المحامي محمد احمد الروسان يكتب: عامان على المواجهة الدولية في أوكرانيا وتصنيع الأزمات

 المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 24/2/2024 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

( = = ) القوى الصاعدة: روسيّا والصين: نهوض البقية تتسيّد العالم.

( = = ) أمريكا بمفاتنها: لم تعد امرأة قيصر التي لا تمس.

الولايات المتحدة الامريكية الازدواجية، ومفاصل حكمها، وعميق دولتها، وشركات سلاحها، أرسلت أكثر من أربعة ملايين قذيفة، ونصف مليار رصاصة الى كييف، وخصّص الكونغرس الأمريكي، أكثر من 120 مليار دولار، منها 50 مليار مساعدات عسكرية لكييف، عداك عن أوروبا وخاصة ألمانيا، والتي تقع في الترتيب الثاني بعد واشنطن في ارسال السلاح والمال، ومع ذلك فشلوا جميعاً دون استثناء، في كسر الفدرالية الروسية.

ويبدو أنّ سوريا قد تعود ومن جديد، كساحة مواجهة من الآن فصاعداً، بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية الازدواجية، ليس بسبب الملف السوري، وإنّما بسبب ملفات أوكرانيا والدرع الصاروخي في أوروبا، وقد تكون هذه المواجهة عقبة إضافية أمام الحلّ السياسي في سوريا، وكل ما أستطيع قوله: إنّ تآكل العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الازدواجية، يجعل التعاون بينهما في سوريا صعباً، وهناك معطيات إضافية تشرح لماذا لم تتقدم العلاقات بين روسيا وأميركا؟…وعلى العكس من ذلك، فقد واصلت تراجعها فوق ومن تحت الطاولة، ومن بين هذه المعطيات، ما تعتبره روسيا، تجديد أميركا لسباق التسلّح النووي، أو ما ترى فيه أميركا، تدخلاً روسيّاً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ذات مرة، أو ذلك الهجوم الأميركي على قوات روسية رديفة في وادي الفرات ذات مكان وزمان، والذي أوقع حصيلة من القتلى، لم تعرفها حتى الحرب الباردة، وباستثناء التفاهم على خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية السورية، لا تزال كلّ الملفات الأخرى – عند نقطة ميتة.

ورغم ذلك التفاهم الروسي الأمريكي في الجنوب السوري، فانّ روسيا ما زالت، تتحدث عن مخطط أمريكي  خطـير جنوب سوريا، حيث أفاد المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف في الشهر الماضي، بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية، تُنفذ خطة في جنوب سوريا، وعلى وجه الخصوص في محافظة القنيطرة، وأشار لافرينتيف: إلى وجود معلومات استخباراتية عميقة، حول خطط أمريكية، لتشكيل شبه دولة في جنوب سوريا، خاصة في القنيطرة، وأكد أن هذا المخطط، يشكل تهديدًا للمصلحة القومية للأردن.

ولم يقدم لافرينتيف تفاصيل حول المخطط الأمريكي في الجنوب السوري أو الجهات التي تقوم بتنفيذه على الأرض، وتشهد المنطقة الجنوبية من سوريا، نشاطًا في عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود مع الأردن، الأمر الذي دفع الأردن إلى شن غارات جوية داخل مناطق السويداء.

وفي عمق هذا الاشتباك: ثمة حرب خفية، بين كارتل النظام العالمي الجديد وسلة رموزه بعد رحيل هنري كيسنجر، وكارل شواب تبع دافوسنا في البحر الميت، بصفته المفكّر للجيل الثاني، من كارتل النظام العالمي الجديد، حيث رموزه الجدد على شاكلة الراحل هنري كيسنجر، وأكثر خبثاً ومكراً، ويؤمنون بالعمل المرحلي، بينما شواب تبع دافوسنا، يؤمن بإحراق المراحل، ويمثل الجيل المتغطرس الثاني، من النظام الدولي الجديد، والمتسرّع لجني الثروة.

مدرسة كارل شواب الحمقاء، هي التي ستؤدي الى خساره كارتل النظام العالمي الجديد لنفوذه، وعودة كارتل النظام العالمي القديم وحلفائه، الذي يزدادون يوماً بعد يوم، الى السيطرة والتحكم من جديد، حيث المواجهة الروسية مع الأطلسي والأمريكي، لا أقول دخلت في استراتيجيات استنزاف متبادلة بين كافة الأطراف، لا بل في استراتيجيات التغوط والاستخراء الأمريكي، في ساحات ومساحات أوروبا، ونحن أمام عالم ما بعد أمريكا، كما بشّر ومنذ أكثر من عقد فريد زكريّا، في كتابه: عالم ما بعد أميركا، بتحوّل كبير يجري اليوم في العالم، ويكشف عن نهوض أمم، مقابل الانحسار الأميركي، وأروع ما في كتاب زكريا: أنّه يبشّر القوى الصاعدة، أو ما يسميها: نهوض البقية، بأنّها: ربما تتسيّد العالم خلال عقدين قادمين.

والولايات المتحدة الأمريكية، بكارتيلاتها الحاكمة والناظمة، مارست بنهم وبشراهة وتبنت، استراتيجيات متعددة، لسياستها الخارجية، وأدوار مجلس الأمن القومي الأمريكي في صناعتها، حيث لعبت فيها القوّة العسكرية، دوراً محورياً وما زالت، ونجحت في جوانب كثيرة في تحقيق أهدافها، من خلال الاستناد والاعتماد، إلى وعلى عنصر القوة النارية الماحقة، والاستخبارات القذرة، ومفاعيلها وتفاعلاتها وأفعالها، لكنها مؤخراً، وفي ظل تغير البيئة الجيوسياسية، وتعقيدات الوضع الراهن، صارت تواجه المشاكل تلو المشاكل، والتعقيدات والعراقيل، ولم تعد تستطيع تحقيق النجاحات هنا وهناك بكل سهولة مفرطة، كما في الماضي البعيد والماضي القريب كما الحال والمسألة برمتها حاضرة في الحاضر الحالي وقد تستمر في المستقبل.

وحتّى حديثاً: اعتبرت مؤسسة، الأمن السيبراني الأمريكي، في عقيدتها واستراتيجيتها، أنّ الفدرالية الروسية خطر خطير وكبير وعميق، والصين خطر متسارع، وكوريا الشمالية وايران خطر مستمر، وبالتالي صار التعليم الاستراتيجي في أمريكا، ربما أصبح ببساطة مطلقة، طقسا من طقوس الاجتياز لمرحلة أكاديمية، بدلاً من أن يكون شيئاً، يتم وضعه موضع التنفيذ، حيث الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، ولكن بالمقابل: يجب على الاستراتيجيين، والسياسيين، والقادة العسكريين، أن يدركوا نوع الحرب التي يخوضونها ولا يخطئون فيها، ولا يحاولون تحويلها إلى شيء، لا يمكن أن يكون، بسبب طبيعة الظروف.

الاستراتيجية الامريكية، فشلت في أفغانستان والعراق، والتي بلغت تكلفتها 6 تريليونات دولار، وقادت بنتائجها الى المزيد من تغيير النظام في ليبيا، مما أغرق ذلك البلد في حرب أهلية (وحرب لاحقة بالوكالة)لا تزال مستعرة حتى يومنا هذا، وكما فشلت ذات الاستراتيجية الأمريكية في سورية، وأحبطت المحاولات الغربية المختلفة، والمتعدد بالتعاون مع جلّ العرب، للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بسبب الصمود السوري، والدعم الروسي والإيراني، مما ضمن ويضمن بقاء الأسد ونسقه السياسي وجيشه العربي، مسيطراً بقوة، حيث الجوهر قوّة المنطق والفعل، لا منطق القوّة الذي يمارسه الغرب بإسهال مائي شديد.

