الملف الجديد لوزارة الثقافة / طاهر العدوان

 

طاهر العدوان* ( الأردن ) الخميس 17/11/2016 م …


*وزير أسبق …

قرأت، ان رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي احال “ملف مكافحة التطرف ” من وزارة الداخلية الى وزارة الثقافة مبينا ان الجزء الأكبر في هذا الملف لا يقع على وزارة الداخلية وانه لم يكن هناك جدية في اخذه كما هو في مواضيع كثيرة ” بدوره اعلن وزير الثقافة ان وزارته لديها القدرة على حمله .

هذا يعني: ان الحكومة تناقش لاول مرة بجدية ملف التطرف وان مجمل النقاش ادى الى اعترافها بان الامر ليس أمنيا فقط ,انما هو في الجزء الأكبر منه ” قضية ثقافية “. فهل هذا يكفي لتناول هذا الملف بجديّة ؟.

قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من القول بان اقدام الحكومة على مناقشة التطرف برؤيا جديدة هو تقدم بحد ذاته وخروج عن التابوه الرسمي , الذي تتمسك به غالبية الانظمة العربية , ومنها الاردن بالإصرار على ان مكافحة التطرف قضية امنية صرفة . او قضية يتم حلها بنشر ” تعاليم الاعتدال ” في كتب التربية ووسائل الاعلام وصولا الى تحميل النصوص الدينية الاسلامية المسؤولية . والحقيقة ان ” جدلية التطرف ” هي قضية فكرية تتعلق في ” طابع الدولة والنظام وهويته السياسية “. فمنذ ان تفجر الربيع العربي وحتى تحوله الى شتاء قارس ، والصراع الداخلي في الدول العربية يدور بين من يريد فرض (دولة دينية ) بالارهاب , وبين من يتمسك بالديكتاتورية والاستبداد كهوية للنظام ، فيما تطالب الاغلبية المقموعة والمستباحة بمالها ودمها وعرضها (بالدولة المدنية ) التي كانت الجماهير العربية قد رفعت شعاراتها بالشوارع والميادين مطالبة بالكرامة والحرية والمساواة اي بالشروط التي يجب ان تكون عليها الدولة المدنية حتى تكون ديموقراطية .

بمعنى آخر: ملف مكافحة التطرف هو ملف الاصلاح بامتياز ، ملف لا يعالج بالقطاعي انما بالجملة ، اي بتناول المسألة بالسؤال التالي : كيف نصل بالاردن ، كدولة ونظام ومجتمع الى مرحلة ( احتواء التطرف) تحت سقف الدستور والقانون وبدون ان نضطر الى خوض معارك مع ارهاب قد يهدد الدولة والمجتمع مستقبلا ً ؟. باسلوب الوقاية خير من العلاج ، او حسب قول معاوية بن ابي سفيان ” اتحايل على الامر حتى لا يقع ” اي استباق المشكلة قبل وقوعها .

في الاشهر الاخيرة نشأ جدل في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي حول الدولة المدنية والدولة الدينية ، وهذا يشكل اقترابا من لب القضية ، وكنا نتمنى لو ان هذا الجدل لقي صدى عند الدولة بحكومتها وبرلمانها واجهزتها ، لانه شكل فرصة لإطلاق حوارات داخلية تهدف الى (وضع تعريف محدد للدولة المدنية يستقطب حماسة الاردنيين ووعيهم) . بدل جر المجتمع الى اعتقادات خاطئة تدّعي بان الدين هو منبع الارهاب , اعتقادات تستفز قطاعات واسعة من الشعب وتساهم في انتشار التطرف لا في الحد منه . الدين قد يكون احد منابع التطرف الى جانب العنصرية والتعصب القومي لكنه ليس منبعا للارهاب ..الاحتلال والاستبداد هما النبع الأصيل للارهاب والحاضنة له . وفي قراءة لكل التنظيمات الاسلامية في القرنين الماضي والحالي فان دوافع قيامها هو سياسي من اجل الوصول الى السلطة ، باستغلال حالة احتلال قائمة او استبداد مقيم ، او بتوجيه وتحريك من دول استعمارية “لغرض في نفس يعقوب ” . فالدولة الدينية لم يعرفها التاريخ الا في عهد الرسول والخلفاء الراشدين ، فمنذ عهد معاوية الى عهد السلطان عبد المجيد لم تكن الخلافة الا حكم دنيوي ” ومُلك عضوض ” كما وصفه ابن خلدون حكم سلالات توارثته وعضت عليه بالنواجذ .

في الاردن ارتفع شعار المطالبة بدولة مدنية وكأننا نعيش في دولة دينية . فماذا عن هوية دولتنا القائمة ، اليست المملكة دولة مدنية ودستورها مدني مقتبس من الدساتير الغربية ؟.

الدولة الاردنية دولة مدنية ومكافحة التطرف ليست من مهمات وزارة دون اخرى ، انما هي بقدرة النظام على تحديث الدولة وتحويلها الى ” دولة مدنية ” متكاملة الشروط بحيث يشار اليها بانها دولة ديموقراطية ووفق افضل النماذج ، كما في تايوان او كوريا الجنوبية وماليزيا ولا اريد القول مثل اوروبا وامريكا . التطرف ليس مشكلة تتعلق بالعالم العربي فقط ، هو موجود في كثير من دول العالم ، وهو يكون خطرا عندما يتحول الى ارهاب ، وفرص تحوله الى ارهاب تكون كبيرة جداً في الدول التي لا تحكم بسيادة القانون ولا تقيم للحرية والعدالة والمساواة اي قيمة . وهو مشكلة قابلة للاحتواء والسيطرة في الدول التي تحكم بالدستور وتنفذ سيادة القانون .

الرئيس الامريكي المنتخب ترامب يعتبر متطرفا في نظر نصف الأمريكيين ومعظم شعوب العالم لكنه لن ينجح في تحويل امريكا الى دولة فاشية لانها بلد يحكم فيه الدستور وتنفذ فيه سيادة القانون ، وهذا حال الدول الأوروبية التي تزداد فيها قوة الاحزاب اليمينية المتطرفة والتى قد تصل الى الحكم في انتخابات مقبلة .

التطرف بنماذجه السياسية والطائفية والأصولية والإثنية يتطلب الاحتواء عبر تحديث الدولة وتعميم العدالة وتنفيذ سيادة القانون واحلال قيم الحوار والمشاركة وتبادل السلطة . في جميع الدول الديموقراطية هناك اقصى اليمين المتطرف او اليسار المتطرف وهناك عنصريون ، لكن نادرا ما ان يتحول التطرف فيها الى ارهاب ، لان هناك سقف دستوري حصين ملزم وقانون ينفذ على الجميع . اما لماذا فشلت الدول العربية في احتواء التطرف ومنعه من التحول الى ارهاب ، فلان الانظمة لم تنشئ دول تحكم بسيادة القانون ولا اقامت مجتمعات مدنية تشارك الحكومات في تقرير شؤونها ، وبالتالي تحولت الشعوب الى مزارع للتجارب من قبل انظمة وتنظيمات تتنازع على حكم البلاد والعباد بالارهاب وبالديكتاتورية وبالفتن الطائفية والعرقية .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.