من أبشع جرائم داعش … ماذا يعني أن تذبح “داعش” شيخاً مصرياً ضريراً عمره قرن؟
الثلاثاء 22/11/2016 م …
الأردن العربي …
ارتكب فرع “داعش” في سيناء، المعروف سابقاً باسم “أنصار بيت المقدس”، يوم الاحد 20 تشرين الثاني / نوفمبر، جريمة تقشعر لها الأبدان ويندى لها جبين الإنسانية، تمثلت بذبح الشيخ الزاهد الورع سليمان أبو حراز، أحد رموز الصوفية بسيناء، بالسيف، رغم انه ضرير وقارب عمره المائة عام.
الشيخ أبو حراز تم اختطافه في منتصف شهر تشرين الثاني / أكتوبر الماضي من منزله بالعريش في سيناء، من قبل “الدواعش”، ورغم ما قيل عن اطلاق سراحه الا “الدواعش”، بثوا صورا مقززة لعملية ذبحه بالسيف وفصل رأسه عن جسده، بعد اتهامه بالكفر والكهانه.
الصور والفيديو التي بثتها “داعش”، لعملية اعدام الشيخ العابد والزاهد أبو حراز، اثارت موجة من الغضب بين ابناء سيناء، الذين عرفوه بالصلاح والتقوى والورع، ودعوته الدائمة لمن حوله ولأصحاب الحاجات الذين يقصدونه، للإكثار من قراءة القران والصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم، وهم ما اعتبره “الدواعش” شركا.
في حزيران / يونيو عام 2013 قامت مجموعة من السلفيين الوهابيين بالهجوم على منزل في القاهرة كان في داخله الشيخ الجليل حسن شحاته وعدد من اتباع اهل البيت عليهم السلام، فقاموا باضرام النار في المنزل وسحل الشيخ شحاته في الشوارع مع ثلاثة اخرين، وضربوهم بالعصي والحجارة والسكاكين حتى فارقوا الحياة، وتوقع الكثيرون حينها الا تكون هذه الجريمة الطائفية الوحشية، الأخيرة في مصر ما لم يتم التصدي للتغول السلفي الوهابي فيها.
السلفية الوهابية، التي تعتبر الرحم الذي خرجت منه القاعدة و”داعش” وكل الجماعات التكفيرية الأخرى في مصر وخارج مصر، لا تعترف بالاخر مطلقا، مهما كان هذا الاخر؛ سنيا ام شيعيا ام علويا ام اباظيا ام زيديا ام اسماعيليا ام مسيحيا ام يهوديا، فالجميع كفرة ومشركون ومرتدون ومبتدعون.
السلفية الوهابية وفي بداية تغلغها في اي مجتمع، ومنها المجتمع المصري، تبدأ باستهداف الأقليات الدينية والمذهبية لتثبيت مواقعها في هذه المجتمعات، وتتحاشى التعرض للغالبية السنية وعدم استفزازها، الا انها وبعد ان تحقق انتشارا، بقوة المال والإعلام الخليجي، تبدأ بالتعرض للمسلمين السنة وتبدأ بتكفيرهم وبشكل علني، لذلك لا تقيم السلفية الوهابية شأنا لأي شخصية دينية سنية مهما علت منزلتها، اذا ما تجرأت هذه الشخصية على انتقاد السلفية الوهابية، عندها ستفتح ابواب جهنم عليها، حتى ينتهي الأمر بقتلها، بذرائع جاهزة كالتعاون مع النظام، او “التشيع” او..، كما جرى مع العلامة رمضان البوطي، واليوم مع العابد الزاهد ابوحراز.
للأسف الشديد نرى السلطات المصرية تهادن الجماعات السلفية الوهابية، بدلا من مواجهتها واجبارها على التخلي عن خطابات الكراهية والتحريض والتكفير، كما لاحظنا من خلال الاجراء الذي اتخذته السلطات المصرية باغلاق مسجد الحسين عليه السلام في القاهرة هذا العام، للسنة الرابعة على التوالي، وذلك بالتزامن مع يوم العاشر من محرم “يوم عاشوراء”، بعد التهديدات التي أطلقتها الجماعات الوهابية السلفية في مصر باستهداف المسجد، بينما كان حري بالسلطات المصرية ان لا ترضخ لتهديدات هذه الجماعات، وتوفر الأمن للمسجد والمشاركين في مراسم احياء العاشر من محرم، الأمر الذي جعل الجماعات التكفيرية في مصر تتمادى في ابتزازها للسلطات المصرية.
