أهمية موقع الوطن العربي في الصراعات الدّولية على النفوذ / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 16/2/2024 م …

يقع الوطن العربي ( وليس “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” ) بين ثلاث قارات هى آسيا وإفريقيا وأوربا، أي في مُلتقى الحضارات والطّرُق التجارية بين القارات في منطقة تمتد من المحيط الأطلسي (المغرب وموريتانيا في قارة إفريقيا) إلى العراق وبحر العرب والخليج العربي، في غربي آسيا، واقتطعت الإمبريالية البريطانية والفرنسية عدّة أقاليم منها إقليم الأحواز(عربستان) الذي منحته بريطانيا إلى إيران سنة 1925، فيما يُطالب الصومال بإقليم أوغادين الذي تحتله الحبشة، وفَرّطت الإمارات في ثلاث جزر (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) إلى إيران خلال حكم الشّاة، ولواء اسكندرون والأقاليم السورية الشمالية التي سلمتها فرنسا إلى تركيا سنة 1936 وجزر الكناري وسبتة ومليلية والجزر الجعفرية وصخرة الحسيمة وهي أراضي مغربية تحتلها إسبانيا…




يضم الوطن العربي العديد من المَمَرّات المائية والطرقات التجارية البحرية بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط  ( الذي يطل على البحر الأسود) والبحر الأحمر والخليج العربي الذي يَصل البحر الأحمر بالمحيط الهندي، فضلا عن مضيق جبل طارق الذي يصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الاطلسى الذي يحدّ المغرب والصحراء الغربية وموريتانيا من الغرب، وتزداد أهمية الوطن العربي بفعل احتواء باطن الأرض على معادن عديدة، من بينها الفوسفات والنفط والغاز، وعلى محاصيل زراعية هامة، من بينها التمور عالية الجودة والزيتون والحمضيات والتين والكروم…

 

إعادة تدوير (recycling ) المُخطّطات الإمبريالية 

يُعَدّ البحر الأحمر – الذي سُمِّيَ كذلك لكثرة الشّعب المرجانية، ذات اللون الأحمر – شريانًا حيويًّا يمر بين ثماني دول عضوة بالجامعة العربية ويُطل على سواحل شرق إفريقيا، حيث أظهرت الحفريات وجود كميات ضخمة من الغاز الطبيعي، وتَصِل قناة السويس البحر الأبيض المتوسط بالبحر، عبر مضيق باب المندب وخليج وشبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، وتُعد قناة السويس والبحر الأحمر مَمَرًّا لعدد كبير من السفن التجارية والعسكرية المُتّجهة إلى أو القادمة من الخليج الغني بالمحروقات، ما جعل الخليج وخصوصًا السعودية والإمارات والعراق، منطلقًا لعمليات إعادة تدوير مشاريع الأحلاف الإستعمارية القديمة، مثل حلف بغداد، فقد دعت كندا ( الحليف الوَفِي للولايات المتحدة)، بواسطة معهد “جيوبوليتيكال مونيتور” ( كانون الثاني/يناير 2023) الى إعادة إحياء “حلف بغداد للتعامل مع تحديات الحرب الباردة الجديدة القائمة في المنطقة والعالم، وخصوصا مع النفوذ الروسي المتزايد، على أن يضم الحلف الجديد كلا من الولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا ومصر، بالإضافة إلى إسرائيل”، وذَكَر التقرير الكنَدِي “إن حلف بغداد كان احد اكثر الهياكل فعالية في التعاون الإستخباراتي والعسكري لمواجهة مخططات الاتحاد السوفيتي وحركة عدم الانحياز، ومن الضروري تصميم تحالفات جديدة لجعل منطقة الشرق الأوسط موالية للغرب ولحلف شمال الأطلسي – ناتو (…) ومواجهة روسيا في سوريا وليبيا والتصدّي للحركات المُعادية للنظام الدّولي القائم حاليا… كما وجب تطوير الردع النووي الاستراتيجي…”

يُؤَشِّرُ هذا التّقرير الكندي إلى التّكامل والتّماثل بين مخططات حلف شمال الأطلسي (بزعامة الإمبريالية الأمريكية) والمخططات الصهيونية، وتندرج “اتفاقات ابراهيم” ضمن هذا الإطار، في ظل ازدهار العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني، من جهة وازدهار العلاقات بين دُوَيْلات الخليج والعدو الصهيوني في كافة المجالات، وأهمها التجارة والأمن والإتصالات والتّجسّس، بذريعة مواجهة التهديد الإيراني، ويُشير التقرير الكندي إلى ارتفاع مخزونات منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط من الغاز، والتي يعمل التحالف العسكري التركي الصهيوني على حمايتها، “حماية للأمن القومي الامريكي، ومساهمة في استقرار أسواق الطاقة العالمية، كما يُشير التقرير الكندي إلى مُشاورات تجري منذ مدّة بين الولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا ومصر والكيان الصهيوني، لاستقطاب مزيد من الدّول ولتعزيز “أمْن واستقرار البحر المتوسط وأمن الطاقة ومواجهة النفوذ الروسي وصعود الصين…”، ويقترح التقرير تمويل دُوَيْلات الخليج لهذا الحلف وإشراف تركيا (حلف شمال الأطلسي) على التنسيق العسكري، ونقل تجربة تحالف “العيون الخمس” (التحالف الاستخباراتي الذي يضم الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا واستراليا ونيوزيلندا)، “وهو سيتيح للدول المتحالفة مواجهة التهديدات الداخلية المتبادلة والتركيز على التصدي لجهود روسيا والصين لتعطيل النظام العالمي القائم“.

