لنا حق عند تركيا.. فالسلاطين شكلوا أرضية الغزو الصهيوني لفلسطين وخرقوا العهدة العمرية / فؤاد البطاينة
فؤاد البطاينة ( الأردن ) – الإثنين 29/1/2024 م …
الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في غزة والضفة يذبح بمجازر إبادية على مدار الساعة على مرأى ومسمع من كل أنظمة الدول الاسلامية والعربية ومن دون أن تفعل شيئا حتى من وازع أخلاقي او انساني او قيمي ، وصمت هذه الأنظمة لا يفسر إلا كقربان لرغبتها في القضاء على حماس المقاومة الفلسطينية وصولا لتصفية القضية. وهو مؤشر على رضوخ هذه الدول للقرار الأمريكي وعلى تواطؤ المطبعين مع الكيان. فلو هدد نظام واحد من المدعين بأنه ليس عميلا أو متواطئاً بربط ما يقدمه لكيان الإحتلال بوقف مذابح الإبادة لصنع فرقاً. إلا أن هناك ما يدعو لتخصيص تركيا بالحديث في هذا المقال
فالنظام التركي هو النظام الاسلامي الأكثر تعاوناً مع الكيان والأوسع والأعمق علاقات معه وعلى المستوى الإستراتيجي. وكان الأعلى صوتاً ووعودا ومزايدة في نصرة أو نجدة غزة والضفة ، وكان بنفس الوقت وما زال المعدوم الفعل ليصبح الأكثر نفاقاً قبل ان يخبئ رأسه ويصمت. ونحن إذ نحيي الشعب التركي المسلم العظيم على وقفته مع الشعب الفلسطيني لنأسف على خذلان من انتخبه له، و نُذكر أرودغان أن لفلسطين وللعرب دينا موروثاً عند تركيا كبير وعليها تسديده ومن نوعه ، وبهذا أقول.
إن حصيلة الحكم التركي للوطن العربي كحقبة سُجن فيها العقل العربي ودُجن كانت أن تشكلت بنهاياتها الأرضية المادية والسياسية لتثبيت أقدام الصهيونية في القدس وفلسطين وهيأت للمشروع الصهيوني. وما بنيتي النبش في هذا التاريخ لولا موقف النظام التركي المخزي والجبان من حرب الابادة على فلسطين ومواصلة سياسته في دعم الصهيونية وكيانها على حساب الحقوق الفلسطينية وعدالة القضية. وقد كنت من الفريق العربي الذي فضل منح أردوغان الإسلامي فرصة لتغيير مسار تركيا التقليدي مع الصهيونية وتعويض الفلسطينيين بالذات عما اقترفته بلاده بحق فلسطين والمقدسات ، متشجعاً بإنهائه على حكم يهود الدونمة الأتاتوركي وتمكنه من بناء تركيا ووضعها في مصاف الدول رغما عن الارادة الأمريكية. ولكنه واصل السلوك باتجاه المشروع الصهيوني وأمعن فيه.
وبداية لنخرج من محاولة خلط الأوراق لتغييب الوعي العربي والإسلامي عن تاريخ سلاطينها في حقبة ما بين عامي 1800 — 1918 من خلال إثارة جدلية السلطان عبدالحميد. فالتركيز على هذه القصص لا يساعد على تقييم السلوك العثماني من المشروع الصهيوني بينما كانت فلسطين أمانة بأيديهم. وإللا فهناك أياد خفية للتغطية على الواقع التاريخي الذي لا يمكن ضحده بأن اليهود في العهد العثماني عادوا إلى فلسطين وللإستيطان في القدس وادعائهم بحقوق لهم فيها. وأن الأتراك يتحملون مسؤولية تاريخية في ذلك، وبعد.
فلدينا فترتين من الحكم العثماني لا تحمد عقبى كليهما. ابتدأت الأولى مع بداية حكمهم لفلسطين في القرن السادس عشر م التي شهدت تعاطفاً عثمانياً مبكراً مع اليهود وعودتهم التدريجية للقدس بإرادة حرة وفي مناخ يخلو من الضغوطات الخارجية والتأثير الغربي او الصهيوني. وكان سلوك العثمانيين ينطلق حينها من منظور ثلاثي شمل التسامح الديني (غير الواعي ) والمصالح التركية ثم الرضوخ في مرحلة لاحقة لضغوط الغرب والصهيونية.
