المحامي محمد احمد الروسان يكتب: عسكرة قلب روسيّا الاقتصادي – أوكرانيا 2 … أرخبيل القطب الشمالي والاحتباس الحراري

المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 9/3/2024 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

تداعيات أزمة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، لم تتوقف مشكلة التأثير سلباً فقط، على ظواهر المناخ والطقس والبيئة الطبيعية، بل امتدت تأثيراتها إلى التوازنات والتفاعلات الجيو- سياسية العالمية والدولية، وقد انتقلت عدوى أزمة الاحتباس الحراري العالمي، إلى مجال العلاقات الدولية وعسكرتها والصراع الدولي، وذلك على النحو الذي قد يقود إلى نزاع روسي – أمريكي، حول السيطرة على منطقة القطب الشمالي، والتي من شأنها أن تصبح أوكرانيا 2.

لقد قاد ويقود الاحتباس الحراري العالمي، إلى الارتفاع المضطرد في معدلات درجات الحرارة في سائر أنحاء العالم، وقد ترتب على ذلك ذوبان الجليد، وعلى وجه الخصوص في منطقة القطب الشمالي، الأمر الذي أدى بدوره إلى انكشاف الغطاء الجليدي عن سطح الأراضي المرتفعة الموجودة في منطقة بحر اركتيك، على الجانب المجاور لأراضي روسيا.

الأزمة السياسية بين روسيا وأمريكا نشأت حول من هو الأحق بالسيطرة على هذه الأراضي، وبكلمات أخرى ضمن نطاق إي مجال سيادي يجب أن يتم تضمين هذه الأراضي: مجال السيادة الروسية، أم مجال سيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟.

ويمكن القول: أن المعركة الروسية – الأمريكية الخفية، والدائرة حالياً حول بحر أركتيك، تمثل في حقيقة الأمر إحدى مكونات أجندة الصراع العسكري العالمي، المتعلقة باحتلال الأراضي والسيطرة وفرض النفوذ عليها.

فقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية، الالتزام بقواعد وبنود معاهدة الأمم المتحدة حول القانون البحري، والتي ظلت روسيا تلتزم بها، وأمّا الولايات المتحدة الامريكية، فقد لجأت إلى تخطي هذه المعاهدة، والتصرف من جانب واحد، واستخدمت وجود ساحل منطقة الاسكا المقابل للقطب الشمالي، كذريعة للتدخل ومحاولة فرض النفوذ على المنطقة.

فساحل منطقة الاسكا الأمريكية، بعيد نسبياً عن القطب الشمالي، وحتى إذا تم التسليم جدلاً، بأنّه له شريط ساحلي في مواجهة القطب الشمالي فهو شريط ضيق،

هذا وتستند كل من واشنطن وموسكو، على ذرائع خاصة تتمسك بها في دعم وإسناد موقفها: فالموقف الأمريكي: يرى الأمريكيون بأن أراضي القطب الشمالي التي ظهرت بسبب ذوبان الجليد لا تتبع لأي نطاق سيادي، وبالتالي فإنّ معيار تبعيتها السيادية هو أمر مفتوح لكل دول العالم، وفقد يتوقف على من يقوم أولاً ويستبق الآخرين في الإعلان عن السيادة، وبناء على ذلك يرى الأمريكيون بأن مناطق القطب الشمالي قد تم اكتشافها بواسطة المكتشفين الأمريكيين، الذين كانوا أول من وصل إلى هذه المنطقة، ولما كانوا يحملون العلم الأمريكي فإنّ ذلك دلالة على أن السيادة على هذه المناطق هي لأمريكا وحدها.. ومن أبرز المكتشفين الأمريكيين الذين وصلوا إلى القطب الشمالي: نجد فريدريك البيرت كوك الذي تمكن في عام 1908م، من الوصول إلى القطب الشمالي، وأيضاً المهندس روبرت ادوين، التابع لأسطول البحرية الأمريكية، والذي وصل إلى القطب الشمالي في 6 نيسان 1909م، وغيرهم..

أمّا الموقف الروسي، وهو الأكثر قوّة وحجّة في الاقناع ويتفق مع بنود معاهدة الأمم المتحدة حول القانون البحري: يقول الروس: بضرورة تبعية أراضي اركتيك إلى روسيا، وذلك لجملة من الأسباب أبرزها:

أ‌ – انّ روسيّا هي صاحبة أطول خط ساحلي مقابل لمنطقة اركتيك.