يستجيب هذا التقرير لرغبة الإمبريالية الأمريكية وعملائها، ومن بينهم ملك الأردن الذي أعلن ( شبكة سي إن بي سي – 06 تموز/يوليو 2022) دعمه إنشاء “تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي بين دول لديها نفس التفكير” وصرح إن النظام الأردني يعتبر نفسه شريكا في هذا الحلف برعاية الولايات المتحدة أو “الناتو العربي” الذي يضم مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر والكويت والعراق، بهدف تشكيل قوة دفاعية لحماية الدول العربية من التهديدات الأمنية الخارجية وحفظ الأمن القومي العربي، وتجميع الدول العربية المُطبّعة مع الكيان الصّهيوني تحت لواء واحد ( أمريكي-صهيوني؟)، وتُشكل أنْظمة مصر والأردن والإمارات محور هذا الحلف الذي تُديره الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، والمُوَجّه ضد إيران، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” التي ابتهج مُحرّرها لتأسيس “تحالف إقليمي لمواجهة إيران بقيادة أمريكية ومشاركة إسرائيل وبعض الدول العربية” وأشار موقع نفس الصحيفة الأمريكية (06 تموز/يوليو 2022) “يُشبه هذا الحلف، حلف الناتو الأوسطي أو العربي حلف بغداد الذي انضمت إليه إيران وباكستان تحت إدارة بريطانيا لضمان أمن وسلام منطقة الشرق الأوسط ككل، ولمواجهة الخطر الشيوعي…”

أسقطت الجماهير العربية وأنظمة سوريا ومصر حلف بغداد، فمن يُسقِطُ حلف الناتو العربي المُتآمر مع الكيان الصهيوني الذي يستمر، منذ نشأة الحركة الصهيونية برعاية الإمبريالية، في إبادة الشعب الفلسطيني، بدعم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ومن الأنظمة العربية، وخصوصًا المُطَبِّعَة عَلَنًا والمُنْضَوِيَة تحت “الناتو العربي” وفي ظل صَمْت قادة الأنظمة التي لم تُطَبِّع علنًا، وفي ظل ضُعف الحركة الجماهيرية والأحزاب التقدّمية والنقابات. لقد شارك المُتطوّعون العرب في كفاح الشعب الفلسطيني، أثناء ثورة 1936 التي كان أحد قِيادِيِّيها المشهورين (عز الدين القسام ) سُوريًّا، لأن الشعوب العربية كانت واعية بأن الحركة الصهيونية (ثم الدّولة منذ 1948) لا تهدد شعب فلسطين فقط بل تهدد الشعوب والبلدان العربية.

 

النفوذ الأمريكي بين المدّ والجزر

عَبَّرَ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قبل فترة قصيرة من العملية الفدائية “طوفان الأقصى” عن ابتهاجه بالهدوء الذي يسود “الشرق الأوسط” مقارنة بما كان عليه قبل عقدَيْن (أي عند احتلال العراق) بفضل “قُدْرَة الولايات المتحدة على التركيز على الأولويات الإستراتيجية” بحسب زعمه،  وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكّد سنة 2022 خلال أول رحلة له كرئيس إن زيارته هي الأولى لرئيس أمريكي دون تورّط القوات الأمريكية في حرب في الشرق الأوسط منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001″ مُتناسيا احتلال جيش بلاده للعراق ولجزء من سوريا وتورطه في كافة النزاعات في شرق إفريقيا والمشرق العربي…

تندرج هذه التصريحات ضمن مخطط أمريكي لاستعادة النفوذ في هذه المنطقة التي تجتذب المنافسين كالصين وروسيا، دون اكتراث بأمن المنطقة وشعوبها، ومنها الشعب الفلسطيني الذي تمكّن من إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأحداث من خلال العملية الفدائية “طوفان الأقصى”، يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتمكّن من خلخلة الثّقة المُفْرِطَة التي يوليها الكيان الصهيوني والإمبريالية للقوة العسكرية وتَطَوُّر تقنيات التّجسس والأسلحة الفتّاكة…

