أفيقوا واستيقظوا يا عرب / أ.د. مازن قمصية

أ.د. مازن قمصية ( فلسطين ) – الجمعة 23/2/2024 م …




فرضت إسرائيل مجاعة جماعية، وترتكب كل يوم مجازر. ما حصل كان كله متوقعًا. لقد كتبت كتابًا عن هذا سابقًا قبل 20 سنة .  يعيش الأطفال الآن في الشوارع والخيام وسط البرد القارس. أجسادهم الضعيفة الهشة تمزقها القذائف أو تموت من الجوع ويعاني أكثر من 700 ألف شخص من أمراض مرتبطة بالمجاعة ونقص المياه النظيفة ونقص الصرف الصحي. وعلى الرغم من وجود أناس جائعين ومضطهدين آخرين في أماكن أخرى (العراق واليمن والسودان والصحراء الغربية وغيرها)، إلا أن وضعنا فريد من نوعه. الصور مروعة ولدينا إبادة جماعية نشطة ومتعمدة من قبل قوة استعمارية تدعمها حكومات العديد من القوى الاستعمارية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأستراليا). يتم بث الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة ولا يتم إخفاؤها. ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه لم يعرف. كل إنسان على هذه الأرض يعرف (بما في ذلك الجناة والشركاء في الجريمة)، لكن موضوعي هنا ليس المعرفة؛ فالفساد هو الذي يؤدي إلى هذه الأشياء.
من المؤكد أن هناك ما يكفي من الموارد لإطعام وكساء وإيواء كل فرد على هذا الكوكب. 3% مما تنفقه الولايات المتحدة على الجيش يكفي للقضاء على الجوع في العالم. يمكن للسودان وحده أن يغذي العالم العربي، لكنه الآن غارق في صراع تقوده قوى نخبوية من إسرائيل وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة. وكانت سوريا أيضاً دولة مزدهرة. كانت فلسطين كانت جنة على الأرض. الجميع يعرف الأسباب ويبدو أن الشمال العالمي الذي تسيطر عليه شركات الإعلام التابعة له، لا يهتم إلا إذا قُتل الأوروبيون البيض، ويهتف عندما يُقتل السكان الأصليون بشكل جماعي لدعم النخبة والسياسية الغربية وأذيالهم. في المائة عام الماضية، قُتل ما لا يقل عن 200 مليون شخص أو ماتوا جوعا في الجنوب العالمي، ويرتبط ذلك بشكل أساسي بحصول النخب على موارد تلك البلدان. من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والقوات المسلحة للدول، أصبحت المكائد الرامية إلى فرض هذه السيطرة والتسبب في عمليات القتل والحروب التي لا نهاية لها مفهومة جيدًا الآن من قبل الجماهير في جميع أنحاء العالم. إن المذبحة التي شهدتها فلسطين على مدى السنوات الـ 76 الماضية تشهد ولكنها تضيء المعرفة أيضًا وتُسقط الأقنعة. فلسطين عبارة عن إسفين جغرافي بين المنطقتين اللتين تتمتعان بأهمية جيوسياسية كبيرة: شمال أفريقيا وغرب آسيا (كل منهما عربية ومسلمة إلى حد كبير). كان في كلتا المنطقتين عدد كبير من السكان الأصليين المسلمين واليهود والمسيحيين وأتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون في وئام . ثم جاءت الصهيونية واتفاقاتها الجانبية: وعد بلفور وكامبون. وسايكس بيكو، ومؤتمر سان ريمو، ومؤتمر “السلام” في باريس ألخ. كان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى إنشاء دويلات صغيرة على خلاف مع بعضها البعض و”دولة يهودية” تقسم إسفينًا في هذا العالم العربي والإسلامي وتمارس الهيمنة الشاملة. أصبح المشروع الصهيوني أساسياً في التدمير الغربي للعالم العربي والإسلامي بدءاً من فلسطين ولكن متفرعاً إلى الحروب على ليبيا واليمن وسوريا ولبنان والعراق والصومال وغيرها. يجب أن تُفهم “إسرائيل” كما قال البروفيسور إيلان بابي على أنها مشروع صهيوني، مشروع الصهيونية العالمية والإمبريالية، وكلاهما كان موجودًا قبل إسرائيل ومن المرجح أن يكون موجودًا (على الرغم من ضعفه) بعد انهيار إسرائيل. والحكومات الأميركية والغربية التي تدعم المشروع وتغطيه ستتخلى عنه وتنتقل إلى مشاريع أخرى.
كانت ولا تزال سياسة فرق تسد هي السياسة المتبعة. إيجاد أي اختلافات صغيرة بين بعض الأشخاص (الدين، الطوائف، الجغرافيا) وتحريضهم ضد بعضهم البعض. ولكن للقيام بذلك كانت هناك حاجة إلى خلق “قادة” على استعداد للامتثال ومحاربة أي شخص لا يرغب في الامتثال. بعد أن أنشأ البريطانيون والفرنسيون “دولاً” قاموا بتركيب دُماهم في تلك الدول. ومن بين الدول الـ 22 التي تسكنها أغلبية عربية، فإن أكثر من ثلثيها تُدار من قبل دمى غربية (أنظمة حكم كليبتوقراطية مثل حكام المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، بين دول أخرى كثيرة). ويساعد هؤلاء الحكام في تنفيذ المشاريع التي تطيل أمد الحروب والإبادة الجماعية. الديكتاتور المصري السيسي يساعد في محاصرة 2.3 مليون شخص في غزة. الممر التجاري البري الذي يمر من الإمارات العربية المتحدة عبر المملكة العربية السعودية عبر الأردن أنقذ الاقتصاد الإسرائيلي بينما امتثل اليمن للقانون الدولي لوقف السفن المتجهة إلى إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية.
