انتهاكات قاسية تحت دخان الحرب تُحول المحاكم لمجرد ختم مطاطي

الأردن العربي –  الأربعاء 31/1/2024 م …




أشار التقرير السنوي الصادر عن مؤسسات الأسرى الفلسطينية إلى أن عدد حالات الاعتقال التي نفّذها جيش الاحتلال الإسرائيليّ خلال العام 2023 في الضّفة بما فيها القدس إضافة إلى حالات الاعتقال من غزة ما قبل السابع من أكتوبر، نحو 11 ألف حالة اعتقال نصفها (5500) جرت بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بينها أكثر من 355 طفلا و184 من النساء تشمل الأراضي المحتلة عام 1948.

وبلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري أكثر من 5500 أمر اعتقال، صدر نحو 50% منها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فيما بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة خلال العام 8 شهداء ارتقى 6 منهم منذ بدء الحرب على غزة.

ويفيد التقرير بأن حملات الاعتقال الكبيرة والتي بلغت ذروتها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عكست وقائع مرعبة وجرائم وانتهاكات هي الأكثر خطورة منذ عقود، وكانت أبرز هذه الجرائم جريمة التعذيب التي فرضت نفسها في معظم شهادات المعتقلين إلى جانب التنكيل والضرب والمبرح، تهديدهم بإطلاق النار عليهم بشكل مباشر والتّحقيق الميداني والتّهديد بالاغتصاب واستخدام الكلاب البوليسية.

وواصل الاحتلال الإسرائيليّ، وفقا للتقرير، استهداف النساء الفلسطينيات من خلال حملات الاعتقال الممنهجة والتي طالت منذ مطلع العام الجاري 300 امرأة، إذ جرى اعتقال 184 منهن بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وتعرضت النساء لعمليات تعذيب وتنكيل وضرب مبرح وتفتيش عار وتهديدات وصلت إلى حد التهديد بالاغتصاب.

كما استمر الاحتلال في استهداف الأطفال عبر سياسة الاعتقال الممنهجة والتي طالت خلال العام 1085 طفلًا منهم 355 جرى اعتقالهم بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، حيث شكّل هذا العام امتدادًا لمجمل الجرائم الّتي انتهجها الاحتلال بحقّ الأطفال من عمليات تعذيب وتنكيل وإطلاق النار عليهم واستخدامهم كرهائن، واحتجازهم لاحقًا في السجون والمعسكرات في ظروف قاسية ومأساوية، وتركز استهداف الأطفال بشكل أساس في القدس حيث يورد التقرير عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال في المدينة 696 طفلا. كذلك لم يستثنّ الاحتلال الأطفال من عمليات الاعتقال الإداريّ، إذ بلغ عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال الإداري خلال العام 40 طفلا.

ويفرد التقرير مساحة لمعتقلي قطاع غزة مشيرا إلى أن الاحتلال باشر منذ بدء العدوان والاجتياح البري في قطاع غزة بتنفيذ حملات اعتقال جماعية بحق المدنيين من القطاع بشكل همجي وغير مسبوق، فيما يتكتم على مصير المعتقلين ويرفض الإفصاح عن أعدادهم ويمنع المحامين والصليب الأحمر من زيارة المعتقلين.

ووفقًا للمعلومات التي وردت من خلال شهادات الأسرى جرى الإفراج عنهم فإن المعتقلين يعيشون ظروفًا هي الأقسى داخل سجون الاحتلال، إذ قام الاحتلال بتجريدهم من ملابسهم ويتم تكبيل أياديهم طوال الوقت ويتعرضون لجرائم طبية.

ونقل التقرير عن أسرى في سجن “عوفر”، قولهم إن الاحتلال يحتجز المئات من أسرى قطاع غزة في قسم 23، وأنهم يسمعون أصوات صراخهم جراء التعذيب والتنكيل بهم، إضافة إلى سماعهم لأصوات عواء الكلاب التي تنهش أجسادهم. كما تحتجز سلطات الاحتلال المئات من المعتقلين أيضًا في معسكر “سديه تيمان” بالقرب من بئر السبع و معسكر “عناتوت” بالقرب من مدينة القدس المحتلة.

وكانت إدارة السجون قد نشرت مع نهاية العام أنها تحتجز 661 معتقلًا من قطاع غزة كمقاتل غير شرعي، علمًا أن هذا الرقم لا يمثل كافة المعتقلين الذين تم اعتقالهم من القطاع. فيما رصدت مؤسسات الأسرى أكثر من 40 معتقلة من قطاع غزة يتواجدن في سجن الدامون، وهن معزولات عن باقي الأسيرات.

لتنفيذ عمليات الاعتقال واسعة النطاق تلك، أقرت سلطات الاحتلال جملة قوانين وتعديلات على أوامر عسكرية، وقامت بسلسلة إجراءات تنفيذية جرى تمريرها تحت دخان الحرب على غزة، سنحاول إلقاء الضوء عليها من خلال هذا الحوار مع الناشط الحقوقي والمحامي، محمود حسان.

