العمري.. شهيد أردني جسده كما هو منذ عام 1968 / محمود كريشان

 محمود كريشان ( الأردن ) –  الثلاثاء 20/2/2024 م …




إنها إطلالة دستورية على دفاتر شهداء القوات المسلحة الاردنية ـ الجيش العربي، كبرى مؤسسات الوطن، لتشرق الحروف بالضياء، ونحن نتأهب لشرف الكتابة عن أحد شهداء الجيش العربي الاردني، عندما كان ملتحفا النار في الخطوط الأمامية للمعركة، وكان الوطن ما زال ينبض في عروقه، والحب أردنيا والرتبة على الساعد.. وردة زرعت على ثرى فلسطين.
انه الشهيد الجندي علي حسين علي العمري، إبن قرية دير يوسف في إربد.. شمال القلب والوطن..هذا الشهيد هو أحد أبطال كتيبة الحسين الآلية الثانية «أم الشهداء» وهي من أقدم كتائب الجيش العربي تأسست في 10 شباط 1942، وشاركت في العديد من المعارك على أرض التضحية والفداء.. الرجولة والإباء، وكان قائدها الشهيد الرائد الركن منصور كريشان، ولم يتمكن أي جندي صهيوني من دخول المدينة المقدسة، إلا على أشلاء مقاتلي كتيبة الحسين الثانية، التي لم يتبق منها إلا 43 مقاتلا من أصل 500 مقاتل، حيث أطلق على هذه الكتيبة لقب «أم الشهداء» التي كبدت العدو الإسرائيلي 185 قتيلا عدا الجرحى وأن أسماء وصور ومواقع قتلاهم لا تزال موجودة حتى الآن في متحف الشيخ جراح.
*جثة الشهيد.. مسك وعنبر
وفي هذا السياق يقول الأستاذ التربوي أحمد العمري «أبوحسين» وهو شقيق الشهيد الجندي علي حسين علي العمري، انه وبعد يومين من دفن شقيقه في مقابر الجندي المجهول وكانت بوسط البلد في عمان، قمنا يوم 17/2/1968 بنقل رفاة الشهيد العمري من عمان الى المقبرة الرئيسة في بلدة دير يوسف في إربد وقد كان الشهيد بكامل ملامحه الجميلة، وكان العرق يبلل جبينه الندي، مشيرا إلى أنه وفي عام 1982 قامت بلدية دير يوسف بإلغاء المقبرة القديمة، وقمنا على اثر ذلك بنقل جثمان الشهيد علي العمري إلى مقبرة أخرى في البلدة، وكان شعر رأسه كما هو جميلا ومنسدلا، وقد فاحت من جثته الطاهرة رائحة جميلة جدا، ويشهد على ذلك أبناء البلدة الذين شاركوا في عملية النقل. ويشير العمري الى ان الشهيد علي كان متزوجا من قريبة لنا المرحومة آمنة احمد العمري، وقد أنجب منها بنتا واحدة فاضلة واسمها «ازدهار» وكان الرقم العسكري للشهيد علي هو (87249) وقد شارك ببطولة في معارك القدس عام 1967.
وبين انه وقبل ذهابه الى كتيبته عام 1968 قد ودع والدته وقال لها: أنا ذاهب أدافع عن أهلنا وعرضنا ومقدساتنا في فلسطين.
*توثيق لحظة الشهادة.
ورد في كتاب التاريخ العسكري لقواتنا المسلحة الأردنية الصادر عن مديرية التوجيه المعنوي: انه وفي يوم الخميس الموافق 15 شباط 1968 قامت قوات العدو بعدوان غاشم على الأراضي الأردنية وذلك في الساعة الرابعة والأربعين دقيقة من خلال قصف منطقتي الباقورة وجسر المجامع وتل الأربعين وقرى العدسية والشونة الشمالية وفوعرا وصيدور وصما وكفر أسد وظهيرة النجار وجسر الملك حسين وجسر الأمير محمد والكرامة وقصف المنطقة الشمالية بالطائرات والمدفعية والرشاشات على أشدها، وقدم خلالها جيشنا العربي سبعة شهداء من بينهم الرائد الركن منصور كريشان وبلغ عدد الجرحى 52 بينهم 24 عسكريا والباقي من المدنيين الأبرياء وتم إسقاط ست طائرات للعدو وألحق بالمستعمرات خسائر فادحة.
