التبغ واستغلال عمل الأطفال / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 17/1/2024 م …
مقدّمة:
التّبغ أو “الدّخان” هو نبْتَةٌ اكتشف الأوروبيون وُجُودَها خلال احتلالهم القارّة الأمريكية، بنهاية القرن الخامس عشر، ومن بينهم البرتغالي، بيدرو ألفاريس كابرال، الذي وصل إلى البرازيل سنة 1500 وتحدّث عن نبتة التبغ – التي اكتشف وجودها هناك – والتي كانت تُستَخْدَمُ لأغراض طبية في علاج أمراض مثل الدمل أو الأورام، وتُشير بعض الوثائق إن المُعالِجين التقليديِّين بالمكسيك كانوا يُعالجون أمراض غدد الرقبة بإحداث فتحة ثم وضع أوارق التبع المطحونة الساخنة في موضع الجراحة، وأوردت مجلّة الجمعية الملكية للطّب (بريطانيا) إن سُكّان جزر بحر الكاريبي ( هايتي وكوبا والباهاماس…) كانوا يستخدمونه لأغراض طبِّيّة، من خلال “حرق أوراق التبغ لتطهير المكان وإبعاد الأمراض والتخلص من التعب”، ورَوَى الأوروبيون إن سكّان الجزر وأمريكا الجنوبية يعتبرون نبتة التبغ “عشبًا مقدسًا” و”علاجًا ربّانيًّا” حتى القرن السادس عشر، وكُتِبَ الباحث الطبي جيل إيفرارد (هولندا) في كتابه “باناسيا” ( أو العلاج من كل الأمراض – 1587) إن الدّخان الذي ينفُثُهُ مُدَخِّن الغليون مضاد لجميع السموم والأمراض المعدية، وكان تدخين الغليون، بكمّيّات محدودة، يُعتَبَرُ – لدى بعض سكّان الأرياف في أمريكا الجنوبية – عادة صحية، وبناءً على تلك المعلومات، اهتم الأطباء وصانعو العاقير الأوروبيون باستعمالات التبغ الطبية المحتملة، من ذلك التّدخين في غرفة تشريح المَوْتى للتخلص من الرائحة الكريهة وللحماية من الأمراض المحتملة المُتسرِّبَة من الجُثث كما كان العاملون الذين يدفنون الموتى خلال فترات الأوبئة يدخِّنون الغليون للوقاية من الوباء، وسمح المُدرّسُون للطلاّب بالتدخين في قاعات الدّرس خلال فترات تفشي الأوبئة، وعمومًا كان الاعتقاد سائدًا أن الدخان يحمي جسم الإنسان من بعض أنواع المرض.
لم يعد أحد يُشكّك حاليا في مَضارّ التبغ (والتّدخين ) لكن التدخين، مثل استهلاك المشروبات الكحولية والروحية ومثل المخدّرات، يُسبّب الإدمان، ولذلك يعسُر الإقلاع عن التّدخين، وبالإضافة إلى المخاطر الصحّيّة للتدخين، يستغل قطاع التبغ الفقر المنتشر بين أطفال البلدان الفقيرة لتشغيلهم كالعبيد في زراعة ورعاية نبتة التبغ وفي تصنيعها…
عمل الأطفال
أكّد تقرير الأمم المتحدة ( سنة 2015) إن الأطفال هم أوّل ضحايا الفقر المنتشر بسبب “تحرير الإقتصاد”، زمن العَوْلَمَة النيوليبرالية وإن أكثر من خمسمائة مليون طفل يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وأكثر من 100 مليون طفل لا يذهبون إلى المدرسة أبداً، ويموت 11 مليون طفل سنويا دون سن الخامسة، أو ما يقارب 30 ألف طفل يوميًا، بمعدل طفل كل ثلاث ثوانٍ، وتسببت “النزاعات والصراعات” خلال العقد الأخير من القرن العشرين بفقدان أكثر من مليون طفل آباءهم أو انفصلوا عن عائلاتهم، وتم تجنيد أكثر من 300 ألف منهم كجنود، وتعرض أكثر من مليوني طفل لمذابح في الحروب الأهلية، وأصيب أكثر من ستة ملايين أو تم تشويههم وإعاقتهم مدى الحياة، وأصبح 12 مليونًا بلا مأوى، وتم طرد حوالي 20 مليونًا من منازلهم، كما يقع أكثر من 700 ألف طفل ضحايا للاتجار بالبشر، كل عام، ويتم احتجازهم للعمل أو للدّعارة في ظروف العبودية، وتتعرض الفتيات الصغيرات إلى أشكال خاصة من التمييز، فمن بين مائة مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس، هناك 60 مليون فتاة، وتم قتل ما بين 60 و100 مليون فتاة بسبب جنسهن غير المرغوب أو بسبب سوء التغذية وسوء الرعاية، فيما تُشكّل الفتيات (بين 12 و 17 عاما) أكثر من 90% من عاملات المنازل…