تعتبر الولايات المتحدة إن أمنها القومي يمتد من واشنطن إلى أي شبر من الكرة الأرضية، ولذلك احتلت أفغانستان والعراق وسوريا وقصفت ودّمّرت العديد من البلدان وفَرَضت الحصار على العديد من البلدان والشعوب، باسم حماية الأمن القومي الأمريكي، ويعتبر زعماء الإمبريالية الأمريكية إن الليثيوم البوليفي والنحاس التشيلي والنفط العربي وكل معادن وثروات العالم ملكٌ للشركات العابرة للقارات، ذات المنشأ الأمريكي، ووجب حماية مصالحها بواسطة الجيش الأمريكي وبواسطة الحملات الإعلامية والحصار الإقتصادي وكافة الوسائل ليستمر ميزان القوى لصالح الولايات المتحدة، ولردع أي قوة منافسة، مثل الصين أو روسيا أو اليابان أو ألمانيا وتعتبر الولايات المتحدة إن عملية “طوفان الأقصى” تُشكّل تحدِّيًا للنفوذ الأمريكي الذي يُمثّله الوكيل الصهيوني في الوطن العربي، ما يُفسّر الدّعم المالي والعسكري والدّبلوماسي المُطلق للكيان الصهيوني، من قِبَل كافة القوى الإمبريالية وعُملائها من الأنظمة العربية، بالإضافة إلى دعم غير مباشر أو خَفِي للكيان الصهيوني من قِبَل روسيا والصين…

 

منافسة الصين

دامت المفاوضات 15 سنة قبل انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية سنة 2001 والتزامها تطبيق القواعد الرأسمالية “للإقتصاد والتجارة وتحرير السوق والإندماج في النظام الاقتصادي العالمي”، وقبلت الصين شروطًا صارمةً تتمثل في تطبيق الحَوْكَمَة والشّفافية وتخفيض التعريفات الجمركية على الواردات وتنفيذ إصلاحات كبيرة  تُمَكّن من تحرير السوق الدّاخلية وحماية حقوق الملكية الفكرية، والحد من تدخل الحكومة في شؤون الشّركات، غير إن الصين طبقت قواعد الإقتصاد الرأسمالي مع تعزيز دَوْر الدّولة، وتمكّنت من تحقيق قفزات هامة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا، ما جعل حكومة الولايات المتحدة تُقرر (وتُنفّذ) حصار الصّين اقتصاديا وعسكريا، سنة 2012، خلال فترة رئاسة باراك أوباما ووزيرة خارجيته ( هيلاري كلينتون) التي تُمثل عشيرة كلينتون ذات النّفوذ الكبير، وادّعت الولايات المتحدة “إن النظام التجاري الذي تقوده الدولة في الصين غير متوافق مع مبادئ منظمة التجارة العالمية القائمة على اقتصاد السُّوق”، وبذلت الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي جهودهما لعرقلة نمو اقتصاد الصين الذي سوف يتجاوز حتمًا اقتصاد الولايات المتحدة، وحاولت الدّول الرأسمالية المتطورة غلق أسواقها أمام الشركات والسلع والخدمات الصينية التي أصبحت تُنافس الشركات الأمريكية والأوروبية في عقر دارها (اللوحات الشمسية والحواسيب والهواتف المحمولة ومنظومة الإتصالات والسيارات الكهربائية…)، بذريعة “تدخّل الدّولة الصينية في الإقتصاد وتوجيهه”، وهو ما فعلته كافة الدّول الرأسمالية المتقدّمة خلال أزمة 2008/2009 وخلال انتشار وباء كوفيد-19، حيث تدخّلت الحكومات عبر سياسات “التّحفيز المالي” ففرضت التّقشف على العمال والأُجَراء والفُقراء، وَوَزّعت المال العام على المصارف والشركات الكبيرة، ما يُناقض مبادئ منظمة التجارة العالمية ورأسمالية السوق الحرة…

في هذا الإطار جاءت مبادرة الحزام والطريق (أو طريق الحرير الجديدة) سنة 2013 ردًّا على محاولات الحصار الأمريكية التي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما سنة 2012، فعزّزت الصين دَوْرَ الشركات المملوكة للدّولة وأبرمت العديد من الاتفاقيات الثنائية، ما مَكّن الإقتصاد الصّيني من التّوسّع والإستثمار في البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق، وتمكّنت الصين من توجيه النمو الاقتصادي نحو زيادة الإنتاجية وقُدْرة الشركات على الإبتكار، وتعزيز التطور التكنولوجي وتعزيز التدريب والقُدْرة على اكتساب المهارات في قطاعات إستراتيجية، ما مَكّنها من مجابهة الحرب التجارية الأميركية التي تمثلت في فَرْض تعريفات جمركية أحادية الجانب، وإطلاق قضايا نزاع تجاري، وفرض حظر على الصادرات، وقيود على الاستثمار…  

استغلّت الصّين بعض التناقضات الثانوية بين بعض الدّول العربية والولايات المتحدة لتُكثّف نشاطها الدّبلوماسي ولتُحقق بعض النّجاحات، ومن بينها إطفاء فتيل الحرب الفاترة بين السعودية ودُوَيْلات الخليج وإيران، وكانت السعودية قد كثّفت التّعاون مع روسيا لتنسيق الجهود في مجال إنتاج وتصدير النّفط، وامتنعت السعودية والعديد من حكومات الدّول الحليفة للولايات المتحدة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية من دعم مشروع القرار الذي قدّمته الولايات المتحدة لإدانة روسيا في الأمم المتحدة، وتحميلها مسؤولية إطلاق الحرب في أوكرانيا، واستغلت الصين وروسيا هذه الأحداث لتعزيز الشراكة مع العديد من دول الأَطْرَاف (أو المُحيط) ومن ضمنها الدّول العربية النفطية التي لم تستجب للطلب الأمريكي برفع حجم إنتاج النفط لكي تنخفض أسعاره…  

