متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والخمسون / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 17/2/2024 م …

يتضمّن العدد التاسع والخمسون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة أولى عن انخفاض حركة الملاحة والتجارة عبر قناة السويس والبحر الأحمر جراء العدوان الصهيوني ودعم المقاومة اليمنية للشعب الفلسطيني المُحاصر من كل جانب، وفقرة بشأن توقعات انخفاض إنتاج السكر وارتفاع أسعاره خلال الموسم القادم 2024/2025، وفقرة على العلاقات بين المغرب وإسبانيا، كنموذج للعلاقات غير المتكافئة بين ضِفَّتَيْ البحر الأبيض المتوسط، أوروبا على الضفة الشمالية والبلدان العربية على الضّفّة الجنوبية، وفقرة عن شح النقد الأجنبي في تونس وارتفاع نسبة تضخم أسعار الغذاء، وفقرة عن اقتصاد روسيا زمن الحرب الحالية، وفقرة عن احتجاجات المزارعين في الهند وهي ثاني احتجاجات ضخمة منذ 2021، وفقرة عن استمرار، بل زيادة الإستثمار في الوقود الأحفوري ما يُقَوِّضُ التّوجّه نحو الطاقات المتجددة، وفقرة عن بزنس الرياضة بمناسبة نهائي بطولة ما يُسمى “كرة القدم الأمريكية” (سوبر بول)    




 

من تأثيرات العدوان على حركة الملاحة

تراجع الملاحة في البحر الأحمر

قبل العدوان الصهيوني على فلسْطِينِيِّي غزة، كانت ضفاف البحر الأحمر تضم ما لا يقل عن إحدى عشر قاعدة عسكرية أجنبية، معظمها أمريكية، وخلال العدوان الذي لا يزال مُستمرًّا نشرت الولايات المتحدة بوارج حربية وقوات إضافية وعززت تحالفاتها مع بريطانيا والأنظمة العميلة لها في الخليج، ونفّذت (مع بريطانيا خصوصًا) عمليات عسكرية عدوانية على شعب اليمن الذي قصفت مُقاومته السفن المتجهة إلى فلسطين المحتلة أو المرتبطة بالكيان الصهيوني، ما خفض حركة السُفُن عبر مضيق باب المندب وقناة السّويس – التي تُعَدُّ مصدَرًا هامًّا للعملات الأجنبية للدولة المصرية – بسبب تغيير بعض الشركات وجهة سُفُنها نحو رأس الرجاء الصالح (جنوب إفريقيا)، ما زاد من فترة الرحلة ومن تكلفة الشحن، وتتخوف بعض الشركات من  اضطراب سلاسل الإمداد، وتَرَاجُعِ نمو التجارة الدّولية التي تمر عبرها نحو 20% من حركة التجارة ومن إنتاج النفط العالمي، وفق وكالة “بلومبرغ” التي نبّهت منذ منتصف كانون الثاني/يناير 2024 إلى تَراجُعِ حركة مرور السفن التجارية عبر قناة السويس إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات تقريبا (منذ انتشار وباء كوفيد-19) وتحول التجارة العالمية إلى رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، وهي الطريق الأطول والأكثر تكلفة، وزادت حِدّة المَخاطر بعد الإعتداءات العسكرية الأميركية والبريطانية على شعب اليمن والمقاومة اليَمَنِية للإحتلال السعودي/الإماراتي المدعوم امبرياليًّا

انخفض حجم التجارة عبر قناة السويس، بنهاية كانون الثاني/يناير 2024 بنسبة 45% خلال الشهرين السَّابِقَيْن، وفق منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) التي عبَّر أحد مُدِيرِيها عن مخاوفه من التداعيات على التجارة العالمية، وانخفض العدد الأسبوعي لعمليات عبور سفن الحاويات بنسبة 67% على أساس سنوي، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية ( أ.ف.ب.)، مع الإشارة إلى أن أكثر من 80% من التجارة العالمية للسلع تتم عن طريق البحر، وتستقبل قناة السويس ما بين 12% و15% من التجارة العالمية وما بين 25% و30% من حركة الحاويات، وأدّى انخفاض الحركة التجارية إلى انخفاض عائدات قناة السّويس بنسبة 40% منذ بداية العام 2024 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023 ما قد يُؤَدِّي إلى اضطرابات سلاسل التوريد العالمية وتأخير تسليم السلع وزيادة التكاليف وخطر زيادة الأسعار وارتفاع نسبة التضخم. كما أعلنت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي يوم 11 شباط/فبراير 2024 “إن اقتصادات الشرق الأوسط ستتباطأ سنة 2024 وقد تنخفض نسبة النمو إلى 2,9% سنة 2024، بسبب خفض إنتاج النفط والحرب في غزة التي أدّت إلى انخفاض حركة النقل والسياحة، رغم مَتَانَةِ التوقعات الاقتصادية العالمية…”

