المقاومة الفلسطينية تصبح عسكرياً وسياسياً على شاكلة مقاومة الخطابي وعمر المختار للاستعمار

الأردن العربي –  الجمعة 26/1/2024 م …




أصبحت عمليات الفلسطينيين ضد المحتل الإسرائيلي ترقى الى عمليات مواجهة الاستعمار الكلاسيكي، كما وقع خلال العقود الستة الأولى من القرن العشرين، على شاكلة مقاومة محمد عبد الكريم الخطابي للإسبان، وعمر المختار للإيطاليين، ثم الثورة الجزائرية.

وتشكّل القضية الفلسطينية حالة خاصة، إذ كانت الجيوش العربية هي التي تحارب من أجلها، كما وقع في حرب 1967 و1973، ضمن المواجهة العربية- الإسرائيلية. ثم شهدت مرحلة من المواجهات السلمية العنيفة بدون سلاح عموماً مثل حالة الانتفاضة، وانتقلت تدريجياً إلى المواجهات المسلحة، منذ قرابة عقدين، لتصل الآن إلى مصاف المواجهة الحربية الحقيقية، وإن كانت تقتصر حتى الآن على قطاع غزة.

يعتبر صمود الفلسطينيين عملاً جباراً، بالنظر إلى صغر مساحة قطاع غزة، علاوة على الحصار الحديدي المفروض عليهم من طرف إسرائيل ومصر

وصمدت المقاومة المسلحة الفلسطينية أكثر من ثلاثة أشهر، وتكبّد، بين الحين والآخر، الجيشَ الإسرائيلي خسائر كبيرة للغاية، كما وقع منذ ثلاثة أيام بمقتل 24 جندياً في عملية واحدة. ومما يثير إعجاب الخبراء العسكريين الدوليين كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية الصمود طيلة ثلاثة أشهر ونصف، وقادرة على مزيد الصمود، رغم القصف الوحشي ونهج حرب الإبادة التي يقوم بها جيش الاحتلال.

وكما شكّلت عملية “طوفان الأقصى”، يوم 7 أكتوبر، منعطفاً في العمليات الحربية، يعتبر صمود الفلسطينيين عملاً جباراً، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار صغر مساحة قطاع غزة، علاوة على الحصار الحديدي المفروض عليهم من طرف إسرائيل ومصر، إذ تمنع  جميع المواد التي يشتبه في أنها قد توظف في صناعة السلاح، يضاف إلى هذا ملاحقة كل من سوّلت له نفسه إدخال قطعة سلاح، وتدمير الأنفاق التي تعد شريان الحياة للمقاومة. ورغم كل هذه العقبات العملاقة، نجح الفلسطينيون في صناعة السلاح للصمود في وجه جيش يتم تصنيفه ضمن لائحة الجيوش القوية عالمياً، والذي يعيش حالة استنفار دائمة بسبب البيئة التي تقع فيها إسرائيل محاطة بدول وحركات مسلحة تستهدفها، بسبب طابع الاحتلال (الإسرائيلي) لفلسطين، وبعض مناطق دول المنطقة سوريا ولبنان. ويذهب عددٌ من التحاليل العسكرية إلى إبراز الصمود الفلسطيني، ما دفع بالبيت الأبيض للقول إنه لا يمكن القضاء على المقاومة الفلسطينية بالسلاح.

وبعد فترة الصمود المثيرة للإعجاب، تكون المقاومة الفلسطينية قد انتقلت إلى مصاف حركات المقاومة الكبرى التي شهدها العالم العربي، وخاصة في منطقة المغربي العربي- الأمازيغي، مع بطلين، وهما محمد بن عبد الكريم الخطابي وعمر المختار، وما جاء بعدهما من حروب التحرير في المغرب والجزائر أساساً.

وكان محمد بن عبد الكريم الخطابي قد نجح ما بين 1921-1925 في إلحاق أكبر هزيمة في التاريخ العسكري الإسباني، وهي معركة أنوال، ومعارك أخرى خلال يوليو 1921، وتدخلت دول مثل الولايات المتحدة بإرسال طيارين وفرنسا بأكثر من 200 ألف جندي، وإسبانيا بأكثر من مائة ألف جندي، للقضاء على ثورة الخطابي في حرب إبادة حقيقية ضد الريفيين، جرى خلالها استعمال أسلحة كيماوية.

نجحت المقاومة في إحداث تغيير حقيقي في ذهنية جزء هام من الرأي العام العالمي، خاصة في الغرب، الذي يطالب الآن بإقامة دولتين

وتكرر السيناريو مع عمر المختار، الذي جنّدت إيطاليا عشرات الآلاف من الجنود، وقامت بحرب إبادة للقضاء على ثورته سنة 1931. وكانت هذه الثورات العنيفة مقدمة لعمليات الاستقلال التي تأخرت ما بين عقدين وثلاثة عقود بعد انفجارها، لأنها أحدثت تغييراً في رؤية الرأي العام وقتها للاستعمار. وجرت الحرب ضد الريفيين والليبيين، وقتها، تحت يافطة مواجهة الإرهاب، وهو ما تدعيه الآن إسرائيل بدعم من قوى الغرب.

وعلى شاكلة ثورة الخطابي، وثورة عمر المختار، تسير المقاومة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً، وبأسلحة محدودة في مواجهة الاستعمار الإسرائيلي الذي يمارس حرب الإبادة، كما مارستها إسبانيا وإيطاليا وفرنسا.

 ونجحت المقاومة في إحداث تغيير حقيقي في ذهنية جزء هام من الرأي العام العالمي، خاصة في الغرب، الذي يطالب الآن بإقامة دولتين بدل دولة واحدة، وهو ما أصبح يقتنع به البيت الأبيض والمفوضية الأوروبية، ولم يعد الرأي العام العالمي يرى في عمليات الفلسطينيين إرهاباً، بل مواجهة لاستعمار غاشم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.