هذه الحقيقة اشار اليها الشيخ الأزهري احمد كريمة، في العام الماضي، عندما علق على اغلاق السلطات المصرية لمسجد الحسين عليه السلام، في يوم عاشوراء، بقوله: “لا يوجد صراع مذهبي في مصر. فأصلاً لا توجد كثافة شيعية كبيرة. ولكن توجه عدد من السلفيين الوهابيين من الإسكندرية بالذات للمسجد بهدف الإشتباك مع زوار الضريح. فكان يجب تفادي الخط”.
ورأى كريمة “أن المشكلة تتجاوز مسألة غلق الضريح قائلاً إن “الأمر أكبر وأخطر من مجرد غلق الضريح ليومين كإجراء احترازي. فهناك تأثيرات كبيرة للتيارات الوهابية الخليجية. فمصر التي كانت دائماً بعيدة عن الصراعات المذهبية. والتي بذلت بفضل وجود الأزهر بها جهداً في التقريب بين المذاهب. وحتى اليوم يدرس المذهب الشيعي في الأزهر، أصبحت متأثرة بشدة بالتيارات الوهابية”.
رغم ان ما قاله الشيخ كريمة صحيح الا انه لا يعفي السلطات المصرية عن مسؤوليتها في الحفاظ على حياة مواطنيها مهما كان انتماؤهم المذهبي، كما ان بعض تصرفات السلطات المصرية، جعلت السلفية الوهابية تتمادي في تهديداتها لأتباع اهل البيت عليهم السلام في مصر، وذلك عندما تحدث بيان وزارة الأوقاف المصرية العام الماضي على خلفية اغلاق مسجد الحسين عليه السلام، عن “اباطيل الشيعة” في وصف مراسم عاشوراء، ولا ندري اين هذه الأباطيل في مقتل الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء؟.
عندما تكال الإتهامات الباطلة لأتباع اهل البيت عليهم السلام، دون ان يكون لهم الحق في الدفاع عن انفسهم، وعندما تحتجز سلطات مطار القاهره عددا من أتباع اهل البيت عليهم السلام أثناء توجههم إلى العراق لزيارة اربعين الإمام الحسين عليه السلام، وتقوم بأخذ جوازات سفرهم وتفتش حقائبهم وتمنعهم من السفر نهائيا، الا يعتبر هذا ضوء اخضر للتكفيريين ليتمادوا في غيهم للإعتداء على اتباع اهل البيت عليهم السلام، وغدا على غيرهم من المسلمين والمسيحيين؟.
نتوجه بالسؤال الى وزارة الاوقاف المصرية، ترى هل هناك شيعة في ليبيا؟، لماذا اذا تستهدف “داعش” السنة هناك وتقتلهم وتنكل بهم؟، هل هناك شيعة في سيناء؟، لماذا اذا يقتل التكفيريون الأبرياء وحتى الطاعنين بالسن من امثال الشيخ الزاهد ابو حراز؟، أيهما يهدد الأمن القومي المصري، أتباع اهل البيت عليهم السلام المسالمين، ام الجماعات السلفية الوهابية التي تشاطر “داعش” ب99 من افكارها وممارساتها؟.
ان قتل ابو حراز الذي اقترب عمره من قرن كامل من الزمن، ذبحا بالسيف، هو جرس انذار للسلطات المصرية، لتكون اكثر جدية وحزم في التعامل مع كل جماعة تحمل التكفير واقصاء الاخر عقيدة، فالشهيد ابو حراز كان مسلما سنيا شافيعا خالصا، الا ان سنيته لم تشفع له عند “خوارج العصر”.
اجمل ما نُعي به الشيخ ابو حراز، هو ما جاء على لسان الداعية اليمني الحبيب بن على الجفرى، عندما قال: “أقدم خوارج العصر الدواعش على قتل شيخ الزاهدين في سيناء فضيلة الشيخ المُعمَّر سليمان أبو حراز السواركي الأشعري الشافعي الشاذلي بعد تجاوزه المائة سنة، ولم يراعوا حق شيخوخته وفقد بصره فضلًا عن علمه وورعه وتقواه، فقاموا بقطع رأسه .. لأنه رفض الإنصياع لإنحراف فكرهم الإجرامى، ولم يتورع هؤلاء المجرمون عن رميه بالشرك والكفر ووصفه بالكاهن شأنهم شأن أسلافهم من الخوارج قتلة الصحابة رضي الله عنهم .. رحمه الله وأعلى درجاته وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وتقبله في الشهداء، وأخلفه في أهله وتلاميذه وقبيلته وأهل سيناء المباركة ومصر الطيبة والأمة بخلف صالح، ورفع هذا البلاء عن الأمة المحمدية، وخالص التعازي لذوي الفقيد وقبيلة السواركة الكرام ومريديه وأحبابه والأمة المحمدية بل والإنسانية جمعاء”.
التعليقات مغلقة.