدالها بأنظمة أخرى.
فمثلاً قرار المحكمة الجنائية الدولية في الشهر الثالث من العام المنصرم 2003 م، بحق الرئيس فلادمير بوتين، هو قرار سياسي وغير قانوني وباطل ولا شيء: NOTHING – ومجرد هيستيريا سياسية غربية، وفي التوقيت والسياق: بعد حادثة المسيّرة الامريكية فوق البحر الأسود، وقبيل زيارة الرئيس الصيني تشي جينغ بينغ الى موسكو في حينه، وهذه المحكمة الجنائية الدولية، مجرد أداة غربية أمريكية، مع العلم، أنّ واشنطن وموسكو وكييف، ليسوا أعضاء بها بالمطلق ولا يعترفون بشرعيتها.
قرار هذه المحكمة الجنائية الدولية، والتي تفرض أحكامها فقط على الحكّام الضعفاء، فصل جديد من فصول الكوميديا السوداء، وهي عبارة عن أداة ضغط وشيطنة لمجتمع الخصوم، بالنسبة لأمريكا والغرب، وتعمل في نطاق السياسات الغربية والأمريكية، والقرار الصادر عنها بحق بوتين قبل عام، خطوة في مسار طويل، نحو تفكّك المنظومة الدولية، التي أنشئت، بعد الحرب العالمية الثانية، وبالنسبة لموسكو لا معنى لقرارات هذه المحكمة، وهي لا تعترف بها، وهو قرار سياسة لا عدالة ولا قضاء، قرار أرعن، لأزعر العالم، وأزعر الأحياء والمساحات والساحات، أزعر الحي: أمريكا.
ولماذا لم تصدر هذه المحكمة الجنائية الدولية المهزلة والمضحكة في قراراتها، أحكاماً ضد بوش الصغير وضد توني بلير الديّوث، بعد غزوهم العراق وتدميره، وقتل أكثر من 3 مليون عراقي؟ ولماذا لم تصدر أحكامها القراقوشيّة، ضد أي مسؤول إسرائيلي متهم، بجرائم حرب وضد الإنسانية؟.
وفي جلسات الاستماع اليوم، أمام المحكمة الجنائية الدولية، من جانب دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، ورد الفريق الإسرائيلي على التهم، تخضع العدالة الدولية لاختبار حقيقي وعظيم، فهل تقبل المحكمة الاختصاص، والنظر فيها شكلا وموضوعاً، بعد جلسات الاستماع؟ وهل تصدر قراراها العادل، بحق الكيان الصهيوني، بتهمة الإبادة الجماعية، وبالتالي: هو ادانة ضمنية للولايات المتحدة الامريكية الازدواجية والغرب الأطلسي كله؟.
هذه المحكمة المهزلة، يتم الان تسيس عملها من قبل واشنطن والغرب، وهي محاولة لشيطنة بوتين اعلامياً وسياسياً وقانونياً، وكل قرارات المحكمة الجنائية الدولية المهزلة، تحمل أبعاداً سياسية لمصلحة الغرب، وأين قراراتها بخصوص الحالة الأفغانية، وجرائم أمريكا فيها، وكذلك الجرائم الأمريكية في الداخل السوري والداخل اللبناني؟.
ان قرار الجنائية الدولية المهزلة، بحق بوتين وزميلته المفوضة لحقوق الطفل، بمثابة رسالة تهديد للرئيس الصيني تشي، والذي يزور دوماً الفدرالية الروسية، لغايات الشراكات الحقيقية في الميدان وعلى الميدان، لمواجهة الهيمنة الأمريكية، والتي تنكفأ لأسباب عديدة ومتعددة.
انّ قرارات هذه المحكمة الجنائية الدولية المهزلة والفضيحة، لن تقلق الرئيس فلادمير بوتين، أو حتّى تلفت انتِباهه، ليس لأنّه يملك 6500 رأس نووي وصواريخ أسرع من الصّوت 14 مرّة، وإنّما لأنّه ينشغل هذه الأيّام بمَهمّةٍ عظيمةٍ بالتّحالف مع صديقه الصيني شي جين بينغ، لإنهاء العصر الأمريكي الظّالم وأنظمته، ومُؤسّساته، وبناء نظام عالمي جديد ينحاز إلى المظلومين على أنقاضه.