ب‌ – يقطن بالقرب من منطقة أركتيك حوالي 400 ألف روسي، بينما لا يقطن أي أمريكي في المنطقة الصغيرة المقابلة لأركتيك.

ت ‌- في حالة ذوبان الجليد بشكل كامل، فإن أراضي منطقة اركتيك سوف تتصل مباشرة مع الأراضي الروسية، وبالتالي، فإنّ أراضي اركتيك هي جزء مكمل للأراضي الروسية، طالما أن ذوبان الجليد يؤكد مادياً بأنها جزء مكمل لا يتجزأ من الجرف القاري للأراضي الروسية وامتداداتها داخل البحر، والقانون البحري الدولي، ينص على تبعية كل الأراضي مباشرة لأراضي الدولة، إذا ثبت أن الأراضي البحرية الجديدة تشكل امتداداً للجرف القاري.

انّ الصراع حول منطقة اركتيك، تتزايد حدته أكثر فأكثر، وذلك بسبب دخول المزيد من الأطراف الدولية الجديدة، وقد أصبحت أطراف الصراع بالإضافة إلى روسيا وأمريكا تتمثل في: كندا، الدانمارك، ودخلت السويد والنروج وفنلندا.

وتمتلك منطقة القطب الشمالي عموماً، ومنطقة اركتيك التابعة لها على وجه الخصوص، الكثير من المزايا الخاصة، والتي جعلت منها أحد المناطق العالمية ذات الأهمية الخاصة الفائقة الحساسية في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، وتوجد الكثير من الغواصات النووية الروسية والأمريكية في هذه المنطقة، كما توجد الكثير من القواعد النووية الروسية والأمريكية في المناطق الساحلية الروسية المقابلة لهذه المنطقة، وفي منطقة الاسكا الأمريكية التي تعتبر الأقرب أمريكيا بالنسبة للأراضي الروسية، وعلى أساس اعتبارات الصراع الصاروخي الباليستي، فإنّ أي حرب صاروخية أمريكية – روسية، سوف تعتمد بشكل أساسي على مدى نجاح مدى إدارة الهجمات وتبادل الردع والردع المضاد عبر منطقة اركتيك، وذلك لأنّ أقرب مسافة بين الأراضي الروسية والأراضي الأمريكية تمر عبر منطقة أركتيك.

والمعلومات تؤكد، وجود كميات هائلة من مخزونات النفط والغاز في هذه المنطقة، وبسبب قرب هذه المنطقة من الأراضي الروسية، ومن الأراضي الكندية، ومن الأراضي الأمريكية، فقد تحرك نهم الشركات الأمريكية النفطية الكبرى باتجاه دفع الإدارة الأمريكية، من أجل القيام بأي طريقة بإكمال عملية السيطرة ووضع اليد على منطقة اركتيك.

انّ الصراع بهذه الطريقة على منطقة أركتيك، ستترتب عليه سابقة خطيرة للغاية في القانون البحري الدولي، وذلك لأنّ سابقة(وضع اليد)سوف تتيح لأمريكا القيام بالكثير من عمليات وضع اليد الأخرى في العالم، وبالذات في الجزر النائية الصغيرة المنتشرة في مختلف بحار ومحيطات العالم، وذلك على النحو الذي يمكّن الولايات المتحدة من تحويل هذه الجزر إلى قواعد عسكرية نووية جوية وبحرية، على غرار ما حدث في جزيرة دييغو غارسيا الموجودة في المحيط الهندي، وهو أمر سوف يؤثر كثيراً على الميزان العسكري الاستراتيجي العالمي والدولي.

اذاً: وبالعمق في الرصد والمتابعة والتحليل: هناك ثمة تطورات خطيرة ومتصاعدة بالقطب الشمالي من الكرة الأرضية، والذي من شأنها أن تجعل جغرافية القطب نفسه ساحة للحرب بين روسيا – ومعها الصين كإسناد جبهوي عسكري – من جهة، والناتو وأمريكا من جهة أخرى، وخاصةً بعد تحذيرات وتصريحات روسيّة، تبدي القلق المتفاقم، من مناورات حلف شمال الأطلسي في القطب الشمالي مؤخراً، وتحذر من مخاطر وقوع(حوادث غير مقصودة)في المنطقة، قد تقود الى حرب شاملة لا تبقي ولا تذر.

