خفايا العدوان الصهيوني: مشاريع خطيرة / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 23/2/2024 م …

رابط المُداخلة السمعية البصرية أسفل النّص




تقديم:

قال الرئيس المصري أنور السادات إن توقيع اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني سيسمح بتخفيض الإنفاق العسكري وتخصيص المزيد من الأموال للتنمية. لقد وعد الشعب المصري بالرخاء والإزدهار، ولكن وبعد أكثر من 45 عاماً ازداد الوضع سوءاً، وظهرت النتائج الكارثية للتطبيع مع العدو ولم تسترد مصر سيادتها الكاملة على أراضيها، بما في ذلك سيناء، حيث يحتاج دخول الجيش المصري إلى جزء من وطنه، موافقة أمريكية وصهيونية، ولا تمارس الدولة المصرية أي سيادة على المناطق الحدودية بين مصر وفلسطين، ولا يمكن للدولة المصرية أن تتخذ أي قرار بشأن سيناء دون موافقة الولايات المتحدة والدولة الصهيونية، أما رفح فهي مدينة يقع جزء منها في مصر والآخر في فلسطين، ولا يمكن للدولة المصرية أن تقرر فتح أو إغلاق المعبر الحدودي بين غزة ومصر دون إذن وإشراف ومراقبة الدولة الصهيونية، والدولة المصرية غير قادرة – إن توفّرت الإرادة – على التصدي للمخطط الصهيوني لنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.

أما الغاز المنهوب من الساحل الفلسطيني قبالة ميناء مدينة حيفا المُحتلّة فيتم تسييله ومُعالجته في مصر قبل تصديره إلى أوروبا، ما يجعل مصر متعاقدة من الباطن مع الكيان الصهيوني، فقد سمح “التطبيع الاقتصادي” بـ”الإندماج المهيمن” للدولة الصهيونية في منطقة المشرق العربي، والكيان الصهيوني هو الممثل الرسمي للمصالح الإمبريالية في المنطقة، وتمتد هيمنته من الخليج إلى المغرب، ولم تستفد مصر، أهم دولة عربية وأول دولة طبّعت علاقاتها رسميا، من استسلامها، بل على العكس من ذلك، ارتفعت الديون الخارجية ونسبة الفقر والبطالة والأمية والهجرة غير النظامية للمصريين بحثًا عن عمل، وتُناور الدولة الصهيونية – بدعم من الولايات المتحدة – لبناء قناة – اصطُلِحَ على تسميتها “قناة بن غوريون” – تنافس قناة السويس وتحرم مصر من عائدات القناة، وهو مشروع قديم يعود تاريخ طرحه إلى ما بعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، لكنه عاد إلى السّطح مؤخّرًا…

 

ظروف عودة المشروع الصهيوني إلى الواجهة

أدّى العدوان الصهيوني على فلسطينِيِّي غزة إلى بعض الرُّدُود من المقاومة في بعض البلدان المجاورة لفلسطين، واستهدفت المقاومة اليَمَنِيّة السّفن المُتجهة إلى أو القادمة من موانئ فلسطين المحتلة، والتي تعبر خليج عَدن ومضيق باب المندب، ورغم أهمية البحر الأحمر وربطه بين ثلاث قارات (آسيا وإفريقيا وأوروبا) غَيَّرت بعض الشركات مسارات سفنها إلى رأس الرجاء الصالح (جنوب إفريقيا) ما يزيد من زمن الرحلة أسبوعًا كاملا بفعل المسافة الإضافية المُقَدّرة ب3500 ميل بحري، ومن تكلفة نقل الشحنات وارتفاع تكاليف التأمين والرسوم، وتضرّر الإقتصاد المصري جراء انخفاض عدد السّفن العابرة لقناة السويس التي تَعْبُرُها السفن الحربية والتجارية المُتّجهة إلى أو القادمة من آسيا وآوروبا عبر باب المندب، أحد المنافذ البحرية الحيوية في البحر الأحمر الذي يبلغ عرضه 18 ميلاً في أضيق نقطة له، ما يجعل حركة الناقلات تقتصر على قناتين فقط للشحنات الواردة والصادرة، وأهمها 12% من إجمالي الشحنات العالمية للنفط الخام و8% من شحنات الغاز الطبيعي المسال، وخصوصا المتجه من منطقة الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السّويس، أو السلع الأخرى المتجهة إلى آسيا.