*ضابط يروي تفاصيل
أمام ذلك يقول العميد المتقاعد حسن ابو زيد: يوم 15 شباط عام 1968 يوم تاريخي وطني له اكثر من معنى في التضحية، حيث باتت البطولة وأصبحت الرجولة صناعة قواتنا المسلحة الباسلة وشيمتها الأبدية، وعاش رجالها وقضوا وخاضوا ملاحم بطولية خالدة، في كل ميادين الصراع العربي الإسرائيلي دفاعاً عن القدس والمقدسات الإسلامية ولها قصص بطولية، نسجت من خلالها إرادة الجندي الأردني بخيوط من ذهب، وصنعت تاريخ مجد وفخار في ملحمة بطولية خالدة في التصدي للعدو ودحره، وقد أسقطت المدفعية الأردنية ست طائرات للعدو وإلحاق خسائر فادحه بالمستعمرات الإسرائيلية .
ففي الخامس عشر من شهر شباط عام 1968 وفي مثل هذا اليوم وقبيل معركة الكرامة الخالدة بشهر وبضعة أيام في هذا اليوم البطولي يوم الصمود والتصدي والثبات في وجه الغطرسة والغرور كانت فيه رسالة الكرامة التي سبقت معركة الكرامة بأيام معدودات وهنا يقول الحسين طيب الله ثراه في خطاب له يوم 16 شباط 1968: «إن الأردن لم يقبل في يوم من الأيام ولن يقبل في يوم من الأيام ان يجري فوق أرضه غير ما يتفق مع المصلحة العربية العليا ويدعم الحفاظ على قضية العرب الاؤلى قضية حقهم المقدس في فلسطين».
وأضاف أبوزيد: يوم الشهداء السبعة يوم ملحمة بطولية خالدة خاضها عدد من رجال قواتنا المسلحة الباسلة بقيادة الرائد الركن الشهيد البطل (منصور كريشان ) قائد كتيبة الحسين الثانية ورفاقه يوم 15 شباط 1968 قبيل معركة الكرامة بستة وثلاثين يوماً خاض مجموعة من نشامى الجيش العربي الباسل على الجبهة الشمالية، معركة شرسة ضد العدو، وارتقى فيها سبعة شهداء في نفس اليوم بقيادة الرائد الركن الشهد منصور كريشان هذا الفارس الذي رثاه جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال «طيب الله ثراه» نظرا لما يُعرف عنه من بطولة وشجاعة في كافة الحروب التي خاضها الجيش العربي وقد جاء في الرثاء: «بالأمس الموافق 15 شباط 1968 أيها الإخوة خط الشهداء الأبطال من رجال قواتنا صفحة جديدة في سجل بطولتهم الخالدة وكرّمهم ربهم بالشهادة العالية فباتوا مصدر عزة وفخار لنا ولأسرهم ووحداتهم العسكرية، ومن أولئك شهيدنا البطل الرائد الركن منصور كريشان الذي عرف درب البطولات قبل اليوم في معارك القدس قبل شهور».
