حيّ الزيتون.. قلعة مقاومة فاجأت الاحتلال بتكتيكاتها القتالية

الأردن العربي –  السبت 2/3/2024 م …




بعد أيام قليلة من تركيز توغله البري وقتاله في حيّ الزيتون جنوب شرقي مدينة غزّة، انسحب “جيش” الاحتلال الإسرائيلي (الخميس) من هناك، محمّلاً بقطع دباباته وآلياته المستهدفة وجنوده القتلى والجرحى الذين اضطر إلى إجلائهم بالمروحيات، وتحت غطاء ناري من طائراته الحربية، وفق ما أكد مصدر في المقاومة الفلسطينية للميادين. 

أُسقط الاحتلال في الكمائن المحكمة التي أعدتها المقاومة بمختلف فصائلها المشاركة في القتال، وفُجّرت آلياته بالعبوات الناسفة، وأُسقطت مسيّراته، ووقع ضباطه وجنوده بين قتيل وجريح، نتيجة تكثيف المقاومة استهدافاتها بالصواريخ والقذائف.

“جيش” الاحتلال الإسرائيلي كان قد أقرّ بمقتل ضابطين من لواء “غعفاتي” بتاريخ 22 شباط/فبراير 2024، موضحاً أن أحدهما قائد سرية، والآخر قائد فصيل، وأصيب 7 جنود آخرون بإصابات صُنّفت “بالغة الخطور”، وذلك بعدما فجّرت المقاومة فتحة نفق بهذه القوات. 

هذا الكمين نموذج مما شهده الاحتلال في حيّ الزيتون، إضافة إلى مواجهات ضارية خاضتها المقاومة الفلسطينية عند كلّ محاور التقدّم هناك، محبطةً محاولة الاحتلال السيطرة على الحي والأهداف الإسرائيلية العامة من التوغل البريّ داخل القطاع، ومؤكدةً أنّ المستوى الذي بدأت به القتال لم يستنزفها رغم مرور 4 أشهر. 

العدوان المركّز على حيّ الزيتون جاء بعدما ادّعى “جيش” الاحتلال أنه “مسّ بقوة حماس المقاتلة، وسحب قواته من شمالي قطاع غزّة، وبدأ بالتركيز بالعمل على مناطق محدّدة”، بحسب موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإسرائيلية في تقرير له بتاريخ 22 شباط/فبراير الجاري، ولكنّ التصدي الذي حصل يثبت أنّ المقاومة في الشمال لا تزال  قادرة على المواجهة وإحباط خطط الاحتلال. 

تكتيك قتالي فاجأ الاحتلال في “الزيتون”

أقرّ الإعلام الإسرائيلي منذ البداية بأنّ كتيبة الزيتون هي “إحدى الكتائب الرئيسية لحماس في مدينة غزة”. ومنذ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أي في الأسابيع الأولى من التوغل البري، أعلن الناطق باسم “جيش” الاحتلال أنّ الجنود الإسرائيليين يخوضون معارك وجهاً لوجه مع المقاتلين الفلسطينيين في حيّ الزيتون، حيث “تحاول الفرقة 36 حسم المعركة مع عناصر كتيبة الزيتون التابعة للقسام”. 

ووفق التشكيلات العسكرية، المشتركة تقريباً بين مختلف الأجنحة في المقاومة الفلسطينية، فإنّ الكتيبة تختص بالقتال في مساحة جغرافية محدّدة (كتيبة الزيتون استمدت اسمها من نطاق عملها العسكري). وتندرج تحت الكتيبة السرايا والفصائل والمجموعات التي تضمّ الاختصاصات العسكرية كافة واللازمة لإتمام المهمات القتالية، والتي قد تتبدّل أو تتنوّع بحسب مستجدات الميدانية وما يطلبه التعامل مع طبيعة المعارك وأنواعها المختلفة. 

الإعلامي في الميادين، وهو من أبناء هذا الحيّ في غزّة، أحمد شلدان، شرح تفاصيل عن المقاومة، مؤكداً أنّ كتائب المقاومة في حي الزيتون، ولا سيما الكتيبة التابعة لكتائب القسّام (الجناح العسكري لحركة حماس)، من أكبر الكتائب لناحية عدد المقاتلين، ومن أكثرها تمرساً بالقتال والتدريب والتجهيز، وذلك بسبب الموقع الجغرافي للحيّ المواجه للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة في غلاف القطاع، وبالتالي فإنّ المقاتيلن اكتسبوا خبرة قتالية جيّدة. 

عملت المقاومة في حيّ الزيتون بتكتيك مختلف في طوفان الأقصى، إذ أوضح شلدان أنها بنَت تحركاتها الميدانية وفق المعلومات الاستخبارية التي نجحت في جمعها في ظل الحرب، بما مكّنها من كشف محاور القتال وطبيعته. أمّا في القتال الميداني، فقد اعتمدت المقاومة في “الزيتون” على ما يسمى الزُمرة في التشكيلات العسكرية، ثمّ انتقلت إلى باقي الهيكلية. 

وتتألف “الزمرة”، كفريق قتالي، من 4 مقاتلين مجهّزين بالأسلحة اللازمة والمناسبة، وعادةً ما يتمّ تكليفها بمهمة أو مهمتين. وهنا، لفت شلدان إلى أن عطب الزمرة لآلية عسكرية إسرائيلية كفيل بعرقلة أو وقف تقدّم مسار القوات الإسرائيلية في “الزيتون”، لأن أزقّة هذا الحي ضيقة بأغلبها.