 

غذاء

تتوقع دراسة نشرتها وكالة “رويترز- طومسون” يوم الإربعاء 14 شباط/فبراير 2024، ارتفاع أسعار السّكّر الخام بأسواق الجملة الدّولية بنسبة 20% خلال سنة 2024، بسبب انخفاض حجم الإنتاج واحتمال حصول عجز في إمدادات ومخزونات السوق الدّولية بنحو 700 ألف طن، خلال الموسم القادم 2024- 2025، وبسبب استخدام جزء من محاصيل قصب السكر في صناعة الوقود الحيوي ( إيثانول)، مع الإشارة إن السّكر واحد من مجموعة الأغذية – إلى جانب الزيوت النباتية والألبان ومشتقاتها واللحوم والحبوب – التي تعتمدها منظمة الأغذية والزراعة لقياس مُؤشرات أسعار الغذاء في نشرتها الشّهرية – كما تتوقع الدّراسة انخفاض الإنتاج في الهند، خلال موسم الإنتاج 2024/2025، وهي ثاني أكبر منتج عالمي بعد البرازيل التي تنتج ما بين 620 و 645 مليون طنا سنويا، ويتوقع أن تبلغ أسعار السكر الأبيض 700 دولار للطن المتري بنهاية العام الحالي، بزيادة حوالي 17% عن أسعار نهاية العام 2023.

 

المغرب – إسبانيا، علاقات غير مُتكافئة

 تُرَكِّزُ الدّعاية الرّسمية للنظام المغربي على الإمتيازات المالية والضّريبية التي تمنحها الدّولة لرؤوس الأموال الأجنبية، وعلى انخفاض تكاليف الإنتاج وانخفاض الرّواتب، واستغلّت الشركات الأوروبية، وبالأخص الشركات الإسبانية هذه الإمتيازات لنقل جزء من نشاطها إلى المغرب، في قطاعات مختلفة وأهمها الزراعة، حيث تشتري الشركات الإسبانية المنتجات الزراعية المغربية التي يتم تعليبها وتغليفها لتَبْدًوَ كمنتجات إسبانية تتمتّع بالمزايا الجمركية والضّريبية للإتحاد الأوروبي، وسبق أن تناولت وسائل الإعلام ما سمِّي في إسبانيا “قضية شركة ميركادونا”، وهي شبكة لتسويق السّلع الغذائية تُركِّزُ دعايتها التّجارية على “دعم المنتج الوطني”، وهي واحدة من عديد الشركات (مثل بورخيس، إحدى أعْرَق الشركات الغذائية الإسبانية) التي تشتري الإنتاج الزراعي المغربي الرخيص الذي يتم فرزه وتعليبه بالمغرب ثم يدخل إسبانيا وأوروبا كإنتاج إسباني يُباع بأضعاف سعر التكلفة، ما يزيد من أرباح الشركات الإسبانية الكبيرة على حساب المزارعين والعُمّال في المغرب وفي إسبانيا، واستغلت العديد من المصارف الإسبانية بُؤْسَ الشعب المغربي لتستثْمِرَ في نقل العديد من الأنشطة الثانوية إلى المغرب لتستفيد من بنود الإتفاقية الزراعية بين المغرب والإتحاد الأوروبي التي تضمنت، منذ سنة 2012، تحرير تجارة جميع المنتجات الزراعية الغذائية، باستثناء تلك التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي حساسة للحفاظ على مصالح فَلَّاحِي أوروبا، وكما كان مُتَوَقَّعًا، لم يستفد مزارعو المغرب من هذه الإتفاقية، بل استفادت منها بعض الشركات وخصوصًا الشركات الإسبانية التجارية الضّخمة، ما يجعل الدّعم الأوروبي للفلاحة المغربية لا يعود بالنّفع سوى على بعض الشرطات الرأسمالية الأوروبية، وخصوص الإسبانية التي استغلّت الوضع فارتفع عددها في المغرب إلى 322 شركة بنهاية سنة 2022، تشتري الإنتاج بسعر رخيص في المغرب لتبيعه بسعر مرتفع في أوروبا…

