د. كمال ميرزا ( الأردن ) – الثلاثاء 27/2/2024 م …
أهل غزّة ليسوا مريضي النفس ضيقي العين، ألا تراهم كيف يجودون بحياتهم نيابة عن أمّة بأكملها وبشريّة برمّتها والجميع ينظرون؟!
هم سيفرحون قطعا إذا أحرزتَ تقدّما في حياتك، أو زُفّ إليك خبر سعيد، كنجاح في دراسة، أو علاوة في وظيفة، وما شابه ذلك من مناسبات شخصية واجتماعية.
وهم سيفرحون ثلاث مرّات إذا جرّبتَ أكلةً أعجبتك، أو طَعِمتَ وليمة أتخمتك: مرةً لاستمتاعك بما تأكل، ومرّةً لشبعك، ومرةً لإنّك بحمد الله تجد ما تأكله.
ولن يستاؤوا إبدا إذا أحببتَ أن تشارك الآخرين عبر الفضاء الإلكتروني أبسط تفاصيلك وتصرفاتك، وروحاتك وجيّاتك، وآخر شمّة هوا ذهبتها، وآخر جولة تسوّق قمتَ بها.
حتى نهفاتك وزناخاتك وهواياتك واهتماماتك مهما كانت، وأغانيك المفضّلة، ومقاطعك الأثيرة، ونصوصك على ركاكتها، وآراؤك على تفاهتها وجدالاتك على سخافتها.. كلّ ذلك لن يجعلهم يغيّرون طبعهم السمح الكريم.
ذائقتك الأدبية والفنية المترفة، وهوسك بالتنمية البشرية والريادة وتطوير الذات.. هذه مقدور عليها هي الأخرى.
ولعشّاق حيواناتهم الأليفة، أنتم لن تكونوا أكثر رحمة ورأفة من أهل غزّة بكلّ كبد رطبة.
ولقد حرصتُ هنا أن استخدم صيغة المخاطَب المُذكّر حتى لا أخوض في تفاهات الإناث من ملابس ومكياج وإكسسوارات وريجيم ودايت وعناية شخصية وطبيخ ونفيخ وتصميم داخلي وإدارة علاقات الخ الخ الخ.
أهل غزّة أعزّ نفسا من أن يتوقفوا عند كلّ هذه الصغائر، ولكن ألا تستحي أنت؟
جد، ألا تستحي أنت؟
حياتك تافهة ولا تستحق المشاركة حتى قبل “طوفان الأقصى”، فما بالك الآن؟!
سعارك الاستهلاكي سمج ومقرف وينمّ عن مركبات نقص متجذّرة حتى قبل “طوفان الأقصى”، فما بالك الآن؟!
ليس متوقّعا منك أن تأتي بالهوايل أو تجترح الخوارق، وليس متوقّعا منك أن تجعل غزّة قضيتك ومعاناة أهلها شغلك الشاغل.. كلّ ما هو مطلوب منك أن “تستحي شوي”، ألهذه الدرجة مهمة صعبة على شخص مثلك أن يستحي شوي؟!
تعالوا نتفق على أن نحذف من دائرة أصدقائنا كلّ شخص لا يستحي، وهكذا سنستطيع فرز وتنظيم الفضاء التواصليّ بشكل أفضل: قليلو الحياء يتداولون قلّة حيائهم معا، والذين يمتلكون الحدّ الأدنى من الحياء يصمتون معا!
فقط اصمت، وبمنطق السوشال ميديا لا تُدرج أو تشيّر أو تعلّق ما لم يكن هناك شيء وجيه ليُقال أو يُعرف، واحتسب ذلك عند الله تعالى من أجل أهل غزّة.. هل هذا كثير؟!
بعض الذين يصرّون على المكابرة والإمعان في سماجتهم ووقاحتهم يتذرّعون قائلين: “الحياة يجب أن تستمر”!
نعم، الحياة يجب أن تستمر، ولكن إذا كان هناك حياة يجب أن تستمر هذه اللحظة فهي حياة أهل غزّة وليس حياة شخص فارغ عديم الإحساس مثلك!
شوية حياء وماء وجه.. هل هذا كثير؟!
التعليقات مغلقة.