في بداية القرن الحادي والعشرين، يضطر أكثر من 211 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاماً إلى العمل، في جميع البلدان، وخصوصًا في البلدان الأشدَّ فقرًا، وفقاً لتقرير اليونيسيف بعنوان “وضع أطفال العالم 2002″، وتعاونت “يونيسيف” مع منظمة العمل الدولية (ILO) لإطلاق مبادرة “اليوم العالمي الأول لمكافحة عمل الأطفال يوم 12 حزيران/يونيو 2002 بعد نَشْرِ عدد من التحقيقات بشأن عمل الأطفال، ومن بينها تقرير نشرته وسائل الإعلام في نيسان/ابريل 2001، عن الأطفال العبيد الذين تم اكتشافهم بالصّدفة في سفينة ترفع العلم النيجيري، كانت تُغادر “بنين” وعلى متنها العشرات من الأطفال الذين كان من المقرر بيعهم كعبيد في “الغابون”، الغنية بالنّفط والمعادن، وقدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عدد الأطفال والمراهقين من ضحايا تجارة الرّقيق في وسط وغرب إفريقيا بأكثر من 200 ألف طفل ومراهق يتم شراؤهم وبيعهم، ليتم استغلالهم وتشغيلهم في المزارع والمصانع بهدف خَفْض تكاليف الإنتاج والمُحافظة على القُدْرَة التنافسية للشركات متعددة الجنسيات – مثل شركة فيليب موريس أو ألتاديس المتخصصتين في مجال التبغ، أو شركات شيكيتا و ديل مونتي المتخصصة في مجال زراعة وتصدير الموز وشركة كارغيل المتخصصة في إنتاج وتسويق الكاكاو، فضلا عن نستليه وشركات إنتاج الشاي وغيرها – وكذلك الشركات المحلِّيّة الفلاحية والصناعية،ومعظمها متعاقدة من الباطن مع الشركات العابرة للقارات وتُصدِّرُ إنتاجها إلى الخارج، وفي “إكوادور” يعمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 إلى 8 سنوات في حقول الموز لمدة اثنتي عشرة ساعة يوميًا، وفي ساحل العاج، أكبر منتج للكاكاو في العالم، تُشغّل المزارع الآلاف من الأطفال العبيد، ولا يقتصر عمل الأطفال على الدّول الفقيرة (أو دُول المُحيط أو “الأَطْراف”) بل يعمل حوالي 15 مليون طفل قاصر (أقل من 18 سنة) في دول منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (الدّول الأكثر تصنيعا) في قطاعات الزراعة والبناء وورش النسيج ومصانع الأحذية في الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها، ويعمل أطفال ما لا يقل عن مائة دولة في المناجم وفق تقرير نشرته الأمم المتحدة (أيار/مايو 2013)
تُرَكِّزُ الفقرات المُوالية على عمل الأطفال بقطاع التّبغ، من الزراعة إلى التّصنيع…
عمل الأطفال في قطاع التبغ
يُعتبَر عمل الأطفال محظورًا لأنه يُشكّل خطرًا على صحتهم ومع ذلك يعمل ملايين الأطفال في المزارع في جميع البلدان الرئيسية المنتجة للتبغ مثل ملاوي وزيمبابوي وبنغلاديش وإندونيسيا، وتُعَدّ صناعة التبغ أكبر قطاع توظيف في دولة “مَلاَوؤي” حيث يتم استغلال عشرات الآلاف من الأطفال في حصاد وتجفيف أوراق التبغ لفائدة شركات مثل فيليب موريس أو ألتاديس.
