تبريرات إسرائيل في تقريرها الى محكمة العدل!! / سماك العبوشي
سماك العبوشي ( العراق ) – الإثنين 26/2/2024 م …
كم استبشرنا، وهللنا، وكتبنا مقالات في الفتح العظيم الذي سيتحقق إثر صدور قرار محكمة العدل الدولي بشأن الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة، فوصف بعضنا بمقالاته وتحليلاته أن قرار المحكمة سيكون كارثيا بالنسبة لدولة الاحتلال، وأن كل وزير ومسؤول إسرائيلي سيكون محرجا في لقاءاته وكلماته وتصريحاته، ومجبرا على البحث عن تفنيدات وتبريرات لإبعاد تهمة الإبادة الجماعية التي اتهم فيها جيش احتلال كيانه الغاصب!!
وجال في خواطرنا، وتملكنا العشم حال صدور القرار وما تضمنه من توصيات واضحة، خاصة بعد إمهالها شهرا لتقديم تقرير يبين مدى التزامها بالتوصيات، وأنها ستُجْبَرُ أن تبدي احترامها وانصياعها لإرادة القانون الدولي المتمثل بقرار محكمة العدل الدولي، فتسعى جاهدة للتخفيف من وطأة عدوانيتها وإجرامها، لاسيما وأن:
1- الدعوى المرفوعة ضدها لم تكن قد وُجّهَتْ اليها من طرف عربي أو إسلامي معاد لها، بل جاءت من بلد أفريقي بعيد عن منطقة الصراع أساسا!!.
2- القرار الصادر ضدها قد جاء من قبل أعلى محكمة في المجتمع الدولي، متضمنا الأدلة ذات صلة بالجرائم الواقعة والتي لا يكمن دحضها بسهولة!!.
وانتظرنا بلهفة انقضاء مدة الشهر التي أوصت محكمة العدل الدولي والزمت بها إسرائيل كي تبين مدى التزامها للقرار الصادر لها، لنعرف مضمون تقريرها الذي ستقدمه لمحكمة العدل الدولي، وما حجم الاباطيل والتدليس التي سنقرأها ونسمعها بتقرير إسرائيل حال نشرها لتقريرها الشهري، نافية عنها تهمة الإبادة الجماعية، وعدم التزامها بتوصيات محكمة العدل الدولي!!
والتساؤلات تتزاحم في رأسي، هل ستقدم إسرائيل التقرير المزمع تقديمه للمحكمة الدولية يتضمن نفيا قاطعا بأن قواتها المسلحة:
1- استمرت بارتكاب المجازر الوحشية بحق أبناء غزة!!؟
2- واصلت بعناد مداهمة ومحاصرة المستشفيات، واعتقال الطواقم الطبية والمسعفة!؟
3- منعت تدفق المساعدات الإنسانية كالدواء والغذاء والماء والوقود لقطاع غزة!!؟
4- مارست الكذب والتدليس والخداع مع أبناء غزة حين أعلنت بأنها هيأت لهم ممرات آمنة لسلوكها من قبلهم حين نزوحهم من شمال ووسط غزة باتجاه مدينة رفح، فطاردتهم بصواريخها وقذائفها ومُسَيراتها طيلة رحلة نزوحهم تلك، واستمرت بالإجهاز عليهم بعد تكدسهم وتجمعهم في تلك المنطقة الآمنة التي حددتها لهم، وأنها اليوم بصدد الإعداد والتجهيز للقيام باجتياح مدينة رفح المكتضة بالنازحين القادمين من جميع مدن قطاع غزة!!؟
5- نسفت ما لا يقل عن 43 مربعًا سكنيًّا خلال الفترة التي تلت صدور القرار المؤقت للمحكمة وضمن فترة الشهر الممنوح لها لتقدم تقريرها الى المحكمة، كما ورد بتقرير (المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان)، وأن كل مربع من هذه المربعات السكنية يحوي بين 20 – 50 منزلاً، خاصة في خانيونس جنوب قطاع غزة، واستمر في قصف منازل وتدميرها، رغم اعلان جيش الاحتلال انتهائه من عملياته العسكرية فيها منذ أسابيع!؟
6- اقتحمت عدة مدارس تؤوي آلاف النازحين في مخيم خانيونس!!؟
ثم … كيف ستدافع إسرائيل عن نفسها وتنكر قيامها بالإبادة الجماعية، وتبرر بتقريرها الذي ستقدمه بعد أيام قلائل الى محكمة العدل الدولي:
1- ما أعلنه المفوض العام للأونروا “فيليب لازاريني”، أن آخر عملية توزيع للمواد الغذائية في شمال وادي غزة نفذتها الأونروا كانت في 23 كانون ثانٍ/ يناير الماضي، وأن إسرائيل رفضت منذ بداية العام نصف طلبات إرسال المساعدات التي قدمت للشمال!!؟
2- وما صرح به “لازاريني” أن الأمم المتحدة كانت قد حددت مناطق عميقة من المجاعة والجوع في شمال غزة، فيما أكدت المعطيات الواردة في تقارير آليات عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أنه بحلول 7 شباط / فبراير 2024 سيكون جميع سكان قطاع غزة، أي بنسبة 100%، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد!!؟
