السردية الفلسطينية في مواجهة منصات التواصل والاحتلال.. البقاء للأصدق
الأردن العربي – الجمعة 2/2/2024 م …
بدأ الاحتلال الإسرائيلي، مع اندلاع ملحمة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر، في تفعيل آلته الإعلامية الضخمة بهدف تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، وترميم صورته المكسورة عبر توظيف إعلاميين ومؤثرين في منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تحكمه في خوارزميات هذه المنصات بهدف نشر سرديته وتوجيه الرأي العام واستعطاف الجمهور الغربي بشكل خاص.
بالإضافة إلى ذلك، عمد الاحتلال إلى توظيف ضباط سابقين في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في كبرى شركات منصات التواصل الاجتماعي وأبرزها “ميتا”؛ بهدف التحكم في السردية “المعادية” للسردية الإسرائيلية عبر حظر حسابات وحذف منشورات تكشف كذب سردية الاحتلال وزيفها.
فكيف كانت شركات منصات التواصل تعمل لصالح الاحتلال؟ وما المبادئ التي استندت إليها المقاومة في المواجهة؟
مسؤولو “ميتا”.. تحيز ورقابة ضد المحتوى الفلسطيني
تثير شركة “ميتا”، المالكة لمنصتي “فيسبوك” و”إنستغرام”، جدلاً واسعاً بتحيّزها ضد الفلسطينيين من خلال برمجياتها وخوارزمياتها، مع تفضيل السردية الإسرائيلية على حساب الأصوات الفلسطينية في المنصات.
موقع “إلكترونيك انتفاضة” حصل بموجب حرية المعلومات على محضر لقاء جمع رئيس الشؤون العالمية في ميتا “نيك كليغ” ومسؤولين في المفوضية الأوروبية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يؤكد فيه كليغ للأوروبيين أن الفلسطينيين يخضعون للرقابة، وأن لدى مسؤولي “ميتا” عملية قوية لإزالة المنشورات الفلسطينية، وليس لديهم أي مشكلة في ما يتعلق بتنفيذ قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن المحتوى “الإرهابي” والذي يعني به المحتوى الفلسطيني المؤيد للفلسطينيين والمرتبط بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
التعريف الرسمي لـ “نيك كليغ” على موقع “ميتا” هو رئيس الشؤون العالمية في الشركة التي انضم إليها في عام 2018. انتخب عضواً في البرلمان البريطاني عام 2005 وقد عمل في المفوضية الأوروبية لخمس سنوات كعضو في البرلمان الأوروبي. أصبح زعيماً للحزب الديمقراطي الليبرالي عام 2007 وشغل منصب نائب رئيس الوزراء في أول حكومة ائتلافية بين 2010 و2015.
كليغ الذي يلاحق المحتوى الفلسطيني، ويقوم بعملية قمع لصالح “إسرائيل” من خلال موقعه في شركة” ميتا”، هو نفسه كان قد أعطى بعض الأمل منذ ما يقارب 15 عاماً للناشطين المتضامنين مع فلسطين عندما دعا إلى فرض حظر على بيع الأسلحة البريطانية للحكومة الإسرائيلية آنداك.
بالإضافة إلى كليغ، فإن إيمي بالمور، أحد أعضاء وحدة الرقابة على منشورات “ميتا” شغلت سابقاً منصب وكيلة وزارة القضاء الإسرائيلية وكانت عضواً سابقاً في لجان وزارية كثيرة بينها لجنة المفاوضات لتنفيذ صفقة “شاليط”، اعترفت بأنها كانت وراء البند والتشريع القانوني اللذين يتيحان لحكومة الاحتلال إعادة اعتقال الأسرى المحررين بعد الصفقة، من دون حاجة إلى إجراءات قضائية.
خدمت بالمور في وحدة “السايبر” التابعة لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية 8200 التي استهدفت من خلالها عشرات آلاف المنشورات من المحتوى الفلسطيني، وشوّهتها وحرضت عليها ما أدى إلى إزالتها. تنشط إيمي بالمور حالياً في الحملات الإعلانية الإسرائيلية المرتبطة بمعركة “طوفان الأقصى”.