وفشلت الاستراتيجية الأمريكية، في ردع ومنع روسيا، عن عمليتها العسكرية الضرورية والمستحقّة، في جورجيا في عام 2008 أو في استعادة القرم انتخابياً وعسكرياً في عام 2014 م، ومرة أخرى في عام 2022 م العملية العسكرية الروسية الخاصة المشروعة في الداخل الأوكراني،  وأخيراً وليس آخراً، الفشل الأمريكي مع جلّ الموضوع الصين، فإن الإجماع المتشدد الناشئ في واشنطن، على أن الصراع مع الصين مرجح بشكل متزايد، إن لم يكن حتمياً، يخاطر بإضفاء الطابع الأمني المفرط، على كل جانب من جوانب العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.

والسؤال الجوهري: كيف وصلت واشنطن الى سلّة الفشل الاستراتيجي هذه؟ والجواب: لقد كسبت الولايات المتحدة على الأقل منذ التحول الصناعي، حروبها(عندما فازت بها)من خلال الاستخدام الساحق للقوّة والقوّة النارية، ولقد أنتجت أمريكا، عبر المجمّع الصناعي الحربي، وبشكل مستمر وأساسي، كميات مذهلة من المواد الحربية، التي تم جلبها مباشرة، للتأثير على خصوم محددين بوضوح، وتقليديين لم يتمكنوا من مضاهاتها أو الصمود أمامها،  وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يكن جميلا بالضرورة، إلا أنه كان فعّالا،  وأصبح هذا النهج الخطي للغاية للحرب، هو دليل اللعب الاستراتيجي الافتراضي لدى منظومات الحكم الأمريكي والكارتلات المسيطرة.

ولسوء حظ أمريكا، غالبا ما يكون مثل هذا النهج الخطي للحرب، غير كاف في بيئات شديدة التعقيد ومترابطة، وتعد التحديات في عالم اليوم متعددة الأبعاد، ولا تمثل في كثير من الأحيان، مركز ثقل عسكري يمكن تحديده بوضوح، ناهيك عن مركز، يمكن ترجمة أضراره أو دماره، بسهولة إلى أهداف سياسية.

وقد يعالج هذا المسار والرتم الاستراتيجي، المشكلة الأساسية، فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ الإجابة النموذجية هي: عسكرة المشاكل، التي قد تستعصي على الحلول العسكرية البحتة، ويبدو أن قيادة الأمن القومي هناك غير قادرة، حتى بعد كميات هائلة مما يسمى بالتعليم الاستراتيجي لكثير من الطلاب والاستراتيجيين، على النظر إلى تحد استراتيجي ناشئ، وتسأل نفسها بنفسها، عن ما هي خصائصه ومتطلباته الفريدة؟.

 وهل لدى واشنطن بالفعل، الأدوات والقدرات والإمكانيات، لتحقيق النتائج السياسية المرجوة؟… وبسبب افتقارها إلى هذه القدرة، فإنّها غالبا ما تعتمد، بشكل غير فعّال في أحسن الأحوال وبشكل كارثي في أسوأ الأحوال، للاعتقاد السام بأنّه إذا استخدمنا القوّة الكافية، فيمكننا تحقيق أي هدف نرغب فيه… وهي لم تعد تدرك: أنّه ليس كلّ شيء متاح أو ممكن.

أمريكا في العمق وبدلاً، من التعلم من أخطائها السابقة، فإنّها تضاعف من الأساليب الاستراتيجية الفاشلة، وبشكل هيستيري متفاقم ومتعدد الأوجه، بحيث نفس الأصوات التي سيّرت وقادت أمريكا، إلى الفشل الاستراتيجي في العشرين سنة الماضية، لا تزال تلوح في الأفق الأمريكي المؤسساتي بشكل كبير، في كواليس ومنحنيات، المناقشات الأمنية الحالية والمعاصرة.

حسناً: يتساءل اليانكي الأمريكي: ما هو العمل لتثقيف قادة الأمن القومي؟… ويجيب:  إنّ البيئة الاستراتيجية الأمريكية، المعقدة في نهاية المطاف، تتطلب اليوم مجموعة مختلفة، اختلافاً جوهرياً من المهارات، ويتعين عليه أيضا – على اليانكي، أن يعترف وبعمق: بأنّ التحديات الاستراتيجية مفرطة الترابط اليوم، ليست قابلة للحل، بقدر ما هي قابلة للإدارة فحسب، ويمكن أن يساعد التبصر الاستراتيجي، الذي يتضمن ممارسة تصور مستقبل بديل، من أجل تحسين الشعور بالتغيير، وتشكيله والتكيف معه.

ويستعرض عقل اليانكي التالي: وبينما تنتقل أمريكا، إلى بناء منصات وحلول بيانات قائمة على الذكاء الاصطناعي، يجب علينا أيضاً، يقول: لا بدّ من تطوير رأس المال الفكري بشكل متعمد، ويتطلب الارتقاء إلى مكانة عالية في الأمن القومي أكثر من مجرد شراء الأشياء أو تطوير أنظمة الأسلحة أو متابعة التقنيات التخريبية، ويتطلب من المتخصصين في مجال الأمن القومي، أن تكون لديهم القدرة المعرفية للاستفادة منها، والعمل على عسكرتها لهذه القدرة المعرفية.

جلسات العصف الذهني المخابراتي والتفكيري، لجلّ الورش التي يعقدها اليانكي الأمريكي، تتموقع وتتموضع: في أنّهم  بحاجة إلى نهج جديد، للتعليم الاستراتيجي، ينتج قادة متواضعين، وغير مصابين بالجمود، أو ما هو أسوأ من ذلك، غير مدفوعين إلى سلوكيات افتراضية عفا عليها الزمن، بسبب عدم اليقين، الذي لا مفر منه في عالم اليوم المعقد – عالم الفوكا، هم بحاجة إلى المزيد من القادة(كما يتحدثون)الذين يمكنهم، عند الاقتضاء، قول: لا، ربما لا يمكننا تحقيق ذلك من خلال الوسائل العسكرية، لكننا قد نكون قادرين على القيام بذلك، باستخدام مجموعة الأدوات المتاحة لدينا.

والابداع الأمريكي الخلاّق، يكمن فقط: في التخريب، واستراتيجيات التغوط والأستخراء، في أوكرانيا وأوروبا، خدمة لمصالحها الضيقة، واليكم التفاصيل، وكيف ترقص الشياطين على رؤوسها هنا:

المصلحة الأساسية للولايات المتحدة، والتي من أجلها تخوض الحروب، على مدى قرون من الزمن، بما في ذلك الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة، والان الحرب مع روسيا، بصورة غير مباشرة، عبر الأطلسي من خلال البيادق الأوكرانية النازية الفاشية، كانت وما زالت: موضوع العلاقة بين ألمانيا وروسيا، لأن اتحاد البلدين معاً، يشكل القوة الوحيدة، التي يمكن أن تهدد أمريكا والغرب، ويجب العمل وبقوّة، على أن لا يحصل هذا الاتحاد، بأي صورة من الصور.

الى حد ما، لا علاقة للأزمة الأوكرانية الحالية بأوكرانيا، إنما الأمر يتعلق بألمانيا، وعلى وجه الخصوص، بخط الأنابيب الذي يربط ألمانيا بروسيا(نورد ستريم- 2 )، والذي تم تفجيره ضمن مخطط محكم ومعقد وقادح، من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، من خلال مجاميع أوكرانية نازية فاشية، والشيء الوحيد المؤكد في هذه الفترة الحرجة، هو أنّ كل ما تقرره برلين، سيؤثر على أمريكا وأوروبا، حيث المستفيد الأول والأخير، من  تعطيل هذا الخط نورد ستريم – 2 : هي واشنطن وكارتلات الطاقة فيها.