يُشجّع معهد التجارة الخارجية الإسباني (مؤسسة رسمية) هذه الشّراكة غير المُتكافئة ويدعمها ويُزَوِّد الشركات بقاعدة بيانات هامّة لزيادة استثماراتها، بمشاركة عدد من المصارف، مثل كايكسا أو بانكو ساباديل وبنكو سانتاندير وغيرها 

 

تونس

يتوجب على الدّولة تسديد أربعة مليارات دولارا من الدّيون الخارجية التي يحل أجل سدادها سنة 2024، بزيادة نحو 40%  عن مبلغ الدّيُون التي حل أجلها سنة 2023، في حين تُعاني الدّولة من شُحّ الموارد، وخصوصًا من العملات الأجنبية، ولجأت الحكومة إلى اقتراض مبلغ 2,25 مليار دولارا ( سبعة مليارات دينار) من المصرف المركزي لسداد الديون الخارجية، ومن بينها 850 مليون يورو مستحقة يوم 16 شباط/فبراير 2024.

أما بشأن الحياة اليومية للمواطنين فقد نشرت وكالة تونس إفريقيا للأنباء بيانات رسمية عن “بتاطؤ معدل التضخم السنوي للشهر الخامس على التوالي من 9,3% خلال شهر آب/أغسطس 2023 إلى 7,8% خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024،، غير إن بيانات المعهد الوطني للإحصاء تُشير إلى ارتفاع أسعار الخضار بنسبة 19,3%، والزيوت النباتية بنسبة 22,7% والأسماك بنسبة 11,9%، لتصل نسبة التضخم السنوي لأسعار المواد الغذائية إلى 12,1% خلال شهر يناير/كانون الثاني/يناير 2024، وفق وكالة رويترز يوم 06 شباط/فبراير 2024

 

اقتصاد روسيا زمن الحرب


أعلن الرئيس الروسي أن نسبة النمو النهائية للإقتصاد الروسي تتراوح بين 3,5% و 4% سنة 2023 ( يتم نشرها منتصف شهر شباط/فبراير 2024) وبالنسبة لسنة 2024، توقع صندوق النقد الدولي في نشرته الفصلية لشهر تشرين الأول/اكتوبر 2023 نمو الاقتصاد الروسي لسنة 2024 بنسبة 1,1% وبعد ثلاثة أشهر، رفع هذه النسبة إلى 2,6، وعلل هذا التغيير بارتفاع الإنفاق الحكومي على “اقتصاد الحرب” واستقرار أسعار المواد الخام، وهو ما يساعد روسيا في الحصول على دخل مرتفع من الصادرات”، وفق صحيفة فايننشال تايمز (01 شباط/فبراير 2024)، وأظهرت دراسات روسية ارتفاع إنتاج المُجَمّع الصناعي العسكري الروسي الذي حَفَّزَ قطاعات إنتاج الأسلحة والطاقة والمعادن والكهرباء وإنتاج المنسوجات والأحذية والسلع الإلكترونية، وإنتاج المُجَمَّع الصناعي الزراعي، وما إلى ذلك، رغم الحصار ومحدودية فُرَص التصدير، وعلى سبيل المقارنة قدّر صندوق النقد الدّولي نمو الإقتصاد الأمريكي بنسبة 2,5% واقتصاد الصين بنسبة 5% والعهند بنسبة 6,5% وتكمن نقطة ضعف الإقتصاد الروسي في اعتماده على إنتاج وتصدير السلع الأساسية وخصوصًا النفط الذي قد تنخفض أسعاره سنة 2024، ولكن أجهزة الدّولة تُخَطّط (وتُنفّذ) استبدال الواردات بتطوير علامات تجارية محلية وزيادة الإاستثمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والصناعات ذات الأهمية الاستراتيجية.

