لا أريد أن أعيش بعباءة طائفيتكم ومذهبيتكم! / جهاد المنسي
جهاد المنسي ( الأردن ) الأحد 15/2/2015 م …
خلال اليومين الماضيين، لمسنا حالة تموضع لأشخاص ومراقبين هدفهم حساب أي تحول في المجتمع باتجاه الدولة المدنية الحضارية، دولة المؤسسات والقانون، بمقياس الربح والخسارة، وتحويل أعين المجتمع لمطارح ثانوية، وإبعاد الانظار عن أصل الصراع والإشكال الحقيقي، الذي نعاني منه في الوقت الحالي، والذي يتمثل بوجود تنظيم دموي قاتل يطلق عليه “داعش”، وإخوته في القتل كجبهة النصرة وغيرها.
والأنكى أن اولئك تتقزم وجهات نظرهم، ليصبح رادار الرؤية لديهم يسير في أفق واحد فقط، أساسه مناقشة خطر التمدد الشيعي في المنطقة على حساب المكون السني، دون التفكير حتى بالدعوة لدول مدنية في المنطقة أساسها عدالة اجتماعية وسيادة القانون، وقبول الآخر، وبعد ذلك فليأتِ الى سدة الكرسي من يأتي سواء كان سنيا او شيعيا او كرديا او علويا او مسيحيا، كما في لبنان، فمن يقنع الناس ببرنامجه المدني البعيد عن “التكابش” الطائفي والمذهبي، فليحكم.
للأسف، رأينا خلال الاسبوع الفائت، أقلاما وتحليلات مرتجفة متخوفة من التأطير للفكر المدني، متخوفة ممن يعتبرونهم علمانيين ويساريين، وقوميين، يريدون (اقتناص اللحظة) بحسبهم، فلم يتردد أولئك في شن هجوم على تلك الفئات، وتصوير أولئك بانهم يريدون تمرير أفكارهم العلمانية والليبرالية.
ولمواجهة العلمانيين واليساريين والقوميين، ودعاة الدولة المدنية، يستعين أولئك من جديد بكلام مشروخ عن مخاطر شتى قد تعصف بالمكون السني، بحسب وجهة نظرهم، والتذكير بأن المكون الشيعي قام بأفعال مسيئة هنا وهناك، والقول ان اليسار وغيره لا يريد سوى تعزيز وجوده.
هم يعودون للعادة عينها، التي ولدت الأفكار التي ترفض الآخر، وفي أحايين تكفره، ويعيدون صياغة تلك الافكار من جديد وتقديمها للناس من باب التذكير والحرص على المكون السني، متناسين أن المكون السني لا يعبر عنه “داعش” ولا النصرة وشقيقاتها من تنظيمات قاتلة، وإنما تعبر عنه الدولة المدنية الحضارية التي تحترم الخلاف والاختلاف.
للأسف، يتحدث أولئك كلاما ناعما في بدايته، ولكنهم يصلون في منتصف الطريق، وكأنهم يؤيدون قتل فئة دون أخرى، والتحريض على مكون دون آخر، والتحذير من الوقوع في الجب إنْ تركنا مجالا للعيش المشترك الذي يجب أن يكون أساس المستقبل، في كل بلد، توجد فيها مكونات مذهبية مختلفة، سواء كانت سنية – شيعية، او سنية – علوية- كردية- يزيدية- مسيحية، وغيرها.
من المؤكد بعد ان تكشف الواقع أمام أعين سواد الناس، اننا بتنا نعرف أن إدامة العزف على وتر الطائفية (سني- شيعي) باتت معزوفة مشروخة، ولا تخدم أغراضنا بأي شكل من الأشكال، كما أن إدامة الكلام عن مطامع هنا أو هناك لهذه الفئة أو تلك يعتبر كلاما واهيا، لا يصمد كثيرا امام تحولات الواقع، الذي نراه حاليا، وإنما يراد منه دس إسفين الفتنة بين الناس.
إدامة تخويف الناس من سيطرة شيعية على المنطقة، ودحر المكون السني، من شأنه تعزيز العصبية الطائفية عند الناس وترك مجالات لزرع بذور الحقد والكراهية والتطرف، وشهوة الدم عند فئات أخرى وربما يعززها.
أنا هنا لا أناقش الأمر من منظور دول، وسيطرة دولة شيعية كإيران، على دول أخرى، وإنما أتحدث عن منظور شعوب، تعيش في وطن واحد، وإدانتي ورفضي أساسه أن لا يُمس أي مكون سني بسوء، يقابله رفض بنفس المقدار أن يمس أي مكون آخر بسوء، فالحال لا تنطبق على فئة دون أخرى، وإدانة القتل لا تقف عند طرف دون آخر، ولكن رفضنا أن لا يتم أخذ الجميع بجريرة فئة ضلت، سواء كانت شيعية، وهذا ما حصل في العراق، أو سنية.
الحل أن نخرج من عباءة المذهبية والطائفية، ونذهب صعودا باتجاه الدولة المدنية والديمقراطية، دون أن يكون هدفنا تفصيل ديمقراطيات على مقاسنا، فنحن لا نريد ديمقراطية مصطنعة تبعد الآخر، وتنبذه وترفض أن يكون شريكا في الوطن.
التعليقات مغلقة.