ومن هنا يمكننا أن نفهم لماذا وكيف أنّ واشنطن، تعتبر خط الأنابيب نورد ستريم- 2 هذا، تهديداً لمصالحها وأولوياتها في أوروبا، وهي لم تهمل مناسبة إلاّ وحاولت فيها وعبرها، عرقلة سير المشروع، ومع ذلك، استمر نورد ستريم- 2، وبات جاهزاً للانطلاق، وبمجرد أن يقدم المنظمون الألمان المصادقة النهائية(طبعاً هذا كلّه قبل المواجهة الروسية الأطلسية الحالية   – نحن نشرح لنفهم المزيد من الأسباب للمسألة الأوكرانية) وستبدأ عمليات توصيل إمدادات الغاز الروسي إلى كل أوروبا، وسيكون للمنازل والشركات في ألمانيا، مصدر موثوق للطاقة النظيفة وغير مُكلفة، بينما ستشهد روسيا زيادة كبيرة في عائدات الغاز، إنه وضعٌ مربحٌ للطرفين ليس مجرد خط أنابيب بالطبع(هكذا الحال قبل المواجهة الحالية مع روسيا).

انّ إدارة السياسة الخارجية الأميركية، ليست سعيدة بهذه التطورات، ولما يوفره ويتيحه، هذا الخط الغازي من امتيازات هائلة للطرفين الروسي والألماني، وبالتالي الأوروبي، إنّهم لا يريدون، أن تصبح ألمانيا أكثر اعتماداً على الغاز الروسي، لأنّ التجارة تبني الثقة، والثقة تؤدي إلى توسيع الأعمال التجارية وغير التجارية، وكلما ازداد دفء العلاقات، يتم رفع المزيد من الحواجز التجارية بين البلدين، ومعها يتم تخفيف اللوائح والشروط، وينتعش قطاعا السفر والسياحة، وتنشأ بنية أمنية جديدة بين البلدين.

عندها فقط: تكون ألمانيا وروسيا، دولتين صديقتين وشريكين تجاريين، ليست هناك حاجة لقواعد عسكرية أميركية، ولا حاجة لأنظمة صواريخ وأسلحة أميركية باهظة الثمن، ولا حتى لوجود حلف شمال الأطلسي، ليست هناك حاجة أيضاً إلى التعامل، مع صفقات الطاقة بالدولار الأميركي، وعمليات الدولارة، حيث المعركة معركة الدولار، أو تخزين سندات الخزانة الأميركية، لموازنة الحسابات المختلفة والمتعددة، ويصبح بالإمكان والمتاح الممكن، إتمام المعاملات بين شركاء الأعمال مباشرة، وبعملاتهم الوطنية الخاصة، وهذا يساهم في خفض قيمة الدولار بشكل كبير، وإحداث تحول كبير في القوة الاقتصادية.

خلاصة الفكرة: هذا هو السبب الرئيسي لمعارضة إدارة جو بايدن مشروع نورد ستريم-2، إنّه ليس مجرد خط أنابيب، إنه نافذة على المستقبل، مستقبل تتقارب فيه أوروبا وآسيا معاً، في منطقة تجارة حرة وضخمة، تزيد من قوتهما المتبادلة، وازدهارهما المشترك، مستقبل تصبح فيه الولايات المتحدة مستبعدة ومحبطة.

لذلك رأت الدولة العميقة في واشنطن، وقبل بدء الحرب الأوكرانية الحالية، أنّ علاقات أكثر دفئاً بين ألمانيا وروسيا، ستكون بمثابة مؤشر إلى نهاية النظام العالمي الأحادي القطب، الذي استفردت الولايات المتحدة بقيادته على مدار السنوات الطويلة الماضية، كون التحالف الألماني – الروسي من شأنه، أن يُسرّع انحدار القوة العُظمى، التي تقترب حالياً من الهاوية، هذا هو السبب في أن واشنطن، مصممة على بذل كل ما في وسعها لتدمير نورد ستريم – 2، وإبقاء ألمانيا في مدارها، إنّها مسألة بقاء مبدأ فرّق تَسُد، هنا يكمن موقع أوكرانيا في الصورة العامة للوضع الراهن، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية، بدفع الناتو وأوروبا في المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، عبر نظام كييف النازي الفاشي، من خلال الدمية فلاديميرو زيلنسكي، فكانت أوكرانيا وجغرافيتها المتقيحة بالإرهاب البيولوجي والمختبرات والنازيين والفاشيين الجدد وجلّ مسألتها أيضاً: هي السلاح المفضّل لأمريكا: لنسف نورد ستريم -2، ووضع إسفين عميق بين ألمانيا وروسيا.

وهنا لا بد من الإشارة التالية:  انّ نشر الولايات المتحدة وألمانيا، نتائج تحقيقات متطابقة، في قضية تفجيرات نورد ستريم – 2 في الوقت نفسه، دليل على وجود تلاعب متعمد، في نشر معلومات بهذا الصدد، لحرف التحقيقات، عن الدور الأمريكي الواضح، والذي يقف بقوة تخطيطاً وتنفيذاً، خلف نسف هذا الخط الغازي الهام.

إنّ العملية كانت مقنّعة: تحت غطاء تمرين حلف شمال الأطلسي، الذي تم الإعلان عنه على نطاق واسع، في منتصف صيف عام 2022 م، والمعروف باسم عمليات البلطيق 22، الذي أُجري في شهر حزيران 2022 م، وبحسب المعلومات المتوفرة: فإنّ الغواصين الأميركيين في أعماق البحار، استخدموا تدريبات عسكرية للناتو كغطاء، وزرعوا ألغاماً على طول خطوط الأنابيب التي تم تفجيرها لاحقاً عن بُعد، بالتعاون مع مجاميع إرهابية من الاستخبارات الأوكرانية.

وقد أطلقت الاستخبارات الأمريكية، على هذه العملية في بحر البلطيق وبحر الشمال اسم: العملية السوداء، التي أمر بها الرئيس جو بايدن، والهجوم نفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بالتعاون مع النرويج وكييف واستخباراتهما.

كون البيت الأبيض، كان يخشى من أن تتوقف ألمانيا وأوروبا الغربية، عن تزويد الأسلحة التي تريدها أوكرانيا، وأنّ ألمانيا قد تعيد تشغيل خط الأنابيب ذاته، وهذا كان مصدر قلق كبير في واشنطن، مع الإشارة إلى أنّ رئيس الولايات المتحدة، يفضّل أن يرى ألمانيا تتجمد، بدلاً من أن تتوقف برلين عن دعمها لأوكرانيا، وهذا بالنسبة اليه، أمر مدمّر للبيت الأبيض.

وما لم يُقَل بعد وحتّى هذه اللحظة: هو أنّ روسيا لم تغزُ أي دولة منذ تفكك الإتحاد السوفييتي، وأنّ الولايات المتحدة هي التي غزت، وأطاحت بأنظمة في أكثر من 50 دولة في نفس الفترة الزمنية، وهي من يحتفظ بأكثر من 800 قاعدة عسكرية في مختلف أنحاء العالم، حيث وسائل الإعلام، لا تتحدث أبداً عن هذه الوقائع والحقائق والمسلّمات، لكنها توظف كل إمكاناتها وتركيزها على(بوتين الشرير)الذي حشد نحو أكثر 100 ألف جندي روسي، على طول الحدود الأوكرانية، و ويهدّد بإغراق أوروبا بأكملها، في حرب دموية أخرى، انّ الاعلام الغربي والامريكي، هو اعلام رأي لا اعلام خبر، ومعه بعض اعلام التسلية، في بعض الساحات والمساحات والزنقات العربية. كل هذه الدعاية الحربية الهستيرية الغربية الأمريكية، تتم بهدف تصنيع أزمة، يمكن استخدامها لعزل روسيا وشيطنتها، وفي النهاية تقسيمها إلى مجموعات صغيرة، ومع ذلك، فإنّ الهدف الحقيقي ليس روسيا، بل ألمانيا.