انّ موضوعة الازدواجية في السياسات، والتي عادةً يمكن فهمها بلغة السياسة، الافتراق بين الفكر والممارسة، أو بلغة الابداع الانفصال بين الفكر والواقع، فانّ الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة، والتي هي الجزء الأساس في العدوان المعولم على منطقتنا وعلى فلسطين وما زالت، والأمم المتحدة التي دمّرت العراق وليبيا وسوريا، والأمم المتحدة التي خلقت الكيان الصهيوني وسلّحته نوويّاً، أما آن الأوان للتخلص من فيروسات التروتسك العربي المتصهين وغير العربي الصهيوني الآخر؟،
نعم وهو الذي أسّس لدولة مع الصهيونية، حيث يجري التثقيف على قدم وساق لمسارات الدمج المختلفة والأسرلة لمنطقتنا، اذاً ثمة ماركسيّة ثقافوية في اطارات التصهين. ففي أوكرانيا يعتبرها الغرب: مقاومة، وفي غزّة يعتبرها: إرهاب، وهذا واضح هنا، كيف يتعامل الغرب المتحضّر مع أوكرانيا، وكيف يتعامل مع ما يجري في غزّة، وإسرائيل وأوكرانيا، كلتيهما معقلان للإمبريالية الغربية، فحرب أوكرانيا والعدوان على غزّة كجيب فقير محاصر وشعب أعزل، كشف النقاب، بشكل جلي وبوضوح، عن ازدواجية المعايير الغربية القاتلة ذات الوقاحة المتفاقمة، ومن ازدواجية المعايير الأمريكية، ذات الصفاقة السياسية أي الوقاحة في تجلياتها،: أنّ ما تقوم به كييف النازية، ضد العملية العسكرية الروسية المشروعة في عروق الجغرافيا الأوكرانية المتقيحة بالنازية والفاشية، تعتبره واشنطن دي سي وكلّ الغرب الأوروبي: مقاومة في أوكرانيا ضد الغازي الروسي، وما تقوم به المقاومة، وجلّ الفصائل الفلسطينية، ضد ما تسمى بإسرائيل، هو إرهاب في كلّ فلسطين المحتلة، ان في غزّة التي تقاوم الآلة العسكرية الأمريكية، ومن ورائها الإسرائيلية، وما يجري في غزّة العزّة، هو محرقة أمريكية إسرائيلية بحق شعب محاصر من المدنيين، وان في الضفة الغربية المحتلة والمرشحة للانفجار في أي لحظة، وان في الشمال الفلسطيني المحتل في الجبهة مع لبنان، والذي يزداد توتراً، وواشنطن ومعها أوروبا، تساند إسرائيل عسكريًا وماديًا واستخباراتياً، وتتجاهل حق الفلسطينيين في كل شيء، دعم استخباراتي شامل لتل أبيب، وصمت تجاه تهجير سكان غزة وحصار القطاع، والإبادة الجماعية لشعب بأكمله، هذا وتنتهج الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، وجلّ الدول الأوروبية، الازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين بشأن القضية الفلسطينية، فهي تساند وتدعم إسرائيل، رغم المجازر التي ترتكبها تل أبيب منذ السابع من أكتوبر 2023 م وما زالت، بحق الشعب الفلسطيني، وحصار قطاع غزة، ويدلي دوماً، الرئيس الأمريكي جو بايدن بكل صفاقة سياسية أي وقاحة عزّ نظيرها، بتصريحات متكررة، تؤكد تعامل الولايات المتحدة الأمريكية، بهذه السياسة، حيث أكد جو بايدن استعداد بلاده التام، على تزويد سلطات الاحتلال الإسرائيلي(وقد زودها بعمق)، بكل الإمكانيات العسكرية والاستخباراتية والمادية وارساله لفريق دلتا نخبة القوّات الخاصة الأمريكية المجولقة، وكذلك الذخائر والصواريخ والقنابل العنقودية والفسفورية لا بل أسلحة كيماوية، في حربها على قطاع غزة المحاصر من قبل الكيان الصهيوني، فتصريحات الإدارة الأمريكية، تمنح إسرائيل الضوء الأخضر، على مواصلة قصف قطاع غزة، بكل الأسلحة المحرمة دوليًا، دون الالتزام بالقانون الدولي أو الاعتبارات الإنسانية، بجانب أنّ الطلبات الأمريكية أيضا، تدعم أوكرانيا كوكيل للغرب، في حربها مع روسيا.
عنوان قناتي على اليوتيوب حيث البث أسبوعياً عبرها:
https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A
منزل – عمّان : 5674111
خلوي: 0795615721
التعليقات مغلقة.