اغتيال الشخصية ، قضية عبير موسى مثالا / أحمد الحباسى


 أحمد الحباسى* – الجمعة 19/1/2024 م …
* كاتب و ناشط سياسي
 …




ما يحدث للسيدة عبير موسى كامرأة و كمحامية و كناشطة سياسية معارضة للنظام و كرئيسة حزب مدني معارض أصبح مقلقا جدا و مثيرا للدهشة و الاستغراب خاصة بعد أن تبين بما لا يدع مجالا للشك لأكثر خصوم هذه السيدة أنها تتعرض لمحاكمة سياسية صارخة و صريحة و أن هناك ما يوصف بحالة إنكار للعدالة من طرف جهة التحقيق المتعهدة بالتحقيق في التهم المركبة المنسوبة إليها بفعل فاعل يعلمه الجميع و لكنه يصر عبثا على التخفي وراء إصبعه. ما يحدث لهذه السيدة التي استطاعت الوقوف أمام أقوى حزب مهيكل في تونس ما بعد ” الثورة ” و اضطرت رئيس هذا الحزب الشيخ راشد الغنوشى للهرب من مقعده في جلسة مجلس النواب و التخفي في إحدى المكاتب لمشاهدة برامج الصور المتحركة توم و جيري و كانت أهم معارض للرجل في وقت كان الكثيرون يشيدون بحلاوة ضحكته تهربا من المواجهة ، قلت ما يحدث لهذه السيدة هو ما يعبر عنه بظاهرة ” اغتيال الشخصية” .

ما يحدث للسيدة عبير موسى هي ممارسة غير أخلاقية و غير نزيهة بالأساس و هي ممارسة يمكن اعتبارها قانونا جريمة كاملة تفوق عملية الاغتيال الجسدي لأنها تهدم مقومات شخصية سياسية معارضة في نظر الآخرين باعتماد التشويه و بث الإشاعات المغرضة و دفع الضحية دفعا للانتحار الذهني بل لا يقتصر الأمر على تنفيذ مخطط متعدد الأساليب و الوجوه للإيقاع بها بل يتم تسليط ضغوط نفسية على عائلتها و محيطها الاجتماعي و المهني و النضالي بغاية دفعهم إلى مطالبتها بالاستقالة و التخلي عن قناعاتها النضالية خوفا عليها من التصفية المعنوية و ربما التصفية الجسدية إن لزم الأمر . في الواقع كما خاب ظن الكثيرين الذين أحسنوا الظن بما سمى نفاقا و بهتانا بالثورة فان الظن قد خاب مرة أخرى و بصورة صادمة فيما سمى بقرارات ليلة 25 جويلية 2022 التي ظن البعض أنها انتشلت تونس من مصير مظلوم فتبين مع الوقت أن تونس ذاهبة للمجهول و أن القادم غامض سيء و أن ما حصل هو انقلاب موصوف على الدستور بشهادة كبار رجال القانون الدستوري .

لعل هناك من يسعى جاهدا للتخلص من خصومه السياسيين ليبقى اللاعب الوحيد في الساحة السياسية مدفوعا بطموحاته السياسية الدفينة و لعل هناك من تساءل لماذا تمّ تجاهل ما حدث للسيدة عبير موسى من ضرب و سب و شتم و إهانة و تشويه حين كانت نائبا بمجلس نواب الشعب في حين تمّ استقبال النائبة السابقة سامية عبّو و الأخذ بخاطرها و الرفع من معنوياتها و إبداء مشاعر المساندة و هو تصرف أقل ما يقال فيه أنه يتجافى مطلقا مع منطوق القسم الجمهوري الذي يفرض على الرئيس أن يكون رئيسا لكل التونسيين و لا تقتصر مشاعره الفيّاضه و إبداء عطفه على فئة أو شخص دون أخرى . عملية اغتيال شخصية السيدة عبير موسى عملية مفضوحة و مخفية فى نفس الوقت و قد كان لأصوات و أقلام بعض “الإعلاميين” المأجورين أو المنافقين أو المتسلقين دور في تنفيذ خيوطها سواء بشن حملات مغالطة شعواء أو بتسريب أخبار زائفة أو باختلاق وقائع مشوشة من العدم و قد لاحظنا تركيز نجيب الدزيرى و رياض جراد للقيام بهذه المهمة بشكل شبه يومى.