يبلغ طول قناة السويس 192 كيلومتراً، وتمثل شريانًا حيويًّا للتجارة العالمية، وخصوصًا لنَقْل نحو 9,2 مليون برميل يوميا من شحنات النّفط، أو نحو 9% من إجمالي الإمدادات العالمية، فيما تمر نسبة 12% من التجارة العالمية البحرية و 40% من حجم المعاملات التجارية بين آسيا وأوروبا ومجمل صادرات النفط الخليجية عبر البحر الأحمر، واستغلت بعض الدّول والشركات اضطراب حركة الملاحة، بفعل العدوان الصهيوني، لتفعيل بدائل قديمة لقناة السويس والبحر الأحمر ( مثل قناة بن غوريون التي تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر) أو ابتكار بدائل جديدة (مثل طريق الهند الخليج فلسطين المحتلة أوروبا)، فضلا عن محاولات تركيا تحويل ميناء جيهان إلى محور لعبور الغاز القادم من روسيا ودول وسط آسيا أو جعل ميناء مرسين محطة للمشروع الإيراني “طريق التنمية” الذي يمتد من ميناء الفاو العراقي في البصرة إلى ميناء مرسين التركي، ليكون بديلا لقناة السويس…  

 

تراجع الملاحة في البحر الأحمر

قبل العدوان الصهيوني على فلسْطِينِيِّي غزة، كانت ضفاف البحر الأحمر تضم ما لا يقل عن إحدى عشر قاعدة عسكرية أجنبية، معظمها أمريكية، وخلال العدوان الذي لا يزال مُستمرًّا نشرت الولايات المتحدة بوارج حربية وقوات إضافية وعززت تحالفاتها مع بريطانيا والأنظمة العميلة لها في الخليج، ونفّذت (مع بريطانيا خصوصًا) عمليات عسكرية عدوانية على شعب اليمن الذي قصفت مُقاومته السفن المتجهة إلى فلسطين المحتلة أو المرتبطة بالكيان الصهيوني، ما خفض حركة السُفُن عبر مضيق باب المندب وقناة السّويس – التي تُعَدُّ مصدَرًا هامًّا للعملات الأجنبية للدولة المصرية – بسبب تغيير بعض الشركات وجهة سُفُنها نحو رأس الرجاء الصالح (جنوب إفريقيا)، ما زاد من فترة الرحلة ومن تكلفة الشحن، وتتخوف بعض الشركات من اضطراب سلاسل الإمداد، وتَرَاجُعِ نمو التجارة الدّولية التي تمر عبرها نحو 20% من حركة التجارة ومن إنتاج النفط العالمي، وفق وكالة “بلومبرغ” التي نبّهت منذ منتصف كانون الثاني/يناير 2024 إلى تَراجُعِ حركة مرور السفن التجارية عبر قناة السويس إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاث سنوات تقريبا (منذ انتشار وباء كوفيد-19) وتحول التجارة العالمية إلى رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، وهي الطريق الأطول والأكثر تكلفة، وزادت حِدّة المَخاطر بعد الإعتداءات العسكرية الأميركية والبريطانية على شعب اليمن والمقاومة اليَمَنِية للإحتلال السعودي/الإماراتي المدعوم امبرياليًّا.

