في جبهة الأعداء … كيف يتمكّن الإقتصاد الصّهيوني من الصّمود؟ / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 15/2/2024 م …

دعم أمريكي غير محدود




اعتادت الإمبريالية (بزعامة الولايات المتحدة) على دعم الكيان الصهيوني علنًا، سواء خلال حرب 1973، حيث وفّرت الولايات المتحدة جِسْرًا جَوِّيًّا لإعادة إمداد الجيش الصهيوني، فضلا عن الدّعم السياسي والإعلامي والدّبلوماسي، واستمر الدّعم، بل تَعَزّزت مكانة الكيان الصهيوني كقاعدة عسكرية وكَمَحْمِيّة أمريكية – أوروبية، في ظل العدوان على فلسْطِينِيِّي الإحتلال الثاني، حيث أرسلت وزارة الحرب الأمريكية منذ 13 تشرين الأول/اكتوبر 2023، حاملَتَيْ طائرات ترافقها عشر سفن حربية وعلى متنها 16 ألف جندي وضابط بحرية و300 طائرة، وكل ذلك لردع ثلاثة آلاف فدائي، وسدّدت ألمانيا حوالي مليار دولارا إضافيا بعنوان “دعم  المجهود الحربي الإسرائيلي”.

في الجانب العربي، لم يتضامن (عَمَلِيًّا) أي نظام عربي مع المُقاومة الفلسطينية ومع الشعب الفلسطيني في غزة وثُلُثاه من اللاجئين، وفي المقابل ساهمت المقاومة في لبنان وفي اليمن في مشاغبة العدو عبر مناوشات تجبره على تشتيت قواته وتخصيص جزء منها إلى جبهة جنوب لبنان وميناء أم الرشراش.

يدّعي الكيان الصهيوني إن فلسطين المحتلة مكان آمن للإستثمار، غير إن وكالة “موديز” المالية العالمية (أمريكية المنشأ) خفضت تصنيف دولة الاحتلال من A1 إلى A2، بسبب “عدم الثقة بقدرة الحكومة الإسرائيلية على إدارة الاقتصاد خلال الحرب” والواقع إن الإمبريالية الأمريكية والأوروبية (ألمانيا وفرنسا وهولندا خصوصًا) تحرم شعوبها من المال العام لتضخه في فلسطين المحتلة، وفي أوكرانيا، وتشير التقديرات أن المُساعدات الخارجية تُمثل 35% من الناتج المحلي الإجمالي للكيان الصهيوني، أي إن الكيان الصهيوني يستفيد من جُزْءٍ من فائض القيمة الذي تسرقه الرأسمالية من عرق العُمّال في أمريكا الشمالية وأوروبا ( سواء كانوا عُمّالا محليين أو مهاجرين أجانب) ثم تُحوله إلى فلسطين المحتلة كاستثمار إيديولوجي واقتصادي، للسيطرة على منابع المحروقات والممرات المائية والمواقع الإستراتيجية، ومن واجبنا كتقدّميين عرب توضيح هذه المسألة لأصدقائنا ورفاقنا في الدّول الإمبريالية التي ترسل مساعدات مالية وعسكرية سنوية تُمثل 35% من حجم الإقتصاد الصهيوني البالغ أكثر من خمسمائة مليار دولارا، وقُدِّرت قيمة التحويلات المالية والهِبات والتعويضات التي قَدّمتها الولايات المتحدة وألمانيا إلى الكيان الصهيوني بين سنتَيْ 1948 و 2010 بنحو 200 مليار دولار. أما اتفاقيات “السلام” الزائف فلا يستفيد منها سوى الكيان الصهيوني بشكل حصري، لأن الأرض لنا ولا يمكن تقاسمها أو التفريط بها، وفي المجال الإقتصادي والمالي، استفاد الكيان الصهيوني من اتفاقيات أوسلو، حيث تمكّن من اجتذاب 104 مليارات دولارا من الإستثمارات الأجنبية مباشرة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو سنة 1993، لأن المستثمرين اعتبروا إن الإستثمارات أصبحت آمنة، ولن تزعجها المُقاومة المُسلّحة بعد موافقة قيادات منظمة التحرير الفلسطينية على وقف العمليات الفدائية، ولذلك ندّدت فيالق العُملاء الفلسطينيين والعرب ب”عَسْكَرَة الإنتفاضة” الثانية ( 2000 – 2002) لأن الإيديولوجية السائدة تُروّج للعمل السّلمي وللتّآخي مع الإحتلال، وكأن الإحتلال الإستيطاني احتل فلسطين وطرد شعبها ويتعامل مع من بَقِيَ في وطنه بشكل “حضاري” أو “مُسالم” !!!