ولم يكن “القادة” الفلسطينيون في مأمن من الخطط الغربية ووقعوا بخطأ تاريخي. كانت هناك اتفاقيات تم توقيعها في واشنطن العاصمة 1993 و 1994. ولصرف انتباهنا يسمونها “اتفاقيات أوسلو”، ولكن ينبغي أن تسمى اتفاقيات واشنطن. وما تبعها أنهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية في محاولة تحرير فلسطين وتحويل القيادة الفلسطينية إلى “السلطة الفلسطينية” المسؤولة بشكل رئيسي عن توفير الأمن للمحتلين الإسرائيليين (المستوطنين والجنود) وتخفيف العبء المالي للاحتلال باستخدام المساعدات الخارجية لدعم حكم هيئات خدمية للشعب المحتل ومعظمها ليست ناجحة. الاقتصاد للفلسطينيين تدهور (ما عدا المستنفعين “من عظام الرقبة”) بينما منحت الإتفاقيات الحكومة الإسرائيلية إحتلالُ هو الأكثر ربحية في التاريخ. وارتفع عدد المستوطنين من 150 ألفاً إلى 930 ألفاً خلال 30 عاماً من “عملية السلام” التي تم تنظيمها لترسيخ الاستعمار والفصل العنصري. وهذا ما حققته اتفاقيات واشنطن (المعروفة أيضاً باسم أوسلو). لقد دمرت منظمة التحرير الفلسطينية، ودمرت ولايتها، بل وزعمت أنها غيرت دستورها (وهذا كان اجتماع غير قانوني). الرئيس عرفات ضمنيا وليس علنبا عاد إلى المقاومة ولذ سمموه وعينوا بديلا
بينما تزعم حكومة محمود عباس والحكومات العربية والغربية أنها عاجزة عن لجم إسرائيل ووقف الإبادة الجماعية، فإن الحقائق على الأرض تظهر العكس. كيف يمكن لغزة المحاصرة والفقيرة أن تهزم الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر وتصمد أمام قصف الإبادة الجماعية للشهر الخامس بينما تتسبب في مقتل أكثر من 800 (بعض التقديرات 4000) جندي إسرائيلي وتُكلف الاقتصاد الإسرائيلي 33 مليار دولار؟ كيف يمكن للبنان المحاصر والفقير أن يُلحق خسائر فادحة بإسرائيل العنصرية، ويُجبر 100 ألف مستوطن يعيشون على الأراضي المسروقة في الجليل على المغادرة؟ كيف تمكن اليمن المحاصر والفقير من إغلاق الشحن من وإلى دولة إسرائيل التي تمارس الإبادة الجماعية. إذن نحن نعلم الآن أن حرب 1948 و”حرب الأيام الستة” عام 1967 لم تكن حروب! بل إن هؤلاء القادة العرب المتواطئين لم يفكروا جدياً في الحرب، ناهيك عن عمل حرب. وكثير من قيادات السلطة الفلسطينية التي تدعي دعم “المقاومة السلمية” تعاونت في الواقع مع إسرائيل لتدمير كل أشكال المقاومة (أنظر كتابي المقاومة الشعبية في فلسطين ).
طبعا هنالك من الشرفاء في كل التنظيمات السياسية ومنها فتح وأستطيع أن أسمي العديد منهم وأملنا أن يقودوا فصائلهم وتتجدد قيادات. رغم كل التواطؤ العربي والإسلامي، فإن فلسطين تعيش والفلسطينيون يشكلون درعا ضد التوسع الذي كانت الصهيونية تأمل فيه لإنشاء إمبراطورية تمتد على الأقل من النيل إلى الفرات. في الواقع يزعم الصهاينة المتدينون علنًا أن جميع غير اليهود سيكونون عبيدًا لهم ,بأننا في آخر الزمان. ولعل بطولة وصمود الملايين من أبناء شعبنا (هنا وفي المنفى) والشرفاء الفلسطينيون القادة ومنهم الشهداء (أي غير المتخاذلين والمستنفعين) على مدى 76 عاما. والتضحيات لن تضيع: 140 ألف شهيد, مليون ممن جربو السجون. 800 ألف  جريح. عدم استسلام 99% من شعبنا جعلت من عدونا يفقد توازنه ويمعن في القتل والخسة والقسوة والوحشية
ولكن لن ينقظه ذلك
سيحاول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إصدار قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار (يجب أن يسمى قرارًا لإنهاء الإبادة الجماعية) لكن من المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) وبالتالي تنتهك قوانينها مرة أخرى وكذلك اتفاقية الإبادة الجماعية. ولكن هنالك صحوة عالمية بعد أن أسقطت غزة وفلسطين كل الأقنعة الكاذبة. خاصة بين مئات الملايين من جيل الشباب والشابات والذين يغيرون هذا العالم النتن وسيسقط معه كل من استنفع أو خان ضميره. وقد أعذر من أنذر وتاب ورجع لضميره ولأمته …ولكل زمان كلام
كما أنذرنا جورج أنطونيوس قبل حوالي مئة عام: أفيقوا واستيقظوا يا عرب

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.