انخفض حجم التجارة عبر قناة السويس، خلال شهرَيْن بنسبة 45% بنهاية كانون الثاني/يناير 2024، وفق منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) التي عبَّر أحد مُدِيرِيها عن مخاوفه من التداعيات على التجارة العالمية، وانخفض العدد الأسبوعي لعمليات عبور سفن الحاويات بنسبة 67% على أساس سنوي، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية ( أ.ف.ب.)، مع الإشارة إلى أن أكثر من 80% من التجارة العالمية للسلع تتم عن طريق البحر، وتستقبل قناة السويس ما بين 12% و15% من التجارة العالمية وما بين 25% و30% من حركة الحاويات، وأدّى انخفاض الحركة التجارية إلى انخفاض عائدات قناة السّويس بنسبة 40% منذ بداية العام 2024 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023 ما قد يُؤَدِّي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وتأخير تسليم السلع وزيادة التكاليف وخطر زيادة الأسعار وارتفاع نسبة التضخم، وأعلنت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي يوم 11 شباط/فبراير 2024 “إن اقتصادات الشرق الأوسط ستتباطأ سنة 2024 وقد تنخفض نسبة النمو إلى 2,9% سنة 2024، بسبب خفض إنتاج النفط والحرب في غزة التي أدّت إلى انخفاض حركة النقل والسياحة، رغم مَتَانَةِ التوقعات الاقتصادية العالمية…”

 

إعادة التَّمَوْقُع الأميركي في البحر الأحمر

تواترات التّهديدات الأمريكية بتوسيع رقعة العدوان في منطقة البحر الأحمر، باسم “حماية طُرُق التجارة العالمية وحرية الملاحة”، وخصوصًا لحماية للكيان الصهيوني، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف حركة المقاومة “أنْصار الله” ضمن المنظمات الإرهابية، بداية من يوم الجمعة 16 شباط/فبراير 2024، وهدّدت الولايات المتحدة بنشر قواتها البرّية في منطقة مدينة وميناء الحُدَيْدَة باليمن ( غربية البلاد)، كما أعلنت المفوضية الأوروبية نَشْر السفن الحربية للأسطول الأوروبي في البحر الأحمر، ونفّذت الولايات المتحدة وبريطانيا عملية إعادة انتشار قواتها في البحر الأحمر، ومنعت الصيادين اليمنيين من ممارسة الصيد في عرض سواحل بلادهم، ونشرتْ عددًا من السفن العسكرية لحماية السّفن المُتعاملة مع الكيان الصهيوني والتي حَظَرت المقاومة مُرُورها، ما أدّى إلى تَعْزيز عَسْكَرَة البحر الأحمر، لتأمين السّفن المُتّجِهَة إلى أو القادمة من موانئ فلسطين المحتلة، بالتحالف مع السعودية والإمارات والكيان الصهيوني، وردّت المُقاومة اليمنية على هذا الإستفزاز بتصعيد هجماتها العسكرية ضد السفن البريطانية والأميركية والصهيونية في البحر الأحمر وخصوصًا في خليج عدن، وأقَرَّ “المجلس السياسي الأعلى” الحاكم في صنعاء قانون تصنيف الكيانات والدول المعادية للجمهورية اليمنية، وإنشاء “مركز تنسيق العمليات الإنسانية” الذي سوف يتولى تنفيذ العقوبات البحرية على الدول المُعادية، وأظهرت المقاومة فعاليتها، حيث أضافت أكثر من عشرين سفينة شحن في البحر الأحمر وخليج عدن، إلى بياناتها الملاحية وَأجهزة التعريف الخاصة بها، نَفْيَ أي صلة لها بالعدو الصهيوني والولايات المتحدة وبريطانيا، لتجنّب تعرّضها للعقوبات اليَمَنِيّة.

