مَن لدواعش الداخل؟ / أ . د أمل نصير
أ.د أمل نصير ( الأردن ) الثلاثاء 15/11/2016 م …
منذ سنوات قليلة خلت، ومنذ الثورات العربية تحديدا ازداد العنف في الأردن بصورة ملحوظة، وتحت ذريعة مرور الحراك الأردني دون صدام مع الأمن، انتهجت وسيلة الأمن الناعم الذي كان له إيجابياته في ذلك الوقت، ولكن رغم اختلاف آليات التعامل بعد ذلك، وتوقف الحراك نسبيا، ما زال العنف يضرب يوما بعد يوم، بل بات يأخذ أشكالا متنوعة يشير بعضها إلى الخروج عن السيطرة.
كثرة الجرائم ومنها جريمة طبربور وغيرها التي يتوقع أن يكون تعاطي المخدرات أحد أسبابها أصبحت تقض مضاجع الأردنيين، فالذين يروجون للمخدرات ويتاجرون بها ليسوا بأقل من داعش في إلحاق الأذى بالناس، وجعلهم مشاريع قتلة في بعض الأحيان لا سيما فئة الشباب.
وفي مقارنة بين عامي 2013 و2014 -مثلا- تشير الأرقام الصادرة عن إدارة المعلومات الجنائية التابعة لمديرية الأمن العام أن عدد جرائم المخدرات وصل 2014 إلى (10592)، منها (787) قضية إتجار، و(700) قضية تعاطي للمواد المخدرة، و(9105) قضية حيازة للمواد المخدرةـ، وارتفعت تلك الجرائم ارتفاعاً ملحوظاً عن عام 2013 وبنسبة بلغت 73.2% حيث كان عدد الجرائم خلال عام 2013 بحدود 6113 جريمة.
ولنعد إلى دواعش الداخل: فإذا كانت صفة القتل البشع، والتمثيل بجثث القتلى هي الصفة التي غلبت على الدواعش، فإن كل من ينتهج سلوكا مماثلا هو جدير بهذا الاسم أيضا…
أليس المسبب في انحراف الشباب ودفعهم إلى ارتكاب الجرائم المروعة من قطع الرؤوس وسمل العيون يمارس صورة من صور داعش، ومن يحرق الناس أحياء في مكاتبهم، ويدهس الناس بالجملة، ومن يشارك ويقتل في مشاجرات مسلحة، ومن يقتل لغرض السرقة أو الانتقام أو الغضب…الخ هو قاتل مثله مثل أي قاتل آخر بغض النظر عن الأسباب أو طريقة القتل.
وبيع اللحوم المريضة والأسماك الفاسدة، والمواد المنتهية صلاحيتها كلها يمكن أن تكون سببا لمرض أعداد من الناس، ومعاناتهم، ومن ثم موتهم، وإذا كان الداعشي يقتل فردا أو أفرادا، نتيجة لفكر منحرف، فإن المتسبب بمرض الناس، ومن ثم موتهم لقاء كسب مالي هو أيضا صاحب فكر اقتصادي منحرف لا يقل خطورة عن الأول.
إزهاق أرواح الناس نتيجته واحدة من يتم الأطفال، وثكل الأمهات، وخسارة الإنسان، ولا شيء يبيحه ولا مبرر له حتى القتل في حوادث السير التي يمكن للإنسان تفاديها بتخفيف السرعة، وعدم استخدام الخلوي…
أشار التقرير الإحصائي الجنائي الذي أصدرته إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام إلى وقوع جريمة في الأردن كل 21 دقيقة و41 ثانية بمختلف أنواعها، واوضح التقرير أنه كل ساعة و8 دقائق و47 ثانية تقع جريمة جنائية في المملكة، في حين تقع كل 31 دقيقة و 40 ثانية جريمة جنحوية، واظهر التقرير ايضا ان الجرائم التي تقع على الاموال تحدث كل 21 دقيقة و59 ثانية!
من حق المواطن الذي يحلم بعودة الهيبة للوطن والدولة أن يتساءل عن سبب غياب الدولة عن وضع حلول أكثر جرأة تخفف من حدة العنف والجريمة؟ إن هيبة الدولة لا تعود إلى بإعادة هيبة الوطن والمواطن على السواء، فالهيبة لا يمكن تجزئتها مثلها مثل الأمن.
فالشباب العاطل عن العمل واليائس من إيجاده قد يُغرر به عاجلا أم آجلا، وقد تأخذه المخدرات والعوز اتجاه بؤر الجريمة في المستقبل، والوطن بحاجة إلى مزيد من رجال أمن ودوريات لمعالجة كثير من البؤر المشبوهة لتفريق من بها قبل تفاقم الأمر وخروجه عن السيطرة، وفي هذا منافع كثيرة منها فتح باب التجنيد للعاطلين عن العمل ليصبحوا أداة نافعة بدلا من كونهم قنابل موقوتة،
أليس واجب الحكومة أن تغلظ عقوبة المتاجرة في المخدرات إذ نسمع أسبوعيا عن القبض على مهربات، لكن قلما نسمع عن عقوبات غليظة لحقت أشخاصا لتكون وسيلة ردع للآخرين.
انشغال الدولة بداعش في سوريا والعراق لا يجوز أن يشغلها عن كثير من مشاكلنا الداخلية لا سيما أن هذه الحرب ستطول، والانشغال غن مشاكل الداخل لسنوات قد يجعلها عصية على الحل.
التعليقات مغلقة.