الحمار والفيل … وجهان لفصيلة واحدة / د. يحيى محمد ركاج

 

د. يحيى محمد ركاج * ( سورية ) الأربعاء 16/11/2016 م …

* باحث في السياسة والاقتصاد …

ترقب العالم خلال الأيام الماضية الآلة الإعلامية الأمريكية التي كانت تُسوِّق للمباراة الرئاسية بين مرشحي الرئاسة الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري، على أنها عرس ديمقراطي عالمي وعلى كافة المتابعين والمهتمين الاقتداء به وتقليده ما أمكن، متناسين شلالات الدم التي صنعها تاريخ هؤلاء الرؤساء في العالم.

ولعل الحدث الأبرز في هذه الانتخابات يرتبط بفرعون هذا الزمان (الإعلام الأمريكي) وقدرته في التأثير بالرأي العام الأمريكي والعالمي، وما تم التسويق له من فشل الآلة الأمريكية في الترويج لمرشح الحمار الديمقراطي باعتباره خروجاً عن سيطرة القدرة الإعلامية أو افتضاحا لدورها المزعوم في تكوين رأي عام وهمي ينقاد له العامة فيتحول إلى حدث بارز كما في احداث ربيع الدجل المزعوم (الربيع العربي).

إن المتابع لاستراتيجيات أمريكا المتنوعة في السيطرة على العالم والتحكم بمكامن الثروات فيه يدرك جيداً أن جل الاستراتيجيات الأمريكية والإجراءات والقرارات السياسية التي تبناها مدراء البيت الأبيض ممن سبق دونالد ترامب لم تخرج في مضامينها وأهدافها عن التكامل التنافسي بين قطبي السياسة الأمريكية -الحزب الواحد- بوجهين مختلفين (الحمار بما يمثله من شعار للحزب الديمقراطي، والفيل بما يمثله من شعار للحزب الجمهوري)، فالحمار يقوم بالتحضير للحرب وينهي حفر المطبات الدولية وزرع الألغام في منطقة ما، ليأتي بعدها الفيل الجمهوري بهالته الضخمة ليتوج هذه التحضيرات وفق ضرورة حماية الأمن القومي الأمريكي بحرب قد تم الإعداد لها قبل سنوات تصل في بعض الأحيان لدورتين رئاسيتين، فتكتمل بذلك حلقة ديمقراطية الدم الأمريكية المغلقة: (حمار – فيل) أو (ديقراطي – جمهوري) أو (التحضير للحرب – خوض الحرب).

وأياً كانت تناقضات حقبة حكم الديمقراطيين أو الجمهوريين، فإنها لا تخرج عن هذه المعادلة إلا بتغيير أدوات التنفيذ ومكانه وآلياته، ولا يعتبر وصول الفيل (البيضة الذهبية: ترامب) إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الفترة خروجاً أيضاً عن المعادلة السابقة وإن بدت الصورة على غير ذلك. لمجموعة من الأسباب أبرزها:

–         أن من يتخذ القرار ومن يهيئ له ومن يضع كافة خطوات تنفيذه هي جماعات الضغط واللوبيات الصهيونية التي تسيطر على كافة المفاصل الإستراتيجية في الحكم بالولايات المتحدة الأمريكية.

–         إن تطورات الأحداث التي يشهدها العالم عموماً، ومنطقة شرق المتوسط على وجه الخصوص، والانغماس الأمريكي في مستنقعاتها، تفرض أسساً ومحددات جديدة للتعامل معها، وتتطلب عقلية ابتكاريه غير مألوفة لحسم هذه الملفات أو تقليل الخسائر المتوقعة منها.

–         إن تبدل الإستراتيجية الأمريكية من الاحتواء إلى الانخراط لا تعني انخراط الولايات المتحدة بتفاصيل الشيطان في الملفات التي ترعاها أو توجهها، إنما في الانخراط مع أقطاب المواجهة في التحكم بهذه الملفات.

–         إن مراحل التحول التي تشهدها الولايات المتحدة أثناء تغيير إستراتيجيتها تعتبر مؤلمة جداً على الشعب الأمريكي الذي أرهقته الأزمات المالية والاقتصادية وتحكم الآلة الإعلامية به، الأمر الذي يستدعي تعبئة جدية للشارع الأمريكي بفكر غير تقليدي.

وعليه فإننا ندرك أن الفيل والحمار هما وجهان لفصيل واحد، هو مصلحة جماعات الضغط الصهيونية وأحلافها، ومن ثم التآمر على أصحاب الكرامة والسيادة من الشعوب العربية، وسطوع شمس أي منهما يعني أن هدفاً استراتيجياً محدداً تسعى جماعات الضغط الصهيونية لتحقيقه في العالم على وجه العموم، وفي وطنا الحبيب، ثم في أرض الصراع العالمي سورية على وجه الخصوص. فتنافس الشمطاء كلينتون والماكر أوباما في الانتخابات الماضية كان يشير إلى تحريك ملفات تمكين المرأة أو الأقليات لتكون المبرر التنموي لتدخل الولايات المتحدة في الدول ومن ثم لسيطرة على العالم، فأثمرت تدمير عدد من الدول تحت مسمى ربيع الدجال(الربيع العربي)، والآن بما أن ملفات تمكين المرأة لم تصبح جاهزة بعد، فإن تحقيق التنمية الشاملة والمتكاملة من الوجهة الأمريكية، والمبنية على الاستثمار المادي للكرامة والشرف والدماء في مراحل إعادة إعمار الدول التي دمرتها الحروب ستكون هي الذريعة الجديدة للتدخل.

عشتم وعاشت بلد الصمود الجمهورية العربية السورية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.