 

ما هي أهداف العدوان الإمبريالي-الصهيوني الحالي؟

لم يعد لدى القادة الصهاينة احتياطي من المهاجرين اليهود المحتملين إلى فلسطين المحتلة، ولم ينجحوا في التخفيف من الهاجس الدّيموغرافي وجعل المُستعمرين اليهود الصهاينة أغلبية في فلسطين المحتلة، بل حصل العكس لأن عمليات المقاومة يمكن أن تخيف المستوطنين الموجودين بالفعل، وتُثْنِي من يعتزمون الهجرة والمستوطنين المستقبليين، ويقلل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإيرادات السياحة…

تضم المياه الإقليمية قبالة سواحل قطاع غزة حقلَيْن رئيسيين للغاز: الأول يقع على بعد 35 كيلومتراً غرب مدينة غزة، والثاني داخل المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، ويعمل الكيان الصهيوني، منذ اكتشاف هذه الحُقُول، على طرد الفلسطينيين بالقوة وبالمحاصرة والتّصعيد ومحاولات القضاء على المقاومة، لتتحقّقَ كذبة “أرض بلا شعب” وليصبح استغلال مكامن الغاز الكبيرة مُمكنًا، وتُخَطّط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لحويل غزة ( بعد إفراغها من سكانها) إلى مركز اقتصادي يضم ميناءً كبيرًا يمكن استغلاله تجارياً وعسكرياً، فقد اعتَبَر الكيان الصهيوني والولايات المتحدة – منذ تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي سنة 1956- شمال غزة موْقِعًا مِثالِيًّا للإلتفاف على قناة السويس، من خلال بناء قناة جديدة تربط خليج العقبة بالبحر الأبيض المتوسط، ويعيب مشروع هذه القناة البَدِيلَة إنها أطول من قناة السويس، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة إنشائها، مما أدى إلى تأجيل تنفذ المشروع لما يقرب من ستة عقود، وأعاد نضال المُقاومة الوطنية اليمنية في البحر الأحمر هذا المشروع إلى أجندة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، مع تعديله وتحديثه، لتَمُرّ القناة عبر غزة التي فتُصبحَ المسافة أقْصَر وتنخفض النّفقات وتُصبح أوْسَعَ وأعمَق وأَرْخَصَ من قناة السويس، أي أكثر تنافسية وأكثر رِبْحِيّة… وليس من باب الصُّدْفَة أن يَعُود طَرْح هذا المشروع في الظّرف الحالي، بعد أشهر قليلة من طرح مشروع الهند والخليج وأوروبا، وهو مشروع أمريكي، تم تصْميمه لينافس مشروع «طريق الحرير الجديد» الصيني (أو الحزام والطريق)، ويكون بذلك المشروع الصهيوني مكمِّلًا لمشروع الهند والخليج وأوروبا…  

منذ انطلاق عدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 على فلسطينِيِّي غزة مَنَحَ الكيان الصهيوني تراخيص التنقيب عن الغاز قبالة ساحل غزة لبعض الشركات ( شركة إيني الإيطالية وشركة دانا إنرجي البريطانية والشركة الصهيونية ريشيو بتروليوم) ما اعتبرته بعض المنظمات الحقوقية جريمة حرب بواسطة النهب، مع الإشارة إلى عدم انضمام الكيان الصهيوني إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، بحكم عدم وجود حدود معروفة لدولة الإحتلال، ثم منحت حكومة الإحتلال، يوم 29 تشرين الأول/اكتوبر 2023، إثنا عشر ترخيصًا لِسِتِّ شركات، من بينها شركة بريتيش بتروليوم وشركة إيني الإيطالية، للتنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ، حيث يُقدّر حجم احتياطي الغاز بنحو 1,4 تريليون قدم مكعبة، ودعمت الولايات المتحدة هذا النهب، بل شَجّعته وأشرفت على تنفيذه، وفي هذا الإطار يتنزل إعلان الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، خلال قمة العشرين في نيودلهي، عاصمة الهند (التاسع من أيلول/سبتمبر 2023) إطلاق “خطة لبناء قوة اقتصادية مشتركة” تشمل إ”نشاء ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية “، ويصل المشروع ميناء دُبَيْ بميناء أم الرشراش وحيفا في فلسطين المحتلة، وفي هذا السياق تُعتَبَرُ السيادة على حقول الغاز في غزة أمراً حيوياً بالنسبة للإحتلال الصهيوني واعتبر رئيس وزراء العدو إن الممر الإقتصادي الهندي “أعظم مشروع  في تاريخ إسرائيل (…) التي ستُشكل تقاطعًا مركزيًا في هذا الممر الاقتصادي وستصبح خطوط السكة الحديدية والموانئ بوابة جديدة بين الهند في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا…”، ويندرج العدوان على فلسطينيي غزة، بداية من السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، في إطار هذه الخطة لطرد الفلسطينيين من وطنهم، ونهب الغاز من سواحلهم وتحويل غزة إلى محطة لتصدير الغاز ومحطّة عبور الممر الإقتصادي الهندي…     