وأضاف شلدان أنّ المقاومة استخدمت الزّمرة بأسلوب التناوب، إذ تعمل واحدة منها، فيشتبك المقاتلون، ثمّ يخلون. وبذلك، خفّفت من أعداد الشهداء، فيما عمّقت الخسائر في صفوف قوات الاحتلال المتوغِلة.

الأهمية الجغرافية

 اكتسب حيّ الزيتون، أكبر أحياء قطاع غزّة، أهميته الاستراتيجية انطلاقاً من مواجهته أبرز محاور التوغلات العسكرية الإسرائيلية تاريخياً، إضافة إلى أنه نافدة على شارعي الجلاء وصلاح الدين الذي جهد “جيش” الاحتلال للسيطرة عليهما، كشارعين رئيسين، بهدف عزل مناطق القطاع عن بعضها البعض. 

وفي هذا السياق، أشار الخبير العسكري شربل أبو زيد للميادين إلى أنّ الاحتلال حاول السيطرة على حيّ الزيتون لفصل شمالي قطاع غزة عن وسطه وجنوبيّه، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى قطع إمدادات المقاومة ونقاط اتصالها، فيما شدّد شلدان على أن الاحتلال لم يستطع الدخول إلا للجزء الجنوبي من “الزيتون” (شارع 8، ومفترق دولة)، حيث واجه تصدياً شرساً من مقاومة. 

إضافة إلى ذلك، يُعتبر هذا الحيّ ضمن أحياء عمق مدينة غزّة، والذي تنطلق منه المقاومة لاستهداف نقاط انتشار القوات الإسرائيلية في شمالي القطاع، وهو أيضاً “يتضمّن شبكات أنفاق واسعة للمقاومة”، وفق ما قال شلدان. 

قتال الألوية الإسرائيلية

المقاومة الفلسطينية تصدت في “الزيتون” لألوية متنوعة في “جيش” الاحتلال، والتحمت مع قوات المدرعات والمشاة، على الرغم من تركيز اعتماد الاحتلال على الألوية المدرّعة في “جيشه” في محاولات تقدّمه ومحاولة استهدفه للمقاتلين في حيّ الزيتون. وقد دلّ استقدام هذه الألوية على الخشية الإسرائيلية من المعارك الشرسة التي قد توقع جنوده في القنص والأسر. 

وقادت “الفرقة 36″، وهي فرقة مدرعات تصنّف من أكبر التشكيلات في “الجيش” الإسرائيلي، الهجوم على الحي، وتتبع لها 4 ألوية، أشهرها “غولاني”، إلى جانب اللواء “401 مدرع”، الذي يُعرف بـ”آثار الحديد”، وهو يتشكل من كتائب مدرعات، ومن فرق مشاة وكتيبة هندسة، ويصنّف بأهميته في المعارك الميدانية. 

وشارك في “الزيتون” فوج “المدفعية 215” التابع لسلاح مدفعية “جيش” الاحتلال، وهو يتشكل من كتيبة الخدمة العادية، إضافة إلى كتائب احتياط، وهو سلاح عن تشغيل المدفعية المتوسطة والطويلة المدى.

شارك أيضاً في هذا الحيّ “لواء ناحال” الذي تأسسّ عام 1982، وهو أحد الألوية التي تسمى بـ”النخبة” في “جيش” الاحتلال، وعادةً ما يكون نطاق خدمته العسكرية في المناطق الخطرة، وتتضمّن مهامه الدوريات القتالية وعمليات المراقبة، إضافة إلى الدعم التكتيكي لعمليات التوغل. 

العمل المقاوم في “الزيتون” 

المشاهد التي نشرها الإعلام العسكري التابع لكلّ جناح من أجنحة فصائل المقاومة الفلسطينية وثّقت أدلة سقوط ألوية “جيش” الاحتلال وجنوده تحت نيرانها، وشكّلت دليلاً على حجم السيطرة الميدانية للمقاومة في حيّ الزيتون، على الرغم من مضيّ 4 أشهر على بدء القتال. 

ويُوصف “الزيتون” بأنّه حيّ الشهيد القائد في سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) حازم ياسر ارحيم، المعروف بـ”أسطورة تدمير دبابات الاحتلال”، وهو الذي جال بجثة جندي إسرائيلي في كل أحياء غزة، بعدما فجّر ومجموعة من مجاهدي السرايا ناقلة جندٍ إسرائيلية عام 2004، ما أدى إلى مقتل 6 حنود من سلاح الهندسة في “جيش” الاحتلال”. 

واليوم، يعيد طوفان الأقصى والمعارك البرية إلى ذاكرة الاحتلال ما شهده في العدوانيين عام 2008 و2014، حين واجهت المقاومة في “الزيتون” محاولات التوغّل الإسرائيلي بالكمائن النوعية التي أوقعت الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح وأجبرتهم على الانسحاب. 

وببقاء الحي قلعة صامدة للمقاومة في مدينة غزة، كشفت المعارك الأخيرة الخائبة لـ “جيش” الاحتلال أنّ سرديته عن سيطرته على شمال غزة وقضائه على قدرات المقاومة في مدنه وأحيائه كاذبة، ولا تعدو كونها محاولةً لإقناع الرأي العام الإسرائيلي والدولي بأنّ العملية العسكرية التي يشنها، والتي دخلت شهرها الرابع، ذات جدوى، فيما تثبت المقاومة بصمودها، يوماً بعد يوم، أنّ الاحتلال لم يتمكن من كسر إرادتها، وهو بعيد جداً عن تحقيق أهدافه العسكرية في القطاع.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.