 

تنامي نفوذ الصين:

شكّل الوطن العربي بموقعه الجيواستراتيجي وثرواته وطُرقاته ومَمَرّاته التجارية مجالا للصراع بين القوى العُظْمَى، خصوصًا منذ القرن التاسع عشر (حقبة الإمبريالية)، واغتنمت الصين فُرْصة الخلافات (الثانوية) بين بعض حكومات دول المشرق العربي والولايات المتحدة، لتعقد صفقات ضخمة لتوريد النفط السعودي والإماراتي واتفاقيات تجارية باستخدام العملة الصينية بدل الدّولار، فيما وجدت روسيا موطئ قدم من خلال التنسيق بين الدّول المنتجة والمُصدّرة للنفط، وتوسيع مجال حضورها الذي كان مقتصرًا على سوريا إلى منطقة الخليج، ولا يعني تعزيز العلاقات التجارية بين روسيا والصين من جهة ودول المشرق العربي من جهة أخرى انتهاء دور الولايات المتحدة التي تمتلك ما لا يقل عن إحدى عشر قاعدة عسكرية مُعْلَنَة في منطقة الخليج والبحر الأحمر، والتي تُسلّح بشكل شبه حَصْرِي جُيُوش كافة دول المنطقة باستثناء سوريا، وتُدرّب جيوشها وتُشرف على بُنيتها التحتية العسكرية والأمنية، وتمكّنت الولايات المتحدة من دفع المغرب والسودان والإمارات والبحرَيْن وقَطَر وعُمان إلى إعلان التّطبيع المَكْشُوف مع الكيان الصهيوني، فيما لا يزال التّطبيع السعودي غير مُعْلَن، ولا تزال الولايات المتحدة تحتل العراق وتتحكّم في مفاصل الدّولة الطّائفية التي تم تركيزها وفق الدستور الذي فَرَضَهُ الإحتلال الأمريكي… 

تفوقت الصين على الولايات المتحدة في مجال التجارة الخارجية، حيث ارتفع حجم التجارة الصينية الخارجية سنة 2021 إلى أكثر من ست تريليونات دولارا، فيما بلغ حجم  التجارة الخارجية الأمريكية 5,92 تريليونات دولارا، خلال نفس السنة (2021)، بحسب بيانات وزارة الخارجية الأمريكية، غير إن الصّين لا تزال تفتقر إلى بعض مقومات القوة الأمريكية التي تعتمد على القوة العسكرية والإستخباراتية، ولها أكثر من ثمانمائة قاعدة عسكرية وأساطيل تشرف على الممرات المائية الإستراتيجية وعلى خطوط الملاحة البحرية في البحار والمحيطات والمَضَائِق في كافة مناطق العالم، بما فيها تلك القريبة من الصين التي عملت على احتواء الحصار الأمريكي من خلال مبادرة الحزام والطريق الذي مكنها، منذ 2013، من ارتفاع حجم تجارتها الخارجية، ومن ارتفاع حجم وارداتها من الطاقة لتصبح أكبر مُستورد عالمي للنفط والغاز، وأكبر زبون للسعودية، مع الإشارة إن الصين من كبار المنتجين العالميين للنفط والغاز، وأنفقت الصين حوالي تريليون دولارا خلال عشر سنوات ( 2013 – 2023) على البنية التحتية التي يتطلبها مشروع “الحزام والطريق” في إشارة إلى شبكة الطرق البرية والبحرية القديمة، التي كانت تُسمّى “طريق الحرير”، وربطت بين الصين وأوروبا مرورًا بالشرق الأوسط، بطول يتعدى عشرة آلاف كلم، ووقَّعت اتفاقيات مع أكثر من 150 دولة – تُمثِّلُ نحو 75% من سكان العالم – وأكثر من ثلاثين منظمة دولية، واتّهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الصّين بإغراق الدّول الفقيرة بالدّيُون وباستغلال ثرواتها ضمن اتفاقيات التعاون الثنائي أو ضمن مبادرة الحزام والطّريق، وكأن الولايات المتحدة وأعضاء حلف شمال الأطلسي يُمثّلون منظمة خَيْرِيّة ويتَصَدّقُون على فُقراء بلدانهم وفُقراء العالم بالأموال والمُعدّات والسّلع، غير إن الصّين حققت بعض التّقدّم في منابع النفط (إيران والخليج) قبل انعقاد القمة الثامنة للحزام والطريق ( هونغ كونغ، يومَيْ 13 و14 أيلول/سبتمبر 2023) بمناسبة مرور عشر سنوات على إطلاق المبادرة سنة 2013، بمشاركة أكثر من خمسة آلاف شخص من قادة الدّول والمُستثمرين ومُمثِّلِي الشركات من أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، قبل فترة قصيرة من انعقاد المؤتمر الثالث لزعماء الدول المنظمة للمبادرة في بكين برئاسة الرئيس الصيني.