أصبح الكيان الصهيوني مُصَدِّرًا للغاز، بعد اكتشاف الغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية التي يحتلها الصهاينة مع أراضي فلسطين، وتم اكتشاف الغاز في ساحل حيفا ثم في ساحل غزة سنة 1999، وتنهب سلطات الإحتلال هذه الثروة فيما يُسدّد الفلسطينيون 22 مليون دولارا كل شهر مُقابل استهلاك الكهرباء في غزة والضفة الغربية.

 

إعادة إحياء مشروع قناة بن غوريون

أدّى قرار مصر تأميم قناة السويس سنة 1956، وانتزاعها من المصالح البريطانية والفرنسية، إلى العدوان الثلاثي بمشاركة بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني ضد مصر، و ظلت قناة السويس مغلقة أمام حركة السفن الصهيونية لمدة عام، ومن هنا جاءت فكرة “قناة بن غوريون” التي ظهرت سنة 1963، عندما طور مختبر لورانس ليفرمور الأمريكي سيناريو يستخدم التفجيرات النووية لحفر القناة العابرة لفلسطين قريبًا من غزة، بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، كبديل لقناة السويس، وبقيت الوثيقة سرية حتى سنة 1993، ويتطلب إنجاز قناة بن غوريون ( التي تمر شمال غزة) استثمارات كبيرة، تتطلب بدورها استتباب الأمن وإنشاء وضع آمن لرأس المال، كي يرتفع العائد على الإستثمار، ولذلك تم طرْح إزاحة أو طَرْد الفلسطينيين من غزة، وخاصة من الطرف الشمالي…

عاد الحديث من جديد عن مشروع قناة بن غوريون بعد اتفاقيات إبراهيم التي  جعلت بعض الأنظمة العربية ترى في العدو الصهيوني صديقًا لها ضد إيران، وأعلنت استعدادها للتعاون معه، منذ سنة 2020، لما تم إبرام صفقة شحن النفط الإماراتي عبر خط أنابيب من ميناء أم الرشراش بفلسطين المحتلة على ذراع البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم تم الإعلان عن “مَمَر اللهند – الشرق الأوسط – أوروبا” من قِبَل الرئيس الأمريكي، خلال اجتماع مجموعة العشرين في أيلول/سبتمبر 2023، وهو خط مواصلات من الهند إلى أوروبا عبر شبه الجزيرة العربية وميناء دُبَيْ في الإمارات إلى ميناء حيفا بفلسطين المحتلة ثم إلى أوروبا، وفي ذروة العدوان الصهيوني على فلسطينيي غزة، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، اتفق حكام الإمارات مع الكيان الصهيوني على إنشاء جِسْر بين ميناء دُبَيْ وميناء حيفا، لتَجَنُّب ضربات المقاومة اليَمَنِيّة التي استهدفت السفن الصهيونية والتي لها ارتباطات مع العدو.