تمكّن الإقتصاد الروسي من الصّمود بفعل الإتجاه شرقا وزيادة حجم المبادلات مع مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وخصوصًا مع الصين، ما جعل الحكومة الرّوسية تُخطّط لزيادة حجم السلع المَشْحُونة عبر خطوط السكك الحديدية من روسيا إلى الصين، فضلا عن تطوير الطرقات والمعابر وجميع مَمَرّات النقل التي يتم تنفيذها في شرق روسيا، ما جعل حجم التبادل مع الصين سنة 2023 يفوق 200 مليار دولارا التي كانت مُستهدَفَة بحلول 2025، وتزامن نمو حجم التجارة بين روسيا والصين مع حرب أوكرانيا والحصار ضد روسيا وكذلك ضدّ الصّين التي بدأت منذ أكثر من عشر سنوات استثمار عشرات المليارات من الدّولارات في “مبادرة الحزام والطّريق”، بهدف الإلتفاف على محاولات الولايات المتحدة عرقلة نمو الإقتصاد الصيني الذي يُتَوقّع أن يتجاوز الإقتصاد الأمريكي ( الناتج المحلي الإجمالي) وعرقلة التطور التكنولوجي للصين، واتفقت روسيا والصين على زيادة حجم تدفق السلع بينهما عبر السكك الحديدية بدل قناة السويس والمراكز الأوروبية، وبذلك زادت أهمّية تطوير شبكة السكك الحديدية الروسية العابرة لسيبيريا ( ما يُسَمّى “خَطّ بام”) التي أصبحت شريانًا رئيسيًا للتجارة الخارجية الروسية عبر كازاخستان ومنغوليا ( وهي منطقة الحدود المشتركة بين الإتحاد الروسي والصين) وعبر جسر نهر “أمور”، وكذلك عبر موانئ الشرق الأقصى الروسية، وزاد معدل دوران الشحن بمقدار خمسة أضعاف خلال سنتَيْن، وفقا لرئيس الصندوق الروسي للإستثمار المباشر…

من جهة أخرى أعَدّت روسيا والصّين مخطّطات طموحة لتنمية المبادلات بينهما حتى سنة 2035، تضمين إنشاء الطرقات البرية والسكك الحديدية وخطوط أنابيب نقل المحروقات، وإشراك دول أخرى مثل إيرات التي اتفقت معها روسيا (أيلول/سبتمبر 2023 ) على زيادة حجم نقل البضائع بالسكك الحديدية بينهما ثم إلى الصين عبر الحدود بين إيران وتركمانستان وأذربيجان في إطار “ممر النّقل الدّولي بين الشّمال والجنوب”…

 

الهند – احتجاجات المزارعين

أطلقت قوات الأمن الهندية يوم 14 شباط/فبراير 2024 الغاز المسيل للدموع (بواسطة طائرات آلية) وخراطيم المياه، لليوم الثاني على التّوالي، على عشرات الآلاف من المزارعين المحتجين أثناء توجههم إلى دلهي، ضمن موجة من الإحتجاجات على مخطط “تحرير” أسعار المنتجات الغذائية، عدم تطبيق الحكومة وعودها السابقة، خلال احتجاجات سنة 2021، وذلك قبل حوالي أربعة أشهر من الإنتخابات العامة، ويطالب المزارعون برَفْع أسعار منتجاتهم، غير إن قوات الأمن أقامت حواجز مع استخدام القوة ضد المتظاهرين، لمَنْعِهِم من دخول العاصمة نيودلهي، وجاء المُزارعون من مناطق مختلفة على متن شاحنات وعَرَبات محمّلة  بالإمدادات كالأغذية والفراش وغيرها، إثر فشل المحادثات مع الحكومة بشأن الحد الأدنى لأسعار مجموعة من المحاصيل، ونشرت الحكومة المئات من أفراد المليشيات والقوات شبه العسكرية وشرطة مكافحة الشغب ونصبت كتلًا إسمنتية تعلوها أسلاك شائكة وحاويات شحن كحواجز في طريق قافلة المُزارعين، على مشارف نيودلهي وفي ولايتي البنجاب وهاريانا الشماليتين اللتين ينتمي إليهما معظم المزارعين، على بعد نحو 200 كيلومتر من نيودلهي، كما عطّلت الشرطة حركة السكك الحديدية في عدة أماكن في ولاية البنجاب لمدة أربع ساعات.

