مقال غير صالح للنشر / ايهاب سلامة

 ايهاب سلامة  ( الأردن ) – الأحد 18/2/2024 م …




يفرض الواقع العربي والإسلامي البذيء، ومرارة الخذلان الذي تجرعه الفلسطينيون في قطاع غزة، ومثلهم في أمصار عربية أغرقت في الدماء والدمار على مرأى العروبة، إلى إعادة تعريف المصطلحات التي نشأنا عليها بالفطرة، وتعديل المفاهيم العالقة في أبجديتنا، وإسقاطها من فهارس اللغة، ومعاجمها، اعترافاً منا بالواقع القميء الذي دنا بنا لما دون حضيضه.

لنعترف أولاً: لم تعد ثمة قواسم مشتركة على امتداد الخارطتين العربية والاسلامية لها فائدة تذكر؛ وفشلت قواسم الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ والثقافة والمصير المشترك، في جميع الاختبارات عبر تاريخ مخزٍ من الأزمات والنكبات العربية والإسلامية المتلاحقة، طيلة قرن غابر.

الدويلات التي جرى ترسيم حدودها، وتوظيف وجودها، وتحديد هوّياتها وسياساتها، منذ سايكس وبيكو، تجاوزت التقسيمات الجغرافية، إلى انقسامات عرقية وطائفية وأخلاقية، وأخضعت كياناتها للتبعية، وتحولت إلى حارات “كل من ايدو الو” على رأي الراحل “غوار الطوشة”.

مصطلح (الوطن العربي) مثلاً، صار بحاجة إلى إعادة تعريف، بعد أن تم تجريفه وتفريغه وتجويفه، وسقط حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، ولم يعد له من دلالات ذات قيمة، سوى ما فرضته مساحات قاحلة من الصحاري المقسمة بين قبائل متناحرة، فيما تشظت لغة الضاد بين ألسنة أقوامها، وارتدت لهجات لم يعد يفهم أحد ابنائها على الآخر.

مصطلح (القومية) بحاجة أيضاً إلى إعادة تعريف، فهو مع الحالة العربية الرديئة الراهنة، مصطلح كاذب، بعد أن هوت العروبة في قعر لا مستقر له، وتقزمت إلى “وطنية” تشرذمت هي الأخرى بين شمال قطر وجنوبه، وشرقه وغربه، وقبيلة فيه وأخرى، فيما (الحلم الوحدوي) من المحيط إلى الخليج بات الحديث عنه مسخرة، فالنكبات والخيبات، والحروب والغزوات، بين كيانات سايكس بيكو، أشرس من حروب الجاهلية البائدة.

“الأمة الإسلامية” تحتاج إلى جراحة تعديل مصطلح عاجلة، فلم يبق منها سوى اسمها، ومن فعلها سوى رسمها، وما يفرّق شعوبها يفوق الذي يجمع شملهم، وها هم اليوم يحاربون إسلامهم كما حاربه “الكفرة”، ويعيدون صناعة أوثانهم وعبادة طغاتهم!

ها هم يئدون بنات الشام، والعراق، واليمن، والسودان، ويعيدون إنتاج العبيد، بالنار والحديد، ويحولون الشعوب التي لم تكن ترتضي بالضيم إلى رقيق في سوق نخاسة.

ها هم يرشدون أبرهة إلى طريق الكعبة، ويبايعون أبا رغال بطلاً قومياً، ويعيدون تسليم مفاتيح القدس إلى بيزنطة، ويطلقون الرصاص على عمر بن الخطاب، ويشربون الأنخاب مع الفرنجة، على ضريح صلاح الدين الأيوبي!

ها نحن نتحالف مع بني النظير ثانية، ونضرب حصاراً مع أحزاب قريش على الخندق، ونشهر سيوفنا على النبي محمد مع بني قريظة!

وها نحن نقدّم غزة هاشم قرباناً على مذبح الصهاينة، ونراقب مقتل أطفالهم ونسائهم، ونمعن في خذلانهم وحصارهم، وندخل تاريخ الخيانة من أفظع وأوسع أبوابه.

لقد جفّت معاجم العروبة عن إنتاج مفردات تليق بوصف وضاعتنا نحن الذين نراقب إبادة غزة ومجازرها ولا تتحرك فينا حمية ولا نخوة وماتت فينا المشاعر والضمائر.

يا غزة القلب: لو تركت قلمي ينقاد وراء غضبي لما اكتفيت بكل ما في لغات الأرض من شتائم، لكني خشيت بأن يصنف مقالي : (غير صالح للنشر) فسامحيني!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.