لقد كان الخيار الوحيد، المتبقي أمام الدبلوماسيين الأميركيين، لمنع عمليات الشراء الأوروبية(قبل المواجهة الروسية الأطلسية الحالية)هي جرّ روسيا للقيام بعمل عسكري، ثم الادعاء بأنّ الانتقام من هذا الفعل، يفوق أي مصلحة اقتصادية وطنية بحتة، وعلى ما أذكر كمتابع: هذا ما أوضحته وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية المتشددة، فيكتوريا نولاند، عندما قالت في إيجاز صحفي لوزارة الخارجية في 27 يناير من عام 2022 م:  إذا غزت روسيّا أوكرانيا بطريقة أو بأخرى، فإن نورد ستريم- 2 لن يمضي قدماً.

الموضوع بالأبيض والأسود هو: فريق بايدن  أراد حثّ روسيا على ارتكاب عمل عسكري، من أجل تخريب نورد ستريم -2، وهذا يعني أنه سيكون هناك نوعاً من الاستفزاز، يهدف إلى حث بوتين على إرسال قواته، عبر الحدود للدفاع عن الروس في الجزء الشرقي من البلاد، وإذا بلع بوتين الطُعم، فسيكون الرد سريعاً وقاسياً، سوف تنتقد وسائل الإعلام هذا العمل، باعتباره تهديداً لأوروبا بأكملها، بينما سينتقد القادة في جميع أنحاء العالم بوتين باعتباره(هتلر الجديد)، هكذا كان الخبث الأمريكي فقط وفقط: في استراتيجيات التغوط أو الاستخراء في الحمّام الأوكراني، حيث اخراج فضلات الطعام.

والروس كانوا يعلمون كل ذلك وأكثر، واستعدوا له جيداً: مالياً وعسكرياً ومخابراتياً ودبلوماسياً واعلامياً، لذلك هم دخلوا في عملية عسكرية خاصة ومشروعة، في الداخل الأوكراني، انّه القتال على عتبة البيت الروسي، انّه دخول وتدخل الضرورة، وكل الخيارات على الطاولة مطروحة، بما فيها الخيار النووي.

هذه هي باختصار: إستراتيجية التغوط الأمريكية في الداخل الأوكراني، لا بل لشطب أوروبا كونها ساحة تنافس لأمريكا، انّها استراتيجية الأستخراء في الحمّام – ليس فقط الحمّام الأوكراني، بل الأوروبي الافرنجي، والإنتاج بأكمله، يتم تنسيقه بهدف واحد، لجعل من المستحيل سياسياً: على المستشار الألماني أولاف  شولز أن يلوّح بـورقة نورد ستريم – 2، لذلك: ها هو يخطط للتواصل، مع الرئيس فلادمير بوتين من جديد…. والناتو غبار بشهادة الراحل كيسنجر، ان انتصرت روسيا وهي تنتصر.

وبعد عقابيل وتداعيات، المواجهة الروسية الأطلسية:… على جلّ العرب اليوم، ان كان لديهم عقل يقدح: أن يكونوا مثل جاك شيراك في السياسة، يقفون في مواجهة أمريكا حيثما وقفت، ومثل فرانسوا ميتران،  في لعبة الأمم، يقفون مع لاعب الشطرنج الروسي، لا لاعب البوكر الأمريكي.

أمريكا دولة ديكتاتورية الحزب الواحد بأحد الوجهين السياسيين، ان جمهوري، وان ديمقراطي، انتقلت من حكم الديمقراطية الى حكم البلوتوقراطية(أي حكم الأغنياء والأثرياء نتاجات ذراع البلدربيرغ الأمريكي، انّه المجمّع الصناعي الحربي)بملحقات ديمقراطية يسيل لها لعاب التوابع وبعض دول الاعتلال العربي والخوزمتجي.

الأمريكيون هزموا بريطانيا العظمى على أرضهم وجعلوها ذنباً لهم(ثمة صراع عميق وغير ظاهر الان، بين لندن وواشنطن، لاستعادة الأولى مناطق نفوذها التي خسرتها، بعد الحرب العالمية الثانية، بموجب يالطا 1 التي أنهتها – فهل نكون أمام يالطا2 ؟)، وهزموا اليابان وحولوها إلى محميّة بالمعنى الكامل للكلمة، وحرروا فرنسا من الألمان، وألحقوا الدولتين في ركابهم، وهم الراعي الرسمي الظاهري لإسرائيل وما فعلت وتفعل، وبالباطن يتحكم اليهود بخناق  أمريكا والعالم، وأمريكا هي التي قوّضت بنيان الإتحاد السوفييتي، وأمريكا هي الممثل الشرعي والوحيد(ما ألطف هذا التعبير !!) للاستعمار القديم بعد تحديثه، ولذا حاربوا في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان، وتدخلوا في شؤون كل دول أمريكا اللاتينية دون استثناء، بعد أن تلذذوا بأطايب الحرب الأمريكية المكسيكية، التي غنموا بها ولاية كاليفورنيا بقضّها وقضيضها، وقالوا لاحقا أنهم اشتروها مثلما اشتروا ألاسكا!!، ودسّوا أنوفهم في ترتيب التفاصيل الدقيقة لشؤون الكون، ولعلهم دون علمنا ومن وراء ظهورنا، هيأوا الزلازل والمطر الحامضي…. الخ.

واللعبة الأمريكية ذاتها لم تتغير، ومفادها العَصا لمن عصَى، ولم تخرج “لعبة الأمم” منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلى يومنا هذا، ولن تخرج، عن إطارها الأمريكي المرسوم بدقة ومهارة وذكاء، يتجاوز خبث المدرسة البريطانية العريقة في السياسة.

 

الأمريكيون عملانيون وبراغماتيون أو ذرائعيون، ويدينون بذلك إلى فيلسوفهم الأشهر “وليم جيمس” الذي علمهم فلسفة الإيمان بما يفيدهم فحسب، ولذا فهم دون أن يرفّ لهم جفن، وتحديداً بالسياسة، يماطلون ويكذبون ويناورون ويغدرون ويخطئون ويغامرون .

الرئيس جاك شيراك، الذي عانى الكثير، من صلافة الرئيس الأمريكي بوش الابن،  بخصوص الحرب على العراق، كما عانى سلفه ديغول من نيكسون بخصوص العلاقة مع السوفييت، وكما عانى سلفه الآخر الرئيس فرانسوا ميتران من الرئيس بوش الأب، بخصوص يوغسلافيا التي آلت إلى التقسيم، قال شيراك: لدي مبدأ بسيط في السياسة الخارجية، أنا أنظر إلى ما يقوم به الأمريكيون وأعمل العكس، حينئذ، أكون متأكدا من صحة ما أقوم به.

وفرانسوا ميتران قال ذات مرة لنظيره الرئيس رونالد ريغان الذي سأله عن رأيه بالسوفييت: سيدي الرئيس، إني لا أعتقد بحب الروس للحرب، فالروس منذ زمن بيار لوغران الكبير، نادراً ما كانوا معتدين، على الرغم من اعتناقهم ديبلوماسية توحي، أحياناً، بأنهم مستعدون للذهاب تقريباً للحرب، وإن كان علي تلخيص ذلك، أقول: بأنهم لاعبو شطرنج، لا بوكر!!، وكأنّ ميتران كان يقول للرئيس الأمريكي بالتلميح لا بالتصريح: أن أمريكا هي التي تلعب البوكر!.