صارت الدائرة القطبية الشمالية موقعاً محورياً في الصراع الجيوسياسي، وفي المنافسة العالمية، وربما تشهد تصعيد صراع القوى العظمى في المستقبل القريب، فمع ذوبان القمم الجليدية في القطب الشمالي، بدأت الدول بالاندفاع إلى السيطرة عليه، بموارده الطبيعية وموقعه الاستراتيجي، ولأجل غايات عدّة، أبرزها الغاية الاقتصادية والعسكرية، تتنافس دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين على السيطرة على هذه المنطقة التي تعد منطقة دولية محايدة.

لقد كانت إحدى نتائج الخلاف الغربي الروسي، بعد اندلاع حرب المواجهة الروسية الأطلسية عبر المسألة الأوكرانية، التعليق غير المسبوق لعمل مجلس القطب الشمالي، وهو مجموعة من ثماني دول تترأسها روسيّا حالياً: وتضم أيضاً كندا، والدنمارك، وأيسلندا، والنرويج، والولايات المتحدة الأمريكية، وفنلندا والسويد(العضوين الجديدين في الناتو)، وجاء قرار تعليق عمل مجلس القطب الشمالي من الجانب الغربي.

مناورات عديدة يجريها الناتو ما بعد بدء المواجهة الروسية مع الغرب عبر أوكرانيا، فقد أجرت في الماضي القريب، قوّات الناتو تدريبات وتحت مسميات مختلفة، على شاكلة مسمى: الاستجابة الباردة نصف السنوية، واسعة النطاق في النرويج مثلاً في عام 2022 م، والتي جرت بالقرب من الحدود الروسية، وشهدت مشاركة حوالي 30 ألف جندي من 27 دولة، من بينها فنلندا والسويد – حيث كانا خارج الناتو في حينه.

وكانت تدريبات الاستجابة الباردة تلك، مخططة منذ فترة طويلة، لكن العلمية الروسية الخاصة والمشروعة في الداخل الأوكراني، زاد من حدة التوتر المرتبط بهذه المناورات الدورية، في وقت أصبح الناتو يعتبر أنّ روسيّا أصبحت خصماً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ومستعد لتحمل مخاطر أكبر لاستعراض قوته في أوروبا.

وشكلت مناورة الاستجابة الباردة، واحدة من أكبر مناورات الناتو في القطب الشمالي على الإطلاق، وكما اكتسبت هذه التدريبات أهمية إضافية لبعض من مشاركة حوالي 3000 من مشاة البحرية الأمريكية فيها، بسبب العملية الروسية العسكرية الخاصة في أوكرانيا والتي ما زالت مستمرة.

وتعتبر روسيّا: إنّ تدويل الأنشطة العسكرية للحلف في خطوط العرض العليا، والتي تشمل مشاركة دول الناتو القطبية وغير القطبية الشمالية، لا يمكن إلا أن يسبب القلق البالغ لنا، حيث هناك مخاطر وقوع حوادث غير مقصودة، وبالإضافة إلى المخاطر الأمنية، يمكن أن تسبب هذه التطورات أيضاً أضراراً جسيمة للنظام البيئي الهش في القطب الشمالي.

وبلا شك وبالمطلق من القول:  ترى روسيّا أنّ انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو مؤخراً: بالتأكيد، لن يسهم توسع الناتو على حساب الدول غير الأعضاء في الكتلة التقليدية في الأمن والثقة المتبادلة في القطب الشمالي، وهذا ما تنادي به روسيّا باستمرار، ومعظم مناورات الناتو في القطب الشمالي، تحاكي حرباً بين روسيّا والناتو بشكل مباشر، وهنا مكمن ومربط الخطورة، مما يقود ذلك الى زعزعة استقرار العالم وأمنه الجماعي.

انّ سيناريو التدريبات العسكرية للناتو في الدائرة القطبية الشمالية، بقي متشابهاً منذ سنوات خلت، وما قبل المواجهة الروسية الأطلسية الحالية عبر المسألة الأوكرانية أو الحدث الأوكراني، حيث تقوم وتنهض هذه المناورات العسكرية على افتراض: أنّ النرويج تتعرض لهجوم من دولة خيالية(بالتأكيد المقصود الفدرالية الروسيّة)، يؤدي ذلك إلى تفعيل بند الدفاع الجماعي للحلف، ووصول قوّات من الولايات المتحدة وأكثر من اثني عشر شريكاً للدفاع عن البلاد النرويجية، عبر تفعيل البند الخامس من ميثاق الحلف ومضمونه: الاعتداء على دولة عضو في الناتو هو اعتداء على جميع الدول الأعضاء ويقتضي التدخل العسكري الجماعي والجمعي في الحال.