تزامنت احتجاجات المزارعين في الهند مع مظاهرات مماثلة ينظمها نظراؤهم في دول الإتحاد الأوروبي، مع اختلافات كبيرة في المخاوف والمطالب، ونظّم المزارعون في الهند احتجاجًا مماثلًا استمر لمدة عام سنة 2021 ما دفع حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى إلغاء بعض قوانين الزراعة والوعد بإيجاد سبل لضمان دعم الأسعار لجميع المنتجات الزراعية، ولكن الحكومة لم تُطبّق بَنْدَ دعم أسعار المحاصيل الزراعية، مع الإشارة إن المزارعين يُشكّلون كتلة انتخابية هامّة يمكنها ترجيح كفة التّصويت، في الإنتخابات القادمة التي سيسعى فيها حزب بهارتيا جاناتا وزعيمه ناريندرا مودي ( يمين متطرف) للحصول على ولاية ثالثة، بدعم من قيادات اتحاد المزارعين المرتبطة بالحزب اليميني المتطرف الحاكم، والرافضة لمطالب المُزارعين…

تعطلت حركة المرور على مداخل العاصمة نيودلهي وعلى الطريق الرابطة بين دلهي وولاية البنجاب عبر هاريانا، وحَظَرت الشرطة حركة المرور على مسافة 150 كيلومترا، وأوقفت خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول والرسائل الجماعية وخدمات الإتصلات في عدة مناطق لعدّة أيام…

تهدف حكومة ناريندرا مودي أيضًا منع تكرار الاحتجاج الذي استمر لمدة عام بالنصف الثاني لسنة 2020 والنّصف الأول لسنة 2021 عندما أجبر المزارعون الحكومة على إلغاء بعض القوانين المصممة لتحرير الأسواق الزراعية، وتريد نقابات صغار المزارعين الحصول على ضمانات في شكل قوانين، وليس في شكل وُعُود شَفَوِية، من ضمنها إقرار حد أدنى لسعر شراء المحاصيل، وسبق أن أعلنت الحكومة أسعار الدعم لأكثر من عشرين محصولاً، لكن الهيئات والوكالات الحكومية لا تشتري سوى الأرز والقمح بأسعار الدّعم الدُّنيا ولا يستفيد من هذه العملية سوى حوالي 7% من المزارعين الذين يزرعون تلك المحاصيل التي تستخدمها الدّولة لتخزين الإحتياطي الغذائي، ضمن برنامج الرعاية الغذائية الذي يمنح 800 مليون هندي الحق في الحصول على قدر من الأرز والقمح مجانًا، ولما ألغت حكومة ناريندرا مودي قوانين الزراعة، سنة 2021، بعد أطول احتجاج للمزارعين في الهند، أعلنت الحكومة تشكيل لجنة من المزارعين والمسؤولين الحكوميين لإيجاد سبل لضمان دعم أسعار جميع المنتجات، غير إن الحكومة تَلَكَّأَتْ وتباطأت ولم تُوفي  بهذا الوعد، ولذلك عاد المزارعون للمطالبة بتحسين أسعار المحاصيل التي وَعَدَتهم بها الحكومة سنة 2021، كما وعدتهم الحكومة قبل ثلاث سنوات بمضاعفة دخلهم، ليتمكنوا من مجابهة ارتفاع تكاليف الزراعة منذ 2016

 