يعمل الأطفال الصِّغَار في المزارع صيفًا وشتاء، لمدة 12 ساعة، برواتب لا تتجاوز دولارا واحدًا في اليوم (بيانات سنة 2016)، ويتضمن عملهم، إعداد المشاتل عن طريق تقليب التربة وإزالة الأعشاب الضّارّة من الحقول، كما يقومون بقطع الأشجار وتخصيب نباتات التبغ ورَشّ المبيدات دون وقاية… وعندما يحين موسم قطف أوراق التبغ، يتعرض الأطفال لخطر الإصابة بمرض التبغ الأخضر حيث تتسرّب مادّة النيكوتين إلى جلد الطفل، وهي مادّة سامّة – ولو تسربت بكميات صغيرة – قد تُسبّب تَسَمُّمَ الأعصاب، فيما يُسبب مرض التبغ الأخضر الغثيان والقيء والصداع وصعوبة في التنفس والدوخة (فقدان الوَعْي)، وضعف العضلات، مما يُؤَثِّرُ على النّمُوّ البدني والذّهني للأطفال والمُراهقين، وقدّرت منظمة “المخطط الدّولي” (“بلان إنترناشيونال” – Plan International ) غير الحكومية كمية النيكوتين التي تتسرب إلى جسم الاطفال العاملين بمزارع التبغ بملاوي بنحو 54 ميليغرام يوميا، أو ما يعادل كمية النيكوتين الموجودة في 50 سيجارة…
يُشكل الأطفال أغلبية العاملين في مزارع ومصانع التبغ في بنغلادش، رغم الحظْر القانوني لعمل الأطفال، ونشرت المنظمة الأمريكية “هيومن رايتس ووتش” (تمويل حكومي أمريكي) تقريرًا يُشير إن مزارع كازاخستان التي تنتج التبغ لشركة فيليب موريس تُجْبِرُ المهاجرين الذين يعيشون في حالة عُبُودية – خصوصًا من قيرغيزستان المجاورة – والأطفال على العمل بعلم من شركة التبغ الأمريكية العابرة للقارات “فيليب موريس”، منذ سنة 2009 أو ربما قبل ذلك، ونشرت نفس المنظمة الأمريكية (هيومن رايتس ووتش) تقريرًا بتاريخ 16/07/2020، يُوَثِّقُ عمل الأطفال ( تتراوح أعمارهم بين 07 سنوات و 17 سنة ) في مزارع كازاخستان، حيث يقوم هؤلاء الأطفال بزراعة وحصاد التبغ الذي يتم بيعه لشركة التبغ العابرة للقارات “فيليب موريس” التي تمتلك العلامتين التجاريتين مارلبورو أو تشيسترفيلد، والتي تشتري ما لا يقل عن 1500 طنا من التبغ سنويا من كازاخستان لإنتاج بعض أنواع السجائر التي تباع في روسيا ودول أوروبا الشرقية
النّفوذ القَوي لشركات التبغ
تُعتَبر الصين أكبر منتج للتبغ في العالم، تليها البرازيل والهند والولايات المتحدة هي رابع أكبر منتج لأوراق التبغ في العالم. ويزرع في عشر ولايات، ولكن 90% من الإنتاج يتركز في الجنوب، في ولايات كارولينا الشمالية وكنتاكي وفيرجينيا وتينيسي، والتي تضم مجتمعة أكثر من 13000 مزرعة لزراعة التبغ، ويتمتع اللوبي الزراعي الأميركي بنفوذ كبير، ما يجعله يُخالف توصيات وزارة العمل التي تحظر عمل الأطفال دون 18 سنة، غير إن آلاف الأطفال الأمريكيين أو المُقيمين بالولايات المتحدة يعملون في زراعة وصناعة التبغ، خاصة خلال العطلات المدرسية أو عطلات نهاية الأسبوع، بسبب الهشاشة التي تعاني منها الأسر، وأحصت منظمة هيومن رايتس ووتش العديد من حالات التسمم الخطيرة بينهم.