ثمة تساؤلات منطقية، تحفّز العقل على التفكير، ومن خارج السياق التقليدي المعتاد، وتمهد لمحاولة جادة للفهم، تتموضع وتتموقع في التالي بتفاعل: هل ستستمر العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي وعبر نواة دولتها البوليسية العميقة(البلدربيرغ جنين الحكومة الأممية)، باعادة بناءات، و صناعة برّاداتها السياسية الخاصة ومكعبات ثلجها من جديد، لغايات اطلاق مسارات حربها غير المباشرة مع روسيّا، عبر المواجهة الروسية الأطلسية الحالية من خلال البيدق الأوكراني وصولاً الى حرب عالمية ثالثة نووية يتعذر معها وخلالها اجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، كون جو بايدن يدرك أنّه الخاسر، وفي ظل استمرار وليام بيرنز في رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية(ثمة محاولات أمريكية باطنية جادة لأقصائه من رئاسة السي أي ايه)، وجيك سوليفان مستشاراً للأمن القومي الأمريكي، وهو من يصنع السياسة الخارجية الأمريكية، عبر التنسيق مع الدولة العميقة وكارتلات حكمها في البلدربيرغ الأمريكي؟.

هل مسارات انتاجاتها المخابراتية، بدأت في خلق وتخليق مومياءات حكم، للعديد من دول العالم الثالث، ما بعد مرحلة انتهاء ما سميّ بالربيع العربي، وعودة سوريا الى مؤسسات الجامعة العربية المختلفة، وما بعد الاتفاق السعودي الإيراني – اتفاق الضرورة المتبادلة،  حيث استرخت المنطقة في الشرق الاوسط؟.

هل ثمة صراعات، بين كوادر وأقطاب الحزب الديمقراطي، من محافظين جدد، ومحافظين تقليديين، وشعبويين في التنافس على مواقع، سيتم تفصيلها لفئات و \ أو اشغالها بفئات أخرى؟.

ان وجدت هذه الصراعات داخل الحزب الديمقراطي، هل هي انعكاس لآزمة جنين الحكومة الأممية البلدربيرغ الأمريكي، وبالتالي ثمة تمرد بين كارتلاته في مفاصل منهجية العمل القادمة في العالم، وخاصةً ازاء أوروبا، وازاء الصين، ونحو الفدرالية الروسية؟.

هل نكهة المحافظين الجدد ستطغى، أم نكهة المحافظين التقليديين، أم نكهة الشعبويين، أم خلطة سحرية بين المجموعات الثلاث؟.

في أي سياق سياسي وأمني وعسكري، ستتموضع خطط ودراسات العسكريين الأمريكيين، لجهة خيارات تفعيل خطة عملية، لم يكن يتضمنها جدول الأعمال، منذ بدء حقبة المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، عبر تمركز العسكريين، ونشر خطوط الاتصال والأتصالات البحرية، بالتنسيق والتشاور مع حلف شمال الأطلسي، حيث بدأت التباينات، مع الرئيس الديمقراطي جو  بايدن، من الآن تظهر على السطح، حيث صرّح قادة وكوادر الناتو أنّ خيارات الحلف العسكرية جماعية، وليست فردية أحاديّة، وسوف تتعمق، بجانب افتتاح طاولة جلسلت العصف الذهني، ومناقشة تقديم المزيد من مساعدات عسكرية لسلطات كييف بصورة مكثفة؟، وفي ظلّ اعتبار وايمان الدولة الأمريكية العميقة، أنّ أساس وجود الناتو كحلف، هو لتحقيق الاستقرار وقمع(العدوان السوفياتي سابقاً) الفدرالية الروسية حالياً؟.

صحيح واقع ومعطيات وداتا معلومات، أنّ مشروع الحزب الديمقراطي وكارتلاته، يتموضع ويتموقع، في تصدير تناقضات أمريكا الداخلية، بحروب الى الخارج، ونهب وقتل الأمم الأخرى، لصالح الكارتيلات المالية والأستثمارية في منظومة وول ستريت، يقابله مشروع الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، في تعميق مشاكل أمريكا الداخلية، على حساب غير البيض، وعلى حساب المهمشين والنساء وغيرهم، ولعب دور بلاك ووتر كشركة حماية للكيانات الهشّة والتابعة والمتوحشّة، ثم تجيء بعض منظومات الحكم الأوروبي، التي هي سبب وجود الأسرائيلي الصهيوني في منطقتنا، وتعلن أنّ أوروبا قلقة من تفكير الحزب الجمهوري وكوادره، عبر ترك أو تقليص دور واشنطن في الناتو، وتعلن كوادر الحكم الأوروبي: أنّ القارة العجوز بحاجة الى جيش للدفاع عنها والتدخل الخارجي، وهي هذه الأوروبا من تقوم بتصنيع العداء الروسي، أوروبا المنافقة الصلفة بجلافة، هي من دمّرت ليبيا، وحاولت وتحاول اخراج سورية من التاريخ عبر مسحها، خاصة وأنّ الحرب على سورية ونسقها السياسي، بدأت حرب بريطانية فرنسية سريّة على الأطراف، ثم جاء الأمريكي وتوابعه في المنطقة، وقادوا دفّة القيادة وفشلوا، وما زالوا يحاولون بطرق مختلفة، ولن يحصلوا بالسياسة، وعلى طاولة الحوارات المختلفة، على الذي عجزوا عنه في الميدان السوري.

هل نجحت واشنطن، في جعل الأزمة الأوكرانية بتفاصيلها، بمثابة طعنه نجلاء في خاصرة الروسي، رغم استقلال القرم عبر استفتاء شعبوي نزيه، وعودتها الى الحضن الفدرالي الروسي من جديد، وكذلك ضم الأقاليم الأربعة لروسيا، استفتاءً ديمقراطياً في الشرق الاوكراني، وهي بمثابة قرم آخر؟.

ولماذا كان الجنون الأمريكي والغربي مركباً ومتعدداً بعد عودة القرم الى الروسي، والأقاليم الأربعة؟، آلا يمكن اعتبار تسمية كييف رسمياً عضواً في الاتحاد الأوروبي الغربي، بمثابة جنون مطبق لا متقطع، والاتحاد الأوروبي هو: بمثابة الوجه المدني الناعم لحلف شمال الأطلسي؟.

بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي عبر الاستفتاء الشهير، وهي التي كانت تقوم بدور حصان طروادة الأمريكي والإسرائيلي في الداخل الاتحادي الأوروبي.

 وهل نحن أمام ريح عقيم، هبّت لتحمل معها لفحات، تنذر بحروب باردة وساخنة وطاقويّة واقتصادية ومخابراتية قذرة وبيولوجية عفنة، من شأنها ومالاتها، أن تجمّد كل التفاهمات والحلول في العديد من الساحات؟، وآلا يمكن اعتبار سورية الصاعدة، والعراق الساخن، وغزّة النازفة، وأوكرانيا غير المستقرة، والصراع على ثروات أسيا الوسطى، بمثابة الخماسية القاتلة، وستكون محور كل الحكاية الباردة والساخنة؟.

 من سينتصر على من في النهاية، الجليد السيبيري أم ثلوج ولاية ألاسكا؟، كيف لنا أن نكيّف اعتبار وايمان البلدربيرغ الأمريكي بالهدف، الذي أنشئ من أجله حلف شمال الأطلسي، أهو بمثابة اعلان عداء لنواة الاتحاد الروسي؟، وما هي مديات عدم سماح الأمريكي للروسي بالتمدد في العديد من الساحات؟ – الأزمة السودانية، قد تكون مثالاً للصراع في وعلى القارة السمراء.

