أمريكا تقرر احتلال الرقة.. وإيران تهدد بتحرير كردستان / أحمد الشرقاوي
الثلاثاء 8/11/2016 م …
الأردن العربي – كتب أحمد الشرقاوي …
قبل سنوات وفي عز الأزمة السورية، كتبت مقالا أشبّه فيه امبراطورية روما الجديدة بأفعى “الهيدرا” في الميثولوجيا الإغريقية القديمة، وهي أفعى تقول الأسطورة أنها تتميز بكونها وحش مخيف برؤوس عديدة كلما قطع أحدها ظهر مكانه آخر، إلى أن جاء البطل هرقل وقتلها..
وفي المخيال الديني لدى الشعوب المؤمنة بالعقيدة التوحيدية، اكتسبت الأفعى سمعة سيئة بعد أن استعملها الشيطان كحصان طروادة للتخفي ودخول الجنة، ما أدى إلى واقعة الغواية التي انتهت بطرد آدم وحواء من النعيم الدائم المقيم إلى جحيم المعاناة الأرضية لخوض تجربة الشوق والتوق من أجل العودة..
أما في العصر الحديث، فقد كان الإمام الخميني (ق.س) موفقا بشكل كبير عندما وصف أمريكا بالشيطان الأكبر، لكنه لم يتوقع أن يتحول الثعبان وراثيا إلى وحش أشد خبثا وشراسة من وحش الهيدرا برؤوس كثيرة لا تعد ولا تحصى كما ظهر اليوم في زمن الإمام الخامنئي الذي يواجه الشيطان الأكبر بمعية حلفاء بلاده لقطع رؤوسه وإفشال مشروعه التفتيتي الكبير في المنطقة.
والمفارقة، أن صحيفة “فايناشال تايمز” البريطانية، كانت قد لجأت قبل فترة إلى نفس التشبيه حين اعتبرت تنظيم “القاعدة” بمثابة أفعى الهيدرا الأسطورية القادرة على التجدد وتفريخ رؤوس “إرهابية” خطيرة على امتداد جغرافية العالم، وهو تشبيه مخاتل يتجاهل أن التنظيمات الإرهابية المتفرعة عن “القاعدة” لا تعدو كونها رؤوس فرّختها أمريكا التي تعتبر الهيدرا الأم المولد للإرهاب في العالم، والذي توظفه من أجل أهداف الهيمنة والتوسع كما اعترفت هيلاري كلينتون في إحدى برقياتها إلى مدير حملتها الانتخابية التي كشف عنها موقع “ويكيليكس” مؤخرا.
الجديد اليوم، أن الهيدرا الأمريكية أصبحت أكثر خبثا وخطرا مما مضى، بحيث اكتشفنا فجأة أنها غيرت تماما من مقارباتها في المنطقة، وتخلت عن أدواتها الإقليمية وعن الجماعات الإرهابية التي كانت تراهن عليها في حروبها بالوكالة ضد محور المقاومة، خصوصا بعد أن أدركت أن كل أهدافها المرحلية سقطت في سورية والعراق واليمن، فقررت خوض تجربة جديدة مع سيناريو مغاير في العراق وسورية يقلب المعادلات رأسا على عقب ويغير من موازين القوى بشكل يعقد المشهد بشكل لم يكن يتوقعه أحد.
وبالتالي، لم يتغير الهدف الأساس الذي بنت عليه واشنطن استراتيجيتها للمنطقة ووضعت لها خططا عديدة بأهداف مرحلية دقيقة يحمل كل منها حرفا هجائيا متسلسلا، من خطة “ألف” إلى “باء إلى “جيم” وهلم جرا.. وتصب جميعها في خدمة الهدف الأكبر المتمثل في تقسيم دول محور المقاومة كمقدمة لتقسيم باقي دول الإقليم بما في ذلك من كانوا يعتقدون أنهم حلفاء للشيطان الأكبر.
وإذا كان محور المقاومة مدعوما من روسيا قد نجح في إسقاط أهداف أمريكا المرحلية من خلال قطع رؤوس أدواتها تباعا، فإن السيناريو الجديد الذي انطلق في العراق وسورية بالتزامن، يعد الأخطر والأصعب والأخبث، ويضع روسيا ومحور المقاومة في معضلة عويصة لا يمكن الخروج منها دون صدام محتمل قد يشعل حربا طاحنة لا يعرف أحد كيف يمكن التحكم بجغرافيتها.