ولفت أبوزيد الى انه ايضاً هناك كوكبة أخرى لحقت بمن سبقها من نشامى الجيش العربي للانضمام إلي قوات الرائد الركن منصور كريشان قائد الكتيبة، وان هناك اربعة شهداء ارتقوا متأثرين بجروحهم ونالوا شرف الشهادة، واختلطت دماؤهم بالسبعة الذين قاتلوا قتالاً شديداً ليصبح عدد الشهداء 11 بالإضافة الي الشهيد منصور كريشان وهم: الشهيد الجندي الاؤل من محافظة إربد عوض محمد إبراهيم الجراح/ الشهيد الجندي محمد عقلة مصطفى عبدالرحمن من إربد/ الشهيد الجندي طايل محمد هدهود من المنصورة «المفرق»/ الشهيد الجندي علي حسين علي العمري من دير يوسف إربد/ الشهيد علي سويلم حسين من المفرق/ الشهيد محمد حمدان إبراهيم من القدس/ وتبعهم في اليوم الثاني أربعة من الشهداء الابطال هم: الشهيد العريف محمود عيد قاسم النسور من محافظة السلط/ الشهيد الجندي منير احمد إبراهيم المصري من حرثا إربد/ الشهيد الجندي احمد حسن عبد الرحمن من إربد/ الشهيد الجندي أحمد عبدالله حسين من نابلس/ وهناك عدد كبير من الشهداء المدنيين وصل عددهم الي 48 شهيداً وعدد اخر من الجرحى، وتكريما لهؤلاء الشهداء الابطال وتكريما لهذه الكوكبة من شهداء الخامس عشر من شهر شباط عام 68 فقد صدرت الإرادة الملكية السامية باعتبار يوم الـ 15 من شباط هو يوم تكريم للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدماء سمي بـ»يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى» حيث أراده جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الباسلة الملك عبدالله الثاني، يوماً أردنياً للقاء العسكرين المتقاعدين ويوم استذكار لصفحات مشرقة في تاريخ القوات المسلحة.
*من المسجد الحسيني
شهدت مناطق وسط البلد يوما تاريخيا خالدا عندما شيعت الجماهير والجنود جنازة الشهداء الذين قضوا في مواجهة في منتصف شهر شباط 1968 قبل معركة الكرامة بشهر عُرفت بمعركة الثمان ساعات بمنطقة ام قيس في شمال الاردن، وتم تشييع جثامينهم الطاهرة من المسجد الحسيني الكبير في مراسم شعبية حاشدة حيث اكتظت الجموع فوق الأبنية المحيطة وضاقت شوارع عمان القديمة بالآلاف من الذين شاركوا في تشييع جثمان الشهداء الأبطال الذين تصدوا لقطعان العدو الصهيوني.
*صرح الشهداء في دير يوسف
في وسط بلدة دير يوسف وبجوار المسجد العمري الكبير ارتفع هذا الصرح الذي تم بناؤه برعاية المنطقة العسكرية الشمالية، وهو تصميم معبر عن معنى الشهداء وقد حمل أسماء 10 شهداء من أهل البلدة 4 منهم من شهداء عام 1967م وهم: (الشيخ يونس احمد العمري، محمد حسين العمري، عبدالهادي محمد العمري، محمد علي العمري)، و5 شهداء من معركة الكرامة 68 وما سبقها وهم الشهداء: أحمد شحادة العمري، محمد صالح العمري، تيسير أحمد العمري، إسماعيل احمد العمري، علي حسين علي العمري، وشهيد واحد عام 1970 هو الشهيد قاسم محمد العمري.
فيما يوجد في البلدة دوار الشهداء حيث شارك أبناء قرية دير يوسف وطنهم العزيز في أشرف معاركه، وقدموا أروع وأنبل الشهداء في المعارك التي خاضها جيشنا العربي الأبي، وقدموا لأبناءهم تاجا فخريا يرفعون به رؤوسهم في أي مكان في هذا الوطن، وتقديرا لهم فقد تم بناء دوار الشهداء في وسط هذه القرية لتبقى ذكراهم وتاريخهم تَمثل أمام أعيننا مثلا وقدوة لنا.
*مجمل الانتماء والعشق
ختاما.. سيبقى الجيش الاردني ..فاتحة اعراس الأرض، نلجأ اليه، ونلوذ به، ولا تغيب بقعة دم شهيد من دفاتره المشرقة، ومن دفاتر اطفالنا.. فالشهادة تنبض في الوجدان وتومض في الكتابة عن عطره ومجده وفجره الجميل و: هذي النُّجودُ مِنَ الزنود رمالُها.. والأوفياءُ الطّيبّونَ: رِجالُها.. العادياتُ: خيولُها، لم تَفْترِقْ.. عَنْ ساحِها.. والصّابراتُ: جِمالُها!.. صَحْراءُ.. إلاّ أَنّ سَعْفَ نَخيلهِا.. قُضُبٌ.. يَعزُّ على الدّخيلِ مَنالُها وفقيرةٌ.. لكنّ يابِسَ شيحهِا.. لا الأرضُ تَعْدِلُهُ، ولا أموالُها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.