هل ستستثمر واشنطن وبلدربيرغها ومجتمع استخباراتها، وبالتعاون مع مجتمعات المخابرات الغربية والإسرائيلية وبعض مجتمعات مومياءات الاستخبار من دول العالم الثالث والنامي(في ظلّ ما تبقى من ادارة الديمقراطي جو بايدن)، في استغلال الجمهوريات الإسلامية، أو التي يتواجد بها مسلمون، لأثارة القلاقل والمشاكل حول روسيّا؟.

في المحصّلة وبالنتيجة: ستلجأ الولايات المتحدة الأمريكية، وجلّ حلفائها من بعض غرب وبعض مومياءات الحكم في العالم الثالث والنامي، بإسناد إسرائيلي، لدعم مكثف ومتعدد لكييف: عسكرياً وسياسياً ولوجستياً واقتصادياً ودبلوماسياً واعلامياً، وسوف تزداد العقوبات على موسكو، وستجهد أوروبا بالبحث عن مصدر آخر للغاز ان أمكن، وستحسم بقوّة بعض الملفات الخلافية، داخل نواة الادارة الأمريكية الحالية، وكذلك القادمة، وداخل المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي، كونه أي تباطؤ هنا أو تلكؤ هناك، سيعني ويشي تقدماً وانطلاقاً روسيّاً الى الأمام، خاصةً في سورية والعراق وأوكرانيا، وان شئت الصراع العربي الإسرائيلي حالياً الى حد ما ولاحقاً بعمق.

والسؤال هنا: هل ستستمر واشنطن دي سي، في ظلّ ما تبقى من ادارة الديمقراطي جو بايدن، وفي رؤيتها في تطوير حقل(سردار)النفطي والغازي الواقع بين الحدود التركمنستانية والمناطق الأذربيجانية، والى حد ما مصدر غازيّ هام لأوروبا، وبديلاً الى درجة تكتيكية مؤقته؟، وهل بايدن أمريكا ستستمر، في رعاية وخلق مسارات التمهيدات، لبناء الشراكات والشركات، للدول العربية المنتجة للنفط مع الشركات الإسرائيلية، لاستثمار نفط تركمنستان وأذربيجان(هناك رفض سعودي صلب وقوي لهذه المحاولات الامريكية)؟.

وما هي أسرار العلاقات، بين بعض الشركات العربية الرسمية في دول الخليج المنتجة للنفط، ومجموعة ميرهاف التي يديرها مسؤول الموساد السابق يوسف ميامان؟، الى أي مدى استطاع هذا البيدق الموسادي يوسف ميامان، وخلال فترة وجوده في وسط آسيا، وعمله مع آخرين من بعض عرب، في تعزيز الوجود الأسرائيلي هناك، عبر تكثيف الحضور الأمني والمخابراتي في تلك المنطقة الغنية بالطاقة في حوض بحر قزوين و\ أو بحر الخزر(حسب التسمية الأيرانية)الذي يشكل المركز الأقتصادي لخمس جمهوريات سابقة للأتحاد السوفياتي في وقته وحينه؟.

 يوسف ميامان، رائد المشاريع النفطية والغازية في وسط أوروبا وصف أطلقته الصحافة العالمية عليه وخاصةً الأوروبية، ونشاطات شركته، منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً في تركمنستان، وقد حاز على الجنسية التركمنستانية من السلطات الرئاسية بمرسوم خاص من الرئيس سبار مراد نيازوف، وتوفي الرئيس بعد عامين ونصف، من منح يوسف ميامان مسؤول الموساد ومعزّز الوجود الأسرائيلي في وسط آسيا، بالتعاون مع آخرين من بينهم عرب.

من منا، لا يتذكر السيد روفين داينايا أول سفير اسرائيلي في التركمنستان؟ وقد أفردت تحليلاً خاصاً نشر في كل وسائل الميديا، وقبل أكثر من عشرين عاماً، حول هذا الروفين العميل السابق للموساد، فهو بيدق موسادي كغيره، وكان يدير عمليات موسكو وقبل عام 1996 م، حيث استاطاع يوسف ميامان في تعيين روفين سفيراً هناك، بتنسيق من وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، في احدى حكومات بنيامين نتنياهو السابقة، وهو الموغل بالتطرف أفيغدور ليبرمان؟.

اذاً: انخراط واضح وعميق لعنوان الأدارة الأمريكية، العنوان السطحي جو بايدن، بالأشراف على حرب ضد روسيّا في شرق أوكرانيا، عسكرياً ومخابراتياً وبيولوجياً، واقتصادياً وعبر عقوبات اقتصادية دولية، تديرها وزارة المال الأمريكية، وجهاز الأستخبار الخاص بها، أعلن هذا الرئيس الرخ في السابق، وقبل بدء المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، أنّه سيرسل مستشارين عسكريين أمريكيين، لدعم عمليات أوكرانيا العسكرية ضد المتمردين المواليين لروسيّا في الجمهوريات الأنفصالية في شرق أوكرانيا، بالرغم من أنّ هذا الرخ الأمريكي يعلم أنهم موجودون هناك ويعملون تبعاً للدليل السياسي والعملياتي للعمليات الدفاعية الدولية الجديدة، وفي حال كان المجتمع العسكري والأستخباراتي الأمريكي يقوم بالعمليات بالطريقة السليمة، فانّ هناك فرقاً شبه عسكرية من عناصر وكالة الاستخبارات الأمريكية، والعمليات الخاصة، يراقبون ما يحدث في روسيّا وعن قرب.

الدمية الأمريكية( الرخ الأوكراني أيضاً)، هو الذي نشر في حينه، عن النشاط العسكري الأمريكي على الحدود الروسية، فالرخ بيترو بوراشينكو في بدايات الأزمة الأوكرانية، وهو الذي جاء الى السلطة عبر الأنقلاب العسكري المتعاظم في النجاح والمدعوم من مؤسسات البلدربيرغ الأمريكي، ضد الرئيس السابق فكتور يانوكوفيتش، وهذا الرخ الأمريكي في أوكرانيا بوراشينكو، بما فيه الحالي الرخ زيلنسكي، قاد حكومة من عناصر متنافرة تمثل مصالح الأثرياء والمجموعات النازية الجديدة، التي تتركز قواعدها وبيادقها وقواعد دعمها وبيادق دعمها في غرب أوكرانيا.

نعم من حق الولايات المتحدة الأمريكية، ان تغضب وتجن بجنون مطبق، كون الفدرالية الروسية بزعامة الزعيم الأممي فلادمير بوتين ومجتمع المخابرات الروسية، استعادوا شبه جزيرة القرم وعبر استفتاء شعبوي نزيه، وبدون اطلاق رصاصة واحدة، ودخلوا في عملية عسكرية روسية خاصة ومشروعة في الداخل الاوكراني، واستعادوا الأقاليم الأربعة في الشرق الاوكراني، قبل أن تتمكن واشنطن والبلدربيرغ الأمريكي من وضع الآيادي عليها، وتعطيل خطط روسيّا والصين وايران، الرامية الى ربط اقتصادات آسيا وأوروبا، بواسطة السكك الحديدية وخطوط الغاز والمرافىء والطرقات السريعة.

وحيث الدول ليست جمعيات خيريّة، فما يحكمها المصالح والمصالح فقط، بجانب الروابط الأستراتيجية واستهدافات الأمن القومي، وفي ظل تراجع مشروع الهيمنة أو الأحادية الأميركية الى حد ما، ورغم سعي واشنطن للسيطرة على العالم رغم ما تعانيه من أزمات متشائلة، لذلك موسكو لا تريد خسارة ورقتها السورية التي تسمح لها بالإطلالة على البحر المتوسط، والذي يشكل رافعة إستراتيجية لمعابر النفط والغاز، لذلك كانت وما زالت موسكو شرسة، بما يجري في أوكرانيا الان، حيث القتال على عتبة البيت الروسي، وهذا خطير ويفسّر الشراسة الروسية في القتال، والأخيرة: أي المسألة الأوكرانية وطاحونتها، نتاج المسألة السورية، بتفاصيل الموقف الروسي نحوها.