تُعَرّف الحكومة الصينية مبادرة الحزام والطّريق أو “طريق الحرير الجديد” بأنها “خطة استراتيجية صينية للتعاون والتنمية من خلال تطوير البنية التحتية والاستثمارات، فضلا عن بناء شبكة تجارة وبنية تحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا“، فيما تعتبرها الولايات المتحدة خارطة طريق لتعزيز نفوذ الصين في العالم، لاسيما في إفريقيا والشرق والأوسط، حيث تتوفّر الموادّ الأولية والمعادن النّادرة ومنابع الطاقة الرئيسية”، وفق وكالة بلومبرغ 30 آب/أغسطس 2023، وتلجأ الولايات المتحدة إلى التهديد العسكري وفَرْض الحَظْر والعقوبات المالية والإقتصادية والتجارية وخصوصًا في مجال التقنيات المتطورة لعرقلة نمو الإقتصاد الصيني الذي يُهدّد بتجاوز الإقتصاد الأمريكي بعد أقل من عقد واحد…

تحتل منطقة المَشْرق العربي، وخصوصًا الخليج، مكانة هامّة في مبادرة الحزام والطّريق، وكذلك في المشاريع المُضادّة التي أعدّتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ( سوف يأتي ذكر بعضها لاحقًا) بفعل الطّرقات التجارية والمَمَرّات المائية وبفعل وفرة النّفط والغاز، ولذلك حرصت الصين، خلال القمّة الثامنة للحزام والطّريق، منتصف أيلول/سبتمبر 2023، على تعزيز التعاون مع الإمارات والسعودية وإيران وعلى تعدّد اللقاءات الثُّنائية “لاستكشاف فُرَص التعاون والتجارة في مختلف المجالات، والتّركيز على مجالات الطاقة الخضراء والحلول الرقمية الجديدة والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، حيث تتوفّر العديد من الفرص الجديدة والواعدة”، وفق وكالة الصين الجديدة “شينخوا” 15 أيلول/سبتمبر 2023.

أشرف الرئيس الصيني في بكين، يومي 17 و 18 تشرين الأول/اكتوبر 2023، بعد حوالي شهر من قمة هونغ كونغ (13 و 14 أيلول/سبتمبر 2023) على المؤتمر الثالث لزعماء الدول المنظمة للمبادرة وأعلن بالمناسبة إبرام اتفاقيات لمبادرة الحزام والطريق بقيمة 97,2 مليار دولار أمريكي خلال مؤتمر الرؤساء التنفيذيين، إضافة إلى ضخ 80 مليار يوان إضافية في صندوق طريق الحرير، وتأسيس نافذة تمويل بقيمة 350 مليار يوان، وخَصّصَ مصرفان صينيَّان تمويلا بقيمة 350 مليار يوان لتنفيذ نحو ألف مشروع صغير ضمن مبادرة الحزام والطريق التي تتوقع َحكومة الصّين أن تُمَكِّنَها من ارتفاع حجم تجارتها للسلع إلى أكثر من 32 تريليون دولار وللخدمات إلى ما يزيد عن 5 تريليونات دولار خلال الفترة من  2024 إلى 2028.

تمكّنت الصين، من خلال مبادرة الحزام والطّريق، من فكّ الحصار الأمريكي، ومن ربط علاقات تجارية بالدّول المُوالية للولايات المتحدة، مثل دويلات الخليج، ونجحت في إنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلدا بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية وشبكات اتصال وبُنَى تحتية بحرية، ولا تزال الصين تسعى إلى توسيع الشبكات التي تربطها برًّا وبحرًا بجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا…

يُعْتَبَرُ الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ( CPEC ) وأحدا من أهم مشاريع مبادرة الحزام والطريق، ويبلغ طوله ثلاثة آلاف كيلومترًا، بين غربي الصين وميناء غوادار الباكستاني، ويتضمن تطوير شبكة البنية التحتية في باكستان، ومن بينها ميناء بحري وشبكة سكة حديدية بقيمة 7,2 مليارات دولار وشبكة قطار أنفاق في مدينة “لاهور” بقيمة مليارَيْ دولار ومحطات لإنتاج الطاقة الكهرومائية، وخطوط كابلات الألياف الضوئية بين الصين وباكستان البلدين، من إنجاز شركة الاتصالات الصينية “هواوي” التي حَظَرت الدّول الغربية وجودها لأنها كانت سَبّاقة في تسويق الجيل الخامس للإتصالات، وأصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في باكستان بحوالي 45 مليار دولارا، وتفوق استثماراتها مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ضمن خطة طويلة الأجل تمتد من سنة 2015 إلى 2030، “لبناء مرافق النقل والطاقة والمناطق الصناعية ومناطق التجارة الحرة، وأكثر من ثلاثين اتفاقية ومذكرة تفاهم للتعاون المشترك”، وفق وكالة الصين الجديدة “شينخوا” بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2024،