تشير التقارير إلى وصول حجم التبرعات الأمريكية إلى 14 مليار دولار، خلال الشهر الأول للعدوان (حتى الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2023) وضمنت مؤسسات الإمبريالية الأمريكية التعويضات عن الخسائر الناجمة عن الحرب، فضلا عن الدّعم العسكري في شكل صواريخ وأسلحة وذخائر بنحو 3,5 مليار دولارا، وضمنت الخزانة الأمريكية سندات الكيان الصهيوني لتشجيع المُستثمرين على شرائها، لأن الكيان الصهيوني استثمار استراتيجي مُرْبِح للإمبريالية في الوطن العربي، أي إن الرّبح يفوق الخسارة.

قال روبرت إف كينيدي جونيور في تغريدة له بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 “إسرائيل هي معقلنا وأقدم حليف لنا، وإذا اختفت إسرائيل، فإن روسيا والصين ودول البريكس+ ستسيطر على 90% من نفط العالم، وستكون هذه كارثة على الأمن القومي الأمريكي”، ويعني هذا التّصريح  أن الوطن العربي مستعمرة، وهو جزء من أمريكا، وثروته جزء من الأمن القومي الأمريكي!

الجيش الصّهيوني جزء من آلة الحرب الأمريكية والإمبريالية

تُقدّم الإمبريالية الأمريكية رسميا 3,8 مليارات دولارا سنويا للكيان الصهيوني في شكل مساعدات عسكرية، حتى سنة 2028، وتَجْمَعُ المنظمات الصهيونية الأمريكية تبرعات سنوية بقيمة حوالي أربعة مليارات دولارا لدعم الكيان الصهيوني. أما خلال فترات الحرب العدوانية فإن هذا المبلغ يتضاعف مرّتَيْن أو ثلاثة، وتُجْمَع التّبرعات بشكل علني “من أجل رفاهة الجنود” الصهاينة، بينما تمنع حكومات كافة الدول الإمبريالية أي شكل من التّعبير عن التّضامن مع الشعب الفلسطيني، أو التنديد بالمجازر وعمليات الإبادة، وكما خلال حرب 1973 أو خلال العدوان على لبنان سنة 2006 أو على غزة سنة 2008 أو 2014، تُقدّم الولايات المتحدة دَعْمًا ماليا وعسكريا ودبلوماسيا استثنائيًّا للعدو الصهيوني، وعلى سبيل المثال فقد طلب الرئيس الأمريكي من الكونغرس الموافقة على مُساعدة مجانية للكيان الصهيوني بأربعة عشر مليار دولارا، بعد السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وأرسلت الولايات المتحدة إلى الجيش الصهيوني اليورانيوم المُنَضّب والفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية، دعما للعدوان على فلسطينِيِّي غزة والضّفّة الغربية، وجميعها أسلحة مُحَرَّمَة، وموّلت الولايات المتحدة عمليات الإستيطان، وعلى سبيل المثال، عندما انهار الإتحاد السوفييتي وساءت حال المواطنين السوفييت ساعدت المنظمات الصهيونية حوالي مليون سوفييتي (معظمهم من أصحاب الكفاءات والفَنِّيِّين والعُلماء )على الإستيطان في فلسطين، في أراضي الشعب الفلسطيني، وسدّدت الولايات المتحدة، خلال رئاسة “بيل كلينتون” عشر مليارات دولار كضمانات قرض لتوطينهم، وخلال عدوان تشرين 2023 حضر الرئيس الأمريكي ووزراؤه والرئيس الفرنسي والعديد من المسؤولين الحكوميين الألمان، كما حَضَرت رئيسة المفوضية الأوروبية فاندرلاين وعدد من المُفَوِّضِين لإعلان دعمهم عمليات المجازر والإبادة ضد الشعب الفلسطيني المُحاصَر لأن الكيان الصهيوني يحقق المصالح الإستعمارية في الوطن العربي، وأرسلت الولايات المتحدة كميات ضخمة من الأسلحة دعمًا للجيش الصهيوني خلال عُدوان تشرين 2023، ونشرت بعض وسائل الإعلام صُورًا ( يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ) لشحنات عسكرية أمريكية عديدة انطلقت من قواعد الجيش الأمريكي بالولايات المتحدة وألمانيا والأردن باتجاه فلسطين المحتلة…