هؤلاء الأشخاص وأمثالهم هم الذين يفرضون آلية إدارة المحتوى والمعلومات المنتشرة في منصة “ميتا”، وبالتالي إجراءات إزالة “خطاب الكراهية”، والذي يعنى به الخطاب المتضامن والداعم للقضية الفلسطينية وفلسطين إنما في الواقع هو إزالة الخطابات التي تزعج “إسرائيل”.
ضغوط دولية على شركات منصات التواصل
بعد أسبوع من بداية الحرب، أصبحت شركات التكنولوجيا في مرمى الضغوط الأوروبية، إذ هدد الاتحاد الأوروبي بعقوبات قانونية إن لم تقم هذه الشركات بحذف المحتوى المؤيد لفلسطين من منصاتها. وقد طالب المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية شركة Alphabet، المالكة لــ “غوغل” و”يوتيوب”، بتوخي الحذر والامتثال لقوانين الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي.
شهدت منصة “أكس” إجراءات تصنيف وإزالة العديد من المنشورات بناءً على ضغوط من الاتحاد الأوروبي، إثر تغيّر موقف “إيلون ماسك” بعد ضغوط من لوبيات مساندة لـ “إسرائيل”.
شركة “ميتا”، المالكة لـ “فيسبوك” و “إنستغرام”، أعلنت انحيازها إلى الجانب الإسرائيلي واتخاذ خطوات لإزالة المحتوى الفلسطيني.
“تلغرام” انضمت أيضاً إلى قائمة الشركات التي اتخذت موقفاً إزاء المحتوى الداعم لفلسطين، حيث تعرضت قنوات تابعة لحماس وكتائب القسام وسرايا القدس للتضييق بسبب ضغوط من شركة “غوغل”.
كانت لدى منصة “تيك توك” استجابة مشابهة، إذ حذفت آلاف الفيديوهات المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على غزة.
الوحدة 8200 الإسرائيلية.. سعي للتضليل وبث الفتن
وحدة 8200 هي أكبر وحدات جمع المعلومات في الاستخبارات العسكرية، من ناحية العدد والإمكانيات والميزانية، وواحدة من أهم الوحدات في “الجيش” الإسرائيلي، قائدها ضابط كبير برتبة عميد وعادة ما تكون هويته سرية، وتكشف بعد انتهاء فترة قيادته وتعيين آخر مكانه، تتوزع على الكثير من قواعد “الجيش” في “إسرائيل”، لكن قيادتها المركزية في قاعدة “جليلوت” القريبة من مدينة “تل أبيب”، وتملك في النقب قاعدة عسكرية للتنصت والتسجيل، تعدّ من أكبر قواعد التنصت والتجسس في العالم.
للوحدة 8200 فروع كثيرة، أكبرها يختص بمتابعة التلفزيون والراديو والإنترنت بكل اللغات، والآلاف من المجندين وظيفتهم متابعة مواقع التواصل الاجتماعي بكل اللغات، مع التركيز على كل ما هو ناطق بالعربية. وقسم آخر يختص بترجمة كل ما تجمعه الوحدات والعملاء الميدانيين من كل لغات العالم إلى العبرية، ويركز معظم هؤلاء أيضاً على كل ما هو باللغة العربية.
تنشط هذه الوحدة الاستخبارية في حرب غزة، وتعمل على التضليل والتحريض وبث الفتن والشائعات عبر منصات التواصل الاجتماعي مستهدفة الشباب العربي، خصوصاً عبر التلاعب بالرأي العام من خلال حسابات وهمية.
تم استهداف مقار عدة لهذه الوحدة في معركة “طوفان الأقصى” آخرها في أربيل ليلة رأس السنة الميلادية بطائرة مسيرة.
إخفاق على المستوى الرقمي
عجزت “إسرائيل” على المستوى الرقمي في فرض سرديتها، رغم استخدامها أدوات وتقنيات متطورة، بالإضافة إلى تواطئها مع عمالقة شركات التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي التي تسمح لها في حالات استثنائية أيضاً وبطريقة مختلفة عن كل القواعد وكل المعاملات في التحكم بالمحتوى.