وكما هو معروف من معطيات ومعلومات: فقد تحسنت العلاقات بين النرويج وروسيا، اللتين تشتركان في حدود القطب الشمالي، تدريجياً في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ومع ذلك أدى ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014 م عبر استفتاء شعبي ودون اطلاق رصاصة روسية واحدة، إلى إثارة التوترات على جانبي الحدود، والمزيد من المناورات العسكرية المتكررة.

حيث تحتل النرويج موقعاً استراتيجياً في القارة الأوروبية العجوز والمتصابية من جديد، باعتبارها أقصى الطرف الشمالي لحلف الناتو، مع حدود برية وبحرية مشتركة مع روسيا، وبالتالي تتحمل مسؤولية المجال البحري(المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة)في مساحة تقارب مساحة البحر الأبيض المتوسط.

انّ مفاصل حكم الفدرالية الروسيّة تقول: إنّ القطب الشمالي أصبح جبهة جديدة في الأزمة الأوكرانية بالفعل والحقيقة، حيث وبعد وقت قصير جداً، من بدء تدريبات الناتو العسكرية – الاستجابة الباردة تلك، أصدرت روسيا إشعاراً للطيارين يشير: إلى أنّه ستكون هناك مناورات روسية بالذخيرة الحية تجري في البحر النرويجي غرب مناورات الناتو – في ذلك الوقت والحين.

ومن جانب آخر: وكما أجرت في السابق(تجري هذا الأوان)، الولايات المتحدة الأمريكية الازدواجية أيضاً، عدداً من التدريبات الموجهة للقطب الشمالي في أقصى أراضيها الشمالية من ألاسكا، والتي تقع حدودها الغربية على بعد 55 ميلاً فقط من الحدود الشرقية لروسيّا، كما أجرت وتجري مناورات مشتركة مع كندا – فما يفصل بين أمريكا وروسيا هو معبر ألاسكا بطول 7 كيلو متر فقط.

إنّ التحركات الدبلوماسية والعسكرية الأخيرة من قبل واشنطن وحلفائها تظهر، أنّ الحدود الهادئة، عادة قد أصبحت بالفعل جبهة في الأزمة، وبالتالي: تفويض مجلس القطب الشمالي، يستبعد صراحةً المسائل المتعلقة بالأمن العسكري، حيث تنص جميع الوثائق التأسيسية والاستراتيجية، على أنّ القطب الشمالي، يجب أن يظل أرضاً للسلام والاستقرار والتعاون البنّاء، لذلك لا ينبغي أن يخضع هذا الشكل الفريد للتأثير غير المباشر لأي أحداث خارج المنطقة القطبية الشمالية بالمطلق.

ومع ذلك، فانّ موسكو تستغل توقف عمل مجلس القطب الشمالي: لإعادة تركيز رئاستها للمجلس، لتلبية الاحتياجات المحلية في المنطقة، وباستثناء الاجتماعات المعلّقة لمجلس القطب الشمالي نفسه، والشركات التابعة له، فجميع الأحداث في إطار برنامج الرئاسة الروسية في مجلس القطب الشمالي ستنظم كما هو مخطط لها، وهذا ما هو مستمر حتّى اللحظة.

وإنّ موسكو تعتقد، أنّ القطب الشمالي، لديه إمكانات هائلة للاستفادة، وإنتاج طاقة مستدامة ومنخفضة الانبعاثات، من حيث استكشاف المواد الحرجة: المعادن الأرضية النادرة والمعادن، وكذلك الحلول المبتكرة، التي قد تسرّع التحول المستدام للطاقة على الصعيد العالمي.

وها هي النرويج العضو في الناتو، والتي قد تكون بمثابة حصان طروادة، لبدء النزاع والصراع في القطب الشمالي مع روسيّا، ومن خلفها لموسكو: الصين كإسناد جبهوي، تتساوق وتتماهى مع الأجندة الأمريكية في تلك المنطقة، بعيداً عن مصالحها الذاتية العليا، وتبدي قلقاً مصطنعاً وكاذباً، من تعزيز موسكو لوجودها في القطب الشمالي.

وعادت الأهمية الجيوسياسية، لمنطقة القطب الشمالي إلى الضوء، مع توغل القوّات الروسية في أوكرانيا، حيث تزيد العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، من تدهور العلاقات، وتسلّط الضوء وبعمق: على خطوط الصدع الحرجة بين روسيّا والدول المتحالفة مع الناتو.