لهذه الإتفاقيات تأثير مباشر على العلاقات الإقتصادية والتّجارية بين الصّين وبلدان المشرق العربي، حيث تعمل الصين على ربط ميناء “غوادار” الباكستاني بالخليج، وتتوقع السلطات المصرية إن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني CPEC ) يُعزّز حركة عبور السفن بين الخليج والبحر الأحمر وقناة السويس نحو البحر الأبيض المتوسط وأوروبا ما يُساهم في تزايد الأهمية الجيوستراتيجية لقناة السويس،  وأقامت الصين شبكة من محطات التزود بالوقود وإعادة الإمداد من قناة السويس إلى المغرب العربي بالجزائر (ميناء الحمدانية بمدينة شرشال، فضلا عن إنشاء خط للسكك الحديدية بين شمال الجزائر وجنوبها ) والمغرب ( ميناء طنجة ومنطقة صناعية بالميناء…) وموريتانيا على المحيط الأطلسي، كما تمتلك الشركات الصّينية أو تُدِير شبكة مُكونة من 95 ميناء في جميع أنحاء العالم (أرقام 2020) من بينها عشرين ميناء في البلدان العربية وفق معهد جيتستون الأمريكي (تموز/يوليو 2020)، وتهدف الصين توفير الخدمات اللوجيستية لسفن الشحن، كالوقود والصيانة والتموين، وتأهيل الموانئ العربية لاستقبال السفن الضخمة وتأمين وصول إمدادات الطاقة من البلدان العربية، واجتياح الأسواق العربية والإفريقية والأوروبية بواسطة السلع الصينية… 

أما إيران فتعتبر ميناء “غوادار” الباكستاني مُنافسًا لميناء دُبَيْ ( الذي ساعد إيران على الإلتفاف على الحظر الأمريكي) ولميناء “تشابهار” وهو الميناء الإيراني الوحيد المُطل على المُحيط الهندي والذي لا يبعد سوى سبعين كيلومترا عن ميناء غوادار الباكستاني، ويربط بين إيران والهند وباكستان ومنها إلى أفغانستان، وتستخدمه الهند لتجنب مرور تجارتها عبر أراضي باكستاني، العدو التاريخي للهند، ما يخلق منافسة بين الميناءَيْن (الباكستاني والإيراني) الواقِعَيْن على طريق الحرير الجديدة، غير إن الإعلام الرّسمي الصيني يُقلّل من مخاطر هذه المنافسة، لأن الصين أكبر مُصَدِّر عالمي، وتعتمد على النقل البحري في التجارة الخارجية، ويمكنها استخدام الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني لتعزيز العلاقات التجارية مع دول الشرق الأوسط المنتجة والمُصدّرة للنفط، لتوريد المحروقات بأسعار منخفضة وتصدير السلع، وتعتبر الصين إن إدماج باكستان وإيران ودُوَيْلات الخليج يُؤَدِّي إلى توسيع التعاون في قطاعات الاقتصاد والطاقة بين دول جنوب ووسط آسيا، وشمال إفريقيا وعلى طول الخليج العربي، وهي منطقة يسكنها نحو ثلاث مليارات نسمة، غير إن دولا مثل الهند تُعارض إنجاز المشاريع الصينية في باكستان وتعتبرها تُشكّل تهديدا لمصالحها، ما جعلها تسعى إلى تقويض المشروع أو تعطيله، إلى أن اتفقت مع الولايات المتحدة على إطلاق مشروع بديل منافس للحزام والطريق، بعد قمة العشرين بنهاية شهر آب/أغسطس 2023، تماشيًا مع سياسة التطويق الاستراتيجي للصين التي تنتهجها الولايات المتحدة عبر تحالفات دولية في المحيطين الهادي والهندي، على غرار تحالف “أوكوس” بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا سنة 2021، وتحالف “كواد”، بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا سنة 2022، بهدف تطويق الصين في مضيق ملقة (الرابط بين بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي ) وفي بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، بدعم من القواعد العسكرية الأمريكية الضّخمة في كوريا الجنوبية وتايوان واليابان.

المشاريع الأمريكية المُنافسة

تهدف الولايات المتحدة عرقلة نمو الإقتصاد الصيني وحصار الصين عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا، من خلال دمْج الحلفاء الإقليميين في مشاريع جيواستراتيجية تٌعَزّز هيمنة الإمبريالية الأمريكية، وكان المُنعرج الذي عرفته الهند، منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، وخصوصًا منذ بداية القرن الواحد والعشرين، فرصة التقطتها الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها ولإقامة حلف قوي ضد الصين، فكان “تحالف الأعمال المُشترك” ( I2U2 ) سنة 2022 بين الولايات المتحدة والهند والكيان الصهيوني والإمارات، ثم تحالف الأعمال المشترك لهذه المجموعة في نيسان/ابريل 2023، ويُعَرّفها موقع “مونيتور” (20 نيسان/ابريل 2023) بأنها شراكة تركز على التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي وسط التغيرات المناخية العالمية، بمشاركة الحكومات والقطاع الخاص والتركيز الاستثمارات والمبادرات المشتركة في مجالات الطاقة والأمن الغذائي والصحة والفضاء والنقل والمياه، وأعلنت الإمارات استثمار مليارَيْ دولار لتطوير مجمعات غذائية متكاملة في الهند…