*** / ***
فجأة قررت واشنطن تحرير الرقة بالرهان هذه المرة على قوات سورية الديمقراطية “قسد” بدل “المعارضة المعتدلة” التي أثارت روسيا بشأنها جدالا كبيرا حين أنكرت وجودها واعتبرتها جماعات إرهابية بأسماء مخاتلة، وتحدّت أمريكا حين طالبتها بعزل من تقول عنهم “معارضة معتدلة” إن وجدت عن “جبهة النصر” في حلب التي تتباكى على أوضاعها الإنسانية في مجلس الأمن في الوقت التي تستمر في تقديم كميات ضخمة من السلاح والعتاد للتكفيريين بدل شحنات الغذاء والدواء، لتزيد من معانات المدنيين السوريين الذي اتخذتهم الجماعات الإرهابية دروعا بشرية لتعطل جهود المصالحة والتحرير وتشغل الجيش العربي السوري وحلفائه في معركة لا يمكن حسمها من دون خسائر جانبية كما هو شأن حروب المدن عبر التاريخ.
وبهذا السيناريو الجديد، تكون واشنطن قد أسقطت اتهامات موسكو لها بدعم الإرهاب وتركتها تراهن على وهم التفاهم والتعاون الدولي لمحاربته من دون أن تجد شريكا لها في ذلك، غارقة في معركة حلب وراء وهم الهدنة، لا تستطيع حسمها من دون أن تقيم واشنطن الدنيا ولا تقعدها لاتهامها بارتكاب جرائم حرب في المدينة، وتعمدها استهداف “الجماعات المعارضة” للنظام السوري بدل التركيز على محاربة “داعش”.
لأن الإرهاب الحقيقي بالنسبة للولايات المتحدة هو المتمثل في “داعش” دون سواها، وواشنطن تريد أن تؤكد للعالم أن الرئيس أوباما كان جديا حين أعلن أن هدفه هو القضاء على هذا التنظيم الذي يهدد العالم في معاقله الرئيسة العراق وسورية، وها هو الرجل يوفي بوعده ويعلن انطلاق عملية تحرير الموصل في العراق وفي الرقة السورية معا، لينهي عهده برصيد تاريخي كبير يحسن من سمعة بلاده وموقعها الدولي القديم الجديد..
وإذا كانت عملية التحرير في العراق تتم بواسطة الجيش والقوات الأمنية العراقية مع استثناء الحشد الشعبي من دخول الموصل وتلعفر وفق ما أعلن السيد العبادي مؤخرا نزولا عند رغبة الأمريكي تحت ضغط التهديد العسكري التركي، فإن تحرير الرقة سيتم من خلال قوات سورية محلية لا علاقة لها بالإرهاب والجماعات التكفيرية المشبوهة، ويتعلق الأمر بتنظيم “قسد” الذي يشكل الأكراد عموده الفقري لتحرير أرض عربية لا علاقة لهم بها إلا من مدخل النظرية العسكرية التي تقول أن “الأرض لمن يحررها”، استنادا إلى القاعدة الشرعية القديمة التي تقول إن “الأرض لمن يحرثها”.
ومن الواضح أن خطورة السيناريو الأمريكي الجديد، تكمن في أنه وبعد تحرير قرى ريف الرقة في مرحلة أولى، وحصار المدينة من الشمال في مرحلة ثانية، سيتم اقتحامها لتحريرها والسيطرة عليها في مرحلة ثالثة، والتي يعتقد أن “داعش” ستخلي المدينة للتوجه نحو بادية الشام على امتداد الحدود الشرقية لسورية من الرقة وصولا إلى الأردن لرسم حدود الإقليم السني الجديد، وبذلك يتم فصل الجغرافية السورية عن العراقية ما يقطع التواصل بين إيران وسورية وحزب الله في لبنان، فيتحقق الهدف الأكبر الذي أعلنت واشنطن الحرب الكونية على سورية بسببه، كي تنعم “إسرائيل” بالأمن والسلام وينتفي التهديد الذي تحول من تهديد استراتيجي يمثله حزب الله إلى تهديد وجودي يمثله تواجد إيران وحركات المقاومة مجتمعة على امتداد حدود فلسطين المحتلة من سورية إلى لبنان إلى غزة.
والحقيقة أن واشنطن بتحرير الرقة، تسعى لإقامة النواة الأولى لحكم ذاتي “سنّي” يكون مقدمة للفدرلة في المدى المتوسط والتقسيم في المدى البعيد، لكنه سيكون في المدى المنظور أنموذجا جذابا للجماعات “السنية” المقاتلة يغريها بالتخلي عن التحالف مع “جبهة النصرة” الإرهابية والانخراط في هذا المشروع الذي يضمن لها إطارا جغرافيا وتنظيميا عسكريا وسياسيا يمكنها من أن تكون شريكا قويا لواشنطن في المفاوضات السياسية حول سورية لفرض مطالبها “المشروعة” في إطار الرؤية الفدرالية التي تريدها واشنطن للمنطقة، وبذلك تنجح أمريكا في عزل “المعارضة المعتدلة” عن “جبهة النصرة” دون حاجة للتنسيق مع الروسي.