عند تحديد ردهم على الهجوم الروسي على أوكرانيا، يوازن حلفاء الناتو الاعتبارات الرئيسية، بما في ذلك التأثيرات المختلفة من الاستخدام المحتمل للقوة، وتحقيق التوازن بين استخدام العقوبات، واعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية، ومعالجة علاقات روسيا القويّة مع الصين.

وتتركز احتياطيات الغاز الطبيعي والطاقة الوفيرة في منطقة القطب الشمالي الروسيّة، والتي تعتمد عليها الدول الأوروبية بشكل كبير في إمدادات الطاقة، وفي الوقت نفسه، جعلت روسيّا القطب الشمالي، نقطة محورية لجهود التحديث العسكري، مما أدى إلى تعزيز مطرد للقوات الروسيّة وقوات الناتو في جميع أنحاء المنطقة.

وقبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تصاعدت تحذيرات واشنطن بشأن هجوم روسي وشيك على أوكرانيا، هنا تحديداً: أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسلسلة من التدريبات، تشمل جميع قيادات قوّاته البحرية، بما في ذلك الشمال، الأسطول الذي تدرب على تأمين طرق الشحن الحيوية في بحر بارنتس.

ولقد جعلت هذه العوامل وغيرها، النرويج عضو الناتو القطبي، قلقة بشكل متزايد، بشأن ما يُنظر إليه من نزعة عدوانية من جانب روسيّا في أوروبا، وإمكانية قيام موسكو بتغيير نظام الأمن الأوروبي وهياكله كلها، بشكل دائم لصالحها من خلال التخويف أو استخدام القوة.

وحيث يساور النرويج القلق، بشأن استمرار روسيّا في تحديث أسطولها الشمالي، المتمركز في مورمانسك وزيادة النشاط العسكري في أعالي الشمال، وهي منطقة يُعتقد أنها غنية بالموارد الطبيعية، وحيث أدّى ذوبان الجليد إلى فتح طرق شحن جديدة، حيث منطقة القطب الشمالي غنية بالموارد، كما أنها نقطة تماس بين روسيّا وعدد من أعضاء الناتو وخاصةً العضويين الجديدين: فنلندا والسويد.

ويُنظر إلى القطب الشمالي بشكل عام على أنه: منطقة حوار، وقد اكتسب على مدى العقود الثلاثة الماضية سمعة باعتباره (منطقة سلام)تتميز بديناميكيات أمنية تعاونية وهادئة بشكل استثنائي، ووفق تقديرات دولية طاقوية محايدة، فانّ منطقة القطب الشمالي، يمكن أن تحتوي على ما يصل إلى 100 مليار برميل من النفط، وهو ما يعادل تقريباً احتياطي دولة الإمارات من النفط، وأيضاً ووفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، يقع خُمس الغاز الطبيعي في العالم دون أن يمسه أحد، تحت الغطاء الجليدي في القطب الشمالي، كما أنّ المنطقة غنية أيضاً بالمعادن الثمينة، كما يوجد حالياً أكثر من 600 حقلاً للنفط والغاز، قيد الإنتاج أو قيد التقييم أو التطوير الميداني، أو في مرحلة الاكتشاف داخل منطقة القطب الشمالي.

انّ غازبروم، أكبر شركة طاقة روسية، تتواجد 77% من احتياطاتها في القطب الشمالي، وتحتل المرتبة الأولى في قائمة الشركات بالقطب الشمالي، التي تضم أيضاً العديد من الشركات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والنرويجية، حيث جذبت طموحات روسيّا في القطب الشمالي، اهتماماً متزايداً في الغرب على مدار العقدين الماضيين، حيث أتاح تغير المناخ، فرصاً جديدة في المنطقة، للملاحة واستكشاف ثرواتها.

ومن جانبها، تعتبر روسيّا أنّ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي(الناتو)تتحدى موقفها وطموحاتها هناك، ولقد أصبح خطاب الكرملين حول الزحف الغربي الى هناك أكثر حدة، ونظراً لأن ذوبان الجليد البحري، سيسهل على السفن السفر في المحيط المتجمّد الشمال، فسيؤدي ذلك إلى زيادة عدد السفن الكبيرة التي تعبر المحيط القطبي، بالإضافة إلى أنها ستتيح أيضاً سهولة الوصول إلى قاع البحر، مما يجعل من الأسهل مسح واستخراج الموارد من قاع المحيط.