نفط وغاز – زيادة الإستثمار في الوقود الأحفوري

اندمجت شركتا النفط الأمريكيتان إكسون وموبيل، سنة 1999 لِتُصْبِحَ إكسون موبيل عملاقًا للمحروقات، واستثمرت شركة إكسون موبيل يوم الحادي عشر من تشرين الأول/اكتوبر 2023، نحو 59,5 مليار دولار للاستحواذ على شركة التكسير الهيدروليكي العملاقة بايونير ناتشورال ريسورسز، لِتُسَيْطِرَ بذلك على 15% من إنتاج حوض بيرميان، وهو على الأرجح حقل النفط الأكثر إنتاجية في العالم، وبعد ما يقرب من أسبوعين، أعلنت شركة شيفرون استحواذها على شركة هيس مقابل 53 مليار دولار، وتظهر هذه الاستثمارات الكبيرة في الطاقة الأحفورية حدود الخطاب الديماغوجي عن التحول المزعوم إلى الطاقات “المتجددة والخضراء والنظيفة”، وكذلك حدود “الغسل الأخضر” ( Greenwashing ) ويُناقض حجم هذه الإستثمارات الضخمة في الوقود الأحفوري الخطاب الرسمي حول “ضرورة تشجيع استغلال الطاقات المتجددة”، وعلى الرغم من دعم الطاقة النظيفة، يبدو أن إنتاج النفط والغاز الأحفوري (خصوصًا الصّخري) يتزايد في الولايات المتحدة، بسبب نمو صادرات النفط والغاز الأمريكية إلى أوروبا وآسيا، خاصة منذ الحرب في أوكرانيا والحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على روسيا بهدف فَرْض الغاز الصخري الأمريكي على أوروبا، بحسب تقرير لشركة Oil Change International (تشرين الثاني/نوفمبر 2023).

وافقت السلطات الأمريكية على زيادات في إنتاج النفط والغاز، وإنشاء بنية تحتية جديدة، ومنحت تصاريح لتصدير الغاز الطبيعي المسال، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على البيئة والأشخاص الذين يعيشون بين تكساس ولويزيانا.

قد تعكس عمليات الاندماج والاستحواذ الأخيرة التي أنْجَزَتْها إكسون موبيل وشيفرون استمرار التزام شركات النفط بإنتاج الوقود الأحفوري ويمكن أن تشير كذلك إلى استقرار أو زيادة أرباح شركات النفط مع استغلال حقول جديدة للنفط والغاز، ولا يخشى قادة أكبر خمس شركات نفطية عملاقة في العالم من انخفاض الطلب على منتجاتهم، بدليل تحقيق هذه الشركات – بي بي وشل وشيفرون وإكسون موبيل وتوتال إنيرجي – أرباحًا قياسية ووزعت 104 مليارات دولار على المساهمين عن نشاطها سنة 2022، ومن المتوقع أن تكافئ المستثمرين بمزيد من عمليات إعادة الشراء وتوزيعات الأرباح للعام 2023، وفقًا لصحيفة الغارديان (10 شباط/فبراير 2024). ).

أعلنت شركة شل في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 عن خطط لسداد ما لا يقل عن 23 مليار دولار لمستثمريها (أصحاب الأسهم)، أي أكثر من ستة أضعاف المبلغ الذي خططت لإنفاقه على مشاريع الطاقة المتجددة، في حين وعدت شركة بريتيش بتروليوم مساهميها بزيادة قدرها 10% من أرباحها وقد تتجاوز قيمة عمليات إعادة شراء الأسهم التي أعلنت عنها “شيفرون” في بداية سنة 2023 خمسة وسبعين مليار دولارًا.

يعكس سلوك المسؤولين التنفيذيين بشركات النفط والغاز إيمانهم باستمرار استخراج الوقود الأحفوري. وهم لا يخشون أي تسريع في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتستمر شركات النفط هذه في إنفاق الكثير من الأموال على مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة وفي زيادة حصة أرباح المساهمين، وتعزّزت هذه القناعة بموافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن سنة 2023على مشروع التنقيب عن النفط في ألاسكا وخطة تسريع خط أنابيب ماونتن فالي، فيما أعطت الحكومة البريطانية الضوء الأخضر لشركة TotalEnergies الفرنسية لبدء مشروع ضخم للتنقيب عن النفط في بحر الشمال،  وتستمر نفس الشركة في بناء خط أنابيب النفط الخام في شرق إفريقيا بطول 1450 كيلومترًا، والذي سينقل ما يصل إلى 230 ألف برميل من النفط الخام يوميًا.

وتستثمر هذه الشركات مبالغ كبيرة في مشاريع جديدة وتوزع أرباحاً أكبر على المساهمين لثقتها في أنها ستحقق عوائد عالية.