 ما هي المسوغات القانونية التي قامت إسرائيل تحت غطائها باعتقال هذا الكم من المعتقلين خلال فترة زمنية قصيرة؟

حسان: منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر قامت إسرائيل بحملة اعتقالات واسعة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث قامت بحملات اعتقال العشرات والمئات أحيانا، وكل المعتقلين جرى عرضهم على المحاكم العسكرية، وهي محاكم قائمة منذ عام 1967 في الضفة الغربية.

التغيير الذي حصل بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إنهم قاموا بتمديد فترات التحقيق وفترات احتجاز المشتبه بهم قبل عرضهم على المحاكم العسكرية، فإذا كنا نتحدث عن أربعة أيام في السابق اليوم نتحدث عن ثمانية أيام، بمعنى أن كل إنسان يعتقل في الضفة الغربية يبقى ثمانية أيام رهن الاعتقال قبل أن يتم عرضه على المحكمة، وفي نهاية الأيام الثمانية ممكن أن يتم تحريره أو تمديد اعتقاله، كذلك تم تمديد مدة إصدار أمر الاعتقال من 72 ساعة إلى 6 أيام، وكذلك تمديد المراجعة القضائية لأوامر الإداري من 8 أيام إلى 12 يوما.

وتكمن أهمية مثول المشتبهين أمام قاض، في أن القاضي بين قوسين أو بدون قوسين هو إنسان محايد يرى إذا كان المعتقل لديه شكاوى، تعرض للضرب أو أي معاملة مسيئة للكرامة، وهذا المثول هو الفرصة الأولى أمام المتهم للتظلم، لذلك فإن أهمية مثول المشبه أمام قاض في أقصر فترة ممكنة هي قضية غاية في الأهمية ومضاعفة هذه المدة لاستيعاب العدد الكبير من حالات الاعتقال هي بمثابة إساءة كبيرة في المعاملة القانونية.

 هذا الإجراء يسري على الغزيين أيضا؟

حسان: بما يتعلق بالمعتقلين من قطاع غزة الذين يمثلون أمام محاكم مدنية منذ فك الارتباط مع غزة عام 2005، بعد أن باتت إسرائيل تتعامل معهم كسكان كيان سياسي آخر وليس كواقعين تحت الاحتلال، فقد جرى منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر سن أنظمة وتعليمات جديدة، حيث كان يحق للنيابة والشرطة أو المخابرات وفقا للقانون الذي كان قائما، اعتقال المتهم بمخالفة أمنية لمدة 35 يوما للتحقيق وبعدها يجب أن يقرروا إذا كانت ستقدم ضده لائحة اتهام أم لا.

بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أقروا أنظمة جديدة تجيز اعتقال المتهم بمخالفات أمنية من سكان خارج إسرائيل، والمقصود الغزيين لمدة 45 يوما، وهذه المدة غير قابلة للنقاش، بمعنى أنه لا توجد صلاحية للقاضي النظر فيها وتخفيضها حسب خطورة التهمة واحتياجات التحقيق، كما هو متبع مع حملة الجنسية الإسرائيلية أو حتى حسب ما هو متبع في المحاكم العسكرية.

هذه الأنظمة جعلت كل غزي بغض النظر عن خطورة تهمته يزج بأقل تقدير مدة 45 يوما في السجن، يحق للشرطة والنيابة أو المخابرات طلب تمديدها 45 يوما أخرى لتصل المدة إلى 90 يوما، بعدها يمكن التمديد بتصريح من المستشارة القضائية.

هذه الأنظمة عدا عن أنها حولت المحكمة إلى ختم مطاطي وظيفتها التصديق فقط على الاعتقال المحدد سلفا ولا يجوز للقاضي مناقشته، فإنها أعطت إمكانية لاعتقال كل غزي تواجد في إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ونحن نعرف أن كل غزي أصبح مشتبها بعد هذا التاريخ، لمدة 45 يوما قابلة للتمديد بمثلها بقرار من الشرطة أو المخابرات.

أما الشق الثاني من الإجراءات القانونية الخاصة بالغزيين تتعلق بما يسمى “المقاتل غير الشرعي” وهو إجراء يجري تطبيقه على كل غزي يتم احتجازه وهو غير متهم بقضية عينية يستطيعون التحقيق معه حولها، لذلك يتم احتجازه حسب قانون “المقاتل غير الشرعي” لمدة ستة أشهر، كما أنهم أخرجوا من القانون إلزامية التمثيل وقالوا إن المحكمة غير ملزمة بوجود محام للدفاع عن المعتقل وأن المحكمة تعقد بحضور النيابة والملف السري والمعتقل ذاته.

تقصد محام من الدفاع العام؟

حسان: صحيح، القانون أبقى الحق للمعتقل بإحضار محامي خاص إذا أراد ولكن الإشكالية أن هؤلاء المعتقلين موجودين في سجون ومراكز اعتقال ومعسكرات جيش عدة، وما زالت إسرائيل تتكتم على أماكن اعتقالهم وظروفها، ولا يوجد لهم أي اتصال مع العالم الخارجي ولذلك فهم لا يستطيعون التواصل مع محامين ما يجعل هذه الامكانية غير عملية، كما أن عدم معرفة أسماء وتفاصيل المعتقلين تجعل إمكانية التوجه للمحاكم وطلب تمثيلهم من قبل جمعيات حقوقية ومحامين متطوعين مهمة غير قابلة للتطبيق.