وبهذا، فقد كسر العثمانيون العهدة العمرية والسياسة المستقرة للدول التي تناوبت على حكم فلسطين ، والمتمثلة في اخراج اليهود من القدس وعدم السماح لهم بالعودة لها ، والتي اتبعها الأشوريون والكلدانيون ثم الاغريق والرومان وصولاً للعرب المسلمين من خلال العهدة العمرية التي تنص في أحد أهم نصوصها على التزام الطرفين العربي الاسلامي والغربي المسيحي بمنع دخول اليهود الى القدس.
أما الحقبة الثانية في القرن التاسع عشر فقد قد تطور فيها السلوك العثماني المتساهل مع اليهود حتى صنع في المحصلة مراكز قوة يهودية صهيونية في الدولة العثمانية استطاعت أن تشكل أرضية لنجاح اليهود في توجيه القرارات لصالحهم على حساب الحقوق العربية في القدس وفلسطين ، ولحساب المشروع الصهيوني من خلال اختراق رسمي ومنظم ممثلا بصورة أساسية بيهود الدونمة الذين استطاعوا مع الوقت من تأسيس حزب الاتحاد والترقي الصهيوني ووصوله للحكم..
حيث تعمقت الهجمة الغربية / الصهيونية بتواطؤ سلاطين أواخر الحقبة وتكثفت عملية غزو اليهود لفلسطين والهجرة اليها ، واستمرت قبيل وأثناء وبعد فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني وهي فترة طرح وتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين. وأقيمت ما بين عامي 1842 و 1879 أحياء يهودية في القدس وبنيت 27 مستوطنة في منطقتها وما حولها. وكرست القنصليات الغربية بالقدس التي سمح بإنشائها السلاطين تسهيل تسرب اليهود للمدينة ومساعدتهم بشراء الأراضي. وأقيم حي يمين موشيه سنة 1850 في منطقة جورة العناب خارج الأسوار ثم أقيم حي مئاه شعاريم في منطقة المصرارة، وماقور حاييم في المسكوبية سنة 1858.
ولعل الأسوأ في كل هذا هو إصدار الأتراك لفرمان في عام 1852 يسمح لليهود بالإشراف على أماكن عبادتهم وأصدارهم قانون تملك الأراضي عام 1876 الذي الذي فتح الباب أمام اليهود لتملك الأراضي والعقارات في مدينة القدس دون أخذ الموافقة – المسبقة ،وفتحوا بهذا باباً واسعا أمام هجرة اليهود وشراء الأراضي في القدس وفلسطين بمساعدة الحركة الصهيونية.. وتضمن القانون كذلك ، اعترافاً رسمياً بما جرى شراؤه بطريقة غير شرعية طوال الفترات السابقة. وهو ما أسس لإقامة المشاريع الاستيطانية التي امتدت بين باب العامود وباب الخليل واقامة مستعمرة نحلات شيفع التي اصبحت مركز القسم الغربي من القدس
ومنذ قيام الدولة التركية الحديثة، وعلاقاتها تتصاعد وتتطور مع الصهيونية ثم استمر هذا التطور مع الكيان الخزري المحتل الى هذه اللحظة. ولم يشعروا أو يفكروا يوماً بمسئوليتهم اتجاه أرض عربية كانت أمانة بأيديهم فرطوا بها وأسسوا كما مر لاستعمارها واحتلالها. وبعد ، فهذا هو يوم الوفاء والوقوف الأكبر مع شعب فلسطين وقضيته فالعدو يريدها حرباً بجبنها فاصله ونحن نريدها بإيماننا فاصلة. وإنه الوقت المناسب لأردوغان أن يعود لله وللتاريخ ويوفي فلسطين والمقدسات وشعب فلسطين حقهم ودينهم ولا نريد واجبا ولا كرماً. وهذا المقال سيبقى على الطاولة حتى يصل غايته أو مبتغاه.
التعليقات مغلقة.