في ذروة العدوان على الفلسطينِيِّين في غزة والضّفّة الغربية، زاد الكيان الصهيوني من حدّة القمع المُسلّط على فلسطينيي الإحتلال الأول (1948) بالتوازي مع تشريد أكثر من مليونَيْ فلسطيني وقتل وإصابة عشرات الآلاف وهدم المباني والبُنْيَة التّحتية، واغتيال كل ما يَمُتُّ بصِلَة إلى الحياة، وفي ذروة العدوان نشرت الصحيفة الصهيونية “هآرتس” يوم 25 كانون الثاني/يناير 2024، خبر المفاوضات بشأن ثلاث صفقات تتضمن بيع الولايات المتحدة أسلحة وطائرات عسكرية إلى الكيان الصهيوني، من بينها 25 طائرة مقاتلة من طراز F-35 من صنع شركة لوكهيد مارتن و25 طائرة مقاتلة من طراز F-15 وسرب طائرات مروحية هجومية من طراز أباتشي من صنع شركة بوينغ، وأسلحة ثقيلة أخرى، ولن يُسدّد الكيان الصهيوني فِلْسًا واحدًا، حيث سوف يتم التسديد بفضل المساعدات الأميركية، وكانت الولايات المتحدة قد سلمت طائرات  إف 35 إلى الجيش الصهيوني قبل تسليمها لجيوش الدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي مَوّلت تصنيع هذه الطائرة، وتتضمن الصفقة (إضافة إلى الطائرات والمروحيات)، ذخائر الطيران (صواريخ وقذائف ) سوف يتم تسليمها قريبًا، في إطار تجديد مخزونات جيش العدو التي تستنزف بسرعة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة (سوريا ولبنان)، ما جعل حكومة العدو تُقِر ميزانية حربية إضافية بقيمة 8,3 مليار دولار، لتبلغ الميزانية الحربية مستوى تاريخيًّا بحوالي 37 مليار دولار.

شجّعت السلطات الأمريكية شراء السندات التي يعرضها الكيان الصهيوني، وتُمَثِّل السندات شكلاً من تقديم القُرُوض لدولة الإحتلال، وشجّعت الحكومة والخزانة الأمريكية – من خلال تقديم الضمانات – المؤسسات الرسمية والولايات والبلديات وصناديق التقاعد على الإستثمار في السندات الصهيونية، و يعد إصدار السندات طريقة شائعة تجمع بها البلدان والمصارف والشركات الأموال التي تحتاجها، والسندات هي نوع من القروض، وعندما يشتري المستثمر سندًا، فإنه يقرض مالا يتم سداده بالكامل في نهاية الأجل المُحدذد، أي عندما يصل السند إلى “استحقاقه”، ويحصل حاملو السندات على مدفوعات الفائدة على مدار عُمر السند، وبلغت الإستثمارات الأمريكية خلال الأسبوع الأول من شهر شباط/فبراير 2024، في السندات الصهيونية، ما لا يقل عن 1,6 مليار دولار، وتُبَرِّرُ وسائل الإعلام الأمريكية الدّعم المالي الأمريكي ب”شعبية” الجيش لدى الرأي العام الصهيوني (أي مجتمع المُستعمِرِين المُسْتَوطنين) الذي يدعم بنسبة 84% تكثيف عمليات القصف في غزة وتكثيف حركة الإستيطان والإغتيالات في الضفة الغربية، و”عدم الإكتراث بقتل الأطفال والنساء”، فيما يُؤمن 93% منهم “إن كل الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن” ملك لهم وفق استطلاع أجرته مؤسسة ( pcpsr ) خلال شهر كانون الثاني/يناير 2023، (أي قبل تسعة أشهر من بداية العدوان الحالي) ، واعتمدت الحكومة الأمريكية – في دعايتها – على هذا الدّعم من قِبَل المُستوطنين لتشجيع الإستثمار من خلال شراء السندات التي تُرَوِّجُها ” مؤسسة التنمية الإسرائيلية” وبفضل هذا الإشهار جمعت هذه السندات الإسرائيلية مِلْيارَيْ دولارا، سنة 2023، تشجيعًا للأعمال الإجرامية الصهيونية، ومن بينها قصف المستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس والمباني وتدمير البنية التحتية وحرمان 2,3 مليون فلسطيني من الكهرباء والماء والغذاء والأدوية وتجويع الفلسطينيين كجزء من الحرب التي تدعمها أمريكا الشمالية وأوروبا وحلف شمال الأطلسي وأنظمة عرب أمريكا، وكان وزير الحرب الصهيوني قد صرّح يوم التاسع من تشرين الأول/اكتوبر 2023: “إننا نفرض حصاراً كاملاً على غزة. لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود،  فنحن نقاتل حيوانات بشرية، وسنتصرف وفقًا لذلك”، فيما دعا نائب رئيس بلدية القدس، إلى دفن المدنيين الفلسطينيين ( وهل يوجد عسكريون فلسطينيون؟) أحياء، ولم تختلف تصريحات نواب البرلمان وكتابات وتعليقات الصحافيين الصهاينة فقد صرح أحد معلقي قناة 13 التلفزيونية: “ في رأيي، كان ينبغي للجيش الإسرائيلي أن يشن هجومًا أكثر فتكا، مع مقتل 100 ألف في البداية” .