تمكّنت الولايات المتحدة من إدماج الكيان الصهيوني – إدماجًا مُهَيْمِنًا – في الوطن العربي، من خلال العديد من الإتفاقيات  (التطبيع العلني المصري والأردني وتطبيع قيادات منظمة التحرير) والمنتديات والقِمَم، ومن بينها “منتدى النّقب” واتفاقيات إبراهيم، وشكّل منتدى النقب (جنوب فلسطين المحتلة حيث لا يعترف الكيان الصهيوني ب42 قرية وُجِدَتْ قبل إعلان إنشاء الكيان  ويهدم المنازل ويُشرد المواطنين الفلسطينيين) واحدا من هذه الندوات التطبيعية بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وسلطات الإمارات ومصر والمغرب والبحرين، بنهاية آذار/مارس 2022 وقرروا تحويل القمة إلى “منتدى سنوي دائم يجتمع بشكل دوري لبحث القضايا الإقليمية وإنجاز التنسيق الأمني بهدف رَدْع إيران، وأعلن موقع الصحيفة الصهيونية “يدعوت أحرونوت” ( 28 آذار/مارس 2022) إن المُشاركين في منتدى النقب اتفقوا على “معالجة التحدِّيات المُلِحَّة كالأمن الغذائي وتغيُّر المناخ والأمن الإقليمي”…

 كما أعلنت الولايات المتحدة على إثر انعقاد قمة العشرين بالهند ( آب/أغسطس 2023) إطلاق “طريق تجاري جديد يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا عبر السِكَك الحديدية والموانئ”، وسيشكِّل المشروع تحدِّيًا مباشرًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، من خلال دمْج عدد من الحُلفاء في المشرق العربي مع حُلفاء من منطقة جنوب شرق آسيا وآخرين في الغرب، في الجهود الأمريكية لاحتواء صعود الصين، ولتعزيز النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة وخلق شبكة علاقات بين تركيا والإمارات والكيان الصهيوني وقطر والبحرين والأردن ومصر والسعودية، ودمج الكيان الصهيوني عبر الإقتصاد والأمن والإتصالات والتّجسّس، لضمان أمن كيان الإحتلال والقضاء على كافة أشكال المقاومة الفلسطينية وعزلها عن محيطها الطبيعي، ولذلك اعتبرت الولايات المتحدة العملية الفدائية “طوفان الأقصى” (السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023) “تهديدًا وجوديًّا لإسرائيل واستهدافًا للأمن القومي وللمصالح الإستراتيجية الأمريكية”، ووفرت الولايات المتحدة المال والسلاح والدّعم السياسي والدّبلوماسي والإعلامي للكيان الصهيوني ليستمر في إبادة الشعب الفلسطيني، وحشد الدعم والرأي العام العالمي لصالح الإحتلال والإعتراض على أيّ قرار في مجلس الأمن يُدين العدوان، أو يدعو إلى وقْفه، بل تمكّنت الإمبريالية الأمريكية من تشكيل “تحالف دولي لحماية البحر الأحمر”، في كانون الأول/ديسمبر 2023، في محاولة للقضاء على المقاومة اليَمَنِيّة والسيطرة العسكرية على منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب والقرن الأفريقي، وقطْع الطريق على مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومواجهة النفوذ المتصاعد للصين وروسيا وإيران…  

 

على الصعيد الدولي، نسَّقت الولايات المتحدة مواقفها من الأزمة مع حُلفائها الدوليين، وقد أظهر العديد من القادة الغربيين التزامهم بدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، وكان الظن الأمريكي أنَّه يمكنها أن توفِّر لإسرائيل الدعم على غرار ما قدَّمته لأوكرانيا، من خلال وشكّل التّصعيد الأمريكي في البحر الأحمر فرصة لحشْد الحُلفاء ضمن إستراتيجيتها لمواجهة القُوى المنافسة كالصين وروسيا، وردع إيران، من خلال منطق القُوّة العسكرية والهيمنة، وحشد القوة الجوية والبحرية والسفن والبوارج الأمريكية والبريطانية بذريعة حماية حرِّية التجارة العالمية، في تعارض مع مبادئ الدبلوماسية والبحث عن حلول سلمية للخلافات بين الدّول، وبذلك وظّفت الولايات المتحدة عملية «طوفان الأقصى»، لإعادة الانتشار العسكري في غرب آسيا وحوض البحر الأحمر والشرق الأوسط ككُل، وذلك في إطار تأمين الهيمنة وإرهاب الخُصُوم… 

 

الرد الأمريكي على مبادرة الحزام والطريق

عسكرة الممرّات البحرية والتأثير المُحتمَل على نمو التجارة العالمي

يضم البحر الأحمر ما لا يقل عن إحدى عشر قاعدة عسكرية، ما ينفي ضرورة نشْر مزيد من القوات الأمريكية، وتنفيذ عمليات عدوانية مشتركة مع بريطانيا، دفاعًا عن مصالح الكيان الصهيوني الذي لا يعدو كونه قاعدة عسكرية للإمبريالية ومَحْمِيّة وجدب الدّفاع عنها باستخدام القوَّة العسكرية…