وللتدليل على ذلك، وبعد رصد معلومات وحوادث حدثت نقول: في عام 2013 م، بدلاً من استخدام طريق قناة بنما التقليدي، قطعت نورديك أوريون، وهي سفينة تجارية، رحلتها من فانكوفر إلى ميناء باري الفنلندي بحوالي 1850 كيلومتراً عن طريق عبور القطب الشمالي، وكذلك: وفي عام 2017 م أيضاً، سافرت ناقلة النفط الروسية كريستوف دي مارجيري من النرويج إلى كوريا الجنوبية دون مساعدة كاسحة الجليد.

كلّ ذلك من شأنه، أن يؤدي ويقود، إلى خلق قضايا أمنية لدول القطب الشمالي، حيث سيتعين عليها تنظيم حركة المرور المتزايدة عبر أراضيها، وقد تتعارض مع بعضها البعض بشأن المطالبات الإقليمية، وخاصة تلك التي تتضمن موارد قيمة، حيث أن الاحتباس الحراري، والتسابق على الموارد، قد يؤديان إلى صراع في القطب الشمالي.

وحالياً تم التعامل مع النزاعات في الشمال بشكل سلمي، لكن تغير المناخ، يمكن أن يغير التوازن على مدى السنوات المقبلة في سباق استغلال الموارد الطبيعية، التي بات أسهل الوصول إليها، بالرغم من أنّ القطب الشمالي، هو قلب روسيا الاقتصادي، حيث المسألة برمتها بالنسبة لروسيا، الدولة ذات الخط الساحلي الأطول في القطب الشمالي، تعتبر منطقة مهمة على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي، وينتج القطب الشمالي الروسي أكثر من 12% من ناتج روسيّا المحلي الإجمالي الوطني وأكثر من 23% من الصادرات، كما أنّه موطن لحوالي 3 مليون روسي، بما في ذلك الشعوب الأصلية في الشمال.

والموارد الطبيعية، التي لها أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد الروسي، تتركز في هذه المنطقة – أرخبيل القطب الشمالي، ولا يوجد بديل لروسيّا، سوى الحفاظ على التنمية المستدامة لأراضي القطب الشمالي، وإنّ أراضي روسيا القطبية، تمثل ما يقرب من ثلث منطقة القطب الشمالي، وأكثر من نصف سكان القطب الشمالي، وما يقرب من نصف ساحل القطب الشمالي بأكمله وما يقرب من 74% من جميع الأنشطة الاقتصادية في خطوط العرض العليا.

الناتو كمنظمة هجومية إرهابية وليست دفاعية، يقول باستمرار وعلى لسان كوادره: إنّ حرب روسيّا ضد أوكرانيا لحظة فاصلة، ورد الناتو في القطب الشمالي: بأنّه أمر طبيعي جديد للأمن الأوروبي وكذلك لأمن القطب الشمالي، ويشيرون هؤلاء النخب الناتوية: أنّ حلف شمال الأطلسي هو بالأساس: (تحالف القطب الشمالي) ضد روسيّا، فالمنطقة ذات أهمية استراتيجية لأمن المنطقة الأوروبية الأطلسية بأكملها، وحيوية لروابط الاتصال بين أمريكا الشمالية وأوروبا، وإنها أيضاً منطقة منافسة استراتيجية متنامية: هكذا يرها الناتو ومن خلفه واشنطن دي سي.

ومنظمة الناتو الهجومية الإرهابية وعبر قرون استشعاراتها الاستخبارية المعولمة كانت تراقب وتشهد زيادة كبيرة في النشاط العسكري الروسي في القطب الشمالي، حيث أعادت روسيّا تأهيل قواعد القطب الشمالي، التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، وتم اختبار العديد من أنظمة الأسلحة الروسية الجديدة، وصار القطب الشمالي موطن الغوّاصات الاستراتيجية الروسية.

وثمة تقدير استخباري تم صياغته كعقيدة جديدة، إزاء ما يجري في منطقة القطب الشمالي، حيث الحشد العسكري الروسي، هو أخطر تحد للاستقرار وأمن حلفاء الناتو في أعالي الشمال، والآن مع توقف التعاون في القطب الشمالي بسبب الحرب في أوكرانيا، يظل مستقبل الجهود المتعددة الأطراف في هذه المنطقة، غير مؤكدة إلى حد كبير، بل إنّ الأوضاع بالقطب الشمالي، قد تكون مرشحة للتدهور.

عنوان قناتي على اليوتيوب البث عبرها أسبوعيا:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

خلوي:- 0795615721  

منزل – عمّان : 5674111

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.