صورة البطل في قصص أطفال فلسطين / نوارة نور

نوارة نور ( فلسطين ) –  الخميس 15/2/2024 م …




«الأطفال المعجزة» أبطال قبل أوانهم…. أطفال الأمس هم أبطال اليوم المقاومين والمدافعين عن أرضهم وحقوقهم ومستقبلهم. صورة عكستها دراسة الباحثة وفاء داري في كتابها «صورة البطل في قصص أبطال فلسطين» التي أثبتت مصداقيتها في الآونة الأخيرة. هي تلك الصورة التي تتكرر بكل تفاصيلها ويكون شاهدها وصانعها الطفل الفلسطيني ما قبل النكبة وما بعدها، ما قبل الانتفاضة وخلالها وما بعدها حتى يومنا هذا، تتكرر بكل زهوها وخيلائها وسموها، رغم ألمها ومعاناتها، لتسطر تاريخا مضيئاً يكون هدياً لأجيال وراء أجيال.
دراسة حديثة صدرت عن دار شمس في القاهرة عام 2023، الذي شارك في عدة معارض دولية للكتاب 2023 -2024 منها فلسطين والشارقة والقاهرة والذي سيشارك في العراق قريباً، وكانت صاحبة الفضل في هذه الدراسة الباحثة الفلسطينية وفاء شاهر داري ابنة القدس، إنها دراسة متفردة في خصوصيتها تصدرها الباحثة بمقدمة عن الاهتمام العالمي بهواجس الطفل، في كل مكوناته النفسية والاجتماعية والسياسية، في حاضره ومستقبله، فهي ترى أن الطفل هو نواة المستقبل ، وعلى الرغم من أهمية الأدب الموجّه إلى الأطفال في عالمنا العربي عامة، والفلسطيني خاصّة، يبقى الأهم من ذلك، الأدب الذي كتبه الطفل بنفسه، فقد كتب عن تجربته الشخصية التي عاشها وعاناها خلال مسيرة حياته، والمؤثرات والعوامل التي أثرت في بناء شخصيته ورؤيته للأمور من حوله، اجتماعية كانت، أم سياسية أم ثقافية..

وتوجه الباحثة نقدها إلى بعض ما ينشر من أدب الأطفال، لأنه كما يحدث في كثير من الأحيان نتيجة الإقبال الشديد على كتب الأطفال من قبل دور النشر، أدى هذا بكثير من المؤلفين إلى التوجه لكتابة القصة دون التسلح بآليات لغوية ونفسية لمعالجة المواضيع الخاصة بالطفل، ومن المنطلق التجاري لمفهوم الربح والخسارة، أصبح كلُ من أراد انتشار أدبه يكتب للطفل، لما وجده من دعم من قبل دور النشر المختلفة، ونسوا أو تناسوا أن الكتابة للطفل مسؤولية كبيرة، لكن الباحثة لا تعمم، فهي ترى أن هناك فئات حرصت على الطفل واتبعت آليات مدروسة في كيفية التعامل معه. وتبرز الباحثة كيف تطرق العديد من الأدباء في قصص الأطفال المصورة إلى البطل المنشود، فمنهم من صوره البطل المنتصر على المحتلّ، ومنهم من صوره البطل المقاتل الذي يسقط شهيدا، ومنهم من يسقط ظلما وعدوانا نتيجة لرصاصات الغدر، فيكون في نظر الكثيرين أيضا بطلا شهيدا، فكل تلك النهايات تكون سعيدة وإن خالطها الحزن، فالشهيد بطل، والمقاوم بطل، ومن سقط غدرا هو بطل، والأسير بطل.
إنّ الواقع اليومي الذي يعيشه الطفل الفلسطيني، وهم الفئة الأكثر إحساساً في هذا الواقع المرير الذي يؤثر على نفسياتهم، وأحلامهم، ومن ثم صقل شخصياتهم فتعزز الثقة في قلوبهم والشجاعة والتحدّي، إنّه واقع يواجهون فيه القمع اليومي، ويشهدون الحروب والقتل والدماء التي تسيل، والاعتقالات، وهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها الأبرياء، فيرون استشهاد زميلهم على مقاعد الدراسة، أو استشهاد الأب أو الأخ أو الأمّ بأمّ أعينهم، فيزداد الحزن حزنا، ويزداد القهر قهرا، لكن من الألم يصدر الأمل، يتراءى الحلم في مقاومتهم من أجل الحرية والحياة. فتصبح شهادة أحدهم أمرا مسلّما به وفيه (رمزية) من الفخر والكبرياء والعزّة والكرامة، «حتّى وصل الأمر حدّ تمني الأطفال الشهادة». فهذا التحدي بجرأة وشجاعة تجعل شخصية الطفل، تتسم بالجسارة والشجاعة، ذلك أن الضغط الاجتماعيّ المرتبط بمفهوم الشهادة، يحرر الطفل من الشعور القويّ بالخوف.
وتبقى القصة الإبداع الأكثر تأثيرا على الأطفال لأنّه كثيرا ما يرتبط بواقعهم، وكذلك شخصية البطل الذي يظل محور اهتماماتهم، لأنها الشخصية الأقرب إلى إدراكهم الحسّي، وكذلك القيم التي يتوخى الكاتب تذويتها في مفاهيم الطفل، ولذلك حرص كثير من الكتاب على «بذل الجهد المبدع لرسم شخصيات القصّة بعناية، بحيث تحقق أهداف القصّة، وتتناسب مع الأحداث، وتتصرف وتتحرك وفق ما تقتضيه طبيعة الحياة الواقعية».
وأخيراً:
تظهر الباحثة في نهاية دراستها كيف أنّ لقصة الأطفال دورا مهما في تنمية وتثبيت الانتماء الوطني، وتعميق الهوية السياسية لدى الطفل، وقد عبرت بعض القصص عن تأثير شخصية البطل في كل مكوناته، سواء مقاوما أو شهيدا، أو سجينا، أو ما له في نفسية الطفل وجعله نموذجا يُحتذى به. وكذلك عبرت بعض القصص عن غايتها في تعميق الانتماء للأرض والتمسك بها والتضحية من أجلها، وقد جاءت بعض القصص لتؤكد فشل مقولة المحتلّ «سيموت الكبار وينسى الصغار، وتصبح الأرض ملكا لنا» فزاد الانتماء للأرض وعشقها والتضحية فداء لها. ولربما ما يحدث في الآوانة الأخيرة من حرب وجرائم ترتكب بحق الأطفال والاعتقالات، يمثل تأثير صورة البطل على جيل مقاوم وثابت ومدافع باستماته عن أرضه وحقوقه. وقد أوضحت الباحثة من خلال دراستها أن قصص الأطفال اتسمت بالواقعية، مع خلق خيال في عقلية الطفل لمستقبل أفضل بالمقاومة والاستقلال والحرية.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.