لما تعرضت سفينة حاويات ضخمة لعطب في قناة السويس، ( آذار/مارس 2021)، توقفت حركة الملاحة في قناة السويس، فعاد الحديث عن قناة بن غوريون وأعلنت حكومة الكيان الصهيوني خلال شهر نيسان/إبريل 2021، أنها ستبدأ في بناء قناة مزدوجة بطول 181 كيلومترا وبعمق خمسين مترا، وهي أعمق من قناة السويس بعشرة أمتار، وعرض 200 متر، لتكون قادرة على استيعاب أكبر السفن في العالم، وهي ميزة على قناة السويس الأكثر محدودية، ويمكنها التعامل مع حركة المرور في الاتجاهين، ويستوجب إنجاز المشروع استثمارات بقيمة تتراوح بين 16 إلى 55 مليار دولارا، ليجني الكيان الصهيوني نحو 6 مليارات دولار سنويا من رسوم العبور، مما سيؤدي إلى خفض كبير في إيرادات مصر التي بلغت 9,4 مليار دولارا خلال السنة المالية من 1 تموز/يوليو 2022 إلى 30 حزيران/يونيو 2023، وفق وكالة رويترز بتاريخ 21/06/2023…  

لكن لم يبدأ البناء، وعلّلت مجلة “أوراسيا ريفيو” ( 17 تشرين الثاني/اكتوبر 2023 ) ذلك بأن إحياء هذا المشروع القديم يتطلب إخلاء قطاع غزة من أهله وتهجير الفلسطينيين لتَمُرّ القناة من شمال غزة، حتى البحر الأبيض المتوسط، ما يساعد على خفض التكاليف وتقصير مسار القناة عبر تحويل محطتها النهائية إلى قطاع غزة، بدلا من ميناء حيفا، فضلا عن استغلال احتياطي الغاز المُتوفر بنحو 1,3 تريليون متر مكعب في سواحل غزة والذي تم تأكيده منذ سنة 1999.

 

دَوْر الأنظمة العربية

ساهمت الأنظمة العربية – من خلال العلاقات السياسية والإقتصادية – في تمكين العدو من الإندماج المُهيْمن بإشراف امبريالي أمريكي على العديد من الإتفاقيات التطبيعية، ومنها  “اتفاقات إبراهيم” و “منتدى النقب” و”تحالف – I2U2 – و”الممر الاقتصادي” الذي صمّمته وأعلنته الولايات المتحدة خلال مؤتمر العشرين بنيودلهي، ويربط هذا الممر الهند بأوروبا مروراً بالخليج وفلسطين المحتلة، ما يزيد من تشابك العلاقات والمصالح بين الأنظمة العربية وكيان الإحتلال، في إطار محاولات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والهند خَنْق اقتصاد الصّين ومنافسة مبادرة “الحزام والطّريق”، وخدمة مصالح الولايات المتحدة بدرجة أولى، سواء من خلال “منتدى النقب” ( الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ومصر والإمارات والبحرين والمغرب) أو تحالف – I2U2– (الولايات المتحدة  والكيان الصهيوني والهند والإمارات) أو “المَمَرّ الإقتصادي” لنقل الطاقة والسّلَع الذي يربط ميناء دُبَي بميناء حيفا ويجعل الإمارات طرفًُا في كل مشاريع التطبيع وإدماج الكيان الصهيوني في الوطن العربي، وإدماج البلدان العربية في المُخطّطات الأمريكية المُعادية للصّين وربط أنظمة الخليج بحلفاء واشنطن في آسيا ( اليابان وكوريا الجنوبية والهند ) بهدف عرقلة نمو اقتصاد الصين ومبادرة “الحزام والطريق”، ولا تهتم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالنظام المصري، أول المُطبّعين، ولا بمصالحه الإقتصادية، عند تصميم مشروع “المَمر الإقتصادي” بين الهند وأوروبا أو عند تحديث مشروع “قناة بن غوريون” المنافس لقناة السويس…   