تستفيد شركات التبغ العالمية من استغلال حوالي 1,3 مليون من الأطفال العاملين في أهم البلدان المنتجة – بما في ذلك الولايات المتحدة – ومن بينها شركة بريتيش أمريكان توباكو وفيليب موريس إنترناشيونال وغابان توباكو وألتريا وتتغاضى جميعها عن تطبيق معايير منظمة العمل الدولية، وتمكّن لوبي التبغ من تعليق مصادقة الكونغرس الأمريكي على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وسواء كان التبغ منتجا أمريكا أو زُرِع في ملاوي أو بنغلادش أو وزيمبابوي أو إندونيسيا، فإن السِّمَةَ الرئيسية لزراعة وصناعة التبغ – بما فيها بالولايات المتحدة – هي عَمَل الأطفال لمدة تصل إلى ستة أيام في الأسبوع بمعدل 12 ساعة يوميا مع فترات راحة قليلة جدا، وقد يستمر يوم العمل لما يصل إلى 16 ساعة، ويحصل معظم الأطفال العاملين بالولايات المتحدة على الحد الأدنى الفيدرالي للأجور وهو 7,25 دولار في الساعة، وقد ولكن أصحاب الشركات المتعاقدة من الباطن بخصم المياه المقدمة لهم في مكان العمل، من رواتبهم…
تضغط شركات التبغ على عدّة جبهات وأهمها تمويل لوبي قوي يُخَفّف من قوانين منع التدخين في الأماكن العامة، ويأتي ابتكار وتسويق السجائر الإلكترونية – التي تفوق ربحيتها السجائر العادية – ضمن هذه الجهود، كما تتنصّل هذه الشركات من المسؤولية الإجتماعية والقانونية، بإلقاء المسؤولية على الشركات المحلية المتعاقدة معها، بل تدعي الشركات العابرة للقارات التزامها بمكافحة عمالة الأطفال، وتُمَوّل شركات التبغ والسّجائر مؤسسة القضاء على عمالة الأطفال، بهدف تخفيف حدة التقارير وتحسين صورتها وإخفاء الحقائق، كما تقوم شركات التبغ بالضغط والتأثير على تطوير سياسات مكافحة التبغ، من خلال المبالغة في مساهمتها في الاقتصاد واستخدام بعض المنظمات والمجموعات كوَاجِهَة تدافع عن مصالحها…
قدمت منظمة العمل الدولية – التي كانت شركات التبغ تساهم في تمويلها حتى سنة 2019 – ويونيسيف، في تقرير مشترك صدر في حزيران/يونيو 2021 بعنوان “عمالة الأطفال، التقديرات والاتجاهات العالمية لعام 2020 والمسار إلى الأمام”، عدة توصيات لإنهاء عمل الأطفال في جميع أنحاء العالم، من خلال “دعم التنويع الاقتصادي والاستثمار في البنية التحتية للخدمات الأساسية، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز سياسات إعادة التدريب وإقرار التشريعات لحماية الأطفال وتنفيذها…
التبغ سوق ضخمة
بلغت قيمة سوق التبغ العالمية 932 مليار دولارا سنة 2020، ويتوقع أن ترتفع إلى 1,1 تريليون دولارا سنة 2027، وبلغ حجم الإستثمارات 234,84 مليار دولارا سنة 2021 و250,51، سنة 2022، ويُتَوقع أن يصل معدل الإنفاق على صناعة التبغ في 2026 إلى 287,09 مليار دولار سنة 2026 وقدّرت منظمة الصحة العالمية (16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021) قيمة السوق العالمية لمنتجات التبغ بنحو 782 مليار دولار أمريكي سنة 2021، وتعمل شركات التبغ متعددة الجنسيات على تعزيز الإتفاقيات فيما بينها – رغم المنافسة – لمشاركة علامات تجارية معينة في السوق الدولية، وقَدَّرَ التقرير الرابع لمنظمة الصحة العالمية بشأن اتجاهات تعاطي التبغ العالمية (2021)، عدد الأشخاص المستهلكين للتبغ والسجائر بنحو 1,3 مليار إنسان وتأمل أن ينخفض إلى 1,27 مليار بحلول عام 2025، ولم يتناول التقرير تحليل استخدام السجائر الإلكترونية.
تمكنت شركات التبغ العابرة للقارات من الإلتفاف على كل الإجراءات، مثل ابتكار السجائر الإلكترونية لتعويض انخفاض سوق السجائر، كما استحوذت هذه الشركات على شركات أدویة، لأن التدخين إدمان والإدمان يتطلب علاجًا وأدوية، وبذلك تمتلك شركات التبغ العِلّة والعلاج، فتتضاعف أرباحها، وينمو اقتصاد التدخين عالمياً رغم ارتفاع الأسعار وفق تقديرات شركة أبحاث الأعمال – 2022 (Business research company 2022 )، وقُدِّرَ عدد مُدخّنؤي السجائر ( دون اعتبار المستهلكين الآخرين للتبغ بأشكال أخرى غير السجائر، منها النرجيلة والسيجار والسيجار الصغير الفاخر والتبغ المسخَّن ولفائف التبغ الخاصة وتبغ الغليون وسجائر البيدي والكريتكس (القرنفل)، ومنتجات التبغ عديم الدخان) بنحو 1,3 مليار مُدخّن سنة 2022، ويتوقع أن ترتفع قيمة السوق بحلول العام 2028 نظرا للأبحاث التي أطلقتها شركات التبغ لابتكار إنتاج جديد يستهوي النساء والشباب، وأشارت تقديرات موسوعة Tobaco Atlas إلى ارتفاع مستويات استهلاك منتجات التبغ إلى ما يقرب من 5 تريليونات سيجارة سنوياً، فارتفعت بذلك نسب الوفيات الناتجة عن أضرار التبغ إلى ثمانية ملايين حالة سنويا، بمن فيهم حوالي 1,3 مليون شخص من غير المدخنين الذين يتعرضون للتدخين غير المباشر الذي يتسبب في أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي الخطيرة، بما في ذلك مرض القلب التاجي وسرطان الرئة، وقُدِّرت نفقات الحكومات لمواجهة الأضرار الإقتصادية والصحية للتدخين الاقتصادية بنحو تريليونَيْ دولار ، ويعيش نحو 80% من متعاطي التبغ في العالم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، مما يزيد من التهديدات الصحية ومن الفقر، إذ يتحول إنفاق الأسرة من الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والمأوى، إلى التبغ، ومن الصعب الحدّ من الإنفاق لأن التبغ يسبب الإدمان.
