جبال قباطية كانت الشرارة الأولى التي أطلقها أبو عمار في فلسطين

 

الخميس 10/11/2016 م …

الأردن العربي – رائد أبو بكر

على أعلى قمة أحد جبال بلدة قباطية جنوب مدينة جنين ترى مغارة عادية، على بابها حجر تعريفي بها، وضع مؤخراً، أرضية غير مستوية، وسقف لا يتجاوز ارتفاعه متراً وبضع سنتيمترات، تبدو في الوهلة الأولى أنها مغارة عادية، وربما هي كذلك في شكلها، لكنها عكس ذلك، فقد احتضنت في جوفها ذكريات وتاريخاً، فقد عاش فيها مطلق الرصاصة الأولى في الثورة الفلسطينية عام 1965 وهو الشهيد ياسر عرفات “أبوعمار”.

من هذه المغارة في بلدة قباطية، أطلق الختيار، لبنات العمل الفدائي الأول بعد انطلاقة حركة فتح عام 1965، حيث شكلت هذه المغارة محط اجتماعات عرفات عامي 1966 و1967 خلال تواجده السري في الضفة الغربية.

على أرضية المغارة غير المستوية كان مكان جمع البنادق والرصاص، وسقفها ذات الارتفاع القليل، تشير إلى تحمل القضية مهما كانت ظروف الحياة قاسية، وتسعة أشجار زيتون بالقرب من باب المغارة، ومازالت حتى اللحظة، كانت شاهدة على تاريخ الياسر أبو عمار.

هذه المغارة كانت محط استراحة المحارب ونقطة انطلاقته إلى بقية المدن الفلسطينية، وإليها يعود ليرسم مخططاته الجديدة، التي خط فيها حدود دولة لا تزال تكابد الاحتلال، وفيها كانت تعقد اجتماعات الثورة، سعياً لتحقيق حلم وضع الأمل في تحقيقه على كاهله.

الستيني ابن بلدة قباطية ياسر سباعنة، كانت له مهمة خاصة خلال تواجد أبو عمار في البلدة، أكد أن هذه المغارة كانت لـ “أبوعمار” ومقاتليه، ينطلقون لتنفيذ عملياتهم ويعودون، وكانت نقطة انطلاقته إلى المدن الفلسطينية الأخرى، ويقوم بتخزين الأسلحة والذخيرة فيها، لكنه لا يذكر إن كانوا يبيتون فيها، وقال: “كانت مهمتي كشف الطريق لهم، سواء عند توجههم إلى المغارة أو الخروج منها، كنت انتظرهم على مدخل يتم الاتفاق عليه مسبقاً لأكشف لهم الطريق، وعند خروجهم أيضاً كنت أعمل ذات الطريقة، أنزل إلى الوادي وأصعد الجبل المقابل للمغارة من أجل الحراسة”، مستذكراً تدريب الفدائيين، ومراقبته ابو عمار كيف يدرب مقاتليه ويعطيهم التعليمات، مشيراً إلى انه شارك مرة واحدة في نقل الذخيرة والقنابل والألغام إلى حدود قباطية، وتسلميها لإحدى المجموعات الفدائية.

أما بالنسبة لأديب حنايشة، الذي رافق أبو عمار منذ الأيام الأولى لقدومه إلى فلسطين عام 1967، وبداية تكوين الكفاح المسلح من جبل قباطية، مازال يتذكر تفاصيل اللقاءات الأولى مع الختيار رغم مرور 49 عاماً على اللقاء الأول بين عرفات ورجال قباطية.

يقول حنايشه، “كان الختيار يدخل إلى فلسطين متخفياً، وجبال قباطية كانت أولى محطاته، ومنها ينتقل إلى يعبد ونابلس ورام الله، وأول زيارة له إلى قباطية كانت في شهر آب من عام 1967، اجتمع بعمه، الذي كان يتناول الغداء، وطلب منه عقد اجتماع مع شباب البلدة، وكان هذا أول لقاء مع الشهيد”، مؤكداً أن جبال قباطية كانت الشرارة الأولى التي أطلقها أبو عمار في فلسطين، بدأ بتنظيم الناس للانضمام إلى الثورة من خلال حركة فتح، رغم أن البعض كان قد تسلح أصلاً واعتلى الجبال لمقاومة الاحتلال، وخصوصاً من كان في حركة القوميين العرب.

وأضاف، “بدأ بتأسيس خلايا فتح في البلدة، ويشرح للأهالي عن ولادة الحركة وأهدافها، وانضم إليها معظم الرجال في قباطية، وأدوا القسم أمام عرفات واضعاً أمامهم المصحف والسيف”.

وأوضح حنايشة، أن مغارة قباطية لم تكن الوحيدة الحاضنة لعرفات ومقاتليه، بل كانت كل جبال البلدة مهمة بالنسبة للشهيد، فقد كان فيها أربع قواعد عسكرية منها قاعدة لتدريب الفدائيين في منطقة رأس الخلايل، والثانية لتجميع السلاح في منطقة خلة العرب، أما الثالثة فكانت لاستقبال دوريات المقاتلين القادمة من مناطق مختلفة من الضفة الغربية في منطقة أم القصب، بينما الموقع الأخير هذه المغارة في منطقة مراح شرومر، والتي تتسع لثلاثين رجلاً، يخطط فيها، وينطلق منها لتنفيذ العمليات، ويجتمع فيها مع القادة العسكريين.

وتابع يقول،: “ما يميز هذه المغارة موقعها المهم، المطل على سهول مرج بن عامر، حتى إنها تطل على مناطق 48، بالإضافة إلى أن من الصعوبة العثور على المغارة خلال حملة التمشيط التي تقوم بها طائرات الاحتلال”.

أديب حنايشه ومنذ أن استشهد عرفات في الحادي عشر من نوفمبر عام 2004، يقف كل عام إلى جانب المغارة، ويستذكر كل التفاصيل، ويسرد للأجيال الصغيرة مراحل الثورة الفلسطينية، وكيف كان الختيار يخطط ويدرب الفدائيين، ويستقبل القادة العسكريين، وينطلق من هذه المنطقة لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال.

الشاب محمد كميل ابن الثلاثين عاماً يقول: إنه يأتي لزيارة المغارة سنوياً، وخاصة في ذكرى استشهاد أبو عمار، مشيراً إلى أن هذه المغارة باتت رمزاً مهما كرمزية صاحبها، بل وباتت مزاراً يتوافد إليها الناس للاستماع إلى تاريخ المغارة، وأهميتها في زمن العمليات التي كانت تنفذ ضد الاحتلال.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.