يُعتبر هذا العدوان العسكري واستعراض القُوة في البحر الأحمر عملا مُكمِّلاً لما أعلنته الولايات المتحدة في مدينة نيودلهي يوم التاسع من أيلول/سبتمبر 2023، على هامش قمة مجموعة دول العشرين التي استضافتها الهند، ويتمثل في الإعلان عن مشروع “المَمرات الخضراء” الذي يضم كلّا من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات والإتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ويتألف المشروع من ممرين منفصلين لنقل البضائع من الهند – التي تُنافس الصيني – إلى أوروبا، وهما “الممر الشرقي” الذي يربط الهند بالخليج العربي و”الممر الشمالي” الذي يربط منطقة الخليج بأوروبا،  ويمَكّن هذا المَمَر من اختصار مدَة نقل البضائع من الهند إلى أوروبا بنسبة 40%، ويربط هذا المشروع اقتصادات الخليج والأردن بالكيان الصهيوني وبالهند حليف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بدل الإرتباط بالصين ومبادرة الحزام والطريق، ما يجعل الولايات المتحدة والهند والكيان الصهيوني المستفيدين الوحيدين من “الممرات الخضراء” المزعومة وتشمل الممراُت شبكًة من السكك الحديدية والمَمَرّات المائية والموانئ البحرية “لتعزيز التبادَل التجاري وتسهيل مرور البضائع وتأمين الطاقة عبر تطوير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، وتنمية الإقتصاد الرقمي عبر ربط ونقل البيانات من خلال كابلات الألياف البصرية…”وفق التوضيحات الأمريكية التي أكّدت على “منافسة هذا المشروع لمبادرة الحزام والطريق، عبر خلق طريق تجارية موثوقة وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وبما يعزز مرونة سلاسل التوريد ومشاريع التنمية العالمية…” في مواجهة النفوذ المتصاعد للصين في المنطقة العربية وإيران وإفريقيا، وعبّرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين ( المُغْرقة في الرجعية والصهيونية)، عن “إزالة المخاطر التي تواجه أوروبا من الاعتماد المفرط على مصادر الإمداد الصينية ” ويخدم هذا المشروع طموحات الهند التي تسعى إلى التحول إلى قوة تصنيعية كبرى منافسة للصين، وفق تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، يوم العاشر من أيلول/سبتمبر 2023، واعتبر التقرير “إن ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا مشروع أميركي لمواجهة الصين ولترسيخ التطبيع بين الدول العربية – خصوصًا السعودية – وإسرائيل”، ويُعتبر هذا المشروع – في جانبه العربي – امتدادًا للاتفاقات الرباعية التي جرى التوصل إليها سنة 2022 ضمن مجموعة I2U2  التي ضمت الولايات المتحدة والهند والكيان الصهيوني والإمارات “لتعميق التعاون الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط وآسيا، بما في ذلك، التجارة، وتغير المناخ، والطاقة والأمن البحري”، ومثلت “اتفاقات إبراهيم” التي رعتها إالولايات المتحدة محاولةً لدمج العدو الصهيوني في المنطقة العربية، وأدت الإمارات دَوْر العميل المُتَمَيِّز في مجمل هذه المشاريع التطبيعية ومن بينها مشروع ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الذي يمتد عبر بحر العرب، من الهند إلى الإمارات، ثم يعبر السعودية والأردن وموانئ فلسطين المحتلة، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر البحر المتوسط

خاتمة:

يُعزز مشروع الممر الهندي النفوذ الأميركي والصهيوني في المنطقة ويعمل على عرقلة مشاريع الصين ( مبادرة الحزام والطريق) وزيادة قدرة الهند على منافسة الصين، وتعزيز الأنظمة العربية العميلة المُطبّعة مع الكيان الصهيوني ( الخليج والأردن، ومصر بدرجة أقل) وتعزيز التبادل غير المتكافئ ضمن التقسيم العالمي للعمل الذي يُقصي البلدان العربية ويُعزز دور الهند كحليف قوي للولايات المتحدة في مواجهة الصين، ويتجاوز المشروع حدود العلاقات التجارية ليشمل التعاون العسكري بإشراف أمريكي وصهيوني ضمن “التحالف الدّولي” الذي أنشأته الولايات المتحدة في البحر الأحمر، لعزل إيران وتعزيز الدّور المُهَيْمن للكيان الصهيوني، وتعزيز العلاقات التجارية بين شركاء الولايات المتحدة في الخليج – الذي يُشكّل منطقة حيوية لمصالح الولايات المتحدة – والهند، بدلًا من الصين…

يتضمن المشروع الأمريكي العديد من الغموض، إذ لم تُنشَرْ تفاصيل التمويل ولا جدول لتنفيذ المشاريع، فيما شكّكت بعض الدّول ( ( خصوم الهند والولايات المتحدة) مثل الصين وإيران وتركيا وباكستان ومصر في جدوى وفعالية المشروع الأمريكي- الهندي، وتتخوف مصر (أول الدّول العربية المُطَبّعة مع الكيان الصهيوني) من التأثيرات السلبية على مستقبل قناة السويس…  

 

رابط المداخلة السمعية-البصرية يوم الجمعة 16 شباط/فبراير على الساعة السابعة مساء بتوقيت تونس والجزائر وباريس

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.