كتاب عز الدين القسام: ثورة لا تنطفئ / حسن نعيم

حسن نعيم ( لبنان ) –  الثلاثاء 27/2/2024 م …




نستعيد الشيخ عز الدين القسام في أجواء عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها من عملية تدمير شامل لغزة، فـ”شيخ المجاهدين” كما بات معروفاً، هو المؤسس الحقيقي لهذه الحركة الجهادية التي اشتقت حركة حماس اسم جناحها العسكري من اسمه. أوقد القسام شعلة الجهاد في أرض فلسطين المحتلة ومضى بعد رحلة حياة مليئة بالجهاد بدأها في جبلة على الساحل السوري، والتي شكلت تاريخياً ثغراً من ثغور المسلمين يرابط فيه المجاهدون المسلمون في وجه الغارات القادمة من البحر؛ باعتبارها مدخلاً إلى ما وراء البلاد، ولذا كانت جبلة محل عناية الأمراء المسلمين منذ أيام الفتح. 

كثيرة هي الكتب التي تناولت سيرة الشيخ عز الدين القسام ككتاب “عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين” وكتاب ” عز الدين القسام قائد حركة وشهيد قضية” وكتاب “الوعي والثورة” وكتاب “تجربة الشيخ عز الدين “. من بين هذه الكتب نستعرض كتاب محمد حسن شراب الذي صدر عام 2000 في طبعته الأولى عن دار “القلم” – دمشق. يتتبع شراب سيرة حياة “شيخ المجاهدين” من جبلة موطن أسرته ذات المكانة الدينية، والتي كان لها حظ من العلوم الشرعية ونصيب وافر من الذكر على الطريقة القادرية. والده عبد القادر القسام كان حداداً تقياً، ورعاً، ملمّاً بأصول الدين، وهذا ما جعله إماماً لجامع سوق الحدادين في وسط بلدة جبلة. من جبلة ينتقل الشيخ عز الدين إلى الجامع الأزهر، أشهر مؤسسة تعليمية في ذلك الزمان، بقارب صيد من جزيرة أرواد إلى الإسكندرية ومنها انتقل براً إلى القاهرة. في رحاب الأزهر، تلقى العلوم الدينية والفقه والتفسير والحديث والأصول والنحو والبلاغة.

وفي القاهرة تأثر بأجواء الثورة العرابية في وجه الغزو البريطاني لمصر التي كان لها صدى في بلاد الشام. أما أشهر من تأثر بهم القسام في تلك المرحلة فكان أستاذه عبد الله النديم الذي وصف بأنه خطيب الثورة، وعبد الرحمن الكواكبي في كتابه” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” الذي نشره كمقالات في جريدة ” المؤيد “، وكان لهذه المقالات والآراء أثر كبير في شخصية القسام. بعد عودته إلى جبلة، أضحى اسم الشيخ عز الدين على كل لسان في جبلة وبانياس وطرطوس واللاذقية، وعندما وصل خبر حصار إيطاليا لطرابلس الغرب إلى أهل بلاد الشام، قامت ثورة عارمة من الغضب كان للقسام دور بارز فيها، ونهض الشيخ الشاب بكل ما أوتي من غيرة وحماسة وقدرة خطابية للتأثير في الجماهير، وتمكّن من تجنيد مئات الشباب من الساحل السوري، وقادهم بنفسه وتعهدهم بالتدريب العسكري والفكري، وقام بجمع الأموال والمؤن وكلفة النفقة على المتطوعين لمساعدة المجاهدين في ليبيا، وبعد حصوله على موافقة الباب العالي في إسطنبول، نقل المتطوعين إلى الإسكندرونة ونقلهم بعد ذلك بباخرة إلى ليبيا، وعندما احتل الأسطول الفرنسي اللاذقية والساحل السوري.

كان القسام أول من رفع راية مقاومة المحتلين في المنطقة، وأول من حمل السلاح في وجههم؛ مستمداً قوته المعنوية من الإيمان بالله، والعمل بكتابه الذي كان يرى أنه السلاح الأمضى في المعركة، وعندما لاحت له المواجهة القريبة رأى القسام أن منزله في سهول جبلة المكشوفة يتيح للفرنسيين قمع ثورته فتطلع إلى موقع أكثر حصانة، وأبقى على الكفاح المسلح فاختار جبال صهيون ميداناً للجهاد، فيمّم شطرها مع رجاله، واتخذوا منها قاعدة في قمة منيعة، ومن هناك طفقوا يغيرون على المراكز العسكرية الفرنسية الساحلية.

وبعد حملة الجنرال ” نيجر” على الجبل والمذبحة التي ارتكبها في قرية بساتين الريحان في منطقة “الحفة “، حيث جمع المحتلون أهالي القرية في بيدر القرية وأمطروهم بوابل من الرصاص فسقط منهم سبعون شهيداً، وعملوا على إصدار حكم بإعدام الشيخ القسام، فانتقل ورفاقه إلى جسر الشغور ومنها إلى بيروت فصيدا ومنها أقلّهم قارب إلى عكا فحيفا ليواصل من هناك رحلة الجهاد ضد المحتل البريطاني. ونشرت الصحف خبراً للشيخ القسام وقد شارف على الأربعين يلبس الكوفية والعقال والبنطال الكاكي ويحمل السلاح هو ورجاله ويتدربون في جنين استعداداً للجهاد، فكانت هذه باكورة العمل الجهادي في فلسطين.

ومن على منبر جامع الاستقلال راح القسام يحذر المصلين من الهجرة اليهودية التي تحتل البلاد ويدعوهم إلى استقبال هذا العدو القادم بعربات الانتداب الإنكليزي وحمايته بوصفهم أعداء لا ضيوفاً، ومن باب التحريض على الجهاد دعا القسام إلى توجيه اقتصاد البلد نحو شراء الأسلحة لا تزيين المساجد وبناء الفنادق، وقال “يجب أن تتحوّل الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة، فإذا خسرتم أرضكم فإن الزينة لن تنفعكم وهي على الجدران”. كما أنشأ الشيخ عز الدين “العصبة القسامية”، وراح من خلالها يعمل على الإعداد النفسي للشعب وبث روح الجهاد في الشعب الفلسطيني، ومع ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين واكتشاف عمليات تهريب كبيرة للأسلحة مرسلة إليهم، خرجت “العصبة القسامية” من الجهاد السري إلى الجهاد العلني، وفي صبيحة العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1935 دارت معركة غير متكافئة بين “العصبة القسامية” وعلى رأسها الشيخ القسام والإنكليز في منطقة خربة الشيخ زيد، ومن بين الصخور والشعاب هتف الشيخ القائد القسام بأصحابه” موتوا شهداء… ” فردد الجميع الله أكبر الله أكبر. 

استشهد القسام وثلاثة من رفاقه، وبهذه الشهادة المباركة استحق الشيخ عز الدين القسام أن ينظم في عقد أعلام المجاهدين الذين تفردوا في منهجهم التربوي ومسلكهم الجهادي. أولئك المجاهدون الأوائل الذين أوقدوا شعلة الجهاد في جنبات الأقصى، وما زالت مشتعلة حتى عملية “طوفان الأقصى” وما بعدها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.