بعد هذا الإخفاق الإعلامي، اشترى الاحتلال منظومة للتأثير في منصات التواصل الاجتماعي محاولاً التعامل مع النتائج السلبية والسيئة التي تمت معاينتها. هدفه الأساسي من هذا التطبيق هو الرد التلقائي والانخراط في أي مواجهة موجودة على المنصات، أي البحث عن أي سردية محرجة لـ “إسرائيل”، وصناعة محتوى بديل لمواجهة هذه السردية، وتقديم ما يفيد “إسرائيل”.
تظهر المنظومة دعايات موجهة بصورة تلقائية لمحاربة السردية “المعادية” لـ “إسرائيل”، محاولةً إعادة تشكيل المشاعر العامة المحيطة بالصراع المستمر بين “إسرائيل” وحماس عبر بث المزيد من التضليل والأكاذيب
تظهر هذه المنظومة هشاشة السردية الإسرائيلية إذ اضطر الاحتلال إلى شراء تطبيق وبث دعايات لمواجهة أي سردية، فقط لإثبات سرديته ولدحض السردية الفلسطينية، وهذا يدل على افتقاده للرواية المدعومة بشواهد عكس السردية الفلسطينية التي أصبحت أكثر نضجاً وأكثر إقداماً حتى على المنصات، لذلك فإن الدعايات لن تجدي نفعاً فالجيل الجديد المنخرط في هذه المعركة، والذي يلعب دوراً كبيراً في دعم السردية الفلسطينية مقابل السردية الإسرائيلية يعرف ماذا ينشر ويعرف كيف يواجه.
مواجهة السردية الإسرائيلية بالتوثيق
نقطة قوة المقاومة في هذا الإطار تكمن في المواكبة والتوثيق وإمكانية تصدير المحتوى على وجه السرعة بالاستفادة من مختلف المنصات مثل منصتي “تلغرام” و “إكس”.
تمتلك المقاومة في مختلف بلدان المحور (فلسطين، لبنان، العراق، اليمن) حسابات رسمية ناطقة باسمها تتمكن من خلالها من مخاطبة الجمهور بصورة تلقائية وسريعة، وكان اختيار تلغرام كمنصة بديلة بسبب التضييق الحاصل على باقي المنصات، على الرغم من تعرض بعض هذه الحسابات للتضييق على هذه المنصة بعد ضغوط كبيرة، ومنها حساب كتائب الشهيد عز الدين القسام.
أصبحت المادة التي تنشرها المقاومة هي التي ينتظرها الناشط ويتابعها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي لتتخطى المشاهدات والتفاعلات مئات الملايين حتى على منصة “تيك توك”.
على مستوى الإعلام الغربي، يتم تأطير هذه الفيديوهات وبثها ضمن السياسات التحريرية التابعة لهذه القنوات المختلفة، بما لا يؤذي الجانب الإسرائيلي أو يجرمه بالأفعال.
وفرضت هذه المادة نفسها في ظل غياب المراسلين، بسبب صعوبة دخول أو استحالة دخول أي مراسل إلا برفقة “الجيش” الإسرائيلي، حيث تخضع المواد التي يلتقطها للرقابة من “الجيش” خوفاً من قلب الدفة الإعلامية للفيديوهات المضللة التي كانت تنشرها آلة الدعاية الإسرائيلية.
لكن، على الرغم من ذلك، كانت كاميرا المقاومة الفلسطينية بالمرصاد، إذ عملت منذ اليوم الأول للمعركة على توثيق وبث عملياتها عبر حساباتها، مضيفةً هزيمة جديدة إلى سجل هزائم الاحتلال. وبينما كان الاحتلال يبحث عن “صورة نصر” من خلال تشويه السردية الفلسطينية كانت المقاومة وشعبها، يفرضون سرديتهم مستندين بالدرجة إلى واقعية الحدث، وصدق الصورة.
التعليقات مغلقة.