تتحكم هذه الشركات العابرة للقارات بمفاصل السلطة ولذلك مَتّعتها السلطات السياسية في البلدان الغنية بالإعفاءات الضريبية والمنح والحوافز من المال العام، وفي المقابل أدّى سعْي هذه الشركات لتعظيم الرّبح إلى تغذية التضخم والتلوث، وتفاقم الفقر، ما سيتوجب تفكيك هذه الإحتكارات  ومحاكمة أعضاء الحكومات التي اتخذت إجراءات لصالحها.

 

الولايات المتحدة – بزنس الرياضة

“سوبر بول” هو الدّور النهائي لبطولة أمريكية على وجه التحديد، تتم ممارستها بالأيدي وكرة الرغبي، وتسمى “كرة القدم الأمريكية”. إنه الحدث الرياضي السنوي الأكثر متابعة في الولايات المتحدة، فقد جَمَعَ نهائي 2023 أكثر من 115 مليون مشاهد داخل الولايات المتحدة، كما جمع نهائي يوم الأحد 11 شباط/فبراير 2024 بين كانساس سيتي تشيفز وسان فرانسيسكو ما يقرب من 200 مليون مشاهد في أربعين دولة، بما في ذلك ما يقرب من 127 مليون مشاهد أمريكي، بالإضافة إلى أكثر من 72 ألف متفرج كان متواجدًا على مدرجات الملعب، وسدّد كل منهم ما بين 3000 دولار و8500 دولار للتذكرة الواحدة (10000 دولار في السوق الموازية)، فيما تتراوح أسعار تذاكر VIP (مدرج الشخصيات والأثرياء) بين 30 ألف دولار و40 ألف دولار، وفقًا لمعهد نيلسن.

وتشكل الإعلانات الإشهارية مصدرا مهما لإيرادات القنوات التلفزيونية خلال مباراة “السوبر بول” هذه، فالإعلان لفترة ثلاثين ثانية يُكلّف سبعة ملايين دولار، أي أكثر من 200 ألف دولار للثانية الواحدة، في حين كلفت 30 ثانية من الإعلان ما يقرب من 400 ألف دولار خلال نهائي كأس العالم في قطر، وكسبت شركات البث التلفزيوني أكثر من 560 مليون دولار مقابل 80 إعلانًا تجاريًا مدتها 30 ثانية.

اشترى أكثر من خمسين مليون أمريكي – ما يقرب من واحد من كل ستة أمريكيين – تذاكر الرهان الرّياضي، وهو ما يمثل إنفاقًا إجماليا قدره 16 مليار دولار من قبل الأمريكيين بمناسبة نهائي “Super Bowl“، لزيادة أرباح شركات الألعاب ورابطة دوري كرة القدم الأمريكية المحترف (LNF) الذي يعمل كشركة متعددة الجنسيات ويحاول إثارة اهتمام العالم أجمع بهذا الحدث الذي أصبح جانبه الرياضي هامشيًا. لقد حوّلت الرابطة الوطنية لكرة القدم هذا الحدث الرّياضي إلى نموذج لصناعة الترفيه والتسلية، تمامًا مثل شركة والت ديزني، وتجاوزت مجمل إيرادات الدوري الوطني لكرة القدم من حقوق البث التلفزيوني 18 مليار دولار سنة 2020، لأن سوبر بول (Super Bowl ) هو أيضًا “مهرجان استهلاك” للمشاهدين الذين يستهلكون طعامًا رديء الجودة، يعد Super Bowl أيضًا مصدرًا لإيرادات إضافية للمطاعم والحانات والمبيعات القياسية لأجنحة الدجاج وما إلى ذلك. إنه اليوم الأكثر ربحًا في السنة بالنسبة لأصحاب المطاعم، أكثر من يوم عيد الحب، ففي يوم المباراة النهائية، تم استهلاك حوالي 1,3 مليار لتر من البيرة، أي ما يعادل 495 حمام سباحة أولمبي، وما يقرب من 1,4 مليار جناح دجاج، بقيمة تقارب 2,1 مليار دولار، و4,5 ملايين طن من أضلاع لحم الخنزير، و5,6 مليون طن من لحم الخنزير المقدد، التي التهمها متابعو سوبر بول، أو ما يُعادل 6000 سعرة حرارية لكل أمريكي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.