خطبة الجمعة “الداء أو الدواء” / د. محمود عبابنة
د. محمود عبابنة ( الأردن ) الجمعة 11/11/2016 م …
ليس لنا إلّا أن نُشيد بخطوة وزير الأوقاف الجديدة المتعلّقة بتطبيق مفهوم فكرة المسجد الجامع كخطوة تنظيميّة نحن احوج ما نكون إليها في هذه الأيام، بسبب كثرة اللّغط الذي أحاط بمضمون خطبة المسجد وما يتم تداوله عمّا يردُ على لسان بعض خطباء الجمعة المتحمّسين لتغييب العقل وتعظيم مفهوم الخرافة والأساطير التي لم ترد بكتاب الله ولم يجمع عليها الائمة الاربعة، وتسيء إلى الدّين الحنيف، سيّما وأنّها تُلقى في بيوت الرّحمة والموعظة الحسنة، وهي المساجد التي تعدّ بحق أكبر مؤسسات المجتمع المدنيّ وأشدّها تأثيراً، فهذه الخطبة تتكرّر كل أسبوعٍ في ستة الاف مسجد في الاردن على مسامع آلافٍ المُصلّين الخاشعين المُنتظرين في كل مسجد بفارغ الصّبر ما سيدلي به الخطيب، ومن الخُطب ما يطرب له العقل والمنطق ويقربنا إلى الديّن وما زلت أذكر خطبة الجمعة في مسجد التلاويّ قبل شهرين عندما أوصل لنا خطيب الجمعة مفهوم الضّمان الاجتماعيّ بالإسلام من خلال استعراض موقف الخليفة الراشديّ عمر بن الخطاب من أحد مواطني المدينة اليهوديّ الذي كان يستجدي الصّدقة، وعندما شاهده الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله قائلاً:(من الذي ألجأك إلى هذا) فأجابه الشيخ اليهوديّ:(السّن والجزلة والحاجة)، فأمر عمر بصرف راتباً ثابتاً له من بيت المال، وقال والله ما أنصفناه إذا نحن أكلنا شيبته ثم خذلناه في هرمه إنّه من مساكين أهل الكتاب والصّدقات والفقراء والمساكين).
التّراث الإسلاميّ بالرّغم مما علق به من أدران التّحريف والتجهيل لا يخلو من ومضاتٍ مضيئةٍ في تُراثنا وتاريخنا والمرءُ يحار من تجاهلها وعدم التّطرق إليها، بل أصبح لدينا عدد غير قليل لا يجيد الا بث خطاب التّطرف والتخويف وترسيخ ثقافة الإقصاء وتسويق الخرافات. أقول ذلك وأنا أنقل لكم مضمون خطبتين في صلاة الجمعة إحداهما كنت حاضراً وعلى مسمعي، ففي صلاة عيد الفطر الماضي وفي مسجد الصحابة على طريق المطار كان موضوع الخطبة عن ‘الإسلاموفوبيا’ وجاء بخطبة خطيب المسجد أنّ هناك يوماً وقد غدا قريباً، ستحدث فيه معركة بين الحق والباطل في منطقة مرج دابق وسيكون جيش المُشركين القادم لقتال المسلمين تعداده تسعمائة وستون ألف مقاتلٍ فيلاقيهم المُسلمون فينهزم ثلث الجيش الإسلاميّ ويستشهد الثُلث الباقي ويبقى الثّلث بعد انتصار المُسلمين على المشركين!!!
وفي يوم الجمعة بتاريخ 28/10/2016 وفي بلدة أردنيّة على مقربةٍ من الحدود السوريّة وبالذات في مسجد شرحبيل بن حسنة كان موضوع خطبة الجمعة عن ‘جهنّم’ وأسهب الخطيب في وصف جحيم النّار وقال:(أما جهنّم فلها سبعون مقبضاً، ويقف على كل مقبض سبعون ألفاً من الملائكة ومهمتهم أن يقوموا بجر جهنم إلى ميدان الحساب، وأثناء جرها فإن صوت زئيرها يسمع على بعد ألف فرسخ).على ذمّة الرّاوي الذي أثق به فقد خيّم على جموع المصلين سكونٌ وصمتٌ مطبقٌ، وهلعٌ عظيمٌ وهم يستمعون بشغفٍ وخوفٍ من أوصاف جهنّم ذات السّبعين مقبضٍ. ولنا أن نتخيّل الحديث عن عذاب القبر والافعوان الأقرع الذي لم يرد لا بكتاب الله ولم يتّفق عليه جميع الفقهاء.
إنّ فتح المجال لكل من هبّ ودبّ للخطابة بالمسجد هو بمثابة إفلات الزمام والامعان في التّخويف والتّجهيل وتحميل الدين ما هو بريءٌ منه، فليس كل ما دوّن في التراث صحيح وإلا لما اختلف الائمة بآرائهم وتوثيقاتهم التي يجب ان تخضع للنقد الفقهي الاسلامي العلمي المنثور لاستخلاص الحقيقة وطرح الغث الذي لا يتفق مع المنطق و الرحمة. ومن هنا فإنّ فكرة المسجد الجامع لتقليل عدد الخطباء وحصرهم بإشرافٍ مركزيّ من قبل وزارة الاوقاف هي خطوة تستحق التقدير لترشيد الخطبة الجامعة وتوجيهها بمضامين تعزز السّماحة وحسن التّعامل والحضّ على الأخلاق الحميدة والخروج من مجتمع الخوف والأرق إلى مجتمع الطمأنينة والعقلانية وتوظيف عقول الشّباب لتقديس العمل الصّالح إلى جانب الإيمان عملاً بقوله تعالى:’وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ‘ صدق الله العظيم.
التعليقات مغلقة.