والمفهوم الصيني للمسألة السورية، ينطلق من ذات المفهوم الروسي والأيراني، والصين تدرك أيضاً أنّ المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي يعتبرها هي العدو والعدو والعدو الأول، لذلك نجد الآن كيف يتم تفعيل منظمة شنغهاي روسيّاً وصينيّاً وايرانيّاً لتلعب أدوار حلف وارسو الجديد، مقابل العلاقات مع الأطلسي بوجه العسكري والمخابراتي بعد قمة لشبونة الشهيرة(قبل مرحلة ما سمّي أمريكيّاً بالربيع العربي).

وعبر هذه الخلفية الأستراتيجية: فانّ موقف نواة الدولة الوطنية الروسية، يوصف بأنّه يتعاطى ويتحرك وفق ذهنية أمن قومي داخلي خاص به، بعبارة أخرى أنّه إذا سقط الحليف السوري كنسق سياسي وبرمزه الرئيس بشّار الأسد، وبالأخص في هذه المنطقة الجغرافية، فهو سينعكس سلباً وبعمق على الوضع الروسي الداخلي وتعقيداته وتشابكه مع محيطه ومجاله الحيوي.

انّ مجتمع المخابرات الروسية، يدرك جيداً، أنّ رؤية ومشروع مخطط جنين الحكومة الأممية(البلدربيرغ)،هو في تنصيب الجمهورية التركية، ان في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وان في ظل حكم المعارضة لاحقاً ان فازت، وجعلها رأس الحربة في هذا المشروع، كي تلعب هذا الدور في الحدائق الخلفية لموسكو، وذات دول الخلفيات الأسلامية، أي بمعنى أن الغرب يقول للأتراك:- (يا تركيا)لا أمل لك في الانضمام إلى أوروبا، وعليك الدخول إلى هذا الشرق، ولعب هذا الدور لصالحنا ولصالحك في شرق آسيا، وشرق البحر المتوسط، وبالتالي من هذا المنطلق أو التحليل تتحرك ذهنية وفكر الروسي، بأنّ تركيا لا يجب أن تنتصر في هذه المعركة، خوفاً على الفيدرالية الروسية، وحماية لها ولحلفائها ومجالها الحيوي، ومؤخراً دخلت أوكرانيا على هذا المفهوم، فضمّت القرم الى الأتحاد الروسي، وعبر استفتاء شعبوي بعيداً عمّا يروج له الأعلام المضاد، اعلام البلدربيرغ الأمريكي ومن ارتبط به من اعلام العربان وأشباههم، وجرت العملية العسكرية الروسية الخاصة والمشروعة في الداخل الأوكراني.

هذا الترابط في النقاط الأساسية والمشتركة، بين الدور التركي والأطلسي في المنطقة، يدفع الروس للاستنتاج بأنه إذا تم إيذاء سورية، فسوف يكون إيذاء مباشر لروسيا ومن ثم الصين وايران، وهو ترابط  أخطر من المصالح، فاذا حسمت المعركه حسمت باسم الأطلسي وتركيا، والدور بعدها سيكون الى آسيا الوسطى والجمهوريات السوفيتيية الاسلامية، الموضوع أبعد من المصالح بين الدول وله علاقة مباشرة بتهديد الأمن القومي الروسي في العمق مباشرة، لأنه يمثل خطر على روسيا عبر نقل الحركة الاسلامية الاخوانية الى حدودها، والى داخلها بنفس منطق الحركة الاسلامية في الربيع العربي والذي ان انتصر كليّاً، فستتولى تركيا اكماله في روسيّا نيابة عن الأمريكيين والغربيين، هكذا هي تركيا في مخيخ وعين نواة الفدرالية الروسية، وهكذا ينظر الروسي الى التركي بشكل عام.

من هذه الرؤية الاستراتيجية التي تحاكي المنطق أو التحليل، أتت المواقف الروسية المتشددة لمصلحة سورية، والتي أعقبت أيضاً الفيتو الروسي الصيني المشترك لأكثر من ثلاث مرات متتالية في مجلس الأمن الدولي، ثم جاء الفعل العسكري الروسي في الداخل السوري، وهذا يؤكد على وجود مقاربة روسية جديدة ومختلفة عما مضى تم تطبيقه حتّى اللحظة، فصانع القرار في موسكو معنيّ بالدفاع عن سورية، ولن تكفيه في مرحلة التراجع الأميركي حصة افتراضية، في واقع افتراضي يراد أن يتحقق أميريكياً في الساحة السورية، لمرحلة ما بعد الخروج من العراق والخروج من أفغانستان – الخروج من أفغانستان ليس خروجاً كاملاً، بالرغم من أنني لا أعتبر ذلك خروجاً أمريكيّاً، بقدر ما هو اعادة انتاج للدور الأمريكي عبر(الهندرة)كمفهوم في اعادة البناء والتأسيس، بكل ما ينطوي عليه من معانٍ وأبعاد وتداعيات استراتيجية في المنطقة والعالم وفي شبه القارة الهندية.

انّ عملية(الكباش المتجدد المعلن وغير المعلن)على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية، ومن خلفها مع الغرب بعد الفعل العسكري الروسي  في سورية واوكرانيا، تقود الى حروب أعمق من الحرب الباردة وأشرس من حرب عسكرية، وهذا ما يبرر توجه المزيد من مجموعات الخبراء والمستشارين الأمريكان، من مختلف قطاعات الجيش الأمريكي الى الجغرافيا السورية والأوكرانية.

روسيّا تدرك ديكتاتورية الجغرافيا السورية والأوكرانية معاً، كما تدرك حالة الخلع الاستراتيجي في المنطقة، وأنّ سورية بنسقها السياسي وعنوانه بجانب الجغرافيا منطقة إستراتيجية لا تفوّت، ولذلك ترغب في زيادة نفوذها فيها من خلال توسيع قاعدتها البحرية، وخاصة بعد أن صار القرم جزء من الاتحاد الروسي وكذلك الأقاليم الاربعة، فهي تشعر بالقلق والاستفزاز وتهديد لها بما يحصل من نشر رادارات الدرع الصاروخي الأطلسي في كل من تركيا وبولندا، لذلك لن تتخلى عن منطقة نفوذها في المنطقة كونه يهدد مصالحها ويعزلها ويؤثر على اقتصادها ومجالها الجيوسياسي، وهنا تبرز أهمية دور موقع سورية الجغرافي وموقع اوكرانيا وكلاعب كبير في السياسات الإقليمية والدولية، بجانب تماسك دولاتي لمؤسسة الجيش العربي السوري العقائدي وانجازاته الميدانية المستمرة كاستثمار ميداني لفعل الطيران الحربي الروسي في السماء السورية، والذي وفّر الفرصة الكافية لتماسك القطاع العام السوري، وهى أوراق مهمة وقويه تعتمد عليها سورية ونسقها السياسي، في مواجهة المؤامرة والخروج من الأزمة، بمسار سياسي وحسم عسكري لمجاميع الإرهاب المدخل.

أحسب وأعتقد أنّه ورغم كل ذلك، ما زالت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تدخل في حزم جديدة من الأزمات، لا حزم حلول لمتاهاتها العميقة في العالم، وخلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثلاث سنوات، عزّز مجلس الأمن القومي الأمريكي استراتيجية الاحتواء لجهة إضافة عنصر الاستباق، ولم تعد الإدارة الأمريكية تنتظر نشوء المخاطر والتهديدات، ثم الشروع في احتوائها وفقاً لاعتبارات الأمر الواقع، وبدلاً عن ذلك فقد دفعت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي باتجاه مفهوم تعبئة القوى والموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وتجاوز منظومة القيم الدولية القائمة على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والعمل بشكل استباقي لجهة التعامل بشتى الوسائل والأساليب العسكرية وغير العسكرية مع كل ما تعتقد الإدارة الأمريكية بأنه يشكل خطراً يهدد المصالح الأمريكية.