تُمثّل “سندات إسرائيل” وسيلة لتنويع الاستثمار،  ولكنها تمثل بالخصوص التزاما سياسيا وعقائديا وماليا تجاه الحركة الصهيونية والدّولة التي أنْشَأتْها على وطن الشعب الفلسطيني…

السندات الصهيونية هي كيان مُسجّل قانونيا في الولايات المتحدة منذ سنة 1951، وهي عبارة عن شركة وساطة مرتبطة بوزارة المالية الصهيونية، تعمل بمثابة الضامن الأمريكي للديون الصادرة عن دولة الإحتلال، وجمعت حتى منتصف سنة 2023 حوالي خمسين مليار دولارا من إجمالي بيع هذه السندات، وتضم قائمة المستثمرين الأمريكيين في السندات الصهيونية صناديق التقاعد الحكومية والبلدية وصناديق الخزانة والشركات، والمؤسسات المالية والمصارف وشركات التأمين والنقابات والجمعيات والجامعات، والمؤسسات والأفراد والمعابد اليهودية، وتمثل نحو 5,4% من الدّيون الخارجية للكيان الصهيوني قبل العدوان الأخير، ومنذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، استثمرت 14 ولاية ( وفي مقدمتها ولاية فلوريدا) وأربع بلديات وصندوق تقاعد عام واحد في السندات الصهيونية بقيمة 1,6 مليار دولار، بالإضافة إلى خزائن الدولة الإتحادية، وأعلن موقع “الديمقراطية الآن” ( Democraty Now )  ” يعتبر المستثمرون أن استثماراتهم في السندات الإسرائيلية ليست مجرد قرار مالي، بل هي أيضا رمز لالتزامات دولتهم بالوقوف إلى جانب إسرائيل واقتصادها… إنه قرار مالي ودَعْمٌ سياسي لأقوى حليف لنا”، ونشرت صحيفة “غارديان” يوم الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تصريحات مماثلة…

انتبهت أقلية من أعضاء حركة المُقاطعة ( بي دي إس  ) إلى دور الإستثمار في السّندات لتمويل العُدوان المستمر والإستيطان، ودعت بعض المجموعات الطلابية وبعض المسؤولين المنتخبين في هيئات محلية وقِلّة من منظمات حقوق الإنسان إلى وضع حد لتواطؤ الولايات المتحدة مع نظام الإحتلال الصهيوني وإلى وقف تمويل جيش الإحتلال وسحب الاستثمارات من منتجي الأسلحة الكبار والشركات الأخرى التي تساعد العدوان المستمر وتستفيد منه، وكذلك “الإمتناع عن الدعاية للإستثمار في السندات التي تمثل وسيلة مهمة لتمويل العدوان… “

إن الدّول الإمبريالية تجني أرباحًا تفوق ما تنفقه لدعم الكيان الصهيوني الذي يُمثّل استثمارًا استراتيجيًّا للإمبريالية، وقاعدة مسلحة تحرس مصالحه في المشرق العربي، ولذلك فإن حماية الكيان الصهيوني هي حماية لمصالح الإمبريالية، ويُشكّل تطبيع العلاقات بين الأنظمة العربية ودولة الإحتلال انتصارًا يفوق أي انتصار عسكري، كما يُشكل استغلال المحروقات المَسْرُوقة من سواحل فلسطين خطوة هامة نحو استقلال الكيان الصهيوني عن الإمبريالية، لكن الشعوب العربية، وفي مقدّمتها شعوب مصر والأردن والمغرب ترفُضُ التّطبيع وترفض الكيان برُمّته وتُمارس المقاطعة رغم الدّعاية الإعلامية والسياسية ورغم القَمْع.  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.