ونفس الأمر تحاول تنفيذه واشنطن في العراق ما بعد تحرير الموصل، لتكون المنطقة الغربية كيانا “سنيّا” خالصا يسهل ضمه للكيان “السنّي” شمال شرق حلب، وقد رأينا كيف أن مسعود البرزاني يقوم بحملة تطهير محمومة في كركوك من العرب وفق تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر مطلع هذا الأسبوع، وذلك لدفعهم للتوجه نحو المناطق السنية في محافظة نينوى، ونفس المخطط تنفذه تركيا أيضا في الشمال السوري وصولا إلى الباب ومنبج لجعله منطقة “سنيّة” آمنة لا مكان فيها للعنصر الكردي، الأمر الذي يؤكد أن تركيا كما مسعود البرزاني وبالتعاون مع “إسرائيل” التي يدرب ضباطها أكراد سورية في “قسد”، ينفذون أدوارا تم تحديدها لهم من قبل واشنطن وفق خطوط حمر دقيقة لا يسمح لأي طرف بتجاوزها.
الأكراد في سورية (إلا من رحم الله) قبلوا بالانخراط في المشروع الأمريكي الصهيوني برغم أن لا ناقة لهم ولا جمل في عملية تحرير الرقة “العربية”، لكن إقامة إقليمهم الكردي هو اليوم مجرد وعد أمريكي وبريطاني وفرنسي مؤجل لغاية الانتهاء من تحرير الموصل والرقة وإقامة الإقليم “السنّي”، ثم بعد ذلك يتم التعامل مع تركيا لإرغامها على القبول بمنطقة كردية مسالمة كما قبلت من قبل بكردستان العراق، مع السماح لها بالقضاء على أكراد تركيا وترحيلهم إلى العراق وسورية شرق الفرات ليطمئن قلبها وتستكين هواجسها وتبعد شبح التقسيم عنها، وقد يتم مكافأتها بقطعة من الكعكة العراقية والسورية.
*** / ***
هذه هي أهم معالم السيناريو الأمريكي الجديد، والمتمثل في إشغال سورية وحلفائها وروسيا في معركة حلب والتوجه لتقسيم سورية والعراق بقوات غير إرهابية..
هذا السيناريو الخبيث يطرح معضلة حقيقية، بحيث لا يمكن للقيادة السورية ولا الروسية بعد تحرير حلب التوجه لتحرير الباب ومنبج والرقة من سكانها الأصليين، وإلا اعتبره المجتمع الدولي عدوانا صريحا على الجماعات المعارضة التي لا تصنف في خانة الإرهاب، ما يرقى لمرتبة جرائم حرب تتيح لأمريكا وحلفائها “قانونيا” و”أخلاقيا” التدخل عسكريا لضرب الجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان حال اقترابه من المناطق المحررة أمريكيا وتركيا من قبل “المعارضة السورية” غير المنخرطة مع الجماعات الإرهابية.
لهذا قرر الجيش العربي السوري استباق تركيا لبدأ معركة تحرير الباب والتوجه نحو منبج، في نفس الوقت الذي يبدأ عملية الحسم في معركة حلب الكبرى، لكن الوقت قد لا يسعفه للبدء بتحرير الرقة من الجهة الجنوبية لقطع الطريق على نزوح “داعش” نحو بادية الشام، والصدام مع تركيا وارد في هذه الحالة، ولا نعلم إن كان مثل هذا السيناريو ممكن من الناحية العسكرية بسبب أولويات المعارك وضغط الوقت وتضارب الأجندات الدولية والإقليمية، فسورية تأخرت كثيرا بسبب إصرار الروسي على وهم الهدنة ورهانه على التعاون مع الأمريكي في محاربة الإرهاب.
ومهما يكن من أمر، فما نعلمه حتى الآن، هو أن قوات سورية الديمقراطية لا يتجاوز عديدها 30 ألف مقاتل يرافقهم حوالي 200 مستشار أمريكي وبضع عشرات من المستشارين الفرنسيين والبريطانيين ما يجعل معركة تحرير الرقة طويلة وشرسة ومعقدة وقد تخلف ضحايا بأعداد كبيرة في صفوف “قوات سورية الديمقراطية”، اللهم إلا إذا كان هناك تفاهم بين الأمريكي والتركي لإخراج داعش من المدينة بطريقة مسرحية.. وزيارة قائد قوات التحالف الدولي الأمريكي إلى تركيا أمس الأحد كان بهدف التنسيق مع تركيا في هذا الشأن، وكي لا تقوم الأخيرة باجتياح مناطق كردية في الشمال الشرقي السوري، مخافة أن تتخلى “قسد” عن معركة تحرير الرقة وتتوجه لمواجهة تركيا كأولوية فتفشل الخطة.