انّ الولايات المتحدة الأمريكية ورغم ما عانته وتعانيه من أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، وقد لا تظهر للشخص العادي غير المتابع لمفاصل تطورات النسق السياسي الأمريكي، الاّ أنّ العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، وبغض النظر ان كانت الأدارة التي تسيّر أعمال وتفاعلات النسق الأمريكي(ديمقراطية أو جمهورية) قد بدأت الشروع في تنفيذ مخطط السيطرة على العالم، غير مهتمة بفكرة التعددية التشاركية في قيادة العالم، والحفاظ على التوازنات الأممية.

هذا وقد تضمنت مسألة السيطرة على خطوات عملياتية تراوحت من نشر القدرات العسكرية الأمريكية في سائر أنحاء العالم، إضافةً إلى اعتبار خارطة العالم بأنها تمثل المسرح العسكري الذي يتوجب، أن يتم تجهيز القوات الأمريكية على أساس اعتبارات احتمالات خوض الحرب في أي مكان منه وأي زمان، واستناداً إلى هذا المفهوم قسّم البنتاغون العالم إلى مناطق عسكرية، بحيث أصبحت كل منطقة إقليمية تقع ضمن نطاق إحدى القيادات العسكرية الأمريكية.

وتبع الخطوة السابقة مسألة أمركة الاقتصاد العالمي، وذلك عن طريق استخدام المؤسسات الاقتصادية الدولية الثلاثة الرئيسية: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، في القيام بإدماج الاقتصادات العالمية ضمن إطار نفوذ الاقتصاد الأمريكي، على النحو الذي يتيح للاقتصاد الأمريكي وضعاً استثنائياً ومزايا اقتصادية دولية استثنائية تعزز القدرة على نقل التضخم والبطالة وانخفاض معدلات النمو وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الكلية السلبية إلى الاقتصادات الأخرى، وبعبارة أوضح: أن يدفع الآخرون خسائر الاقتصاد الأمريكي.

وصحيح أنّه بعد الحرب الجورجية الروسية في عام 2008 م، لم تحدث المواجهة العسكرية الروسية – الأمريكية، ولكن حدثت مواجهة البروكسي بين روسيا وجورجيا، والأخيرة خاضت حرباً بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كشفت التسريبات والحقائق أن العملية العسكرية التي نفذتها تبليسي، قد تم الترتيب لها بواسطة الإدارة الأمريكية ومباركة الرئيس بوش الأبن.

فمن سورية وحدثها، الى أوكرانيا ومسألتها، بجانب ما حدث في جورجيا عام 2008 م، فانّ تحليل الوقائع والأحداث وتداعياتها، يشير بوضوح إلى أن عملية إعادة اصطفاف عسكري – أمني دولي تحدث وتتعمق، وسيكون من أبرز تداعياتها صياغة معادلة جديدة لنظام(الأمن العسكري – الأمني الدولي والإقليمي)ومن أبرز الملامح المتوقعة يمكن الإشارة إلى الآتي:

تعديل نظام توازن القوى داخل مجلس الأمن الدولي على النحو الذي ستقف فيه روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي ستجد الدعم الواضح من بريطانيا، مع احتمالات أن تعود فرنسا إلى موقفها الاستقلالي السابق داخل مجلس الأمن الدولي، مكونة(فرنسا)ما يمكن أن نسميه القوة الثالثة الدولية داخل المجلس، وذلك بما يتيح للفرنسيين المزيد من هامش حرية الحركة والمناورة داخل المجلس وذلك نكايةً بألمانيا، وهو أمر سيؤدي حدوثه إلى إنهاء التحالف الفرنسي – الأمريكي في مجلس الأمن، والذي سبق أن أسفر عن صدور الكثير من القرارات الجائرة، وعلى وجه الخصوص تلك القرارات المتعلقة بالأزمة الليبية والسورية وأزمة مالي والأزمة اللبنانية وأزمة دارفور وغيرها.

فألمانيا أقوى الاقتصاديات الأوروبية حتّى اللحظة، والهدف الان هو كيف يتم اضعاف ألمانيا اقتصاديّاً؟ فجاءت المسألة الأوكرانية كفرصة ذهبية للزج بألمانيا بتفاصيل الحدث الأوكراني، لضمان تغطية اقتصادية كبيرة تضعفه، ولأعادة توجيهه من جديد نحو موسكو، والأخيرة وعبر مجتمع مخابراتها الاقتصادية والمالية وضعت، كافة ما لديها من معلومات وأوراق، على طاولة مجتمع المخابرات الألماني، وباللغة الألمانية التي يتقنها الرئيس فلادمير بوتين.

أيضاً كما سعت وتسعى أمريكا لتعديل بنود وأجندة العلاقات عبر الأطلنطي، فخلال فترة الحرب الباردة، كانت واشنطن تقوم بدور الحامي والمدافع عن أوروبا في وجه الخطر الشيوعي – السوفيتي – النووي، وبعد انتهاء الحرب الباردة ظلت أمريكا تقوم بدور الشريك العسكري – الأمني المدافع عن استقرار أمن أوروبا، والذي أكد ذلك عملياً بتدخله في أزمة البلقان، إضافةً إلى دور الزعيم العالمي المكلف بنشر وحماية القيم الديمقراطية الليبرالية الغربية.

 ولكن بعد حرب جورجيا – روسيّا عام 2008م، وبعد الخديعة الغربية لموسكو في ليبيا والتي تعيش مرحلة اللاّدولة، وبعد الحرب الكونية على سورية وما زالت تستعر بنسب محددة وخفية، وبعد تجليات الحدث الأوكراني وعقابيله عبر ضم القرم لروسيّا عبر استفتاء شعبوي نزيه وعميق أذهل الغرب، وتلاه انضمام الأقاليم الأربعة في الشرق الأوكراني، وبالرغم من التوافق الأمريكي الأوروبي حتّى اللحظة ازاء كييف وحدثها.

والسؤال المطروح الآن وبتجرد: هل سيصمد جدار التفاهم الأوروبي الأمريكي هذا، والذي اتخذ خطوات عملية لأطول فترة ممكنة؟ وهل ستدخل العلاقات عبر الأطلنطي، في مواجهة عاصفة الخلافات الأمريكية – الأوروبية لاحقاً، لجهة رغبة بعض الأطراف الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا الوقوف موقف متنحي ومختلف، إزاء ما يجري على خطوط العلاقات الروسية – الأمريكية، ورغبة العديد من الأطراف الأوروبية التفكير والتفكير ملياً، قبل الاستجابة لطلبات الولايات المتحدة المتعلق بملف توسيع حلف الناتو شرقاً، وضم جورجيا وأوكرانيا إلى عضويته، إضافة إلى عدم رغبة الأوروبيين في الاستجابة المطلقة للطلب الأمريكي المتعلق بتوسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً؟.

وهل ستنتقل أوروبا من مرحلة الهجوم الى مرحلة الحياد لاحقاً ازاء ما يجري؟ وهل تستطيع أوروبا ابتلاع أوكرانيا اقتصاديّاً؟ ألا تشكل أوكرانيا باقتصادها المتهالك والمنهار، قنبلة هيدروجينية في الحضن الأوروبي.

عنوان قناتي على اليوتيوب البث عبرها أسبوعيا:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

خلوي:- 0795615721   منزل – عمّان : 5674111

سما الروسان في : 25 شباط 2024 م.

وشباط ما عليه رباط.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.