كما أننا لا نملك معلومات أساسية حول حالات وأماكن الاحتجاز، بمعنى من هو محتجز في معسكرات اعتقال داخل غزة ومن هو محتجز في سجون أو مراكز اعتقال داخل إسرائيل، ولا أعداد المعتقلين وتصنيفاتهم.

وكما هو معروف فإن إسرائيل ترفض بشكل قاطع حتى اليوم إعطاء أي معلومات عن عدد المعتقلين وأماكن احتجازهم أو أي تفاصيل عنهم، حتى أن المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت التماسا تقدمت به جمعيات حقوقية للحصول على مثل هذه المعلومات بل وغرمت الملتمسين بمبلغ خمسة آلاف شيكل مصاريف محكمة.

وهذه كانت رسالة لباقي المؤسسات والجمعيات بعدم التقدم بالتماسات حول هذا الموضوع، تحت ستار أن إسرائيل في حالة حرب وهذه المعلومات سرية.

عودة إلى الضفة الغربية فالمعطيات تشير إلى مضاعفة عدد الأسرى والمعتقلين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر؟

حسان: بالنسبة للضفة الغربية هناك مسارين، الأول هو مسار التحقيق وتقديم لوائح اتهام والذي تحدثنا عن التطورات التي طرأت عليه بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والثاني هو مسار الاعتقال الإداري الذي استخدمته إسرائيل منذ العام 1967 وتزداد وتيرة استخدامه خلال حالات التوتر والأزمات مثل الانتفاضة أو حالة الحرب.

إسرائيل لجأت إلى هذا المسار لاعتقال كم كبير من الناشطين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهو ما ضاعف عدد المعتقلين الإداريين بعد أن جرى إصدار 2500 اعتقال إداري بعد السابع من أكتوبر، وهذا يعني أن معظم المعتقلين الذين أرادوا إبقائهم رهن الاعتقال أصدروا ضدهم أوامر اعتقال إدارية.

وبرأيي فإن إسرائيل لا تقوم باعتقالات احترازية وانتقامية فقط، بل هي تستعد لعدد كبير من المعتقلين الفلسطينيين في حال حصول صفقة تبادل أسرى.

بالانتقال إلى ظروف الاعتقال والسجن وما طرأ عليها من تدهور وإساءة متعمدة جرى الإعراب عنها في تصريحات وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير وغيره؟

حسان: بالنسبة لمعتقلي غزة نحن نعرف من الناس الذين خرجوا وظهروا على شاشات التلفزيون، حيث تحدثوا عن ظروف سجن قاسية جدا وعن ضرب وتعذيب يومي ومعاملة غير إنسانية وظروف اعتقال لا تليق بالبشر.

أما بالنسبة لباقي المعتقلين من الضفة والـ48 والغزيين المعتقلين قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فنحن نعرف أن وزير الشرطة الذي كان يطالب قبل الحرب بإساءة ظروف اعتقالهم واتخاذ إجراءات عقابية ضدهم قد تسنى له ذلك بشكل كبير بعد الظروف التي خلقتها الحرب على غزة.

ويمكن القول إن الأسرى يعانون ظروف اعتقال هي الأكثر قسوة منذ عام 1967، حيث يتم قطع الكهرباء عنهم منذ الساعة السادسة مساء وتجري مداهمات لغرفهم بشكل يومي، كما جرى سحب جميع أجهزة الكهرباء بما فيها أجهزة التدفئة وأجهزة التسخين وصنع القهوة والشاي.

وقد جرى خلق حالة اكتظاظ متعمدة في الغرف والزنازين بعد إجراء تعديل على قانون السجون وخرق قرار المحكمة الإسرائيلية بتحديد حد أدنى للمساحة المعيشية لكل أسير والتي حددتها المحكمة بـ4.5 متر مربع، وسمح لإدارة السّجون بعدم الالتزام بمساحة العيش المقررة لكل أسير، وذلك حسب ظروف الزنازين ومساحاتها، وأجاز كذلك احتجاز الأسرى بدون سرير في الحالات التي لا يمكن توفير السرير، حيث أصبح في كل زنزانة أناس ينامون على الأرض.

كما تم تقنين كمية الطعام ونوعيته، إذ جرى منع اللحمة تقريبا واقتصار الوجبات على البقول والخضار، ما أدى إلى هبوط في الوزن حيث نقل عن بعض الأسرى أن وزنهم انخفض بـ15-20 كغم.

هذا عدا عن الاعتداءات والضرب والتعذيب، حتى أن بعض المعتقلين الذين يأتون إلى المحكمة يخجلون من رفع رؤوسهم من شدة الإذلال والتعذيب، وكانت هناك حالات ضرب أمام الكاميرا وعلى مرأى ومسمع القاضي، وذلك دون مبرر وإنما كنوع من السياسة العقابية التي بدأ تنفيذها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ضد المعتقلين الفلسطينيين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.