صبايا وشباب غزة: لكم الحياة / فيحاء عبد الهادي
فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الجمعة 1/3/2024 م …
أجابت فتياتٌ صغيرات مهجَّرات من شمال غزة، عن سؤال: “شو بِدِّك تِطلَعي لما تِكبَري:
في بداية النزوح: مصمِّمة أزياء
بعد شهرين: بِدّي أطلع جوليا بطرس
بعد يوم 10/02/ 2024: بِدّي أطلع شُجاعة متل دكتورة أميرة العسولي”.
*****
خاطرت بحياتها لإنقاذ جريح في غزة، واعتبرت أن هذا واجبها كطبيبة، أقسمت منذ تخرّجها أن تساعد الآخرين قبل أن تفكِّر في نفسها، وهذا ما فعلته ابنة غزة د. أميرة العسولي، حين قررت المخاطرة بحياتها لإنقاذ شاب جريح أصابته رصاصة قناص إسرائيلي، أمام مجمع ناصر الطبي، في خان يونس.
دون أن تتردّد لحظة واحدة، ودون أن تفكر في إمكانية إصابتها بذات الرصاص؛ توجهت ركضًا – وظهرها محنيّ – نحو الجريح، إلى أن أدركته، بصحبة ثلاثة مسعفين.
وبشجاعة فائقة، ورغم القصف فوق رؤوسهم؛ تمكنوا من إنقاذ الشاب، الذي أصيبت ساقه إصابة بالغة، وأعادوه إلى المستشفى كي يتلقى العلاج.
*****
تذكِّرنا الشجاعة بالشجاعة والإقدام بالإقدام، ويستدعي الدور الطبي، الذي قامت به د. أميرة، إبّان العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة؛ الدور الطبي الذي قامت به النساء الفلسطينيات، على امتداد التاريخ الفلسطيني.
نذكر “حياة البلابسة”، المعلمة التي استشهدت يوم 9 نيسان عام 1948، في دير ياسين، وهي تسعف جريحًا – كانت قد نجت من المذبحة؛ لكنها سمعت صوت جارها يصرخ طلبًا للمساعدة؛ فعادت لإنقاذه -.
كما نذكر دور النساء اللواتي حوّلن منظماتهن النسائية، عام 1948، إلى مراكز تدريب على أعمال الإسعاف الميداني والتمريض، بالإضافة إلى مساهمتهن في بناء المستشفيات والمستوصفات الطبية.
نذكر دور الرائدة “وديعة قدورة خرطبيل”، في طولكرم، – بعد أن حوّل زوجها الطبيب بيته إلى مستشفى ميداني، لاستقبال جرحى الحرب، حيث عملت مع زميلاتها في الاتحاد النسائي كممرضات في المستشفى -، ودور الرائدة “زليخة الشهابي”، في القدس، التي أسَّست مع عضوات الاتحاد النسائي؛ عددًا من المراكز للإسعاف الأولي، وساهمت في تأسيس مستشفى للجرحى في المطّلع، ودور الرائدة “حلوة جقمان”، التي أسَّست الاتحاد النسائي العربي في بيت لحم، وتبرّعت بغرفة في بيتها للتدريب على الإسعاف الأولي، وعند بدء المعارك، قامت مع عضوات الاتحاد بإنشاء مركزين للإسعاف ضمّا ستين سريرًا، وشكَّلت معهن العديد من طواقم الممرِّضات، وقُمن بإسعاف 847 جريحًا، وأُصيبت برصاصة في رجلها أثناء إسعاف الجرحى.
ونذكر الشابات الثلاث، من نابلس، اللواتي شاركن في إسعاف الجرحى في الميدان، بإشراف من د. أمين رويحة/ رئيس الهيئة الطبية في جيش الإنقاذ: “فاطمة سعيد أبو الهدى”، و”عدلة عبد القادر فطاير”، و”يُسرى محمد طوقان”، بعد أن تمّ تدريبهن على الإسعاف الميداني والتمريض، عام 1947؛ عبر دورات نظمتها “جمعية الاتحاد النسائي العربي في نابلس” برئاسة الحاجة “عندليب العمد”.