لقد هيأت وسائل الاتصال الحديثة فرصا متعددة لمقاولات اغتيال الشخصية التي لاحظنا كيف تولت الدفاع باستماتة مخزية عن موقف إدارة السجن الذي تقضى فيه السيدة عبير موسى فترة اعتقالها التعسفي و التي رفضت فيه تمكين أبناءها من زيارتها في تصرف لا نسمع عن مثيله إلا في سجون الدول الاستبدادية كما لاحظنا كيف تولى هؤلاء ” المقاولون ” من تحت الباطن تبييض العملية التعسفية التي أدت إلى إيقاف هذه المناضلة ناسبين لها و بمفردها محاولة التآمر على أمن الدولة و دفع المواطنين للتحارب بينهم و المس من حرية العمل و استعمال معطيات شخصية و هي تهم مركبة مفتعلة لم يتمكن قاضى التحقيق و رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر من تاريخ الاعتقال إثبات عشرها رغم استعماله لكل الطرق العادية و غير المألوفة “لانتزاع ” بينة و لو يتيمة على وقوع هذه الجرائم المنسوبة لهذه السيدة التي عجزت حركة النهضة رغم قدرتها الأمنية و الاستقصائية في فترة حكمها لمدة عشر سنوات على العثور على أي دليل يدينها .

بطبيعة الحال هناك ممارسات لا أخلاقية و لا قانونية تعرضت لها السيدة عبير موسى ترمى إلى تصفيتها اجتماعيا و حزبيا و سياسيا و في هذه المعركة تمّ استعمال كل الوسائل من بينها إرسال رسائل تهديد مشفرة لهيئة الدفاع الحزبية ثم لهيئة الدفاع المكلفة من عمادة المحامين و ما تعرض له الأستاذ البشير الفرشيشى مثال و عينة لا تحتاج إلى بيان أو شرح . من الواضح أنه و بعد مرور ما يقارب الثلاثة أشهر من تاريخ الإيقاف أن السلطة القضائية التي تسيّرها السيدة وزيرة العدل ليلى جفال قد وجدت نفسها عاجزة عن تقديم دليل الإدانة و عاجزة عن الإصداع ببراءتها و عاجزة عن إيضاح موقفها الملتبس الذي بات محل امتعاض المتابعين الذين يرون أن القضاء قد سقط في باب خدمة السلطة أكثر مما كان عليه في زمن وزير العدل السابق نورالدين البحيرى و هو ما يزيد من نفور المتابعين من الثورة و من مسار 25 جويلية 2022 الذي تحول إلى فرصة لتصفيات الحسابات السياسية تحت يافطة مغلوطة اسمها محاربة الفساد و استرجاع هيبة الدولة .

كما التجأت الدولة إلى فرض حالة الحجر الصحة إبان جائحة الكورونا فالظاهر أنها التجأت إلى نفس القرار بالعزل و الحجر السياسي المفروض على السيدة عبير موسى و قد أدت حملات اغتيال الشخصية التي مورست ببشاعة منقطعة النظير و التي حركت ضمائر الأحرار في كل الهيئات التي تعنى بحقوق الإنسان و تناهض الاعتقال التعسفي و ضرب حرية التعبير و توظيف القضاء لأغراض سياسية إلى حالة عزل قاسية لصوتها و لأصوات المدافعين عنها حتى من بين خصومها الذين تحركت فيهم الغيرة للدفاع عن حرية التعبير و مناهضة اغتيال الشخصية بهذا الشكل المروع و لعل استدعاء الأستاذة سنيا الدهمانى التي أبدت بعض التعاطف العلني مع ما يحدث لزميلتها الأستاذة عبير موسى مع أنها كانت من أشد خصومها هو محاولة ردع مقصودة الغاية منها مواجهة حالة التعاطف الكبرى و المتصاعدة التي تحظى بها هذه المناضلة لدى من كانوا من بين خصومها في أوقات سابقة . يظهر و الله أعلم أن تصفية الحسابات و اغتيال الشخصية سيكون لهما دور متصاعد إلى حدود تاريخ الانتخابات الرئاسية القادمة و سنشهد مرشحا وحيدا معلوما مسبقا و من يكون غيره ؟ .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.