والظاهر أن تركيا مستمرة في لعبة التضليل وحجب الشمس بالغربال، حيث خرج الإثنين نائب رئيس الحكومة التركية ليقول، أن أنقرة أبلغت واشنطن أن دخول القوات الكردية لمدينة الرقة أمر غير مقبول، وأن الحكومة التركية عازمة على إخراج وحدات حماية الشعب الكردية من سورية كأولوية أولى وخصوصا من منبج.
ولا نعلم إن كان ما تقوله تركيا صحيحا، لأن من شأن تنفيذه إفشال معركة الرقة، أو أنه نوع من المزايدة السياسوية لابتزاز واشنطن بهدف الحصول على مزيد من التنازلات لإطلاق يدها في الداخل التركي دون انتقاد..
لكن في حال قررت سورية مواجهة “المتمردين” الأكراد بالمقاومة الشعبية التي أعلنت عن قرب توليها مهامها في الشمال السوري، فقد يؤدي الأمر لحرب أهلية بين السوريين تزيد من تعقيد المشهد وتعرقل السيناريو الأمريكي، لأن أمريكا لا تستطيع قصف المقاومة الشعبية الوطنية التي تقاتل من أجل سورية موحدة من دون أن تتحول بندقية المقاومات في المنطقة ضدها وضد أدواتها في سورية والعراق بما في ذلك احتمال المواجهة مع تركيا، ففي العراق هناك حوالي 200 ألف مقاتل من الحشد الشعبي يتربصون بالأمريكي شرا، وفي سورية هناك أكثر من 100 ألف مقاتل سوري وإيراني ومن حزب الله ومقاومات من دول أخرى مستعدة للمواجهة، وإيران دربت مؤخرا 30 ألف من قوات الباسيج لترسلهم إلى العراق وسورية، ما يؤشر إلى أن قرار مواجهة الأمريكي قد اتخذ، في انتظار أول خطأ ترتكبه واشنطن لتدفع الثمن في ما أصبح يعرف بـ”معركة المنطقة الكبرى” التي تحدث عنها سماحة السيد في ذكرى أسبوع الشهيد “علاء”، ما يؤشر إلى أن محور المقاومة عازم على توحيد البندقية وساحات المعركة في العراق وسورية.
لكن الجديد هذه المرة، هو ما أعلنه اللواء يحيي رحيم صفوي المستشار العسكري للإمام الخميني الإثنين، حيث قال: “نتابع بقلق التطورات في إقليم كردستان العراق واتفاقاتهم مع الصهاينة”..
ومعلوم أن طهران سبق وأن هددت مسعود برزاني بتدخل عسكري ينهي وجوده في الإقليمي بسبب تحالفه مع “إسرائيل” و”السعودية” لزعزعة الأمن والاستقرار في إيران من خلال إرسال عديد الإرهابيين وفق ما أعلنت عنه مرارا المخابرات الإيرانية، وهناك عمليات إرهابية كبرى فككتها ولم تعلن عنها بعد.
زيارة معاون وزير الخارجية السوري السيد فيصل المقداد لطهران الإثنين ولقائه بمستشار المرشد السيد علي أكبر ولايتي تدخل في إطار مواجهة السيناريو الأمريكي المستجد، وقول السيد علي ولايتي، أن “أعداء المنطقة يخططون لتقسيم سورية والعراق لتحقيق الأمن لإسرائيل” يوضح الصورة بشكل جلي لا لبس فيه، لكنه قال أضاف، إن هذه الأحلام لن تتحقق، لأنه لو قدر للمخطط أن ينجح فتصبح هيمنة أمريكا على دول المنطقة الأخرى أمرا سهلا.
وما نعلمه يقينا، هو إن إيران تفعل ما تقول، وبالتالي، لن يمر سيناريو واشنطن الجديد، ما دامت طهران قد وضعت معادلة جديدة أمام الهيدرا الأمريكية مؤداها، أن “احتلال الرقة السورية من قبل عملاء واشنطن.. سيقابله تحرير كردستان العراق من عملاء الصهاينة”..
وهذا يعني ضرب المشروع الكردي في مقتل ما دام يخدم أمن “إسرائيل” في المنطقة، وهذا يعني أيضا، أن المنطقة دخلت مرحلة ما بعد “داعش” مبكرا، قبل أن يتم إعلان الانتصار على هذا التنظيم الإٍهابي بشكل نهائي، لحاجة أمريكا لتوظيفه من أجل تنفيذ مخططها التفتيتي الجديد..
وإلا.. هل يعقل أن تحارب أمريكا “داعش” في سورية لتقوية النظام في دمشق؟..
التعليقات مغلقة.