خاتمة:
تفوق أرباح شركات التبغ أرباح مبيعات السّلاح والمخدّرات وفق منظمة الصحة العالمية (29 أيلول/سبتمبر 2021) وهي بصدد اكتساح سوق التّدخين الإلكتروني وسوق المختبرات والعقاقير، وتسبب هذه الصناعة أضرارًا اقتصادیة سَنَوِيّة بما لا يقل عن 4 تریلیونات دولار، فضلا عن الأضرار الجسیمة للكوكب وتودي بحیاة نحو ثمانية ملیون شخص سنويا، بالإضافة إلى الإنتهاكات العديدة لحقوق الإنسان، ومن بينها حقوق الأطفال العاملين في المزارع والمصانع، وتنتهك جميع الإتفاقيات الدّولية بشأن تشريعات العمل وحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحماية المُحيط والصحة العمومية…
تكتفي معظم التقارير بتدوين توصيات تتهاون الحكومات والبرلمانات في المصادقة عليها وغالبا ما تتمكن الشركات من الإلتفاف على التشريعات والقرارات والإتفاقيات، فضلا عن شراء الذّمم من خلال تمويل المنظمات الدّولية والجمعيات والحملات الإنتخابية لنُوّاب البرلمانات، وما إلى ذلك من الأساليب التي يسمح بها النظام الرأسمالي المبني على “حرية السّوق” أي سيادة رأس المال، ويمكن المطالبة بحصر الأضرار التي يُسببها التبغ وإرغام الشركات العابرة للقارات على تعويض المُتضرّرين، من خلال صندوق خاص يُمول البحوث ويُعالج المُصابين ويُساهم في تنقية المُحيط من مضار التبغ…
استغلت شركات التبغ العابرة للقارات بعض المعلومات التاريخية التي تعود إلى القرن السادس عشر، فادّعت الإعلانات الإشهارية لشركات التبغ الأمريكية، خلال ثلاثينات القرن العشرين، إن الأطباء ينصحون بتدخين السّجائر لأنه مُفيد للقلب والحنجرة وللهضم وما إلى ذلك، لكن هذه الشركات أهملت المُشكّكين (منذ أواخر القرن السادس عشر) َ في استخدام التبغ ومن بينهم الطبيب “جون كوتا” (إنغلترا) الذي أكّد في أحد مؤلفاته سنة 1612 إن هذه النبتة قد تعالج بعض الأمراض لكنها مُضِرّة بالجسم وتسبب العديد من الأمراض، ولما تطوّر العلم وتمكّن الباحثون – سنة 1828 – من عَزْل النيكوتين من أوراق التبغ، أشار العديد من الأطباء إلى التّأثيرات السلبية للتبغ على صحة الإنسان، وأكّدت الدّراسات والبحوث خلال العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، بشكل قاطع، الأضرار العديدة للتّدخين…
لا أحد يُجادل اليوم في مساوئ التدخين على الصحة، فهو يُسبب سرطان الرئة وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض أخرى، فضلا عن ضرر التدخين السلبي، وتصنف منظمة الصحة العالمية التبغ “وباء وواحدا من أكبر الأخطار على الصحة العامة في التاريخ”، ما أدّى إلى إطلاق العديد من حملات التّوْعِيَة والوقاية وإلى مَنْع التدخين في الأماكن المغلقة، غير إن الشركات العابرة للقارات ابتكرت السيجارة الالكترونية لتحل محل التدخين التقليدي، ، وهي محل جدل، وليست خالية من الضّرر، خلافًا لادّعاءات مُصنّعيها ومُرَوِّجِيها…
التعليقات مغلقة.