تعتبر سلطات الإحتلال الصهيوني إن “قناة بن غوريون” تُوَفّرُ لها مصدرًا للنفوذ على واحدة من أهم نقاط الشحن في العالم للسلع المصنعة والحبوب والوقود الأحفوري، وعلى أحد الشرايين الرابطة بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، والقضاء على قناة السويس التي عَبَرتها 22 ألف سفينة سنة 2023، ونحو 12% من حجم التجارة الدّولية، والسّلع الإستراتيجية مثل المحروقات، وهي ممر للسفن الحربية الأمريكية، ومنها سفن الأسطول السادس الذي يجوب البحر الأبيض المتوسط ويراقب البحر الأسود شرقًا والمحيط الأطلسي غربًا، ويعبر قناة السويس والبحر الأحمر نحو القواعد الأمريكية الهامة في الخليج، ونحو المحيط الهندي وجنوب وشرق آسيا، وأدّى التخطيط الصّهيوني لإعادة مشروع “قناة بن غوريون” إلى الواجهة وتهديد قناة السويس، إلى زيادة التقارب بين مصر وروسيا والصين، وانتماء مصر إلى مجموعة بريكس والمشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية…

تتمثل بعض أهداف العدوان الصهيوني الحالي على فلسطينيي غزة، بدعم مطلق وغير محدود من كافة الدّول الرأسمالية المتقدمة مواصلة عملية تهجير الشعب الفلسطيني التي بدأت قبل ثمانين سنة، وتدمير قطاع غزة لجعله غير قابل للسكن، وإنشاء دولة يهودية حصرية في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، وفي السيطرة على احتياطيات الغاز البحرية، وتحويل غزة إلى محطة رئيسية للشحن الدّولي وللتجارة الدّولية من خلال حفر “قناة بن غوريون” التي من المُقَرّر أن تنافس أو تقضي على قناة السويس…

قد يتنزل قرار الولايات المتحدة وحلفائها وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ضمن تحويل قطاع غزة – التي يُشكل اللاجؤون ثُلُثَيْ سكانها – إلى مكان غير صالح للعيش، وجاء القرار مباشرة بعد إعلان محكمة العدل الدولية ضرورة “اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية”، ويهدف القرار الأمريكي ( والحلفاء) تشويه منظمات الأمم المتحدة، ووقف المُساعدات التي كانت تقدمها “أنروا” إلى الشعب الفلسطيني، ما يزيد من حدة المجاعة المنتشرة الآن بين السكان، وفق مجلة منظمة العفو الدّولية – كانون الثاني/يناير 2024 

 كما يندرج مشروع القناة الصهيونية ضمن المشروع الصهيوني للسيطرة على منطقة عربية تمتد من النيل إلى الفرات، أو ما سماه القادة الصهاينة مشروع «إسرائيل الكبرى» الذي يشكل هدفاً دائماً، ولذلك فإن عمليات استعمار الأراضي الفلسطينية ودول الجوار لن تنتهي باحتلال غزة وطرد سكانها – إذا حدث ذلك – بل سوف يستمر احتلال الأراضي ونهْب الثروات والتَّهجير القَسْرِي للسّكّان، لتكون المقاومة وحدها – وليس المفاوضات أو الإنبطاح والإستسلام والتّطبيع – هي التي ستردع هذا الكيان الاستعماري الذي استمَرّت جرائمه منذ ما قبل النّكبة ( 1948 ) ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة، بدعم عسكري ومالي وإعلامي من القوى الإمبريالية والأنظمة العربية الرجعية.

رابط المداخلة السمعية البصرية يوم الجمعة 23 شباط/فبراير على الساعة السابعة مساء بتوقيت الجزائر وتونس وباريس

https://www.youtube.com/live/TtdaR33CEWo?si=l7SJ1PVWZsN_ix1N

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.