3- ما صدر عن (المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان) بأن إسرائيل تواصل استهداف ما تبقى من المنظومة الصحية في قطاع غزة، وتعطيل أي قدرة لديها لإنقاذ حياة الفلسطينيين باستمرارها القصف المباشر وإطلاق النار على المستشفيات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، مع بدء الشهر الخامس على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد القطاع!!؟
4- ما صدر عن (المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان) من قيام القوات الإسرائيلية باقتحام مستشفى “الأمل” في خانيونس، بعد 20 يومًا من الحصار والقصف الذي أدى إلى مقتل وإصابة العشرات داخل المستشفى، وإجبار حوالي 8000 شخص على النزوح الفوري، دون أن يكون لهم أي وجهة أخرى معلومة يتخذونها ملجأ، فيما بقي هناك أربعون نازحًا فقط من كبار السن، بالإضافة إلى حوالي 80 مريضُا وجريحُا ومائة من الطواقم الإدارية والطبية!!؟
5- ما رصده (المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان) لعدد من مقاطع مصورة ما تزال تتكشف لضباط وجنود إسرائيليين في الميدان يشيرون مباشرة إلى التحريضات الرسمية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في القطاع، بما في ذلك “توجيهات العماليق” مع بيانات إضافية تفيد بنية الإبادة، وتأكيد تنفيذها عمليًّا على أرض الواقع، وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، كمقطعين مصورين لكل من الضابط افي الجيش الإسرائيلي “هيا بن هيمو”، والضابط “اتسيك وولف” وكذلك الأمر فيما يخص مقطعًا مصوّرًا نشره جندي إسرائيلي آخر، يروج لمحل الحلاقة الذي يملكه وهو واقف بجانب جثامين ثلاث ضحايا فلسطينيين، من بينهم امرأة، معلقًا: “هذا ما يستحقونه، أولاد العماليق”!!!؟.
وهذا لعمري غيض من فيض اتهامات كثيرة أخرى موجهة لإسرائيل لم يتسع المجال لذكر تفاصيلها في مقالي هذا وأنتظر منها تبريرا وتفنيدا لها.
ختاما أقول…
إنني على يقين راسخ بأن إسرائيل، ورغم إحساسها المرير بخسارتها المزيد من سمعتها الأخلاقية في محكمة العدل الدولي، وانكشاف عورتها، فإنها لن ترعوي أو تنصاع لأي قرار صادر من هذه المحكمة الدولية ما دامت تعلم يقينا أن قرارات تلك المحكمة ليست ملزمة لها، هذا من جانب، ومن جانب ثان ليقينها التام بأن السلاح الغربي وعلى رأسه من الولايات المتحدة الأمريكية لن يتوقف عنها أبدا، وثالثة الأثافي لاطمئنانها التام بأنه لو نوقش عدوان إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، فإن الأخير لن يُصدر قرارا بإدانتها وإجبارها على التوقف عن العدوان بوجود حق النقض الذي تمتلكه الولايات المتحدة الامريكية، تماما كما استخدمته ضد مشروع قرار جزائري في مجلس الأمن الدولي بشأن العدوان الاسرائيلي على غزة، مما عرقل المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وهذه هي المرة الثالثة التي تستخدم فيها واشنطن حق النقض منذ بدء هذه الحرب، رغم أن القرار الجزائري قد حضي بتأييد 13 دولة عضوا في المجلس مع امتناع بريطانيا عن التصويت!!
هذا … كما وأنني على ذات اليقين الثابت والراسخ بأن لإسرائيل خططا وأهدافا ترتبط ارتباطا وثيقا ومصيريا بأسفار دينية مهووسة خاصة بها، والتي لطالما ظهرت على لسان النتن ياهو وغيره من قياديي وحاخامات دولة الاحتلال بخطبهم وتصريحاتهم، تلك الخطط والأهداف التي تتجاوز أرض فلسطين التاريخية لتشمل الأرض الممتدة بين النيل والفرات شرقا وغربا، وصولا الى (خيبر) في المدينة المنورة جنوبا!!
ومع ذلك كله … فإنني مؤمن بأن لإفساد إسرائيل هذا، وغطرستها وتجبرها وعلوها الكبير أجلا محددً قضاه الله تعالى، والله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده، حيث قال تعالى في سورة الإسراء:
“وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)”.
التعليقات مغلقة.