سافرت الصبايا الثلاث المتطوّعات مع جيش الإنقاذ إلى سورية، ليُسعفن الجرحى في الميدان، ويساعدن الطبيب الجرّاح في العمليات الجراحية.
*****
روت “عدلة عبد القادر فطاير”، عن تربيتها على الشجاعة والإقدام طفلةً، وعن تشجيع والدها المناضل لها على العمل السياسي والاجتماعي؛ ما يجعل موافقته على إرسالها شابة للمشاركة في الإسعاف الميداني مع جيش الإنقاذ بديهية.
كان والدها مع رجال الثورة، وكان معتقلًا مع “فوزي القاوقجي” في العام 1936. كان يوقف ابنته الصغيرة ذات الست سنوات، على رأس الشارع، ويطلب منها أن تراقب دبابات الإنجليز لتخبره عن وصول إحداها: “إذا إجت دبابة، تقولي: اجت العباية”؛ حتى يستطيع مع رفاقه أن يقطعوا الشارع.
وكانت جدتها تطلب منها إيصال سلة إلى والدها ورفاقه ليلًا؛ تضع فيها ما يحتاجه الثوار، وتغطيه بالطعام.
وحين عملت مع جيش الإنقاذ، في الخطوط الأمامية؛ اضطرّت مرّة لحمل جريح، وإيصاله إلى غرفة العمليات.
*****
وبعد هزيمة عام 1967، وأثناء معركة الكرامة تحديدًا، عام 1968؛ نذكر دور “ميسر السعدي”، التي تحمل شهادة في التمريض، من مستشفى المطّلع، والتي رفضت الهرب من المعركة، وأصرَّت على العمل بالميدان لإنقاذ وإسعاف الجرحى.
كما نذكر أدوار العديد من النساء في غزة، في إسعاف الجرحى، إبّان العدوان عليها المرّة تلو المرّة؛ عام 2008، 2009، 2012، 2014، وخلال مسيرات العودة، عام 2018، وحتى اللحظة.
لا ننسى الجريحة/الممرِّضة “إيمان حسن القطراوي”، التي تسكن في مخيم النصيرات، والتي أصرَّت على القيام بواجبها، خلال العدوان على غزة عام 2014؛ وأصيبت إصابة بالغة، كادت تودي بيدها.
أو الشهيدة “رزان النجار”، من خان يونس – الطالبة في كلية التمريض، والتي تطوَّعت كمسعفة ميدانية مع جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، في الصفوف الأمامية، في مسيرات العودة، لمحاولة إنقاذ الشباب على حدود التماس؛ حيث تعاملت مع نحو سبعين حالة، من ضمنهم إصابات في الرأس، والبقية في القدم.
تعدَّت نقطة الصفر، وعالجتهم في المكان، وقدّمتهم مع زملائها الشباب للطواقم الطبية. أقدمت بشجاعة وثبات على إنقاذ شهيد وإصابتين؛ لكنها قتلت واستشهدت عندما ركضت للوصول إلى مصاب قرب السياج الحدودي، شرقي مدينة خان يونس، نتيجة إطلاق رصاصة متفجرة عليها من قناص إسرائيلي.
*****
بعد استشهاد رزان النجار، والتحاق والدتها صابرين بالطواقم الطبية لإسعاف المصابين؛ قالت راما (شقيقة رزان الصغرى): “لا أريد أن يقترب الجنود الإسرائيليون من أمي، ولا أريد أن أشاهد الرداء الأبيض التي ترتديه أمي فيه دماء كرداء رزان، لكنني عندما أكبر أريد أن أصبح مثل رزان، لكن دون أن يقتلني أحد”.
صبايا وشباب غزة، صبايا وشباب فلسطين؛ لكم الحياة لكم الحياة.
[email protected]
www.faihaab.com
التعليقات مغلقة.